المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأما‌ ‌ المسألة الرابعة: ففيها: أربعة فصول ‌ ‌الفصل الأول فيما يجب على الإمام - أجوبة التسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد

[التسولي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌القسم الأولالدّراسة

- ‌الفصل الأولترجمة‌‌ الإمام التُّسُوُلي

- ‌ الإمام التُّسُوُلي

- ‌عصره

- ‌أولاً: الحياة السياسيّة:

- ‌أ - الصراع على الحكم وأثره في إضعاف الدولة:

- ‌ب - الاضطرابات والفتن:

- ‌ج - القضاء على الأسطول المغربي:

- ‌د - مأساة الجزائر وموقف المغرب منها:

- ‌ثانياً: الحياة الاجماعية والاقصادية:

- ‌ثالثاً: الحياة العلميّة:

- ‌حياته

- ‌اسمه ونسبه وصفته

- ‌أسرته:

- ‌نشأته:

- ‌وفاته:

- ‌شيوخه:

- ‌مكانته في العلم والجهاد

- ‌أ - مكانته في العلم:

- ‌ب - مكانته في الجهاد:

- ‌آثاره

- ‌أولاً- تلاميذه:

- ‌ثانياً: مؤلفاته:

- ‌الفصل الثانيحركة التأليف الجهادية في عصرالإمام التُّسولي

- ‌حركة التأليف الجهادية بالمغرب في عصر التُّسولي:

- ‌أولاً - المؤلفات الجهادية العامة:

- ‌ثانياً - المؤلفات الخاصة بتنظيم الجيش:

- ‌الفصل الثالثالتّعريف بالكتاب

- ‌أولاً: "عنوان الكتاب وصحة نسبته للمؤلف

- ‌محتواه

- ‌ثانياً: محتواه وأسلوبه:

- ‌ أسلوبه:

- ‌ثالثاً: مصادره

- ‌مصادر الفقه والأصول:

- ‌مصادر السياسة الشرعية والجهاد والسير والتصوّف:

- ‌مصادر الحديث:

- ‌مصادر التفسير:

- ‌رابعاً: أهميته وانتشاره:

- ‌خامساً: وصف النسخ:

- ‌النسخة الأولى:

- ‌النسخة الثانية:

- ‌النسخة الثالثة:

- ‌النسخة الرابعة:

- ‌سادساً: منهجي في التحقيق:

- ‌القسم الثانينصّ الكتاب وتحقيقه

- ‌نص السؤال

- ‌ونص الجواب

- ‌المسألة الأولى

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس

- ‌الفصل السابع

- ‌ المسألة الثانية:

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌ المسألة الثالثة:

- ‌حكم مانع الزكاة مع تحقّق عمارة ذمته، أو عدم تحققها

- ‌ المسألة الرابعة:

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌ المسألة الخامسة:

- ‌خاتمة

- ‌الملاحق

- ‌ملحق رقم (1)

- ‌ملحق رقم (2)

- ‌الفهارس

- ‌فهرس الآيات

- ‌فهرس الأحاديث

- ‌فهرس المصطلحات الفقهية

- ‌فهرس المصطلحات العسكرية والسياسية

- ‌فهرس الأشعار

- ‌فهرس الكتب الواردة في الكتاب

- ‌فهرس الأعلام

- ‌الكنى

- ‌من نسب لأبيه

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌ المخطوطة والمطبوعة

- ‌ الفهارس والمعاجم

- ‌ المجلات والدوريات

الفصل: وأما‌ ‌ المسألة الرابعة: ففيها: أربعة فصول ‌ ‌الفصل الأول فيما يجب على الإمام

وأما‌

‌ المسألة الرابعة:

ففيها: أربعة فصول

‌الفصل الأول

فيما يجب على الإمام من (إجبار) 8 الرعية على

الاستعداد لأن العدوّ دائماً لهم بالمرصاد 2

ــ

اعلم: "أن مثل الناس بلا سلطان، مثل الحوت في الماء يزدرد 3 الكبير الصغير" فمتى لم يكن لهم سلطان لم ينتظم لهم أمر 4.

فالأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- هم أعمّ خلق الله نفعاً، فهم أجلّ خلق الله قدراً، لأنهم تعاطوا إصلاح الخلائق دنيا وأخرى، وأمرهم الله تعالى: أن يأمروا أممهم بالاستعداد، ومقاتلة الكفار، ليخرجوا بذلك من الظلمات إلى النور، وكذلك السلطان هو: خليفة النبوّة في إصلاح الخلائق، ودعائهم إلى

1 - في "الأصل"(أخبار) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".

2 -

بالكسر: الطريق والمكان يرصد فيه العدوّ، والراصد للشيء، الراقب له. (ابن منظور- لسان العرب: 1653 - 1654).

3 -

أي: "يبلع" يقال: "زرد" اللقمة: بلعها. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 2/ 444). قال ابن الأزرق: (ان توهّم الاستغناء عن السلطان باطل، أما في الدين، فلامتناع حمل الناس على ما عرفوا منه طوعاً أو كرهاً دون نصبه، "ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". وأما في الدنيا، فلأن حامل الطبع والدين، لا يكفي في إقامة مصالحها على الوجه الأفضل غالباً). (بدائع السلك في طبائع الملك: 1/ 68).

وقال الآمدي: (ولذلك نجد من لا سلطان لهم كالذئاب الشاردة والأسود الضارية، لا يبقى بعضهم على بعض، ولا يحافظون على سنّة ولا فرض، ولهذا قيل: "السيف والسنان، يفعلان ما لا يفعل البرهان").

(غاية المرام في علم الكلام: 374، ونقله- أيضاً- ابن الأزرق في "بدائع السلك": 1/ 69).

ص: 243

عبادة الرحمن، وإقامة دينهم، وتقويم أمرهم- من استعداد [36/أ] وغيره- وبذل النصيحة لهم، فليس فوق الإمام العادل إلاّ نبي مرسل، أو ملك مقرب.

فحقيق على الرعية: أن ترغب 1 إلى الله في إصلاح السلطان، وحقيق على السلطان: أن يحملهم على إقامة دينهم، وتقويم أمرهم- كما تقدّم في الفصل السابع- في شرح قوله: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ

} - وكما قال تعالى: {إِنَّ اللَّة يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَةلِةا} 2 فالخطاب: للولاة على أحد الاحتمالات بأداء الأمانات، أي: التكاليف التي كلّفوا بها في الرعية- من الحكم بالعدل- وتدبير أمرهم بما يعود عليهم نفعه- من استعداد وغيره 3.

ثم قال تعالى- في حق الرعية-: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّة وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} 4.

فإنه تعالى: لما أمر السلاطين والولاة بأداء الأمانات- من الحكم بالعدل- وتدبير الأمر- من الاستعداد وغيره- أمر الرعية: بالسمع والطاعة لهم، فكل منهما أمره سبحانه: أن يقوم بحق الآخر 3.

1 - من رغب إليه: ابتهل وضرع وطلب. (المعجم الوسيط: 1/ 357).

2 -

سورة النساء / آية 58.

3 -

قال القرطبي: (هذه الآية من أمهات الأحكام تضمّنت جميع الدين والشرع. وقد اختلف من المخاطب بها، فقال على بن أبي طالب، وزيد بن أسلم، وشهر بن حوشب، وابن زيد:"هذا خطاب لولاة المسلمين خاصة، فهي للنبي صلى الله عليه وسلم وأمرائه، ثم تتناول من بعدهم" وقال ابن جريج وغيره: "ذلك خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة في أمر مفتاح الكعبة حين أخذه من عثمان بن أبي طلحة".

ثم قال: (والأظهر في الآية أنها عامة في جميع الناس، فهي تتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال وردّ الظلامات والعدل من الحكومات- وهذا اختيار الطبري-، ليتتناول من دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرر في الشهادات وغير ذلك).

(الجامع لأحكام القرآن: 5/ 255 - 256).

4 -

سورة النساء / آية 59.

5 -

قال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه: (حق على الإمام أن يحكم بالعدل ويؤدّي الأمانة فإذا فعل ذلك فحق على الرعية ان يسمعوا ويطيعوا).

(ابن عاشور- التحرير: 5/ 96، سورة النساء / آية 59).

ص: 244

ثم قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ- اي: اختلفتم أنتم وأولو الأمر في شيء فردّوه- إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ

} 1 هكذا في الكشاف 2، وغيره 3.

وإذا وجب على الإمام: أن يؤدي الأمانات- من العدل- وبذل النصح- وتدبير الأمر- ولم يفعل فهو غاش لنفسه ولرعيّته، ولذا قال العلماء- حسبما تقدّم في الفصل السابع-:(من ترك أمة محمد صلى الله عليه وسلم تجري على أحكام تخالف أحكام الكتاب والسنة، فقد غشّها).

وقد قال- عليه الصلاة والسلام "من غشّ أمتي فعليه لعنة الله".

وتقدّم أيضاً- في الفصل المذكور-: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من استرعاه الله رعية فليحفظها بالنصيحة، وإن لم يحفظها بالنصيحة [36/ب] لم يرح رائحة الجنة".

إلى غير ذلك: من الوعيد اللاحق له- المنقول في الفصل المذكور- والمنقول أيضاً:- في الفصل الثاني من المسألة الثانية- عن الحرالي 4، على قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ

إلى قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ

1 - تابعة للآية السابقة، وتمامها:{إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} .

2 -

أورده الزمخشري في "الكشاف": 1/ 524.

3 -

قال ابن عاشور: (وضمير "تنازعهم" راجع للذين آمنوا فيشمل كل من يمكن بينهم التنازع، وهم من عدا الرسول، إذ لا ينازعه المؤمنون، فشمل تنازع العموم بعضهم مع بعض، وشمل تنازع ولاة الأمور بعضهم مع بعض، وشمل ننازع الرعية مع ولاة أمورهم، وشمل تنازع العلماء بعضهم مع بعض في شؤون علم الدين، وإذا نظرنا إلى ما ذكر في سبب النزول نجد المراد ابتداء هو الخلاف بين الأمراء والأمة، ولذلك نجد المفسرين قد فسّروه ببعض صور من هذه الصور، فليس مقصدهم قصر الآية على ما فسّروا به، وأحسن عباراتهم في هذا قول "الطبري": "يعني فان اختلفتم أيها المؤمنون أنتم فيما بينكم أو أنتم وأولو أمركم فيه". وعن "مجاهد":، فان تنازع العلماء ردّوه إلى الله). (التحرير والتنوير: 5/ 99).

4 -

في "الأصل"(المحرالي) وفي "ب"(الحراني) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ج" و"د".

ص: 245

وَالْجُوعِ

} 1.

ولهذا قال العلماء أيضاً- حسبما في أواخر "شرح نظم بيوع" ابن جماعة 2 - ونقله غير واحد- ما نصّه: (من البدع المحرمة: التواطؤ على ترك إهمال اقتناء الخيول لأهل القدرة، واكتساب أنواع العدّة، وتعلم الرماية التي بها يسيد الرجل ويصول 3، وترك التحصين 4 والتحفير على ثغور المؤمنين، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} 5 والتحفير والتحصين من العدّة) 6 اهـ.

قال في (الكشاف ": ("من قوة"- أي- من كل ما يتقوّى به في الحرب من

1 - سورة البقرة / آية 153، 155، ونصّها:{يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّة مَعَ الصَّابِرِينَ} {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} .

2 -

هو: أبو بكر بن القاسم بن جماعة الهواري التونسي، الشيخ الفاضل، من شيوخه:"ابن واجد"، وهو أول من أدخل شرحه على الجمل لأفريقية.

وممّن شرح نظمه هذا "القبّاب لما وتوجد نسخة منه في دار الكتب الوطنية بتونس "فهرس العبدلية " رقم: 19738.

وقال كنون- في ترجمة- "أبو القاسم بن خجو": (أن له كتاب: شرح نظم بيوع ابن جماعة". مات (سنة 712هـ). (وفيات الونشريسي في كتاب: "ألف سنة من الوفيات": 101، كنون- النبوع المغربي: 1/ 262).

3 -

من صال بمعنى: وثب، ويقال:"ربّ قول أشد من صول" الرازي- الصحاح: 296).

4 -

التحصين: تقوية الموضع بالحفر وبالأسلاك الشائكة وبالألغام وبالنار. (شيت خطاب- المصطحات العسكرية: 1/ 188).

5 -

سورة الأنفال / آية 60، وتمامها:{وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} .

6 -

لقد بحثت عنه في "شرح القباب لنظم بيوع ابن جماعة" ولكنني لم أقف عليه ولعلّه يكون في شرخ آخر.

ص: 246

عددها. وعن "عقبة بن عامر" 1: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر:

"ألا إن القوة الرمي، قالها: ثلاثاً"- أي: تعلم الإصابة في الرمي- ومات عقبة هذا: عن سبعين قوساً، وعن "عكرمة" 2: هي "الحصون") 3.

أي: "القوة" هي تحصين الحصون بالتحفير وغيره 4.

وروي الحديث المتقدم: في "صحيح" مسلم 5، وكذا رواه: أبو عوانة 6 في

1 - هو: عقبة بن عامر بن عبس بن مالك الجهني: أمير من الصحابة، ولي مصر (سنة 44هـ)، وعزل عنها (سنة 47هـ)، وكان شجاعاً فارساً من الرماة، فقيهاً شاعراً، قارئاً، وهو أحد من جمع القرآن. مات بمصر (سنة 58هـ).

(ابن الأثير- أسد الغابة: 3/ 417، ابن إياس- بدائع الزهور: 101/ 109.

2 -

أبو عبد الله، عكرمة بن عبد الله البربري المدني، مولى عبد الله بن عباس: تابعي، كان من أعلم الناس بالتفسير والمغازي. طاف البلدان، وروى عنه زهاء ثلاثمائة رجل، منهم أكثر من سبعين تابعياً، مات بالمدينة (سنة 105هـ).

(الذهبي- ميزان الاعتدال: 2/ 208، ابن خلكان- وفيات الأعيان: 1/ 319 الزركلي- الأعلام: 4/ 244).

3 -

قاله "الزمخشري، في "الكشاف": 2/ 232.

4 -

قال القرطبي: (قال ابن عباس: القوة ها هنا السلاح والقسّي).

(الجامع لأحكام القرآن: 8/ 35).

وقال ابن عاشور: (وقوته- أيضاً- سلاحه وعتاده، وهو المراد هنا، فهو مجاز مرسل بواسطتين فاتخاذ السيوف والرماح والأقواس والنبال من القوة في جيوش العصور الماضية، واتخاذ الدبابات والمدافع والطيارات والصواريخ من القوة في جيوش عصرنا).

(التحرير والتنوير: 10/ 55).

5 -

أخرجه مسلم في "صحيحه": 3/ 1522، "كتاب: الامارة"، باب: فضل الرمي والحثّ عليه".

6 -

أبو عوانة، يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم النيسابوري، ثم الأسفراييني: من أكابر حفاظ الحديث، نعته "ياقوت" بأحد حفاظ الدنيا، طاف الشام ومصر والعراق والحجاز واليمن وبلاد فارس في طلب الحديث، وهو أول من أدخل كتب الشافعي ومذهبه في "أسفرايين". من كتبه، كتابه هذا "الصحيح المسند" وقد طبع وهو مخرج على صحيح مسلم، وله فيه زيادات. مات (سنة 316هـ). (ابن خلكان- وفيات: 2/ 308، حاجي خليفة- كشف الظنون: 2/ 1679، الزركلي- الأعلام: 8/ 196).

ص: 247

"صحيحه"، وبوّب له فقال:(باب: بيان الترغيب في الرمي، وإيجابه على المسلم)1.

قال الإمام الطرطوشي: (قوله تعالى: {مَا اسْتَطَعْتُمْ} مشتمل على ما في مقدور البشر من: العدة، والآلة، والحيلة) 2 اهـ.

وقوله: (والحيلة) تقدّمت الإشارة إلى بعضه: في الفصل الثاني من فصلي المسألة الثانية.

وقال الإمام ابن طلحة 3: (يلزم الإمام حمل الناس على الجهاد، فإن اتكل على أن (يتكلف) 4 الناس بأنفسهم، ضاع الباب، وتهدّم الإسلام، إذ لا يتمّ الجهاد إلاّ بحمل الإمام الناس عليه، وأخذ أموالهم من وجهها، [37/أ] ووضعها في محلّها من جيوشهم، ويحمل 5 أهل المال: على كسب الخيول، وآلة الحرب، وسدّ الثغور) اهـ.

فتأملوا- أيّدكم الله-!: هذا التحريض على الاستعداد، وهو قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} 6 وقوله- تعالى-: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ

1 - لعلّه أخرجه في "كتاب الجهاد"، ولم أقف إلاّ على جزءين منه مطبوعين تناول فيهما أبواب: الأعمال والفرائض والصلاة.

وأخرجه- أيضاً- الحاكم في "مستدركه": 2/ 328، "كتاب التفسير" وأبو داود الطيالسي في "مسنده". أنظر: منحة العبود: رقم 1182).

2 -

قاله الطرطوشي في "سراجه": 174، "باب: في ذكر الحروب وتدبيرها وحيلها وأحكامها".

3 -

هو: أبو بكر عبد الله بن طلحة اليابرى الاشبيلي القاضي: فقيه، أصولي، مفسّر، روى عن أبي الوليد الباجي، له رحلة مشرقية، وممن أخذ عنه بمكة "الزمخشري". من كتبه:"المدخل" وهو أحد كتابين له في الأصول والفقه وود فيهما عن ابن حزم، وصل إلى "المهدية"(سنة 513هـ)، وألف لأميرها كتاب "سيف الإسلام"، واستوطن مصر، ومات بمكة في تاريخ غير معروف. (مخلوف- شجرة النور: 130).

4 -

في "الأصل"(يتّكل) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج".

5 -

في "ب"و"ج". (ويجبر).

6 -

سورة الأنفال / آية 60.

ص: 248

غِلْظَةً} 1 أي: بأساً وخشونة، وقوله- تعالى-:{وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} 2 وقوله- تعالى-: {يَا أَيُّةا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} إلى غير ذلك من الآيات الكريمة الصريحة في هذا المعنى، والأمر من الله تعالى- إذا ورد فهو-: للوجوب حقيقة.

ولذا: قال ابن طلحة: (يلزم الإمام

إلخ)، وقال أبو عوانة- فيما مرّ عنه-:(وإيجابه على المسلم) وقال في الكافي 3، والقرطبي، وابن عرفة، وغيرهم: (فرض على الإمام: إغزاء طائفة إلى العدوّ كل سنّة

إلخ) 4.

فالخطاب: في هذه الآيات المتقدمة، وما اشبهها- من قوله تعالى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} - {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} - {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 5 أي: شرك- {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} 6 - {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} 7 - إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة- إنما

1 - سورة التوبة / طرف من آية: 123.

2 -

سورة التوبة / آية 73، وسورة التحريم / آية 9.

3 -

"الكافي" في فروع المالكية، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي: من كبار حفاظ الحديث، مؤرخ، أديب، بحاثة، يقال له حافظ المغرب، ولد بقرطبة.

وكتابه هذا قد طبع في الرياض في مجلدين. ومن كتبه- أيضاً-: "الدرر في اختصار المغازي والسير" و"العقل والعقلاء" وغير ذلك. مات 8 بشاطبة" (سنة 463هـ). (ابن خلكان- وفيات: 2/ 348، ابن فرحون- الديباج: 357، الزركلي- الأعلام: 8/ 240).

4 -

نقله ابن عبد البر في "الكافي": 1/ 463، "باب: واجب الجهاد ونافلته" والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": 8/ 152، (سورة التوبة / آية 41). والمواق في "التاج والإكليل ومواهب الجليل": 3/ 346، "كتاب الجهاد" وعزاه لابن عبد البر في "الكافي".

5 -

طرف من آيتين: سورة البقرة / آية 193، وتمامها:{وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} .

سورة الأنفال / آية 39، وتمامها:{وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} .

6 -

سورة التوبة / آية 14، وتمامها:{وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} .

7 -

سورة محمد / آية 35، وتمامها: (وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}.

ص: 249

هو في ذلك كلّه: إلى الأئمة، إذ بيدهم الحل والعقد ن فيجب عليهم: أن يجبروا الرعية، وعلى الرعية: أن يمتثلوا- كما تقدّم ذلك مبسوطاً في فصل الاستنفار من المسألة الثانية.

ولذا قال الفقهاء- كما في الشامل وغيره-: (لا يجوز خروج جيش دون إذن الإمام، وتوليته عليهم من يحفظهم)1.

وقال الشيخ زرّوق 2 - كما في الحطّاب-: (التوجّه للجهاد بغير إذن الإمام سلّم الفتنة، وقلّ ما اشتغل به أحد فانجح) 3 اهـ.

فأنت: تراهم منعوا جهاد الرعية بغير إذن الإمام الذي يضبط أمرهم، لأنّهم: وإن خرجوا بمائة ألف مثلاً، فلا يذهبون ببعض الطريق إلاّ تنازعوا وفشلوا قبل الوصول للمحل، وإن وصلوا لم يحصلوا على طائل- إذ التقدم للحروب لا يكون إلاّ بضبط وقهر، وكيفية ترتيب- وغير ذلك-.

فإذا كان كذلك: تعيّن أن يكون الخطاب في تلك الآيات الكريمة، والأحاديث النبويّة، إنّما هو للإمام، فإن لم يكن إمام تعلّق الخطاب بالمسلمين في نصبه، وإقامة أمور الجهاد.

ولذا قالوا: (يلزم الإمام: أن يحمل الناس على الاستعداد ومباشرة القتال) - كما مر-.

وقال الإمام "القرطبي"، وصاحب "الكافي" وغيرهم: (فرض على الإمام إغزاء

1 - أنظر: بهرام في "الشامل": 64 - ب.

2 -

أبو العباس، أحمد بن أحمد بن عيسى البرنسي، الفاسي: فقيه، محدث، صوفي، تفقّه بفاس، وقرأ بمصر والمدينة، له تصانيف كثيرة يميل فيها إلى الاختصار مع التحرير، منها:"شرح مختصر خليل" و"النصيحة الكافية لمن خصّه الله بالعافية- ط" و"إعانة المتوجه المسكين على طريق الفتح والتمكين"، مات (سنة 899هـ). (السخاوي- الضوء اللامع: 1/ 222، مخلوف- شجرة النور: 267، الزركلي- الأعلام:1/ 91).

3 -

أنظر: الحطاب في "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل": 3/ 350، "باب: الجهاد"، عند قول خليل:(وبتعيين الإمام).

ص: 250

طائفة إلى العدوّ كل سنة مرّة، يخرج معهم بنفسه، أو يولّي عليهم من يثق به، وفرض على الناس في أموالهم وأنفسهم: الخروج المذكور، لا خروجهم كافة) اهـ.

أي: لقوله- تعالى-: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} وهذا: إن كان العدوّ مطلوباً، لا إن كان طالباً، فيتعيّن الخروج على جميع ما نزل بهم- كما يأتي-.

فانظروا- أيّدكم الله-!: إلى قولهم: (فرض على الإمام

إلخ) فالوجوب المستفاد من تلك الآيات متوجّه: إلى الإمام- والرعية يجب عليها طاعته فيه ولي غيره - فإذا فرّط واتّكل على أن يجاهدوا، ويستعدوا بالخيل، وتعلم الرمي، كان ممّن لحقهم الوعيد المتقدم- هاهنا- وفي فصل الاستنفار- وناهيك بذلك وعيداً فضيعاً.

فتبيّن: أن الإمام هو: قطب رحاها 1، وشمس ضحاها، وأن عليه المدار في الجبر على الاستعداد وتوابعه من التقدم للجهاد.

قال تعالى: {يَا أَيُّةا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} والتحريض: المبالغة في الحثّ على الأمر، ولا قتال، ولا غلظة، ولا علو 2 [38/أ] إلاّ بآلة، واستعداد.

فيجب عليه: أن يأمر أهل القدرة باقتناء الخيول، وتعلّم الرماية، ويفرض (الادالات) 3 على القبائل، للتحفير على الثغور، والحصون، وكل قبيلة تموّن

1 - أي: أن الإمام هو قطب رحى الرعية، وإنما شبّه بقطب الرحى: وهي الحديدة التي في الطبق الأسفل من الرحيين يدور عليها الطبق الأعلى، فكذا الإمام بالنسبة لرعيته، فهو سيّدهم الذي يدور عليه أمرهم. (الرازي- مختار الصحاح: 427).

2 -

العلوّ: الغلبة، والرفعة، والشرف. الرازي- (مختار الصحاح: 356).

3 -

في"ب"(الآلات) والصواب ما أثبتناه، والادالة هي: حامية عسكرية من الجيش السلطاني النظامي أو من قبائل الجيش تقوم بحراسة أحد المراكز وتتناوب عدة ادالات حيث "تتداول" الخفارة في المراكز التي يعينها لها السلطان وهي في المصطح العسكرى: اسهام من طرف مدينة أو اقليم لتعزيز حامية، من ذلك: الادالة التي وجهها أهل فاس الصويرة عام (1179هـ / 1765م) في عهد السلطان سيدي محمد ابن عبد الله عند ما أسس المدينة وهي عبارة عن خمسين رامياً بقائدها مع فقيه، ومدرّس، ومؤقت، ومؤذن، وشاهدين، وأسقط عنهم البعث الذي كان يفرضه الملوك قبله وهو خمسمائة رام" (أنظر: ابن عبد الله- الموسوعة المغربية:4/ 6).

ص: 251

(ادالتها) أو بما يظهر، وكذا: يفعل فيما تهدّم من أسوار الثغور وأبرجتها 1، ويكثر من المهراز 2، والانفاض، (والبنب) 3، وغير ذلك من آلات الحرب، ويأمرهم: بالضرب بالانفاض، والمهراز والنبال، وغير ذلك بين يديه- كما مرّ في الفصل الثاني من المسألة الثانية-، ليعلم النجيب منهم فيكرمه، وغيره فيهينه، ويحرضهم على الذهاب إليهم، وقتالهم في أراضيهم- كما قال تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} 4 - ويأمرهم: أن لا يكونوا من الطائفة القائلة: {لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ

} - بل من الطائفة الأخرى القائلة- {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} 5، لما مر في فصل الاستنفار 6:(أن للقلّة النصر، وللكثرة الرعب، فالكثرة أبداً يلزمها الإعجاب، وفي الإعجاب الهلاك).

قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ (فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ) شَيْئًا

} 7.

ومن كانت هذه نيّته، وفنى مملكته في الاستعداد والتدريب، وعيّن من كل قبيلة مثلاً مائة فارس ونحوها، ومن شجعانها وأبطالها الذين رموا بين يديه، وظهرت نجابتهم في الإصابة بالرمي في الكرّ والفرط بمرأي من عينيه، حصلت له ولهم مزية الجهاد- ولم ترعهم الكتائب الوافرة- وإن كانوا هم أقل عدداً- بل هم مجاهدون، وإن ماتوا قبل ملاقاة العدوّ، لأنهم على نيّته،

1 - جمع "برج" وهو: الحصن في المدن وفي الخطوط الدفاعية. وبرج المراقبة: الحصن المشرف الذي يراقب العدوّ منه. (شيت خطاب- المصطلحات العسكرية: 1/ 77).

2 -

بحثت عن معناها فلم أقف عليه، وهو الثابت في جميع النسخ، ولعلّها تحصيف من المهراس الذي هو مدفع الهاوون. (أنظر: المنوفي- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 154).

3 -

سورة البقرة / آية 249، وتمامها:{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّة مُبْتَلِيكُمْ بِنَةرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} .

4 -

سورة التوبة / آية 36.

5 -

هي القنابل الثقيلة. أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 154.

6 -

أنظر قول الطرطوشي في: 219.

7 -

سورة التوبة / آية 25.

ص: 252

"وإنما الأعمال بالنيات "1.

فسعدوا- والله-! وكفى بمزية الجهاد مزية، إذ لا يدركها أحد ولو استمرّ [38/ب] في، العبادة ألف سنة، لأنّه: أعزّ دين الإسلام، ومشى على نهجه- عليه الصلاة والسلام

- وقام بأوامر الله أحسن قيام، وبالغ في إعلاء كلمات الله مبالغة الأبرار الكرام.

قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} 2. ثم قال: {وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ

} 3.

وإن هو أهمل ذلك الاستعداد، وترك رعيّته على ما هم عليه من الافتخار باللّباس، والانهماك في المآكل والازدراد، والاشتغال بزينة يحلّى بها نحر وجيد 4، والتنافس فيما لا يغني في الشدائد ولا يفيد، حتى تداعت الصلبان محيلة عليهم وعليه، وتحركت الطواغيت من كل جهة إليهم وإليه: فقد تلّه 5 الشيطان

1 - أخرجه البخاري في "صحيحه"، أنظر:"فتح الباري في شرح صحيح البخاري": 1/ 9 "كتاب: بدء الوحي"، وهو أول حديث في الصحيح.

ومسلم في "صحيحه": 3/ 1515 "كتاب الامارة""باب: إنما الأعمال بالنية". وكلاهما أخرجاه عن طريق عمر بن الخطاب- رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكلّ امرىء ما نوى: فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".

2 -

سورة التوبة / آية 120، وتمامها:{مَا كَانَ لِأَةلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّة لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} .

3 -

سورة التوبة / آية 121، وتمامها:{لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

4 -

في "ب" وجيه) وهو تصحيف، وهي بمعنى: العنق، والجمع: أجياد، مثل: حمل وأحمال (المصباح المنير:1/ 143).

5 -

أي: صرعه، فهو: متلول وتليل، أو ألقاه على عنقه وخدّه. (ترتيب القاموس المحيط: 1/ 314).

ص: 253

للجبين، وخسر الدنيا والآخرة- ذلك هو الخسران المبين- (فلا هو [ولا] 1 هم مفلحون في الدنيا بغلبة عدوّهم) 2، ولا هو ولا هم مفلحون في الآخرة بالنجاة من عذاب ربّهم، للحوق ما تقدّم من الوعيد الفضيع إليهم، وذلك دأب الله- سبحانه- مع من أهمل أوامره، ورضي في الدنيا بالدون، وأمن مكر الله {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} 3.

فاعتبروا- يا أولي الأبصار-: فإن الذهول 4 عمّا وقع بأهل البلاد والقواعد غريب، وتفكّروا في منابرها التي كان 5 يعلو فيها واعظ وخطب، وفي مساجدها المتعدّدة الصفوف، كيف استولى عليها الكافر المريب 6؟، وكيف أخذ الله فيها بذنب المترفين 7 المعرضين عن الأوامر بالاستعداد من دونهم!؟، [39/أ] وعاقب الجمهور لمّا أغمضوا عن الاستعداد وممارسة القتال عيونهم، فساءت بالغفلة عنه عقبى جميعهم، وذهبت النقمات 8 بعاصيهم، ومن داهن في أمره من مطيعهم، قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} 9!.

فاستعدوا- أيّدكم الله-!: فإن ترك أوامر الله- التي من جملتها الاستعداد، والتدريب مع الحروب- مؤذنة بالبوار 10، وذريعة 11 لأن

1 - ساقطة من جميع النسخ، والإضافة من عندنا.

2 -

ساقطة من "ب".

3 -

سورة الأعراف / آية 99، وتمامها:{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} .

4 -

النسيان والغفلة. (المعجم الوسيط:1/ 317).

