الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدّنا محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن اهتدى بهديهم من العلماء والعاملين.
وبعد:
فإنّ الجهاد في سبيل الله بشتّى أنواعه ووسائله، ذروة سنام الإسلام، وناشر لوائه، وحامي حماه، بل لا قيام لهذا الدين في الأرض بدون الجهاد في سبيل الله، فهو من خصائص هذا الدين وأركانه، ومن أحبّ الأعمال تقرباً إلى الله تبارك وتعالى.
قال عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَؤ كَرِة الْمُشْرِكُونَ} 1.
وقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} 2.
وقال صلى الله عليه وسلم: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِةادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» 3.
وقال الإمام التُّسولي: (الدين كجسم، والجهاد منه بمنزلة الرأسِ في الأجساد)4.
فالمجاهدون في سبيل الله هم صفوة الخلق، وسادتهم، والناصحون لهم،
1 - سورة التوبة / آية: 33، وسورة الصف / آية:9.
2 -
سورة الأنفال / آية: 39.
3 -
أخرجه أحمد في "مسنده ": 5/ 231، عن معاذ بن جبل.
4 -
أنظر القسم التحقيقي: 361.
باعوا نفوسهم وأموالهم لله، ورغبوا في عاجل لقاه، لينالوا الحياة الآجلة الأبدية التي لا يصطفي الله لها من خلقه إلاّ خيارهم الذين يتّخذهم شهداء.
والشهادة في سبيل الله هي التجارة الرابحة التي تتضاءل أمامها كل أنواع التجارات، قال تعالى-:{يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا ةلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَفيرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِةا الْأَنْةارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَؤزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَةا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} 1.
ولقد علم السلف الصالح منزلة الجهاد في سبيل الله، فجاهدوا في سبيله طمعاً في الوصول إلى أعلى المراتب عنده، حتى كان أحدهم يرمي التمرات من يده مسرعاً إلى الله بنفسه. فأنالهم الله من النصر والعزّ والتمكين ما سادوا به العالم، فما بقي في أغلب الأرض إلاّ مسلم أو خاضع لحكم الإسلام.
ولكن الخلف أخذ يبتعد عن دين الله، ويفرط في الدعوة إلى الله شيئاً فشيئاً، ويقعد عن الجهاد في سبيل الله قليلاً قليلاً حتى أضاع الأمانة التي حملها، ففقد العزّة التي كانت تصاحبها، فعاد الكفر يصول ويجول، وعاد الإسلام غريياً كما بدأ.
فأصبح المسلمون- مع كثرتهم- غثاء كغثاء السيل، نزع الله المهابة من قلوب أعدائهم ووضعها في قلوبهم 2.
ولكن الأمّة لم تخل من أئمّة يضيئون للناس الدرب، ويدفعون بهم إلى التمسّك بهذا الدين والدعوة إليه وجهاد أعدائه، متّخذين من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يعطي الناس التصوّر الصحيح لهذا الدين وللجهاد في سبيل إعلائه.
1 - سورة الصف/ الآيات: من 10 - 13.
2 -
أنظر: عبد الله القادري- الجهاد في سبيل الله: 1/ 13.
وقد كان من بينهم العلماء الذين بذلوا أنفسهم في الدفاع عن عقيدتهم وأوطانهم وألّفوا في ذلك المؤلفات الجمّة في القديم والحديث، لبيان خطر العدوّ الداهم، وما ينجز عن خذلان المسلمين وتقاعسهم لإعلاء كلمة الله وصدّ كيد أعدائه.
ورغبة منى في الإسهام في بثّ روح الجهاد في المسلمين، أحببت أن يكون موضوع أطروحتي لنيل دكتوراه الحلقة الثالثة في الجهاد، فبذلت قصارى جهدي في البحث والتنقيب في تراثنا الفقهي علّني أجد ما يفي بهذه الرغبة، ويحقّق هذه الأمنية، فعثرت على كتاب ـ[أجوبة التُّسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد]ـ ولرغبة داخلية للعمل في مجال التحقيق والبحث، إلى جانب تشجيع الأساتذة الأجلاّء الذين قمت باستشارتهم، اخترته موضوعاً لهذه الأطروحة، لعدّة أسباب:
1 -
إنه يعتبر من نوادر كتب الجهاد الإسلامي، فقد تضمّن أحكاماً جهاديّة فقهيّة عالية، شملت جميع أنواع الجهاد النابعة من الوقائع التي حدثت في ذلك العصر الذي أَلّف فيه، فلم لكن مجرّد مُؤَلَّفٍ قام كاتبه بتصنيفه من وحي فكرة عارضة، وإنما هو رسالة جهادية نابعة من أحداثٍ عاصرت هذه الرسالة، وكانت مشابهة لكثير من أحداث عصرنا.
2 -
وهو يصوّر الواقع السياسي والاجتماعي في المغرب العربي في تلك الفترة.
3 -
كما أنّه وثيقة أصليّة في السعي الحثيث لإقامة وحدة المغرب العربي، وتوثيق الصلات والروابط والتعاون بين شعبه.
4 -
وهو يعتبر مبدأ المراسلات بين الأمير عبد القادر الجزائريّ والمولى عبد الرحمن بن هشام للاستفتاء والتعاون في صدّ الخطر الداهم، باعتبار أنّه أوّل رسالة بينهما بعد احتلال الفرنسيين للجزائر، أراد بها الأمير عبد القادر أن يشعر المولى عبد الرحمن وينبهه بضرورة التعاون والتعاضد لطرد المستعمر الغاصب.
5 -
أنّه أوّل مظهر من مظاهر يقظة المغرب الحديث في الناحية الجهاديّة.
6 -
هذا إلى جانب غياب الكتب الجهاديّة عن الساحة الإسلامية مع أن المسلمين الأوائل خصّوه بالتأليف، كما هو ملاحظ في فهارس المخطوطات.
ولهذه الأسباب شرح الله صدري لخوض عباب هذا العلم، فعزمت على تحقيق الكتاب، وخدمته، ودراسة نصوصه، متوكّلا على العليّ القدير.
فقسمته إلى قسمين:
أولاً: القسم الدراسيّ: وقد اشتمل على ثلاثة فصول:
أمّا الفصل الأول: ترجمت فيه للإمام التُّسولي، فتناولت فيه:
- عصره
- حياته
- مكانته العلميّة والجهاديّة
- آثاره
والفصل الثاني: خصّصته لحركة التأليف الجهاديّة في عصر التُّسولي، فتناولت فيه:
- المؤلّفات الجهاديّة العامّة
- المؤلّفات الخاصّة بتنطيم الجيش
أمّا الفصل الثالث: جعلته للتعريف بكتاب ـ[أجوبة التُّسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد]ـ، فتناولت فيه:
- عنوان الكتاب وصحّة نسبته للمؤلّف
- محتواه وأسلوبه
- مصادره
- أهمّيته وانتشاره
- وصف النسخ
- منهجي في التحقيق
ثانياً: القسم التحقيقي: تضمن النصّ الكامل لكتاب ـ[أجوبة التُسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد]ـ محقّقاً ومخرجاً.
وقد كان منهجى في القسم الدراسي جمع المادّة المتناثرة من مكانها، فقمت بتنسيقها وتبويبها وترتيبها، وألّفت منها ترجمة وافية لأبي الحسن التُّسولي، مبرزاً فيها نشأته العلميّة ومكانته الجهاديّة وشيوخه وآثاره.
وأمّا سبيلي في القسم التحقيقى: فقد قمت بضبط نص الكتاب ضبطاً دقيقاً، وإخراجه بمقابلته على ثلاث نسخ خطّية، وأخرى طبعة حجرية، ووضعت أرقاماً لأوراق المخطوط، وقمت بتنظيم النص بما يعين على فهمه فهماً صحيحاً، كوضع النقط، والفواصل اللاّزمة، وإبراز الأقوال والنصوص.
وخرّجت النصوص الفقهيّة بالرجوع إلى مصادرها الأصليّة التي اعتمد عليها المؤلّف، ونقل منها، والآيات القرآنية والأحاديث النبويّة- ولم أقتصر على الكتب الستّة فحسب بل توسّعت في ذلك- فإنْ كان النص مطابقاً عزوته لموضعه من غير تفصيل، وإنْ كان من طريق آخر بيّنت، وإنْ كانت ألفاظه فيها اختلاف يسير قلت: بمعناه أو بنحوه.
وشرحت ما يحتاج إلى شرح وتوضيح ممّا يتعلّق باللّغة والفقه والمصطلحات العسكريّة، كما ترجمت لجميع الأعلام والبلدان والقبائل الواردين في الكتاب بالرجوع إلى كتب الرجال والتاريخ والبلدان، وضبطت ما يحتاج إلى ضبط أو توضيح.
وفي ختام عملي وضعت ملحقين تتميماً للفائدة: إحداهما جعلته جواب التُّسولي المختصر عن مسائل الأمير عبد القادر الجزائري، وثانيهما: ما قيّده الإمام التُّسولي على فتوى علماء فاس ورد علماء الجزائر عليها.
كما وضعت فهارس شاملة للكتاب من أجل التيسير على الباحث وإعانته في الوصول إلى بغيته.
وقد تنوّعت المصادر التي اعتمدْتُها في العمل وهي ترجع أساساً إلى عدّة أنواع:
1 -
المصادر التاريخيّة وكتب الرجال: ووجه الحاجة إليها يرجع إلى أنّ عملي تضمن ترجمة للإمام التُّسولي، وأخرى للأمير عبد القادر الجزائري، هذا إلى جانب اشتمال الكتاب على عدد كبير من الرجال، والعلماء والفقهاء البارزين.
ومن أبرز هذه المصادر: ما هو متقدّم كطبقات ابن سعد (ت 230هـ)، وتاريخ بغداد للخطب البغدادي (ت 463هـ)، وترتيب المدارك للقاضي عياض (ت 544هـ)، والصلة لابن بشكوال (ت 578هـ)، وبغية الملتمس للضبى (ت 599هـ)، وأسد الغابة لابن الأثير (ت 630هـ)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (ت 748هـ)، وميزان الاعتدال له، والبداية والنهاية لابن كثيّر (ت 774هـ)، والديباج المذهب لابن فرحون (ت 799هـ)، وغيرها.
ومنها ما هو متأخر: كنيل الابتهاج للتنبكتي (ت 1036هـ)، ونفح الطيب للمقري (ت 1041هـ)، وكشف الظنون لحاجي خليفة (ت 1067هـ)، ونشر المثاني في أعيان القرن الحادي عشر والثاني للقادري (ت 1187هـ)، والتقاط الدرر له، والبدر الطالع للشوكاني (ت 1255هـ)، والاستقصا للسلاوي (ت 1315هـ)، والشرب المحتضر لجعفر الكتاني (ت 1323هـ)، وتحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر للأمير محمد بن القادر (ت 1331هـ)، وهدية العارفين للبغدادي (ت 1339هـ)، وسلوة الأنفاس لمحمد جعفر الكتاني (ت 1345هـ)، وشجرة النور الزكيّة للشيخ مخلوف (ت 1360هـ)، وفهرس الفهارس للكتاني (ت 1382هـ)، وغيرها.
2 -
المصادر الفقهيّة 1: اعتمدْتُها في تخريج وتوثيق النصوص الفقهيّة والتعليق عليها وهى كثيرة، ومن أهمّها:
الكافي في فروع المالكيّة لابن عبد البر يوسف بن عبد الله (ت 463هـ)، والبيان والتحصيل لابن رشد (ت 520هـ)، والمقدّمات، والفتاوى له- أيضاً-، ومختصر ابن الحاجب (ت 646هـ)، مخطوط، والقوانين الفقهيّة
1 - ما قلت أنه مخطوط ذكرت مكانه ورقمه في الفهارس.
لابن جزي (ت 741هـ)، ومختصر الشيخ خليل (ت 803هـ)، وبعض شروحه، ((والتوضيح)) له- أيضاً- مخطوط، ومختصر ابن عرفة (ت 803هـ)، مخطوط، والشامل لبهرام (ت 805هـ)، مخطوط، ونوازل البرزلي (ت 844هـ)، مخطوط، والمعيار المعرب للونشريسي (ت 914هـ)، ورسالة الشيخ ميارة (ت 1072هـ) في قتال المحاربين المتعرّضين لقطع الطريق، مخطوط، وشرح نظم عمل فاس لأبي زيد محمد السجلاسي الرباطي (ت 1214هـ)، والمعيار الجديد للوزاني، وغير ذلك.
3 -
المصادر الحديثيّة: اعتمدْتُها في تخريج النصوص والتعليق عليها، ومن أهمّها:
الكتب الستّة وموطأ مالك ومسند الإمام أحمد وسنن الدارمي وغيرها.
4 -
مصادر التفسير: اعتمدْتُها في توثيق النصوص والتعليق عليها، ومن أهمّها: المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزنر لابن عطيّة (ت 542هـ)، والكشاف للزمخشري (ت 538هـ)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (ت 671هـ)، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي (ت 685هـ)، والتحرير والتنوير للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور.
وهناك مصادر أخرى اعتمدْتُها، منها ما يتعلّق بالسياسة الشرعيّة، ومنها ما يتعلّق بالمعاجم اللغويّة والمصطلحات العسكريّة، وكتب البلدان والقبائل.
أمّا الفهارس فقد أفدْتُ من بعضها في تخريج نصوص الأحاديث، ومن البعض الآخر في تتبّع مصنفات الإمام التُّسولي وشيوخه وتلامذته، ومن أبرزها: المعجم المفهرس لألفاظ الحديث، والموسوعة الحديثيّة للشيخ حامد إبراهيم (مخطوط)، وفهارس دار الكتب الوطنيّة بتونس، وفهرس المكتبة الأزهريّة، والموسوعة المغربيّة لبنعبد الله. وغيرها.
وبعد: فإنّني قد بذلت قصارى جهدي في إخراج هذا الكتاب، مستفرغاً طاقتي فيه تاركاً ما سواه من الأعباء حتى خرج على هذا الشكل- فمن رأي فيه
حسناً وتوفيقاً فمن الله، ومن رأي فيه تقصيراً فهو مني ومن الشيطان- فأحمد الله - تعالى- على ذلك وأسأله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأنْ ينفعني به إلى يوم الدين، وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليماً كثيراً.