الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا نبي الله علمني شيئاً أنتفع به، قال:"اعزل الأذى عن طريق المسلمين" الأبيّ: عزل الأذى عن الطريق من شعب الإيمان، ويلحق بالشوك كل مؤذ من حجر يعثر به أو جيفة أو قذر أو غير ذلك ويدخل فيه كل من أدخل نفعاً على المسلمين أو أزال عنهم ضرراً لأن ذلك من النصيحة الواجبة للمسلمين بعضهم على بعض التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم -أصحابه على النصح لكل مسلم في حضرته وغيبته فيما يرجع لدينه ودنياه اهـ ومنها إقامته والياً للحسبة ومنها استقضاء القضاة في الأمصار.
قضاؤه
كان رضي الله عنه يتولى القضاء بنفسه وينيب غيره لما هو معروف من أن القضاء في الإِسلام وظيفة من وظائف الإِمام له أن يتولاها بنفسه وأن ينيب بها عند الحاجة غيره؛ وكان تحريه للعدالة في انتخاب القضاة كتحريه في انتخاب الولاة لا يراعي في كليهما إلا الأهلية والاستعداد والتقوى والعدل ويعلم أن إثم الظالم إذا ظلم على موليه، فقد أخرج ابن الجوزي في المناقب عن عبد الملك بن عمير قال: قال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه: من استعمل رجلاً لمودة أو لقرابة لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.
وكما كان يتحرى في انتقاء العمال والقضاة التقوى والعدالة يتحرى العلم والمعرفة والذكاء وكان لا يحب تعجيل الفصل في الخصومة رجاء أن يصطلح الخصمان وتمحى آثار الضغائن من النفوس. ففي كنز العمال عنه رضي الله عنه أنه قال: رددوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل الخصومة يورث الضغائن بين الناس.
كتابه في القضاء إلى أبي موسى الأشعري
اعلم أن الخلافة نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا. فصاحب الشرع يتصرف في الأمرين: أما في الدين فبمقتضى التكاليف الشرعية التي هو مأمور بتبليغها وحمل الناس عليها؛ وأما في سياسة الدنيا فبمقتضى رعايته لمصالحهم في العمران البشرى وهو ضروري للبشر وأن رعايته مصالحه كذلك لئلا يفسد إن أهملت. وتصرفه الديني يختص بخطط ومراتب لا تعرف إلا للخلفاء الإِسلاميين، منها: الصلاة والقضاء والجهاد والحسبة. وأول خليفة دفع القضاء لغيره وفوضه فيه عمر رضي الله عنه فولى أبا الدرداء معه بالمدينة وولى شريحاً بالبصرة وكبت إليه كتاباً تركنا إيراده هنا اختصاراً وولى أبا موسى الأشعري بالكوفة وكتب له الكتاب المشهور الذي تدور عليه أحكام القضاء ونصه:
أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلى إليك، وانفذ إذا تبين لك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، وسوّ بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً، ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس وراجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع عنه إلى الحق فإن الحق قائم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم عند ما يتلجلج في صدرك ما ليس في كتاب ولا سنة اعرف الأمثال والأشباه وقس الأمور عند ذلك ثم اعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى، واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أو بينة أمداً ينتهي إليه فإن أحضر بينته أخذت له بحقه وإلا وجهت عليه القضاء فإن ذلك أنفى للشك وأجلى للعمى وأبلغ للعذر، المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حد أو مجرباً عليه شهادة زور أو ظنيناً في ولاء أو قرابة فإن الله سبحانه قد تولى منكم السرائر ودرأ عنكم بالشبهات، وإياك القلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر ويحسن بها الذخر فإنه مَن يخلص نيته فيما بينه وبين الله تعالى ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس ومَن تزين للناس بما يعلم الله خلافه هتك الله ستره وأبدى فعله. اهـ بعد التحري.
وقد نقل هذا الكتاب غير واحد منهم ابن خلدون والتسولي والبيان والتبيين.
وله رضي الله عنه كتب كثيرة بارعة وخطب عزيزة غزيرة نافعة تركنا ذكرها اختصاراً.
إلى هنا انتهى ما أردت إيراده من أخبار عمر رضي الله عنه. ومنها تعلم كيف كان هذا الرجل العظيم والشهم الهمام الفخيم فيتمثل لك في صورة من النور وجسم من الفضيلة والكمال وعلم من أعلام الرجال الذين تفتخر بحياتهم الأمم ويقتدي بسيرتهم أرباب الهمم، فالجد والصبر والثبات والجلد والقوة والعدل والتقوى والتواضع والرفق والحلم والبصيرة والرأي كلها أخلاق قلّ أن تجتمع في عدد عديد من الرجال وقد اجتمعت في عمر بن الخطاب وكل أخلاقه تكاد تكون فطرية لا يظهر عليها شيء من التصنع والتكلف وأخباره كثيرة لا يمكن استقصاؤها.
وكانت فيه خلال رضي الله عنه جعلت الأمة تحبه فقد عرفوا منه قبل كل شيء أنه فنى في مصلحة أمته لا يهمه في أمر نفسه شيء إلا أن يكون مع الله في جميع أمره لا يرى لنفسه حقاً أن يتمتع في هذه الدنيا بأكثر مما يتمتع به أفقر رجل من