الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وسلم
الخاتمة
الكلام على المنستير الذي فضله شهير وقدره خطير ومحله في النفوس أثير وهو مسقط رأس العبد الفقير ومنبت غرسه ومجمع أهله وأنسه ومحل استقرار الأخيار كابن يونس والمازري وابن العطار نوه المؤرخون وغيرهم بشأنه وبالخصوص التواريخ المختصة بالمملكة التونسية ووقفت على بعضها وسنقص ما اقتطفته منها. في الشفا عند ذكر ما يتعلق بمكة المشرفة ما نصه: حكي أن قوماً أتوا سعدون الخولاني بالمنستير وأعلموه أن كتامة قتلوا رجلاً وأضرموا عليه النار طول الليل فلم تعمل فيه وبقي أبيض البدن فقال: لعله حج ثلاث حج حرم الله شعره بالثلاث حجج قالوا نعم قال حدثت أن من حج حجة أدى فرضه ومن حج ثانية داين ربه ومن حج ثلاث حجج حرم الله شعره وجسده على النار. انتهى.
قال الشهاب الخفاجي قوله المنستير بميم ونون وسين مهملة ومثناة فوقية وراء مهملة وهو لفظ رومي معناه عندهم خانقاه للرهبان على الطريق ينزل فيه أبناء السبيل والذي سمعناه منهم بفتح الميم وألف مع سكون السين وكسر التاء الفوقية وياء تحتية وقد يخفف بحدق الألف والياء وهو مما لاشبهة فيه عندهم فقوله في القاموس منستير بضم الميم وفتح النون موضع بإفريقية معبد الزهاد والمنقطعين وبلد آخر بإفريقية أهله من قريش بينه وبين القيروان ست مراحل وموضع بشرق الأندلس. انتهى.
مخالف لما صح سماعاً فإن ظنه عربياً فهو خطأ وإن قال عُرّب وغُير كان عليه أن ينبه عليه. وقال التلمساني إنه بضم الميم والنون ويجوز كسر نونه والعامة تفتحها وعليه اقتصر الشمني وهي بلدة بساحل البحر أو حصن رباط بإفريقية له سور بناه هرثمة بن أعين بعثه الرشيد لإفريقية سنة 179هـ. انتهى شهاب. وقال ابن خلكان
عند ترجمة الحافظ النظار أبي القاسم هبة الله بن علي بن مسعود بن ثابت الخزرجي المنستيري المعروف بالبوصيري المتوفى سنة 568 هـ ما نصه: منستير بضم الميم وسكون السين وكسر التاء بلدة بإفريقية بناها هرثمة بن أعين الهاشمي سنة 180هـ وكان الرشيد ولاه إفريقية وقدم إليها في ربيع الآخر سنة 179هـ. وقال أيضاً المنستير معبد بين المهدية وسوسة يأوي إليه الصالحون والمنقطعون للعبادة، فيه قصور شبهة بالخانقاهات وعلى تلك القصور سور واحد ذكره ياقوت في كتابه. انتهى.
قلت: ما حققه الشهاب من أن لفظ منستير رومي هو الصواب يؤيده أن بالقرب من القصر شرقيه جزيرة منحوت بها بيوت كانت قبل الفتح الإسلامي مقر الرهبان والمنقطعين للعبادة فيه وبالقرب منه بالقراعية داموس منحوت في جبل على شاطئ البحر يعرف الآن بالكحلية كان أيضاً مقراً للرهبان وقيل كان مقراً في المصيف لبعض أمراء الرومان.
