الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفتون منهم من يكون متصدراً لها كتابة ومنهم من يتصدر للأخبار فقط والأحكام جارية في مجاري عزها الشامخ يرتاح لها ويخضع القوي والضعيف والأمير والأمور والخاصة والجمهور وتنفذ على يد قاضي الجماعة. وفي المائة التاسعة ظهرت رتبة المفتي وصارت أرفع درجة من رتبة القاضي وإذا أشكل على القاضي بعث للمفتي يسأله. وكان هؤلاء الملوك يجعلون يوم الخميس لاجتماع القاضي والمفتين بمجالسهم وتنفذ بين أيديهم الأحكام الشرعية في كل أسبوع وكانت لهم عناية تامة واهتمام خاص بجمع الكتب العلمية على اختلاف أنواعها والتغالي في اقتنائها وحفظها في الخزائن بقصورهم للمطالعة وبالمدارس وجامع الزيتونة لنفع العموم بها وتقدمت الإشارة إلى ذلك وأنه كان في خزانة أبي عبد الله المنتصر ستة وثلاثون ألف مجلد وما وقع تحبيسه من أبي فارس وأبي عمرو وأبي عبد الله فليراجع في محاله وفي الرزنامة التونسية أن جامع الزيتونة كان مستبحراً بالعلوم على اختلاف أنواعها عقلية ونقلية مقاصد ووسائل حتى كان يقال إن حذاء كل سارية من سواريه مدرساً وفي خزائنه ما يزيد على المائتي ألف مجلد وأبو فارس عبد العزيز حبس وحده ما يزيد على الثلاثين ألف مجلد ووضعها في خزائن زين بها جامع الزيتونة حبسها على العلماء والمتعلمين وحبس عليها ما تحتاج إليه للإصلاح وعلى المناول والمتعهد لها أرضين وزياتين ونوه المؤرخون بشأنها. ثم تلاه السلطان أبو عمر وعثمان فجمع خزائن أخرى تقارب خزائن أبي فارس وبنى لها مقصورة متسعة وملأها بالخزائن وملأ الخزائن كتباً وحتى الآن تعرف بمقصورة الكتب وفي هذا الزمان يخزن بها الزيت وتلاهما السلطان أبو عبد الله محمَّد بن الحسن فبنى مقصورة متسعة وهي المعروفة بالعبدلية وملأها بالخزائن وملأ الخزائن كتباً وجعل نظرها لإمام الجامع ثم على عهد آخر ملوكهم ألقيت تلك الكتب بالطرقات فداستها أقدام الرجال وحوافر الخيل والبغال وذهبت شذر مذب وبقيت المدارس والمساجد خالية من كتب العلم وضعف العلم بذهاب رجاله وضعفت الدولة باستيلاء الطاغية. وانتهى الخبر عن هؤلاء باستيلاء العساكر التركية. وسنقص عليك خبرهم إن شاء الله.
تنبيه:
من أعيان العلماء المعاصرين لهؤلاء الأمراء محمَّد خروف ومحمد الأندلسي وأحمد العيسي.
الطبقة الحادية والعشرون
تقدم أن الدولة العثمانية احتلت إفريقية سنة 981 هـ ومن الواجب ذكر رجال هاته الدولة وما آل إليه حال إفريقية بعد تلك النوائب والكوارث ليكون المطالع
على بصيرة من ذلك فنقول: اعلم أن بهذا الفتح رفع الله عن أهالي هذا الوطن النوائب والمصائب والإحن ولسان حالهم يقول: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وذلك أنه لما مهد الوزير سنان الراحة وقطع دابر البغاة والمثيرين للفتن وعزم على الرجوع لدار الخلافة هو وأركان حربه وأمراء أجناده رتب عسكراً لحراسة البلاد وتأمينها وجعل على كل مائة أميراً يسمى الداي ومعناه بالعربية خال كناية عن تعظيم المنادى ورتب أمير لواء لضبط الوطن وجباية المال يسمى الباي ومعناه بالعربية العامل وعين لذلك رمضان باي وجعل النظر في العسكر إلى الآغا ومعناه السيد والنظر العام لحيدر باشا وخطب باسم السلطان سليم ابن السلطان سليمان وضرب السكة باسمه وسافر بعد ذلك لدار الخلافة واستمر الحال على ذلك إلى أن ثار الجند على كبار الديوان سنة 999 هـ وطلبوا إقامة داي للنظر في حال عموم العسكر وقدموا أحد أبطالهم إبراهيم رودسلي (آغا) في تلك الخطة نحو الخمس حجج ولم يستقم له أمر وسافر للحج وتولى بعده موسى فمكث سنة وسافر للحج ثم تولى داياً عثمان داي وخرج لتمهيد النواحي وجباية المال ورتب قوانين الرعايا في دفتر سموه بالميزان وباشر الأمور بنفسه وكانت فيه شهامة وسياسة وشجاعة واتخذ الأساطيل وصار في منعة من العدو وله آثار حميدة وكان على عهده طاعون جارف وعلى عهده في سنة 1017 أهـ والسنة بعدها قدمت الأمم الجالية من الأندلس فأوسع لهم العطاء وأباح لهم السكنى بالحاضرة وبلدان المملكة وبناء القرى في أراض استعمروها فبنوا أكثر من عشرين قرية واغتبط بهم أهل الحاضرة وتعلموا حرفهم وقلدوا ترفهم ولم يزل هذا الداي عزيزاً مطاعاً إلى أن توفي سنة 1019هـ ودفن بجوار الشيخ أحمد بن عروس وفي خلال مدته ارتفع صيت رمضان باي المذكور وعظمت كفاءته في قمع الثوار وتمهيد الجهات وجباية الأموال واستخلف جماعة على الأعمال وسماهم بيات جمع باي منهم رمضان هذا وحسين باي ومراد باي جد بني مراد الآتي ذكرهم ولما توفي تولى عوضه دايا صهره يوسف وهو مشهور بالفضل والسؤدد وله آثار كثيرة شاهدة بذلك منها جامعه المعروف بجامع سيدي يوسف بسوق الترك ولم يزل حميد الحال حسن السيرة إلى أن توفي سنة 1047 هـ عن سن عالية ودفن بجامعه المذكور ورمضان باي المذكور توفي سنة 1022هـ وتولى مكانه مراد باي المذكور وكان ذا صرامة وكفاءة ثم سمت همته لرتبة الباشا فراسل في ذلك الدولة العلية فأسعفته وأتاه التقليد ونزل لابنه حمودة عن سفر الإمحال سنة 1041 هـ وتوفي في هذه السنة ودفن بتربة جوار الشيخ أحمد بن عروس.