الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
في حكم من ساكن العدوّ الكفور، ورضي
بالمقام معهم في تلك الثغور
ــ
قد تقدّم في "الفصل الثاني" و"الثالث" من فصول المسألة الأولى: أن الهجرة من أرض الفساد واجبة، ولا فساد أعظم من [52/أ](الكفر).
قال "ابن العربي"- في "الأحكام"-: (الهجرة وهي: الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكانت فرضاً في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة) اهـ 1، ونقله في "المعيار"، وقال: (وكذلك الهجرة من أرض الحرام والباطل.
وقد قال- عليه الصلاة والسلام: "يوشك أن يكون خير مال المسلم) غنم) 3 يتبع بها (شعف) 4 الجبال، ومواقع القطر يفرّ بدينه من الفتن "أخرجه
1 - انظر: ابن العربي- أحكام القرآن: 1/ 484، سورة النساء / آية 97 حيث قسم الهجرة إلى ستة أنواع وجعل هذا النوع الأول منها، وهي:
- 1 - الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام.
- 2 - الخروج عن أرض البدعة.
- 3 - الخروج عن أرض غلب عليها الحرام.
- 4 - الفرار من الاذاية في البدن.
- 5 - خوف المرض في البلاد الوخمة، والخروج منها إلى الأرض النزهة.
- 6 - الفرار خوف الاذاية في المال.
2 -
الونشريسي- المعيار: 2/ 127.
3 -
في "الأصل"(غنما) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".
4 -
في جميع النسخ (شعب) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وقد ثبت في كتب الحديث.
البخاري"، و"الموطأ" 1 2.
قال 3 - في العارضة-4: (فإن لم يوجد بلد إلاّ كذلك؟ قلنا: يختار المرء أقلها اثماً، مثل أن يكون بلد فيه كفر، وبلد فيه جور، بلد الجور خير له. أو بلد فيه عدل وحرام، وبلد فيه جور وحلال، فبلد الجور والحلال خير. أو بلد فيه معاص في حقوق الله، فهو أولى من بلد فيه معاص في مظالم العباد .... إلخ)5.
قال: ولا (يسقط) هذه الهجرة الواجبة على هؤلاء الذين استولى على بلدهم) العدوّ، الكافر) - لعنه الله- إلاّ تصوّر العجز عنها بكل وجه، بحيث لم يجد لها حيلة ولا سبيلاً، مثل: أن يكون مريضاً جداً، أو ضعيفاً جداً، ولا بدّ مع ذلك من كونه له نيّة صادقة، أنه إن قدر على الهجرة يوماً ما هاجر. فحينئذ يرجى له العفو المشار إليه، بقوله تعالى: {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُةاجِرُوا فِيةا
…
إلى قوله: فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} 6.
وأما القادر على الهجرة بحيلة أو غيرها، فهو غير معذور، داخل في وعيد
1 - أخرجه البخاري في "صحيحه" (أنظر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري": 13/ 40، "كتاب: الفتن". "باب: التهرّب في "الفتنة" عن أبي سعيد الخدري.
والإمام مالك في "الموطأ": 2/ 970" كتاب الاستئذان""باب: ما جاء في أمر الغنم". وأبو داود في "سننه": 8/ 123، 124، "كتاب: الفتن والملاحم" "باب: ما يرخص فيه من البداوة في الفتنة". والنسائي في "سننه": 8/ 123، 124، "كتاب: الايمان وشرائعه" "باب: الفرار بالدين من الفنن". وأحمد في "مسنده": 3/ 6.
2 -
أنظر: الونشريسي- المعيار: 2/ 121، في أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر، وما يترتّب عليه من العقوبات والزواجر".
3 -
أي: الطرطوشي.
4 -
في "الأصل"(المعارضة)، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د"، وهي "عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" لأبي بكر محمد بن العربي.
5 -
أظر: ابن العربي- عارضة الأحوذى بشرح صحيح الترمذي: 7/ 88، 89، "باب الهجرة"، والونشريسي- المعيار: 2/ 121.
6 -
سورة النساء / آية 97.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ
…
إلى قوله
…
: وَسَاءَتْ مَصِيرًا} 1، وفي وعيد قوله تعالى:{يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا [52/ب] عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)} 2
…
إلى قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} 3، وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ
…
إلى قوله
…
: إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} 4 وفي قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ (فَلَيْسَ) 3 مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} 6، وفي قوله تعالى:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} 7، وفي قوله تعالى:{يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} 8، وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا
…
إلى قوله
…
: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 9 10.
(وفي عيد قوله- عليه الصلاة والسلام: "أنا بريء من كل مسلم مقيم بين
1 - سورة النساء / آية 97.
2 -
ساقطة من "ب" و"ج" و"د".
3 -
4 -
سورة آل عمران / آية 118، وتمامها:{لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} .
5 -
ساقطة من "الأصل".
6 -
سورة آل عمران / آية 28، وتمامها:{إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} .
7 -
سورة هود / آية 113.
8 -
سورة المائدة / آية 51.
9 -
سورة المائدة / آية 57، وتمامها:{مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّة إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .
1 -
0 - أنظر: الونشريسي- المعيار: 1/ 121 - 123، مع تقديم وتأخير وتفصيل.
أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله: لم؟ قال: لا تتراءى "نارهما 1"2.
وقال: "لا تساكنوا المشركين، ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو منهم" 3 4.
قال في كتاب "فلك السعادة": (والحديثان رواهما أحد الكتب الستة وفي لفظ "أبي داود" عن (سمرة) 5: "من جامع المشرك، أو سكن معه فهو مثله") 6 اهـ.
قال في "المعيار": (ولا معارض لهذين الحديثين، ولا ناسخ، ولا مخصّص، ولا مخالف لهما من أئمة المسلمين)7.
1 - في "الأصل"(ناراهما) والصواب ما أثبتناه.
2 -
أخرجه أبو داود في "سننه"(أنظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود: 7/ 303 - 304)، "كتاب: الجهاد".
والنسائي في "سننه": 8/ 36، "كتاب القسامة" عن اسماعيل عن قيس.
والتبريزي في "مشكاة المصابيح": 3547.
والبغوي في "شرح السنة": 10/ 373.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد": 5/ 253. "كتاب: الجهاد" "باب: النهي عن مساكنة الكفار" بما معناه، من طريق: قيس بن أبي حازم عن خالد بن الوليد. وقال: "رواه الطبراني ورجاله ثقات".
3 -
أخرجه الترمذي في "سننه": 4/ 155، 156 "كتاب: السير" باب "ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين، عن سمرة بن جندب.
والبيهقي في: سننه": 9/ 12 - 13، "كتاب: السير" "باب: فرض الهجرة، عن جرير بن عبد الله البجلي، مرفوعاً بلفظ:"من أقام مع المشركين فقد برئت عنه الذمة".
4 -
نقلهما الونشريسي في "المعيار": 2/ 125 - 126.
5 -
في "الأصل"(سمر) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.
وهو: سمرة بن جندب بن هلال الفزاري: صحابي من الشجعان القادة، نشأ في المدينة، ونزل البصرة، أمّره معاوية على البصرة عاماً أو نحوه ثم عزله، كتب رسالة إلى بنيه، قال ابن سيرين:(فيها علم كثير). مات (سنة 60هـ). (ابن حبيب- المحبر: 295، ابن حجر- تهذيب: 4/ 236).
6 -
أخرجه أبو داود في "سننه": 3/ 93. "كتاب: الجهاد" "باب: في الاقامة بأرض الشرك".
7 -
أنظر: الونشريسي- المعيار: 2/ 126، حيث قال بعد ما أورد الحديثين السابقين: (التنصيص في هذين الحديثين على المقصود بحيث لا يخفى على أحد ممّن له نظر سليم، =
ونقل في "المقدمات" الحديث الأول في كتاب: "التجارة إلى أرض الحرب" مقتصراً عليه، ثم قال: (فإذا وجب بالكتاب، والسنة، واجماع الأمة، على من أسلم بدار الحرب أن يهجره، ويلحق بدار الإسلام، ولا يقيم بين أظهر المشركين، لئلاّ تجري عليه أحكامهم، فكيف يباح لأحد الدخول إلى بلادهم، حيث تجري عليه أحكامهم في تجارة، أو غيرها!؟.