أول مَن ألّف في فضيلة المنستير الشيخ الإمام أبو زكرياء يحيى بن عمر المترجَم في الطبقة السادسة ومن تلامذته العالم المؤرخ أبو العرب محمد بن تميم المترجم له في الطبقة السابعة من تآليفه طبقات علماء إفريقية تعرض فيه لفضيلة المنستير وذكر أحاديث وإليك بعضها:
قال: قال فرات بن محمد العبدي: حدثني أبو زكرياء الخراز بن سليمان قال: سمعت البهلول بن راشد يقول: إن هرثمة بن أعين استشاره في بناء المنستير وعدّد له هرثمة ما بناه في أرمينية وفي غير موضع فقال له البهلول: ما ذكرت شيئاً إلا والمنستير أفضل منه وذلك أنه بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه باب من أبواب الجنة. وحدثني فرات قال: حدثني أبو الشيخ المفسر عن عبد الرحمن بن زياد عن مطرف عن عبد الله رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المنستير باب من أبواب الجنة يقال له الأنف ودونه قنطرة من قناطر الأولين" وحدثني فرات قال: حدثني خلف بن محمد القابسي قال: حدثنا بهلول بن راشد قال: حدثنا عباد بن كثير عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بساحل قمونية باب من أبواب الجنة يقال له المنستير من دخله فبرحمة الله ومن خرج عنه فبعفو الله". وحدثني فرات قال: حدثنا عبد الله بن أبي حسان اليحصبي عن أبيه عن سفيان بن عيينة عن عبد الله بن دينار عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن رابط بالمنستير ثلاثة أيام وجبت له الجنة" قال أنس: بخ بخ يا رسول الله قال: "نعم يا أنس وله في هذه الثلاثة أيام كأجر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين".
قلت: فهاته الأحاديث كما ترى مروية عن فرات وقد أثبت في ترجمته المذكورة في الطبقة السادسة أنه كان أعلم الناس بالناس وأوقع الناس بالناس حتى نسب للكذب. وهاته الأحاديث ذكرها ابن الشباط والتجاني في رحلته وذكرها ابن ناجي وقال: سمعت من شيخنا البرزلي يقول عن شيخه وشيخنا ابن عرفة يغلب على الظن أنها موضوعة.
قلت: وإذا ثبت أنها موضوعة فالمظنون أن واضعها قصد بها الترغيب في المرابطة لما يترتب عليها من مصلحتي الدنيا والآخرة أما في الدنيا فإن فالمراد منها ملازمة النظر في موضع المخافة من العدو وفي الآخرة حصول الثواب الموجب لدخول الجنة. أخرج الشيخان عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها" وأخرج ابن ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن مات مرابطاً في سبيل الله تعالى أجري عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله آمناً من الفزع" والرباط والمرابطة أن يربط هؤلاء خيولهم وهؤلاء خيولهم بحيث يكون ملازمة النظر في موضع المخافة من العدو. وأصل المرابطة أن يربط هؤلاء خيولهم وهؤلاء خيولهم بحيث يكون الفريقان مستعدين لإنزال فيحارب كل منهما الآخر ثم أطلق على كل مقيم بثغر يدفع عمن وراءه مرابطاً وإن لم يكن له ما يربط من الخيل. وقوله بخ بخ كلمة تقال عند المدح للشيء والرضى به وتكرر للتأكيد وهي إما مبنية على السكون للوقف وإما للوصل فتكسر وتنون وقد تشدد. والقنطرة لم يزل أثرها قائماً وبالقرب منها من الجهة الجوفية أثر بلدة رومانية بعضها غمره البحر والباقي هو بساتين متابعة للمنستير تعرف بالقديمة هواؤها نقي وحكى بعض المؤرخين أنه كان هناك قصر يعرف بشقانص لا أثر له الآن.
وزبدة القول إن للمنستير الشرف العظيم وقد صرح بذلك غير واحد من المؤرخين قالوا لا شك أن للمنستير فضلاً وشأناً. وفي الحلل السندسية والبيان المغرب في أخبار المغرب لابن عذاري الإشارة لذلك وفي رحلة الشيخ الورتيلاتي أنه دخل سوسة ولم يدخل المنستير وهي مدينة عظيمة قوية البركة عظيمة في الزيارة لاحتوائها على طبقة من العلماء وأهل الترجيح من المؤلفين كالإمامين ابن يونس والمازري وغيرهما فإن الوفود تأتي إليها من كل جانب. انتهى وقد ذكرها جماعة من الأدباء منهم أبو عمرو عثمان بن عتيق المعروف بابن عريبة المترجم له في الطبقة الرابعة عشر ذكرها متشوقاً في قصيدة مدح فيها الأمير أبا زكرياء الحفصي منها: