المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الثالث في كون الرجل يؤاخذ بجريرة قومه كما يؤاخذ بجريرته ــ روى - أجوبة التسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد

[التسولي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌القسم الأولالدّراسة

- ‌الفصل الأولترجمة‌‌ الإمام التُّسُوُلي

- ‌ الإمام التُّسُوُلي

- ‌عصره

- ‌أولاً: الحياة السياسيّة:

- ‌أ - الصراع على الحكم وأثره في إضعاف الدولة:

- ‌ب - الاضطرابات والفتن:

- ‌ج - القضاء على الأسطول المغربي:

- ‌د - مأساة الجزائر وموقف المغرب منها:

- ‌ثانياً: الحياة الاجماعية والاقصادية:

- ‌ثالثاً: الحياة العلميّة:

- ‌حياته

- ‌اسمه ونسبه وصفته

- ‌أسرته:

- ‌نشأته:

- ‌وفاته:

- ‌شيوخه:

- ‌مكانته في العلم والجهاد

- ‌أ - مكانته في العلم:

- ‌ب - مكانته في الجهاد:

- ‌آثاره

- ‌أولاً- تلاميذه:

- ‌ثانياً: مؤلفاته:

- ‌الفصل الثانيحركة التأليف الجهادية في عصرالإمام التُّسولي

- ‌حركة التأليف الجهادية بالمغرب في عصر التُّسولي:

- ‌أولاً - المؤلفات الجهادية العامة:

- ‌ثانياً - المؤلفات الخاصة بتنظيم الجيش:

- ‌الفصل الثالثالتّعريف بالكتاب

- ‌أولاً: "عنوان الكتاب وصحة نسبته للمؤلف

- ‌محتواه

- ‌ثانياً: محتواه وأسلوبه:

- ‌ أسلوبه:

- ‌ثالثاً: مصادره

- ‌مصادر الفقه والأصول:

- ‌مصادر السياسة الشرعية والجهاد والسير والتصوّف:

- ‌مصادر الحديث:

- ‌مصادر التفسير:

- ‌رابعاً: أهميته وانتشاره:

- ‌خامساً: وصف النسخ:

- ‌النسخة الأولى:

- ‌النسخة الثانية:

- ‌النسخة الثالثة:

- ‌النسخة الرابعة:

- ‌سادساً: منهجي في التحقيق:

- ‌القسم الثانينصّ الكتاب وتحقيقه

- ‌نص السؤال

- ‌ونص الجواب

- ‌المسألة الأولى

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس

- ‌الفصل السابع

- ‌ المسألة الثانية:

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌ المسألة الثالثة:

- ‌حكم مانع الزكاة مع تحقّق عمارة ذمته، أو عدم تحققها

- ‌ المسألة الرابعة:

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌ المسألة الخامسة:

- ‌خاتمة

- ‌الملاحق

- ‌ملحق رقم (1)

- ‌ملحق رقم (2)

- ‌الفهارس

- ‌فهرس الآيات

- ‌فهرس الأحاديث

- ‌فهرس المصطلحات الفقهية

- ‌فهرس المصطلحات العسكرية والسياسية

- ‌فهرس الأشعار

- ‌فهرس الكتب الواردة في الكتاب

- ‌فهرس الأعلام

- ‌الكنى

- ‌من نسب لأبيه

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌ المخطوطة والمطبوعة

- ‌ الفهارس والمعاجم

- ‌ المجلات والدوريات

الفصل: ‌ ‌الفصل الثالث في كون الرجل يؤاخذ بجريرة قومه كما يؤاخذ بجريرته ــ روى

‌الفصل الثالث

في كون الرجل يؤاخذ بجريرة قومه كما يؤاخذ بجريرته

ــ

روى مسلم، في "صحيحه " وغيره، عن "عمران بن حصين":"أن "ثقيفاً" 1 كانت خلفاء "بني غفا" 2 في الجاهلية، فأصاب المسلمين رجلاً من بني غفار ومعه ناقة له، وأتوا به (إلى) 3 النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد!، بم أخذتني، وأخذت (سابقة) 4 الحاج 5، فقال صلى الله عليه وسلم:(أخذتك بجريرة حلفائك ثقيفَ)، وكانوا أسروا رجلين من المسلمين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمرّ به وهو محبوس، فيقول: يا محمد!: إني لمسلم، فيقول صلى الله عليه وسلم:(لو قلت ذلك، وأنت تملك أمرك لأفلحت) ففداه النبي صلى الله عليه وسلم بالرجلين من المسلمين، وأمسك الناقة لنفسه 6 اهـ.

1 - ثقيف: قبيلة منازلها في جبل الحجاز بين مكة واليائف، وعلى الأصح بينه وبين جبال الحجاز، وتنقسم إلى بطون كثيرة. (كحالة- معجم قبائل العرب: 1/ 147).

2 -

هم: بنو غفار بن عبد مناة بن كنانة، وهم رهط أبي ذرّ الغفاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإليهم الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم:(غفار غفر الله لها). (القلقشندي- صبح الأعشى:1/ 350) وانظر: كحالة- معجم القبائل: 3/ 890.

3 -

ساقطة من "الأصل"، ومن "ج"، و"د" والإضافة من "ب".

4 -

في جميع النسخ: (سائقة) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، أنظر: النووي على مسلم: 11/ 100.

5 -

أي: ناقته العضباء، (النووي على مسلم: 11/ 100، كتاب "النذور".

6 -

أخرجه مسلم في "صحيحه": 3/ 1262،، كتاب النذر""باب:"لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما يملك العبد"، نحوه مطولاً، من طريق أيوب عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين.

وأبو داود في "سننه" أنظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود": 9/ 144، كتاب: الإيمان والنذور""باب "النذور فيما لا يملك"، نحوه مطولاً.

وأحمد في "مسنده": 4/ 430، 433، نحوه مطولاً.

ص: 128

ونقله ابن العربي في "الأحكام" في سورة البقرة عند قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَةوْا فَإِنَّ اللَّة غَفُورٌ رَحِيمٌ 1} 2، ونقله في "التبصرة" 3 مسلّماً محتجاً به، على أنّ ذلك من أحكام) السياسة) 4.

قالوا: (وهو معارض لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 3 أي: لا تؤخذ نفس بذنب غيرها)6.

قال "المازري" 7: (أجاب الناس عن الحديث الكريم بثلاثة أجوبة:

أحدها: أنْ يكونوا عوهدوا على أن لا يتعرضوا لأصحاب سيدنا محمد، لا هم ولا حلفاؤهم 8، فنقض حلفاؤهم العهد، ورضوا هم بذلك، فاستبيحوا.

والثاني: أنّهم كانوا لا عهد لهم، فهم على الإباحة.

والثالث: أنّ في الكلام حذفاً، ومعناه: "أخذتك لنفادي بك من

1 - سورة البقرة / آية 192.

2 -

أنظر: ابن العربي- أحكام القرآن:1/ 108.

3 -

أنظر: ابن فرحون- التبصرة: 2/ 109.

4 -

هكذا في "ب" و"ج" و"د" وفي الأصل (الشريعة).

5 -

سورة الأنعام / آية 164، وتمامها:{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْةا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} .

6 -

قال القرطبي: (ويحتمل أن يكون المراد بهذه الآية في الآخرة، وكذلك التي قبلها، فأما التي في الدنيا فقد يؤاخذ فيها بعضهم بجرم بعض، لاسيّما إذا لم ينه الطائعون العاصين). (الجامع لأحكام القرآن: 7/ 157).

7 -

أبو عبد الله: محمد بن علي بن عمر التميمي، المازري: المحدث، الفقيه، المالكي، نسبته إلى مازر، من كتبه:"المعلم بفوائد مسلم" في الحديث علق به على صحيح مسلم، و"التلقين- خ" و"الكشف والأبناء" في الرد على الأحياء للغزالي، مات بالمهدية (سنة 536هـ). (ابن خلكان- وفيات:1/ 486، ابن فرحون- الديباج: 279 - 281، المقري- أزهار الرياض: 3/ 165).

8 -

مفرده: الحليف، أي: المتعاهد على التناصر. (المعجم الوسيط:1/ 192).

ص: 129

حلفائك" 1 اهـ.

وكان "ابن فرحون": لم يرتض شيئاً من هذه الأجوبة، واعتمد على الجواب الأول منها، فلذلك احتجّ بالحديث وساقه، لأنّه: المذهب على جواز أخذ الرجل بجريرة قومه 2.

وقال "الأبيّ" 3 - كما نقله شارح 4 نظم العمل-5: (كان الشيخ [8/أ]"ابن عرفة" يقول: هذا الحديث أصل في هذا الحكم، وهو: أخذ الحليف بجريرة

1 - أنظر: السجلماسي في "شرح نظم عمل فاس": 2/ 421 عند قول الفاسي:

وأولوا أسر الغفيلي إذ جنا

الحلفاء من ثقيف هاهنا

حيث نقل شارحها هذه الأجوبة الثلاثة عن المازري، ثم قال: (ويحتمل عندي وجهاً رابعاً وهو: أن يكون جوابه على جهة المقابلة، لأنه لما قال: بم أخذتني وأخذت سابقة الحاج؟، وكان ذلك معظماً عندهم، قال: أخذتك بجريرة حلفائك لأنهم- أيضاً- كانوا يطالبون بجريرة الحلفاء، فأجابه على جهة المقابلة على أصلهم.

2 -

أنظر: ابن فرحرن- التبصرة: 2/ 109.

3 -

محمد بن خلفة، الأبيّ، الوشتاتي، المالكي: العالم، المحدث، القاضي، التونسي، نسبته إلى "أبة"، ومن كتبه:"اكمال اكمال المعلم، لفوائد كتاب مسلم- ط" سبعة أجزاء، في شرح صحيح مسلم، و"شرح المدونة" وغير ذلك، مات بتونس (سنة 827هـ). (الشوكاني - البدر الطالع: 2/ 169، مخلوف- شجرة النور: 244، الزركلي- الأعلام: 6/ 115.

4 -

لقد شرحه عدّة من العلماء والمقصود من شارحه هنا هو: السجلماسي الرباطي، أنظر ترجمته: 259، والذي يدل على ذلك أنه ذكره في [ص:259] قائلاً: (واما قول الرباطي في شرحه للعمل المذكور ....... )

5 -

هو: "نظم العمل الفاسي" لأبى زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي: الفقيه، الباحث، المتفنن، نعته المؤرخ "ابن زيدان"،: بسيوطي زمانه، صنف نيفاً وسبعين كتاباً، مات (سنة 1096هـ).

ونظمه هذا يعدّ- مجهوداً قيّماً تمّم به ما كان الإمام: "الزفاق" قد ابتدأه في لاميته، من جمع المسائل التي جرى العمل بها في الأحكام الشرعية، مراعاة للأعراف، والظروف، وان لم تكن من الراجح ولا المشهور، فأربى عليه واتسع في ذلك بما لا غاية بعده، وله- أيضاً-:"مفتاح الشفاء" ذيل به كتاب الشفاء" للقاضي عياض، و"أزهار البساتين"، ترجم به بعض شيوخه. (السلاوي- الاستقصا: 4/ 51، البغدادي- ذيل كشف: 4/ 659، الزركلي- الأعلام: 3/ 310، كنون- النبوغ المغربي:1/ 295).

ص: 130

حليفه، وإنْ لم يجرم 1 إلاّ كونه حليفاً فقط) 2 أه.

قلت: وهو يريد ما لابن فرحون.

وبيان ذلك: أنّ هذه المسألة لا تخلو من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يكون الغير ممّن لا يأوي إليه المذنب، ولا يحميه، ولا يتعصّب عليه، ولا ينكف المذنب عن ذنبه بتغريم ذلك الغير، فهذا هو الذي لا يؤاخذ ذلك الغير بذنبه كتاباً وسنة وإجماعاً، كان الغير قربياً للمذنب أو غيره، وهو محلّ قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 3.

ثانيها: أن يكون ذلك الغير ممّن لا يأوي إليه المذنب، ولا يحميه، ولا يتعصّب عليه- كالقسم الذي قبله- إلاّ أنّه إذا أخذ من ذلك الغير ما أخذه المذنب أو نهبه، كفّ المذنب عن ذنبه ومفسدته، لكون ذلك الغير يقدر على الانتصاف من المذنب، أو لكونه قريباً له، فلهذا قالوا: (يجوز مؤاخذة ذلك الغير به سدًّا للذريعة 4 - 5 كما يأتي

1 - في "ج"(يجزم) وهو تصحيف.

2 -

أنظر: الأبي- "اكمال اكمال المعلم": 4/ 360.

3 -

تقدّم تخريجها في: 194.

4 -

قال القرافي: (الذريعة: الوسيلة للشيء، ومعنى ذلك: حسم مادة وسائل الفساد، دفعاً له، فمتى كان الفعل السالم من المفسدة وسيلة إلى المفسدة، منعنا من ذلك الفعل وهو مذهب مالك رحمة الله عليه، وقد أجمعت الأمة على أن الذرائع ثلاثة أقسام:

أحدها: معتبراً اجماعاً، كحفر الآبار في طرق المسلمين.

وثانيها: ملغى اجماعاً، كزراعة العنب فانه لا يمنع خشية الخمر.

وثالثها: مختلف فيه كبيوع الآجال. اعتبرنا نحن الذريعة فيها، وخالفنا غيرنا). (الذخيرة: 1/ 144 - 145).

5 -

أنظر: السجلماسي الرباطي في شرحه "لنظم العمل الفاسي": 2/ 417، حيث قال في شرحه: (كما لو كان بعض أهل الغصب، والتعدي على أموال الناس لا يقدر على الانتصاف منه لفراره مثلاً، ولم يوجد سبيل لقطع مفسدته إلاّ بالردّ من قريبه غرم ما يأخذ ويتلف من الأموال بحيث يعلم من حال الظالم أنه إذا عرف أن قريبه يؤاخذ بجريرته، حمله ذلك على الترك، فيرتكب ما ذكر للضرورة من باب قاعدة القضاء على الخاصة بمنفعة العامة، كما ضمن الصناع وأغرموا ما لا يلزمهم بحسب الأصل لولا مصلحة العامة، ويندرج هذا أيضاً في قاعدة =

ص: 131

عن ناظم العمل- 1.

ثالثها: أن يكون ذلك الغير ممّن يحمي المذنب، أو يتعصّب عليه، أو يواسيه، أو يأوي وينحاش إليه، ويرضي بفعله، فهذا يؤاخذ ذلك الغير بجريرته

وبجميع ما أخذه، ولا يختلف فيه، لأنه بتعصبه- ولو بجاهه- وحمايته، والرضي بفعله، صار معيناً له على ظلمه، متسبباً بذلك لاتلاف أموال الناس ودمائهم، وتأمل قول "المازري" في الجواب الأول من الأجوبة الثلاثة: (ورضوا هم بذلك

إلخ) 2.

وهذا القسم الثالث: هو الذي لحقه الوعيد وإنْ لم يباشر، ويجز له العقاب دنيا وأخرى- كما مرّ في الفصل الذي قبله- وهو الواقع من قبائل الزمان

وفساد حواضرهم- كما مرّت الإشارة إليه- وهو الذي يجب أنْ يحمل عليه، الحديث الشريف الوارد في مؤاخذة الرجل بجريرة [8/ ب] قومه، كما دلّ عليه: أول أجوبة "المازري"، وسياق "ابن فرحون"، و"ابن العربي" وغيرهما له، كأنّه المذهب، فلا معارضة حينئذ بين الآية والحديث الكريمين، لأنّ الغير

في هذا القسم عاص لله بما ارتكب من إعانة المذنب، والرضي بفعله، وحمايته وتعصّبه عليه، أو إحسانه إليه، أو إيوائه إليه، والرواية بذلك واردة عن "ابن القاسم" 3 وغيره.

= معروفة، وهي:"إذا تقابل مكروهان أو محظوران أو ضرران ولم يمكن الخروج عنهما وجب ارتكتاب أخفهما" ولا شكّ أن المؤاخذ بذنب الغير أخف من بقاء مفسدة: الحرابة، والغصب، ونهب الأموال.

1 -

أنظر قول ناظم العمل: 136.

2 -

أنظر: الجواب الأول: 129.

3 -

أبو عبد الله: عبد الرحمن بن القاسم بن خالد، العتقي، المصري: يعرف بابن القاسم، الفقيه، الزاهد، العالم، تفقه بالإمام مالك ونظرائه. ومن كتبه:"المدونة- ط"، مات بمصر (سنة 191هـ). (الشيرازي- طبقات المفسرين: 150، عياض- ترتيب المدارك: 3/ 244 - 261، ابن خلكان- وفيات: 1/ 276، ابن فرحون- الديباج: 146).

ص: 132

قال الشيخ "عبد الباقي الزرقاني " 1 - عند قول خليل في الحرابة:- (وبالقتل يجب قتله ولو بإعانته)، ما نصّه: (قوله. ولو بإعانته، أي: على القتل، ولو بالتقوي بجاهه، وإنْ لم يأمر بقتل، ولا تسبب فيه، لأنّ جاهه إعانة عليه حكماً 2.

قال "ابن الحاجب" 3: (وأمّا إنْ لم يتسبب: فقال "ابن القاسم ": يقتل، وقال "أشهب" 4: يضرب مائة، ويحبس سنة)5.

قال الشيخ 6 - يعني المصنف-: (أي: لم يتسبّب في قتل، ولكن التقوّي به، أي: بجاهه حاصل، ككونه من فئة ينحاز إليهم قطاع الطريق، فيقتل الجميع، لأنّهم متمالئون، أي: وإنْ لم يعينوا القطاع في القتل) 7 اهـ.

1 - الشيخ عبد الباقي بن يوسف بن أحمد الزرقاني: الفقيه المالكي، من كتبه:"شرح مختصر خليل- ط" و"شرح العزية". مات بمصر (سنة 1099هـ). (المحبي- خلاصة الأثر: 2/ 287، القادري- التقاط الدرر: 238، الحجوي- الفكر السامي: 4/ 117، الزركلي- الأعلام: 3/ 272).

2 -

أنظر: الزرقاني على خليل: 8/ 110 عند قول خليل: (وبالقتل يجب قتله ولو بكافر أو عبد أو بإعانة).

3 -

أبو عمرو: عثمان بن عمر بن أبي بكر بن الحاجب: الفقيه المالكي، من كبار العلماء بالعربية، كردي الأصل، نشأ بالقاهرة، وسكن دمشق، من كتبه:"الكافية" و"الشافية" و"مختصر الفقه" ويسمّى "جامع الأمهات". مات بالاسكندرية (سنة 646هـ)، (ابن خلكان- وفيات: 1/ 314، كبرى زاده- مفتاح السعادة: 1 م 117).

4 -

أبو عمرو: أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي، العامري الجعدي، فقيه الديار المصرية في عصره، كان صاحب الإمام مالك، قال الشافعي:"ما أخرجت مصر أفقه من أشهب"، مات (سنة 204هـ).

(الشيرازي- طبقات الفقهاء: 150، ابن خلكان- وفيات: 1/ 78، ابن فرحون- الديباج المذهب: 98 - 99، ابن حجر- تهذيب:1/ 359.

5 -

أنظر: ابن الحاجب في "مختصره": 2/ 195 - ب.

6 -

هو ابن الحاجب، ناقلاً عنه "الشيخ الزرقاني في شرحه على خليل": 8/ 110.

7 -

أنظر: الزرقاني على خليل: 8/ 110.

ص: 133

وأصل ذلك في "ابن الحاجب" و"التوضيح" 1 و"الشامل" 2 ونصّه: (وقتل الربيئة- أي: الطليعة 3 التي تحرس المحاربين- ثم قال: وكذا المتسبب في القتل، وكذا إنْ لم يتسبب- أي: بإمساك ونحوه- فإنّه يقتل لأنّ التقوّي به- أي: بجاهه- حاصل على الأصح) 4 اهـ.

ووقفت على جواب للشيخ "يوسف الرسموكي" 5، و"يبورك بن عبد الله

1 - للشيخ خليل بن اسحاق بن موسى، وكتابه هذا شرح به مختصر ابن الحاجب- وما زال مخطوطاً- توجد منه نسخة بدار الكتب الوطنية بتونس. في جزءين رقم (6081 - 6082).

2 -

الشامل في فروع المالكية: لبهرام به عبد الله، الدميري، المالكي، المفتي، القاضي، المدرس المصري، نسبته إلى "دميرة"، انتفع به الطلبة ولا سيّما بعد صرفه عن القضاء في عهد "الظاهر". وكتابه هذا مخطوط على نسق "مختصر خليل" في الصادقية وغيرها، وله- أيضاً:، "شروح على مختصر خليل"، و"شرح مختصر ابن الحاجب في الأصول". مات (سنة 805هـ). (التنبكتي- نيل الابتهاج: 151، حاجي خليفة- كشف الظنون: 2/ 1025، مخلوف- شجرة النور: 239، الزركلي- الأعلام: 2/ 76).

3 -

"الطليعة" من الجيش: القسم الرئيسي من المقدمة والقوة التي تكون أمام الجيش وخلف النفيضة. (شيت خطاب- المصطلحات العسكرية: 1/ 454 - 455).

4 -

أنظر: ابن الحاجب في "مختصره": 2/ 195 - ب"باب "الحرابة" حيث قال: (فيقتل الربيئة ومن أمسك للقتل، ومن تسبب له، وأمّا من لم يتسبّب للقتل، فقال ابن القاسم: يقتل، وقال أشهب: يضرب مائة ويحبس سنة). وخليل في "التوضيح": 2/ 224 - ب "باب الحرابة".

وبهرام في "الشامل": 202 - ب"باب: "الحرابة" حيث أورد الحالات التي يعاقب فيها المحارب بالقتل، فقال (واستحب قتل دي تدبير، وقطع ذي بطش، وضرب غيرهما، ونفيه كمن وقعت منه فلتة، وقيل: إذا لم يقطع السبيل ولا قتل: ضرب ونفي، وإن أخذ المال وأخاف، أو وقع منه أحدهما فقط: خيّر فيه بين قتل وقطع مضطر، وإن طال منه رعلاً أمره بقتل، ولو لم يقتل، ولا تخيير فيه، وروي: يخيّر، وان قتل وتعاظم فساده، وروي: ان كان ذا رأي وتدبير: قتل فيه بكل حال، أو بطش وقوة: قطع، وإلاّ عزر وسجن) ثم قال: (وقيل الرِّيبة في المتسبّب في القتل وكذا إن لم يتسبب).

5 -

عنه بحثاً مضنياً في كتب التراجم فلم أقف عليه إلاّ في كتاب فقهي (أجوبة الفقيه عبد الوهاب بن أحمد الزقاق) للفقيه "سعيد بن علي الأوزلي" حيث نقل عنه عدّة أجوبة وسمّاه =

ص: 134

السملالي" 1 قالا فيه- ما نصّه-: (نصّ أهل المذهب- في غير ما كتاب "كنوازل القرويين " 2 - فقد نقلها جامعها عن "أبي عمران الفاسي" 3 - : أن من له مال قبل رجل من سرقة أو غصب أو معاملة بالدية، وكان أهله لا ينصف بعضهم بعضاً، ويذبّون 4 عنه إن [9/أ] أريد أخذه والتناصف منه، فإنّ أهله يؤاخذون به، لأنّهم كالمعينين له على جرمه، ومن كان من أهله صالحاً لا يذبّ عنه لا يؤاخذ به) اهـ.

وإذا كان هذا المعين له بجاهه والانحياز 5 إليه، مؤاخذ بما فعله المذنب، باتفاق ابن القاسم وأشهب- لأنّهما لم يختلفا في مؤاخذته، وإنما اختلفا في عقابه بالقتل أو بالضرب أو السجن- فكيف: لا يؤاخذ هذا الغير المعين ولو

= باسمه، فقال:(يوسف بن يعزي بن داود الرسموكي: العالم، الفاضل، الفقيه، قاضي الجماعة بسوس)(أجوبة الزقاق، لسعيد الأوزر: 53، 60، 67، 68).

1 -

يبورك بن عبد الله بن يعقوب السملالي، من جزولة: فاضل من بيت علم، وتدريس، من أهل "تازموت" بالمغرب، له كتب وشروح واختصارات منها:"نصيحة الطبة" و"شرح صغرى السنوسي" و"شرح فرائض مختصر خليل"، مات (سنة 1058هـ). (الزركلي- الأعلام: 8/ 133).

2 -

هو كتاب "الحاوي في الفتاوى" لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد النور التونسي الإمام الفقيه المبرز المتفنن في سائر العلوم، أخذ عن القاضي ابن زيتون، والقاضي أبي محمد بن برطلة. (كان بالحياة سنة 726هـ) وكتابه هذا كما ذكر الشيخ مخلوف:"جمع فيه فتاوى على طريقة أحكام بن سهل". (مخلرف- شجرة النور: 206).

3 -

موسى بن عيسى بن أبي حاج الغفجومي، نسبة إلى غفجوم، فخذ من قبيلة "زناته": الشيخ المالكي، كان بيته معروفاً مشهوراً يعرفرن "ببني حاج"، استوطن القيروان، وحصلت له بها رئاسة العلم، وتفقه "بأبي الحسن القابسي"، ورحل إلى قرطبة فتفقه بها عند "الأصيلي"، وسمع من "أبي عثمان" و"عبد الوارث" وغيرهم، ودرس الأصول على القاضي "أبو بكر الباقلاني"، من كتبه:"التعليق على المدونة"، مات (سنة 430هـ). (شرف الطالب من أسنى المطالب من كتاب:"ألف سنة من الوفيات": 54، كنون- النبوع المغربي:1/ 59،58).

4 -

يدفعون عنه ويحموه: يقال: (وذب عن حريمه ذباً) أي: حمى ودفع، وهو من باب: قتل. (المصباح المنير: 1/ 249).

5 -

أي: التحيّز إليه. يقال (انحاز الرجل إلى القوم) أي: تحيّز إليهم. (المصباح المنير:1/ 191).

ص: 135

بجاهه، ورضاه بما فعله المذنب من نهب الأموال، لأنّ اللّصوص حملاء (عن) 1 بعضهم بعضاً اتفاقاً!.

والمعين للّص بشيء ممّا تقدّم نصّه كما رأيته بقبائل الزمان وغيرهم المعلومين بما هم عليه من التعصّب والحميّة بالفعل، فضلاً عن التعصّب بالجاه والانحياز، لا إشكال أن غير المباشر منهم مؤاخذ بما فعله المباشر- ولو لم يظهر منه تسبّب- لأنّه لا أقلّ أنْ يكون حامياً للمباشر بجاهه وإورائه إليه، وعلى هذا يحمل الحديث الكريم؛ لأن شأن الحليف أنْ يحمي حليفه ويتعصّب عليه بجاهه وبغيره، فلذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الغفاري""بثقيف".

والجواب الثالث 2 من أجوبة المازري: يظهر أنّه لا يتم مع كونه- عليه السلام أخذ الناقة لنفسه، (إذْ حيث أخذه ليفادي به من حلفائه، فما وجه أخذه الناقة لنفسه؟) 3، فالجواب الأول هو: أحسنها ولا معارضة حينئذ - كما مرّ-.

إذا تقررت هذه الأقسام الثلاثة المذكورة، علمت: أنْ القسم الأول منها هو المشار إليه بقول ناظم العمل:

(ولا يؤاخذ بذنب الغير

في كل شرع من قديم الدهر) 4

وهو معنى قوله- تعالى-: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 5، أي: لا تؤاخذ نفس بذنب غيرها [9/ب]

والقسم الثاني منها هو المشار إليه بقوله أيضاً:

1 - في "الأصل": (على) وهو تصحيف.

2 -

وهو قوله: (إن في الكلام حذفاً، ومعناه: "أخذتك لنفادي بك من حلفائك") أنظر: 122.

3 -

ساقطة من "ب".

4 -

أنظر: السجلماسي الرباطي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 417.

5 -

تقدّم تخريجها.

ص: 136

(إلاّ إذا سدّت به الذريعة

أو خيف شرع شرعه أو شيعه) 1 2

إلاّ أنه أطلق، فظاهره أنّه مع الذريعة يؤاخذ به قريياً كان أو غير قريب، قدر المأخوذ منه على الانتصاف من الذنب أم لا، وليس كذلك، بل محله: إذا كان الغير المأخوذ به يقدر على الانتصاف من المذنب، أو ينكفّ المذنب عن ذنبه بمؤاخذة ذلك الغير.

ولعلّه إنّما أطلق اتّكالاً على المعنى، لأنّ العادة أنّ الظالم لا ينكفّ عن ظلمه بمؤاخذة ذلك الغير، إلاّ إذا كان ذلك الغير قريباً لذلك المذنب، أو كان يقدر على تغريمه، وعلى الانتصاف منه سواء كان قريباً له أم لا، وإلاّ فإن كان لا ينفك 3 عن ظلمه بمؤاخذة ذلك الغير، ولا يقدر الغير على الاننصاف منه، لم تجز مؤاخذته به بحال، لأنّه حينئذ من القسم الأول 4 فلا سد للذريعة فيه أصلاً، وهذا المعنى الذي أشرنا إليه، لم يلم به أحد من شراحه فيما علمت، والله أعلم.

والمؤاخذة لسذ الذريعة هي: المسألة المعروفة عند الناس بالكفاف 3، وهو: أنْ يكون لشخص حق من دين، أو وديعة، أو سرقة، أو غصب، ولا يقدر

1 - أنظر: السجلماسي الرباطي في شرحه لنظم عمل فاس: 2/ 409.

2 -

قال المصنف: (والشاهد من قوله: إلاّ إذا سدّت به الذريعة

إلخ، لأنهم إذا عزموا حملهم ذلك على حفظ طرقاتهم وحفظ المارين بأرضهم وعدم كتمان غصابهم وسراقهم فضلاً عن التعصب عليهم). (البهجة في "شرح التحفة": 2/ 351) "في الغصب والتعدّي".

3 -

في "ب" و"ج" و"د"(ينكف) وكلا المعنيين صحيح.

4 -

أنظر القسم الأول: 131.

5 -

قال السجلماسي- في مسألة الكفاف-: (لم أر الكلام عليها إلاّ في كتاب صغير لا أعلم مؤلفه الآن، ونصّه "والذي وقع له ببلد فلم ينصف من حقه، فإن كان بلد لا حاكم به، ولا سلطان، وعلم فهم لا ينصفونه من ماله بعد صحته وثبوته، فلا بأس أن يكفف من يعلم منه القدرة والكفاية لبلوغ حقه ممن له عصيبة يغضبون بغضبه، ويقومون معه إذا أمسك عنه ماله حتى يوصلوا إلى الممنوع حقه، والمطالبات في هذا سواء لمن ثبت حقّه وصحّ منعه، حاشى الدماء والحدود، وما حكمه أن يكون في البدن فذلك لا كفاف فيه). (شرح نظم عمل فاس: 2/ 417).

ص: 137

صاحب الحق على الانتصاف منه لتعصبه.

فإذا (ظفر) صاحب الحق بأحد من قومه في بلد تناله فيه الأحكام، فله أن يؤاخذه بذنبه، أو بما غصب منه، ويقضي له بذلك في غير الدماء والحدود، حيث كان هذا المؤاخذ ينكفّ الظالم عن ظلمه بمؤاخذته، أو يقدر على الانتصاف منه- كما مرّ- ولو لم يكن قريباً، ولا كان يحمي ذلك الملدّ 1 الظالم، ولا ممّن يتعصّب عليه، ولا ممّن يأوي إليه- لأنّه:(إذا التقى ضرران ومحظوران ارتكب [10/أ] أخفّهما) 2 - لأنّ الأمر دائر بين أن ييقى هذا المذنب على مفسدته وغصبه وظلمه، ولن أن يؤاخذ به قريبه، أو من يقدر على الانتصاف منه من قومه.

ولا شكّ أن مؤاخذة الغير القريب والقادر على الانتصاف من المذنب أخف، هذا معنى قول "ناظم العمل": (إلاّ إذا سدّت به الذريعة

إلخ) 3 وإنْ كان "شارحه" 4 أدار الاحتمال بين أن يحمل على مؤاخذة القريب، أو على مؤاخذة من يقدر على الانتصاف منه، والصواب: التعميم، لأن سدّ الذريعة موجود فيهما، ومع ذلك لم يقيّده شارحه المذكور: بكون المؤاخذ لا يحمي المذنب ولو بجاهه- على ما مرّ بيانه- مع أنه لا بدّ من ذلك التقييد، وإلاّ فهو القسم الثالث، لأن مؤاخذته حينئذ ليست من سدّ الذريعة في شيء، بل

1 - من اللّدد، وهو شدّة الخصومة، قال في القاموس لده: خصمه فهو لادّ ولدود. (ميّارة في شرحه للعاصمية: 26)، فصل "في رفع المدعي عليه وما يلحقه بذلك". (البستاني- فاكهة البستان: 1290).

2 -

أنظر السجلماسي الرباطي في شرحه "لنظم العمل الفاسي": 2/ 417. وقال السيوطي: "إذا تعارض مفسدتان روعي أعظهما ضرراً بارتكتاب أخففهما" كما لو أحاط الكفار بالمسلمين، ولا مقاومة بهم، جاز دفع المال إليهم، وكذا استنقاذ الأسرى منهم بالحال إذا لم يمكن بغيره، لأن مفسدة بقائهم في أيديهم واصطلاحهم للمسلمين أعظم من بذل المال. (الأشباه والنظائر: 87)، حيث جعلها قاعدة رابعة من القواعد المتعلّقة بالقاعدة الرابعة (الضرر يزال).

3 -

تقدّم قوله في: 137.

4 -

هو: السجلماسي الرباطي، أنظر:259.

ص: 138

المؤاخذ حينئذ لأجل إعانته إيّاه، وتعصيبه عليه ولو بجاهه، وهو الوجود في قبائل الزمان- كما تقدّم مبسوطاً- وشاهد ذلك ما تقدّم في الحديث الكريم 1، وما تقدّم 2 عن "ابن القاسم" و "أشهب".

وبتأمل هذه الأقسام المذكورة في هذا الفصل، نعلم: أنه لا معارضة بين الحديث والآية 3 المذكورين، وهذا هو الذي حمل "ابن فرحون"، و"ابن العربي" وغيرهما، على الاحتجاج بالحديث الكريم، (إذ) 4 ما كان يخفى على مثل "ابن فرحون"، ومن معه المعارضة المذكورة 5 - لو كانت-.

وهذه الأقسام الثلاثة التي قسّمناها في المؤاخذة بذنب الغير، لم أقف عليها منصوصة هكذا، ولكنها ظاهرة من النصوص والدلائل المتقدّمة، والله أعلم.

ـ[تنبيهان!]ـ:

الأول: ما تقدّم من أن "الكفاف" لا يكون في الدماء والحدود، معناه: أنّه لا يقتل ولا يحدّ قريب القاتل، أو يقطع ونحو ذلك، ولا يقتل أو يقطع أيضاً من يقدر على الإنتصاف منه. [10/ب]

وأمّا إذا أراد الحاكم ونحوه أنْ يأخذ القريب المذكور، أو من قدر على الانتصاف منه، بمال يدفعه لأولياء المقتول أو المقطوع مثلاً برضاهما، لأنّه في الوقت غاية المقدور، ولو أخر ذلك لوقت آخر لضاع ذلك وتعذّر الإنتصاف، فلا إشكال في الجواز، لأن الحدود حينئذ برضي أولياء المقتول والمقطوع رجعت مالاً، فكأن القاتل المذكور والقاطع تعصّب لأولياء المقطوع على مال، فيؤخذ المال من قريبه أو ممّن يقدر على الانتصاف منه ارتكتاباً لأخف الضررين- كما مر-.