وقد كره "مالك"رحمه الله: أن يسكن أحد ببلد يكفر [53/أ] فيها بالرحمن، وتعبد من دونه الأوثان، لا تستقر نفس أحد على هذا إلاّ مسلم مريض الإيمان) 1 اهـ.
قلت: (أنظر: هل يسقط الحج عن من علم من نفسه، أنه لا طريق له إلاّ من بلادهم؟، إذ لا تباح طاعة بارتكاب معصية، لأن الدخول لبلادهم لتجارة أو غيرها ممنوع- كما رأيته- مسقط للشهادة والإمامة- وتقدّم عن "المازري": أنه لا يجوز الدخول لبلادهم لشراء الأقوات- أو يخفف له في ذلك؟، لم أر فيه نصاً).
ثم ذكر في كتاب "فلك السعادة"- اثر ما مرّ عنه، عن "الزناتي" في كتاب "المولد" 2 - :(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ترافقوهم في الأسفار، ولا تساكنوهم في الأمصار، واضربوا بينكم وبينهم بسور البعاد)3.
قال: (وروى "الزناتي"- في كتابه هذا- أيضاً-: أنه- عليه الصلاة والسلام قال: "من ضحك في وجه يهودي، فكأنما قرصني في فؤادي")4.
= وترجيح مستقيم. وقد ثبتا في الحسان من المصنفات الستة التي تدور عليها رحى الاسلام. قالوا: ولا معارض لها، ولا ناسخ، ولا مخصص، ولا غيرهما، ومقتضاهما لا مخالف لهما من المسلمين، وذلك كاف في الاحتجاج بهما).
1 -
أنظر ابن رشد- المقدمات: 612، "كتاب التجارة إلى أرض الحرب"، ونقله- أيضاً- الونشريسي في "المعيار": 2/ 124.
2 -
"مولد نبوي" لأبي عمران موسى بن أبي علي الزناتي الزموري المولد والمنشأ، نزيل مراكش، مات بها سنة (714هـ). أنظر: المنوني- ورقات عن الحضارة المغربية: 275.
3 -
لقد بحثت عنه بحثاً مضنيًّا في مصادر عدة فلم أقف عليه.
4 -
لم أقف عليه.
وذكر بعضهم: (عن "أبي موسى الأشعري "أرضي الله عنه، قال: قلت
"لعمر بن الخطاب "رضي الله عنه: أن في كنّابنا نصرانياً، قال: ما لك؟!
- قاتلك الله- ألأ اتخذت حنيفياً؟ 2، أما سمعت قول الله تعالى: (يا أيها الذين
آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض؟!، قلت: له دينه
ولط كتابته، قال: لا أكرمهم إذْ أهانهم الله، ولا أعرهم إذ أذلّهم الله، ولا أدنيهم
إذ أبعدهم الله، قلت: لا يتئم أمر النصرة إلاّ به، فقال: مات النصراني، والسلام
يعني: هب أنه مات، فما تصنع بعده، فافعله الآن، واستغنى عنه بغيره) 3 اهـ.
وقد قيل: (من والى أعداء الله، تبرأ منه، ووكله إليهم) اهـ.
فهذه النصوص القرآنية، والأحاديث النبوئة، والاجماعات القطعية، كلها 531/ ب،- كما في "المعيار"- صريحة في: وجوب الهجرة"، وحرمة لم الاقامة في بلادهم، ولا تجد لذلك مخالفاً من أهل القبلة.
وأما دمه وماله إذا لم يهاجر مع القدرة: فقال في "المعيار"- أيضاً- إثر ما مرّ
عنه: (اختلف الناس فيمن أسلم، وبقى "بدار الحرب ".
فقال "مالك ": "دمه محقون- أي معصوم- وماله فيء، فهو لمن أخذه،
أبو موصى، عبد الله بن قيس بن سليم بن حرب، الصحالي الجليل، الشجاع، الفاتح، وأحد الحكمين الفذين رضي بهما على ومعاوية بعد حرب لأصفين "، وأحسن الصحابة صوتأ في التلاوة، له (355) حديثاً، مات بالكوفة (سنة 44هـ). (ابن سعد- طبقات: 4/ 79، ابن الجوزي- صفة: 1/ 225، الزركلي- الأعلام: 14/ 4 1).
في "ب"(حنفياً) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وهو بمعنى الميل إلى الإسلام الثابت عليه، والمستقيم، ومن أسلم لأمر الله ولم يلتو. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 727/ 1، البستاق- فاكهة: 351).
أورده ابن قتيبة في "عيون الاخبار": 43/ 1! "كتاب السلطان،) عن اسحاق بن راهويه قال: لأعن عياض ابن أممط موسى، أن عمر بن الخطاب، قال لأممط موسى: ادع لمط كاتبدً ليقرأ لنا صحفأ جاءت من الشام، فقال أبو موصى: انه لا يدخل المسجد؟ قال عمر: أبه جنابة؟ قال: لا، ولكنه نصراق، فال: فرفع يده فضرب فخذه حتى كاد يكسرها ثم قال: مالك ....... "."
وليس بمعصوم حتى يخرج به لدار الإسلام".
وقال "الشافعي": "دمه وماله معصومان، وإن لم يخرج لدار الإسلام".
ويقول "الشافعي": قال "أشهب"، و"سحنون"، واختاره "ابن العربي".
وبقول "مالك" في المال: قال "أبو حنيفة" 1 - كما ترى-، وبه قال "أصبغ" 2، واختاره "ابن رشد"، وهو المشهور عن "مالك".
فمن أسلم منهم: عند "مالك"، "وأبي حنيفة"، ولم يحز مالاً ولا ولداً بدار الإسلام- أي: لم يخرج إليها بماله وولده- فكأنه: لا مال له ولا ولد عندهما، وكان اليد للكفّار، كما أن الدار لهم، فماله وولده لمن قاتل عليه من المسلمين، باتفاق هذين الإمامين) 3.
1 - الإمام النعمان بن ثابت، التيمي بالولاء، الكوفي: الفقيه، المجتهد، المحقق، أحد الأئمة الأربعة، قال الإمام الشافعي:(الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة) من كتبه "المسند" في الحديث و"المخارج" في الفقه. مات (سنة 150هـ). (البغدادي- تاريخ: 3/ 323 - 423، ابن خلكان- وفيات: 2/ 163، ابن كثير- البداية والنهاية: 10/ 107، كبرى زاده- مفتاح السعادة: 2/ 63 - 83).
2 -
أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع، فقيه من كبار المالكية "بمصر"، قال ابن الماجشون:"ما أخرجت مصر مثل أصبغ"، وكان كاتب ابن وهب، وله تصانيف. مات (سنة 225هـ). ابن خلكان- وفيات: 1/ 79).
3 -
قال الونشريسي: (والمسألة محققة في مسائل الخلاف مبنية على أن الحربي هل يملك ملكاً صحيحاً أم لا؟ وهل هو الإسلام أو الدار؟.
فمن ذهب إلى أنه يملك ملكاً صحيحاً تمسك بقوله- عليه السلام "هل ترك لنا عقيل من دار"، وبقوله صلى الله عليه وسلم:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها). فسوّى بين الدماء والأموال وأضافها إليهم، والإضافة تقتضي التمليك، ثم أخبر عمّن أسلم منهم أنه معصوم، وذلك يقتضي أن لا يكون لأحد عليه سبيل.
وتمسك- أيضاً- من أتبعه ماله بقوله صلى الله عليه وسلم (من أسلم على شيء فهو له)، وبقوله (لا يحلّ مال امرىء مسلم إلاّ عن طيب نفس منه).
وأما مالك وأبو حنيفة ومن قال بقولهما فعندهم أن العاصم إنما هو الدار، فما لم يحز المسلم ماله وولده بدار الإسلام، وإلاّ فما أصيب من ذلك بدار الكفر فهو فيء للمسليم، وكأن =
قال 1: (وهذا الخلاف: وإن كان إنّما ورد فيمن أسلم منهم، وبقي بين أظهرهم، ولم يهاجر، لكن المتأخرون 2: ألحقوا به في الحكم من كان مسلماً بالأصالة، وبقي ساكناً معهم، ولم يهاجر بعد استيلاء الطاغية على أرضه- وأخرى لو فرّ منّا إليهم- وسوّوا بينهما في الأحكام الفقهية المتعلقة بأموالهم وأولادهم، (ولم) 3 يروا فيها فرقاً بين الفريقين، وذلك لأنّهما في موالاة الأعداء، ومساكنتهم، ومداخلتهم، وملابسَتهم، وعدم مباينتهم 4، وترك الهجرة الواجبة عليهم سواء، فألحقوا- رضي الله [54/أ] عنهم-: من كان مسلماً بالأصالة، وبقي ساكناً بين أظهرهم، بمن أسلم منهم وبقي بدارهم، في جميع الأحكام.
فاجتهاد المتأخرين في هذا مجرد إلحاق ما سكت عنه الأقدمون، فيمن كان مسلماً بالأصالة، لعدم وقوعه في زمنهم، بمن أسلم منهم وبقي بدارهم، لاستوائهما في المعنى من كل وجه، وهو عدل من النظر واحتياط في الاجتهاد، فكان في غاية الحسن) 3.
قال: (لكن "ابن الحاج" 6: بعد أن وافق غيره في الإلحاق المذكور، بحث
= الكفّار عندهم لا يملكون، بل أموالهم وأولادهم حلال لمن يقدر عليها من المسلمين كدمائهم.
وقال ابن العربي- أيضاً- العاصم لدم المسلم الإسلام، ولماله الدار، وقال الشافعي: العاصم لهما جميعاً هو الإسلام، وقال أبو حنيفة، العاصم المقوم لهما هو الدار والموثم هو الإسلام). المعيار: 2/ 127، 128، 129).
1 -
أي: الونشريسي.
2 -
منهم: أبو عبد الله بن الحاج. (الونشريسي- المعيار: 2/ 129).
3 -
في "الأصل"(ولو) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".
4 -
المباينة: المفارقة، وتباين القوم: تهاجروا. (الرازي- مختار الصحاح: 32).
5 -
أنظر: الونشريسي- المعيار: 2/ 129.
6 -
هو أبو عبد الله، محمد بن أحمد المعروف بابن الحاج: الإمام الفقيه، الحافظ العالم، العمدة، المشاور القدوة، أخذ عن محمد بن فرج مولى ابن الطلاع وابن رزق وغيرهما. وروى عن: أبي مروان بن سراج وأبي علي الغساني، وعنه: ابنه أحمد، والقاضي عياض، ومحمد بن =
وفرّق من عنده بينهما: بأن مال من أسلم كان مباحاً قبل إسلامه، بخلاف مال المسلم بالأصالة، فإنه لم يتقدّم له كفر يبيح ماله 1.
ثم ذكر صاحب "المعيار" عن "ابن رشد" كلاماً 2، وقال عقبه:(هذا يؤذن بترجيح خلاف ما رجّحه ابن الحاج من الفرق المذكور) 3 اهـ كلام صاحب "المعيار" بتقديم، وتأخير، واختصار، وزيادة، للايضاح.
وقد علمت منه: أن المسلم بالأصالة ومن تجدّد إسلامه سواء في الأحكام المذكورة، وأن ما فرّق به "ابن الحاج" يردّ بما "لابن رشد"، لأنّه المقدم عند الاختلاف، ولا سيّما- وقد تقدّم-: أنه المشهور عن "مالك".
بل قد يقال: إن المسلم بالأصالة يؤخذ بالأحرى من حكم من أسلم لا بالمساواة، لأن من أسلم ربما يعذر، لقرب عهده بالإسلام، فلم يعلم بوجوب
= سعادة، وغيرهم، كان يدور القضاء في وقته بينه وبين أبي الوليد ابن رشد في خلافة يوسف بن تاشفين، من كتبه:"النوازل" المشهورة، و"شرح خطبة صحيح مسلم"، و"كتاب الايمان" وغير ذلك. قتل ظلماً وهو ساجد في صلاة الجمعة (سنة 529هـ). أنظر: ابن بشكوال- الصلة: 2/ 580 - 481، الضبي- بغية الملتمس: 51، مخلوف- شجرة النور: 132).
1 -
أنظر: الونشريسي- المعيار: 2/ 129، وقال (ويعتضد هذا الفرق بنص آخر مسألة من سماع يحيى من كتاب الجهاد ولفظه: وسألته عمّن تخلف من أهل "برشلونة" من المسلمين عن الارتحال عنهم بعد السنة التي أجّلت لهم يوم فتحت في ارتحالهم، فأغار على المسلمين تعوذاً ممّن يخاف من القتل ان ظفر به، فقال ما أراه إلاّ بمنزلة المحارب الذي يتلصّص بدار الإسلام من المسلمين، وذلك أنه مقيم على دين الإسلام، فإن أصيب فأمره إلى الإمام يحكم فيه بمثل ما يحكم في أهل الفساد والحرابة. وأما ماله فلا أراه يحلّ لأحد أصابه) انتهى.
2 -
هو قول ابن رشد في ردة على ابن الحاج: (انهم في غارتهم على المسلمين بمنزلة المحاربين، صحيح لا اختلاف فيه، لأن المسلم إذا حارب فسواء كانت حرابته في بلد الإسلام، أو في بلد الكفر، الحكم فيه سواء، وأما قوله في ماله: "أنه لا يحلّ لأحد أصابه"، فهو خلاف ظاهر قول مالك في "المدوّنة": في الذي يسلم في دار الحرب، ثم يغزو المسلمون تلك الدار فيصيبون أهله وماله، ان ذلك كله فيء، إذ لم يفرق فيها بين أن يكون الجيش غنم ماله وولده قبل خروجه أو بعد خروجه). (المعيار: 2/ 130).
3 -
انظر: الونشريسي- المعيار: 2/ 130.
الهجرة، والجهل بالأحكام له أثر في الجملة، فلا تفريط معه حينئذ، بخلاف المسلم بالأصالة، فالغالب علمه بوجوبها- ولا سيّما الفارّ منّا إليهم- فهو: مفرّط عاص بتركها، فالمسلم بالأصالة أسوأ حالاً قطعاً ممّن أسلم، وبه يبطل: تفريق "ابن الحاج" والله أعلم.
ثم قال في "المعيار": (قال بعض المحقّقين من الشيوخ: يظهر أن الأحكام الملحقة بهم في الأنفس والأولاد، جارية على المقيمين [54/ب] مع النصارى الحربيين، على حسب ما تقرر من الخلاف المتقدّم، ثم إن حاربونا ترجّحت حينئذ استباحة (دمائهم، وان أعانوهم بالمال على قتالنا: ترجّحت حينئذ استباحة) 1 أموالهم، وقد
ترجّح سبي ذراريهم) 2 اهـ.
قلت: ولا يخفى أن كل مقيم بدارهم، لا بدّ أن يؤدي جزية لهم، فهو (دائماً) 3 معين لهم علينا، ومكثر سوادهم، وذلك مرجّح لإباحة أموالهم، كما قاله الإمام "مالك"رحمه الله ومن وافقه، على ما مرّ بيانه.
وتقدّم في فصل الاستنفار، عن الإمام "ابن زكري": (أنهم يقاتلون قتال الكفار، حيث أعانوا الكفّار ولو بالمال. والله أعلم.
1 - ساقطة من "ب".
2 -
أنظر: الونشريسي- المعيار: 2/ 130.
3 -
في "الأصل"(دائم) والصواب ما أثبتناه.