المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر على نحو ما جاء به - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية - جـ ٢

[مخلوف، محمد بن محمد]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌فائدة

- ‌الطبقة الأولىمنحصرة فيمن أنزل عليه القرآن وجاء بالشريعة المطهرة صلى الله عليه وسلم وكرم وعظم

- ‌صلة بها أن القرآن هو الحكمة البالغة والحجة الكاملة مع الإبانة عن فضل المعنى الذي به باين سائر الكلام

- ‌درة

- ‌جوهرة

- ‌فريدة

- ‌خلاصة في العلوم التي تفرعت من القرآن أو نشأت لخدمته

- ‌القراءات السبع

- ‌النحو

- ‌التفسير وعلم الأدب

- ‌الحديث

- ‌الفقه

- ‌السير والتاريخ

- ‌الجغرافيا

- ‌الخطابة

- ‌الشعر

- ‌فصل أذكر فيه الوازع والحرية

- ‌البشارة بالسعادة والنذارة بالشقاوة

- ‌خلاصة فيما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عندما أعلن بالرسالة وما حصل لمن آمن به

- ‌خطبته عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع

- ‌ذكر مرضه ووفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الحالة الاجتماعية على عهده صلى الله عليه وسلم

- ‌الطبقة الثانية طبقة الصحابة رضي الله عنهم

- ‌فصل في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ونبذة من فضائله

- ‌خطبة أبي بكر رضي الله عنه

- ‌الكلام على جيش أسامة رضي الله عنه

- ‌فصل الكلام على أهل الردة وقتالهم

- ‌فصل

- ‌أولياته

- ‌خطبة علي في تأبين أبي بكر رضي الله عنهما

- ‌تنبيه:

- ‌الحالة الاجتماعية على عهد أبي بكر

- ‌خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه ونبذة من سيرته

- ‌فتوح الشام

- ‌تنبيه:

- ‌جغرافية سوريا

- ‌انتداب عمر رضي الله عنه لفتح العراق وفارس

- ‌رجوع إلى خبر الهرمزان

- ‌فتح الجزيرة

- ‌فتح مصر وبرقة

- ‌تنبيه:

- ‌أولياته - فمنها كتابة التاريخ الهجري

- ‌ومنها: تدوين الدواوين وفرض العطاء

- ‌قضاؤه

- ‌كتابه في القضاء إلى أبي موسى الأشعري

- ‌وفاته رضي الله عنه

- ‌وصيته لمن يخلفه

- ‌الحالة الاجتماعية على عهده

- ‌فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌الحالة الاجتماعية على عهده

- ‌فضائل علي القرشي الهاشمي رضي الله عنه

- ‌الكلام على الفتنة

- ‌خلاصة فيما عليه أهل السنة في هاته الفتنة

- ‌فضائل الستة بقية العشرة المبشَّرين بالجنة

- ‌سيدنا أبو عبيدة (رضي الله عنه

- ‌سيدنا عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه

- ‌سيدنا طلحة (رضي الله عنه

- ‌سيدنا الزبير (رضي الله عنه

- ‌سيدنا سعيد بن زيد (رضي الله عنه

- ‌سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌ذكر بعض السادات من أعيان الصحابة وفضلائهم

- ‌سيدنا حمزة رضي الله عنه

- ‌أخوه سيدنا العباس رضي الله عنه

- ‌سيدنا جعفر رضي الله عنه

- ‌سيدنا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌سيدنا عبد الله بن رواحة رضي الله عنه

- ‌سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌سيدنا خالد بن سعيد رضي الله عنه

- ‌سيدنا سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما

- ‌سيدنا معاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه

- ‌سيدنا يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه

- ‌سيدنا أبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌تنبيه

- ‌سيدنا عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه

- ‌سيدنا أبو ذر رضي الله عنه

- ‌سيدنا المقداد بن الأسود رضي الله عنه

- ‌سيدنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه

- ‌سيدنا أبو الدرداء رضي الله عنه

- ‌سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما

- ‌سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه

- ‌سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنه

- ‌سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه

- ‌سيدنا سعيد بن العاص رضي الله عنه

- ‌سيدنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه

- ‌سيدنا الحسن وسيدنا الحسين ابنا سيدنا علي رضي الله عنهم

- ‌سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنهما

- ‌سيدنا عبد الله بن سعد رضي الله عنه

- ‌سيدنا معاوية رضي الله عنه

- ‌سيدنا مسلمة بن مخلد رضي الله عنه

- ‌سيدنا مروان بن الحكم رضي الله عنه

- ‌سيدنا عبد الله بن العباس رضي الله عنه

- ‌سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما

- ‌سيدنا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما

- ‌سيدنا عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما

- ‌خلاصة

- ‌الفتوحات الغربية على يد الصحابة

- ‌صلة

- ‌جغرافية المغرب أي إفريقية الشمالية الغربية

- ‌الكلام على قرطاجنة

- ‌الأطوار الأربعة:

- ‌الطور الأول:

- ‌الطور الثاني:

- ‌الطور الثالث:

- ‌الطور الرابع:

- ‌فصل

- ‌الطبقة الثالثة طبقة التابعين رضي الله عنهم

- ‌خلاصة فيما حصل مدة الدولة الأموية

- ‌الطبقة الرابعة

- ‌فصل

- ‌صلة

- ‌فريدة أذكر فيها نبذة من حضارة بغداد في عهد المنصور والرشيد وابنه المأمون

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الخامسة

- ‌صلة

- ‌الطبقة السادسة

- ‌الطبقة السابعة

- ‌الطبقة الثامنة

- ‌فصل

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة التاسعة

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة العاشرة

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الحادية عشر

- ‌ولاية ابنه أبي الحسن علي بن يحيى:

- ‌ولاية ابنه الحسن:

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الثانية عشر

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الثالثة عشر

- ‌فصل

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقه الرابعة عشر

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الخامسة عشر

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة السادسة عشر

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة السابعة عشر

- ‌الطبقة الثامنة عشر

- ‌فصل

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة التاسعة عشر

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة العشرون

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الحادية والعشرون

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الثانية والعشرون

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الثالثة والعشرون

- ‌تنبيه:

- ‌رجوع وانعطاف

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الرابعة والعشرون

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الخامسة والعشرون

- ‌تنبيهات

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة السادسة والعشرون

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة السابعة والعشرون

- ‌تنبيه:

- ‌خلاصة بها الأدوار التي حصلت لدول إفريقية

- ‌فائدة

- ‌صلة

- ‌تنبيه:

- ‌الجغرافية

- ‌التعريف بالقطر التونسي

- ‌جغرافية إيالة تونس

- ‌جبالها

- ‌أنهارها وبحيراتها

- ‌حيواناتها:

- ‌زراعتها:

- ‌صناعتها:

- ‌معارفها ولغتها وديانتها

- ‌الحكومة

- ‌تاريخ إيالة تونس

- ‌الخاتمة

- ‌فصلفيما يتعلق بالقصر

- ‌عود إلى الكلام على القصر الكبير:

- ‌ذكر من بالمقبرة من الفضلاء

- ‌عود إلى الكلام على قصر السيدة:

- ‌استدراك

- ‌تنبيه:

- ‌ما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ما جاء في الرؤيا

- ‌حديث نبع الماء من تحت أصابعه

- ‌الترغيب في الصوفة

- ‌ما جاء في المهاجرة

- ‌السنّة في الشراب ومُناولته عن اليمين

- ‌ما جاء في النهي عن تأخير صلاة العصر

- ‌ما جاء في الوليمة

- ‌ما جاء في الحجامة وإجارة الحجام

- ‌ما جاء في الغزو

- ‌قطع التلبية

- ‌ما جاء في تحريم المدينة

- ‌ما جاء في وباء المدينة

- ‌ما جاء في سفر النساء

- ‌في جامع ما جاء في الطعام والشراب

- ‌ما جاء في سكنى المدينة والخروج منها

- ‌في جامع ما جاء في الطعام والشراب

- ‌في جامع ما جاء في تعجيل الفطر

- ‌ما يتقى من الشؤم

- ‌ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر

- ‌قدر السحور من النداء

- ‌مكيلة زكاة الفطر

- ‌ما جاء في القرآن

- ‌النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها

- ‌فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ

- ‌غسل يوم الجمعة

- ‌الصلاة في البيت

- ‌مواقيت الإهلال

- ‌من جامع الإيمان

- ‌ما جاء في التعفف عن المسألة

- ‌في جامع الجنائز

- ‌تحريم الخمر

- ‌ما جاء في الخيل والمسابقة بينها

- ‌ما جاء في الكلاب

- ‌ما جاء في قتل الحيات

- ‌بيع الذهب بالورق تبراً وعيناً

- ‌ما يكره من الكلام بغير ذكر الله

- ‌ما جاء في إسبال الرجل ثوبه

- ‌ما جاء في الطعام والشراب

- ‌التقاريظ

- ‌مص‌‌ادر ومراجع

- ‌ا

- ‌ت

- ‌ ب

- ‌ح

- ‌ج

- ‌ ث

- ‌ د

- ‌خ

- ‌ذ

- ‌ ر

- ‌س

- ‌ ز

- ‌ط

- ‌ ش

- ‌ ص

- ‌ ع

- ‌ف

- ‌ل

- ‌م

- ‌ك

- ‌ق

- ‌ن

- ‌ه

- ‌ و

الفصل: أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر على نحو ما جاء به

أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر على نحو ما جاء به الشرع العزيز، ولذا كان الملوك يلاقون من شدة العلماء عليهم ما يتجرعون مرارته كسحنون وسعدون الخولاني وربيع القطان وأبي محفوظ محرز بن خلف. وسترى قريباً الخبر عن القيروان بما فيه عبرة لذوي الفضل والشأن.

‌فصل

قد علمت مما تقدم أن الأندلس استوى عليه عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ويقال له عبد الرحمن الداخل وصار وراثة في بنيه وبقي الكلام على ما آل إليه أمرهم فنقول: إن في أيامهم استفحلت الأندلس واستبحرت بالعلوم والمعارف والصنائع مع عمران باهر وحضارة وتمدن زاهر.

في خلاصة تاريخ العرب: نصح عبد الرحمن المذكور ولده الحكم قبل وفاته بقوله: يا بنيّ، إن الممالك ملك الله وهو يؤتيها من يشاء وينزعها ممن يشاء كما يختار وحيث إنه قد أجلسنا على سرير سلطنة إسبانيا فلنشكره جزيل الشكر الأبدي ولنصنع الخير بخلقه لنكون عاملين طبق أوامره المقدسة، فإن الله تعالى لم يجعل فينا الشوكة العظمى إلا لنفعل لخير بعباده، فلنجعل عدلك مستقيماً بين الغني والفقير، وعامل جنودك برفق وبر وأمرهم بالحماية على البلاد وانههم عن الظلم والجور بين العباد. وحامِ عن الفلاحين الذين نقتات من نتائج أشغالهم واستلفت نظرك نحو مزارعهم ومحصولاتهم حتى تكون الرعية سعيدة الحال في ظل سلطانك ولتتمتع الرعية في الأمن بخيرات الحياة ونعيمها. انتهى.

ثم قال ما ملخصه: من ملوك الأموية عبد الرحمن الثالث أدخل في السياسة علوم بغداد واجتهد في تقديم العلوم والفنون، وجمّل قرطبة ومدائن الأندلس بالمباني الفاخرة، وبنى قرب قرطبة لجاريته زهراء قصراً وصفته التواريخ العربية بما لا يتصوره الذهن، وكان عصره أزهر عصر خلفاء الأموية، وبالجملة كان حائزاً للنصر الحربي والعلم الفائق والمال الوافر والزينة وجميع أسباب الاشتهار الدنيوي، ولما مات وجد في بعض أوراقه ما نصه: إنه قد مضت مدة خمسين سنة منذ توليت الخلافة وتمتعت بعلو الشأن وكثير من خزائن الأموال والملاذ والحظوظ حتى أنفذت كل ما ظفرت به منها، وإن لملوك المقارنين لي في عصري يعتبرونني ويخشونني ويغبطونني وجميع ما تشتهيه الرجال قد أنعم الله به على مَن فضله وقد أحصيت مدة خلافتي التي ظننتني فيها سعيداً فرأيتها أربعة عشر يوماً فيا أيها الناس قدروا بعقولكم

ص: 144

ما قيمة عظمة الملك عند الملوك والدنيا والحياة انتهى. قلت: عبد الرحمن هذا هو عبد الرحمن الناصر بن محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الرحمن الأوسط بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ولي الملك سنة 300 هـ وتوفي سنة 356 هـ واتسع الملك بالأندلس في مدته ومن اتساعه أنه بني تجاه قرطبة مدينة سماها الزهراء لسكناه هي من عجائب الدنيا دالة على قدر بانيها وأنفق فيها من الأموال خمسة وسبعين مائة ألف دينار وكان عدد الفتيان بالزهراء ثلاثة عشر ألف فتى وسبعمائة وخمسين فتى لهم من اللحم كل يوم ثلاثة عشر ألف رطل غير أنواع الطير والحوت، وعدد النساء بالقصر ستة آلاف وسبعمائة وثمانون والمرتب على الخبز لحيتان بحيرة الزهراء اثنا عشر ألف خبزة وأما أوصاف هاته المدينة فإنها طويلة. وما أغرب ما يحكى عن الناصر أنه أراد القصد يوماً فقعد في البهو الكبير واستدعى الطبيب لذلك فأخذ الطبيب الآلة وجس يد الناصر فبينما هو كذلك إذ أطل زرزور فصعد على إناء من ذهب وأنشد ذلك الزرزور:

أيها الفاصد رفقاً بأمير المؤمنين

إنما تفصد عرقاً فيه محيا العالمين

وجعل يكرر ذلك المرة بعد المرة فاستظرف الناصر ذلك وسرّ به غاية السرور ووهب لمعلم الزرزور ثلاثين ألف دينار. ولما أتم بناء الزهراء وبها قبة لجلوسه مزخرفة صنع طعاماً دعا إليه العلماء وجلس في تلك القبة فلما حضر العلماء ومعهم القاضي منذر بن سعيد البلوطي فلما رأى تلك القبة أنكر عليه ذلك الصنيع فأثر عليه إنكاره فقال له جزاك الله يا قاضي عنا وعن نفسك خيراً وعن الدين والمسلمين أجل جزائه وكثر في الناس أمثالك. وأمر بنقض سقف القبة الذي طلوه بالذهب وأعادها على صفة ليس بها ما ينكر عليه فيه. ومن أخباره أنه أغضب جاريته طروف فهجرته وكان يحبها، فأرسل إليها يترضاها فأبت وأغلقت باب مجلسها فأمرهم بسد الباب عليها من خارجه ففعلوا وبنوا عليها بالبدر. فأقبل حتى وقف بالباب وكلمها مسترضياً راغباً في المراجعة على أن لها جميع ما سد به الباب من البدر فأجابت وفتحت الباب فانهالت البدر ببيتها فأكبت على رجله تقبلها وحازت المال وكانت تبرم الأمور فلا يرد شيئاً تبرمه، وكانت له غزوات كثيرة شهيرة. وقد ذكر أبو العباس أحمد بن عبد ربه في العقد الفريد اثنين وعشرين غزوة من غزواته ونظم كل غزوة منها في منظومة من الرجز، وكان معاصراً له وبذلك طار صيته وانتشر ذكره وأطاعته بنو إدريس أمراء العدوة وملوك زناتة والبربر حتى صار ملكه غاية في الضخامة وعلو الشأن. ولما توفي بويع لابنه الحكم المستنصر بالله فقام بأعباء الملك خير قيام

ص: 145

وكان عالماً نبيلاً أقام للعلم والعلماء سوقاً نافقاً واجتمع عنده من خزائن الكتب ما لم يجمعه أحد من الملوك قبله. في غرائب الغرب لأبي عبد الله محمَّد كرد علي: كان للأندلسيين غرام بتسبيل الكتب على المطالعة ولهم خزائن كتب عامة وخاصة وكانت قرطبة أكثر بلاد الأندلس كتباً وأهلها أشد الناس اعتناء بخزائن الكتب صار ذلك عندهم من آلات التعين والرياسة فلا يكاد يخلو دار من خزانة فيها كتب قيِّمة وقد أنشأ الحكم الثاني عدة مكاتب للمطالعين فكان يرسل وكلاءه إلى المشرق يستنسخون الأسفار فما هو إلا أن يؤلف المؤلف تصنيفه حتى تستنسخ منه نسخ أو نسخة لتحمل إلى خليفة الأندلس ولا يفوت بلاده شيء من حركة العقول، وكانت دار كتبه تحتوي على أربعمائة ألف مجلد جاء فهرسها في أربعة وأربعين مجلداً ولطالما أجزل ملوك الأندلس الصلات لبعض مؤلفي الشرق والأندلس حتى يذكروا في مقدمتها أنهم ألفوها برسم خزائنهم، ومن المؤلفين مَن كانوا يرضون بذلك ومنهم مَن لا يرضون به يقصدون أن يكون لمن يستفيد منه. وكان للعلماء والمؤرخين والشعراء والأدباء في الأندلس مجامع عالمية وأدبية أشبه بالمجامع أو الأكاديميات في هذا العصر وذلك لنشر العلم والمعارف ومفاوضة الحكمة بينهم فنتج من اجتماعهم فوائد مهمة للعلم والمدينة وكان المظفر بن الأفطس صاحب بطليوس من أعلم الملوك بالأدب وله التصنيف المترجم بالتذكرة والمشتهر بالكتاب المظفري في خمسين مجلداً في الفنون والعلوم واستأدب لبنيه أبا عبد الله بن يونس وكان يحضره وأبا الحزم بن عليم وأمثالهما للمذاكرة والمباحثة فيفيد ويستفيد وكان لأبي عامر أمير الأندلس في دولة هشام المؤيد مجلس معروف في الأسبوع يجتمع فيه أهل العلوم للكلام فيها بحضرته وقد أنشأ الحكم مجمعاً وقلّده غيره من أمراء الأندلس فأنشأوا مجامع لهم وأنشأ أحمد بن سعيد النصري مجمعاً في طليطلة فكان يجتمع عنده أربعون عالماً من طليطلة وما جاورها ثلاثة أشهر في السنة، يعقدون اجتماعاتهم في ردهة فرشت أحسن فرش يبدؤون عملهم بقراءة آيات من الكتاب العزيز ثم يتذاكرون في تفسير ما قرأوا ويأخذ بهم الاستطراد إلى البحث في فنون شتى في العلم والحكمة اهـ.

وقال ابن حزم: عدد الفهرسات التي فيها أسماء بعض الكتب أربع وأربعون فهرسة كل فهرسة ست وعشرون ورقة ليس فيها إلا أسماء الدواوين وأما غير الدواوين من سائر فنون العلوم فشيء كثير قيل إن كتبه كانت أربعمائة ألف مجلد قلما يوجد كتاب منها إلا وله فيه قراءة ونظم ومكتوب على هوامشه خطه. ولما ألف أبو الفرج الأصبهاني كتابه الأغاني بعث للحكم نسخة فاجازه بألف دينار وقد

ص: 146

تقدّم في ترجمة المعيطي وابن المكوي أن الحكم هذا كلفهما بتأليف الاستيعاب فألفاه وأجازهما على ذلك جائزة سنية وكانت مدة ولايته ستة عشر سنة وبويع لابنه هشام المؤيد وعمره تسع سنين واستوزر محمَّد بن أبي عامر الملقب بالمنصور المعافري ومعافر بطن من حمير وباشر هذا الوزير تدبير الملك بنفسه وكان ذا عقل ورأي وشجاعة وكرم وبصيرة بالحروب ودين متين وكان عالماً متفنناً وله غير ذلك من الصفات الحميدة وسيرته مشهورة في التواريخ ومفردة بالتأليف واستمر على سيرته سبعاً وعشرين سنة وذكر في نفح الطيب كثيراً من غزواته وأخباره في الكرم والعفو والحلم وحسن الخلق ثم قال: وأخبار المنصور تشمل مجلدات، وتوفي في صفر سنة 392 هـ فقام بأمر الوزارة بعده ابناه فأولاً عبد الملك فجرى على سنن أبيه في السياسة والغزو وكانت أيامه أعياداً دامت سبع سنين ثم قام بالأمر بعده الابن الآخر عبد الرحمن وجرى على سنن أبيه وأخيه في الحجر على الخليفة هشام والاستبداد عليه ثم طلب من هشام أن يجعله ولي عهده فأجابه لذلك لتغلبه عليه وأحضر لذلك أرباب الشورى وأهل الحل والعقد وكتب عهده بذلك ثم سعى كثير من الأمويين وغيرهم في نقضه وأثاروا لذلك فتنة إلى أن قتلوا عبد الرحمن المذكور سنة 399 هـ ثم خلعوا الخليفة هشاماً وبايعوا غيره ثم أعيد هشام ثم فقد سنة 403 هـ وثارت بسبب ذلك فتن كثيرة يطول ذكرها آل الأمر فيها إلى زوال ملكهم وافتراق كلمتهم وكل يوم يخلعون خليفة ويبايعون آخر إلى أن انقضت الدولة الأموية من الأرض سنة 428 هـ وانتثر سلك الخلافة بالمغرب وقام الطوائف بعد انقراض الخلائف متغلبين في كل ناحية ملك مستقل وتغلب بعضهم على بعض ولا حاجة بنا إلى ذكر أسمائهم ومن أشهرهم بنو عباد ملوك إشبيلية الذين منهم المعتمد بن عباد وعند ذلك استفحل أمر النصارى بالأندلس وجرت بعد ذلك أمور ستقف على بعضها إن شاء الله وهي مبسوطة في نفح الطيب وغيره. قال ولي الدين بن خلدون: إن دولة بني أمية بالأندلس لما فسدت عصبيتها من العرب استولى ملوك الطوائف على أمورها واقتسموا خطتها وتنافسوا وتوزعوا ممالك الدولة كل واحد منهم على مكان في ولايته وشمخ بأنفه وبلغهم شأن ملك العجم من الدولة العباسية فتلقبوا بألقاب الملك ولبسوا شارته لاستيلاء الترف عليهم ولذلك يشير ابن رشيق في قوله:

مما يزهدني في أرض أندلس

أسماء معتصم فيها ومعتضد

ألقاب سلطنة في غير مملكة

كالهر يحكي انتفاخاً صورة الأسد

ص: 147