1 - وهو: "أن ثقيفاً كانت حلفاء بني غفار

إلخ " تقدّم في: 128.

2 -

تقدّم قولهما في: 200.

3 -

قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .

4 -

في "الأصل": (إذا).

5 -

أنظر: 129.

ص: 139

ولا يقال: (القَوَدُعَيْن) 1 على مذهب "ابن القاسم".

لأنّا نقول: (القودعين، إذا مكن القاتل والقاطع من نفسه، وقال: اقتلوني واقطعوني، ولا أدفع دية).

وأين التمكين في صورتنا؟ بل هو ممتنع بنفسه غير منقاد لما يجب عليه من القود، فكان الخيار للأولياء، وهذا في مسألة: سدّ الذريعة، التي هي القسم الثاني 2 من الأقسام الثلاثة.

وأمّا مسألة القسم الثالث التي هي: مسألة التعصّب والحميّة ولو بالجاه، فإنّ المتعصّب والمباشر سواء في القتل والقطع- (كما مرّ) -3.

الثاني: إذا طلب مريد الكفاف من المؤاخذ بالملدّ 4 (أ) 5 والغاصب ونحوهما، ضامناً بوجهه حتى يثبت حقّه على الملدّ والغاصب، فلا إشكال أنّه يجاب أيضاً، وكذا لو طلب ضامناً إلى أن يأتي الملدّ أو الغاصب فيقرّ أو ينكر، لأنّ الغرض أن المؤاخذ به يقدر على الانتصاف منه، كما هي عادة القبائل، فإذا لم يأت به ليقرّ أو ينكر أخذ الحق منه، لأنّ الملدّ أو الغاصب ينزلان حينئذ منزلة من امتنع من الجواب وإقرار أو إنكار، فيؤخذ الحق من هذا الذي يقدر على الانتصاف منه إرتكتاباً لأخف الضررين، أو يؤخذ الحق من قريبه الذي ينكفّ 6 الظالم عن ظلمه بمؤاخذته. [11/أ]

وانظر لو أتى المؤاخذ به بإثبات إنكاره، وعجز مريد الكفاف عن إثبات حقّه على الملدّ، وطلب أنْ تكون يمينه بمحضره في البلد التي تنالها الأحكام.

1 - هو: القصاص، وأقاد الأمير القاتل بالقتيل قتله به قوداً، (الفيوي- المصباح المنير: 2/ 204).

2 -

أنظر القسم الثاني: 131.

3 -

ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د".

4 -

تقدّم معناها.

5 -

ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج" و"د".

6 -

في "ج": (لا ينكفّ) وهو تصحيف، والتصويب من "الأصل" ومن "ب".

ص: 140

والظاهر: أن 1 يسجن المؤاخذ به حتى يغرم المال، أو يأتي بالظالم ليحلف للطالب، لأن "سدّ الذريعة" شامل لذلك كلّه، وسيأتي في الفصل السادس: أنّ الظالم أحق بالحمل عليه.

وهذا: إذا ثبت أن المؤاخذ المذكور قريب للظالم، أو هو ممّن يقدر على الانتصاف منه، أو علم ذلك بالقرائن القطعية، وإلاّ فلا يؤاخذ به.

وهذا كلّه- أيضاً- في مسألة: القسم الثاني لا في القسم الثالث، لأنّه متسبب ولو بجاهه- كما مرّ-، فهذا 2 ضامن كالمباشر إذْ لا ذريعة في هذا القسم- كما مرّ-.

ولا شك: أنّ غير المباشر فيه يؤاخذ 3 بذنب المباشر وبالضامن وبغيره، ممّا ينجزّ 4 إليه الأمر- كما تقدّم- ولا تنفعه الوثيقة التي يكتبها بالتبرىء منهم، وعدم مخالطهم، وعدم إيوائهم إليه، لأنّه مأمور بهجرانهم وبالخروج من بينهم- كما مرّ-.

اللهم: إلاّ إذا كان الفساد في أفراد مخصوصين معروفين بأعيانهم، يفعلون المعاصي والمناكر، ويفرّون لرؤوس الجبال، ولا يأوون إلى قرابتهم وقبيلتهم، وهم مجتهدون في تحصيلهم، وشهد لهم بذلك الثقات من الناس، فلا يؤاخذون بهم حينئذ.

وهذا نادر في قبائل الزمان، والغالب منهم خلاف ذلك، والحمل على الغالب مشروع واجب، ولهذا إذا زعم رؤساء هؤلاء القبائل، ومن له أدنى رأي منهم: أنّهم لا يتعصّبون على فسّادهم وأهل المناكر منهم، وأنّهم لا يأوون إليهم، ولا يجالسونهم، ولا يحمونهم، فإنّهم لا يصدّقون، لأن ذلك خلاف غالب عوائدهم "والأحكام تدور مع الغالب وجوداً وعدماً" فيؤاخذون حينئذ بفسّادهم، ويضمنون ما أتلفوه، والله أعلم. [11/ب]

1 - في "ب"و"ج": (أنه).

2 -

في "ب" و"ج": (فهو).

3 -

في "ب": (يؤخذ).

4 -

أي: يقصد إليه الأمر. (البستاني- فاكهة البستان: 1417).

ص: 141