5 -

ساقطة من "ب".

6 -

المفزع، وأراب الرجل، أي: صار ذا ريبة، فهو مريب. (المعجم الوسيط: 1/ 386).

7 -

من ترف، أي: تنعّم، وأترفته النعمة: أطغته. (الرازي- مختار الصحاح: 57).

8 -

من النقمة- بالكسر والفتح-: المكافأة بالعقوبة. (ترتيب القاموس المحيط: 4/ 433).

9 -

سورة الأ نفال / آية 25، وتمامها: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّة شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

10 -

البوار: الهلاك. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 1/ 282).

1 -

1 - الذريعة: الوسيلة، والجمع، الذرائع. (الرازي- مختار الصحاح: 175).

ص: 254

تصبحوا مضغة في لهوات 1 الكفار، وانتصروا لدين الله غاية الانتصار، وتوجّهوا إلى الله تعالى بالتضرع 2 والانكسار، وإلاّ فقد تعيّن في الدنيا والآخرة حدّ الخسار.

فإن من ظهر عليه عدوّ دينه، وهو عن أوامر الله مصروف، وعلى الحطام 3 المسلوب 4 عنه ملهوف 5، لم تقم له بعد ذلك قائمة، قال تعالى:{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّة يَنْصُرْكُمْ} 6. [قال]: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْةرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} 7.

فمن استعدّ لعدوّه الكافر في الفسحة 8 (والمهلة) 9 وجد منفعة العدّة، ومن تقرّب إلى الله باتّباع أوامره- بالاستعداد وغيره- وجده في الشدة. والعاقل من لا يغترّ في الحروب بالسلم مع عدوّه بطول المدة، فإن الدهر يتقلّب، ويبلي 10 الجدّة، ويستوعب 11 العدّة.

1 - جمع "اللهاة" وهى: اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم. (الرازي- مختار الصحاح: 480، البستاني- فاكهة: 1318).

وهنا تشبيه بليغ، حيث وصف المسلمين المتهاونين في ترك أوامر الله الذين لا يؤخذون بأسباب الاستعداد والتدريب للجهاد أما العدوّ والكافر بالمضغة السهلة اللّينة أمام ماضغها.

2 -

في "ب" و"ج" و"د"(بالضراعة).

3 -

هو: كل ما في الدنيا من مال يفنى ولا يبقى. (البستاني- فاكهة البستان: 315).

4 -

من السّلب، وهو: الاختلاس، والانتزاع قهراً. (الرازي- مختار الصحاح: 244).

5 -

من لهف، وتلهّف عليه: حزن وتحسّر، ويقال:"هو ملهوف القلب"، اي: محترقه. (ابن منظور- لسان العرب: 4087).

6 -

سورة محمد / آية 7، وتمامها:{يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّة يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} .

7 -

سورة التوبة / آية 8، وتمامها:{يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} .

8 -

بالضم: السّعة: (الرازي- مختار الصحاح: 395).

9 -

والمهلة بالضم: السكينة، والرفق. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 4/ 292).

10 -

من بلي- بالكسر- وهو: الفناء، ويقال:"بلي الميت" أفنته الأرض. (الفيومي- المصباح المنير ك 1/ 78).

1 -

1 - أي: يستأصل. (الرازي- الصحاح: 577، المعجم الوسيط: 2/ 1054).

ص: 255

ولما استولى الكافر- دمّره الله- على ثغر الجزائر 1 - أعادها الله دار إسلام- في المحرّم سنة 1246 "ست وأربعين ومائتين وألف"، لفقت 2 خطة مشتملة على

التحريض على الاستعداد، وعلى بعض أحكام الجهاد، وخطت بها- بعد ذلك - في بعض البلاد، خروجاً: من عهدة 3 قوله- عليه الصلاة والسلام: "إذا

ظهرت البدع، وسكت العالم، فعليه (لعنة) 4 الله والعباد" 3 ومن عهدة قوله- تعالى-:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} 6 ومن عهدة قوله [39/ب] تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} 7 الموجب ذلك كله،

1 - أنظر: الجيلالي- تاريخ الجزائر العام: 3/ 381 - 394، "الحملة الفرنسية ضد الجزائر" حيث أنه في اليوم الثاني من شهر ذي الحجة 1245هـ /25 مايو 1930م غادرت الحملة الفرنسية ميناء "طولون" بقيادة الأميرال "دوبيري" متجهة إلى الجزائر، وكان دخولها من منطقة "سيدي فرج" على بعد أربعة عشر كيلومتراً غربي العاصمة، وهي المنطقة التي اختارها لنزول الجيش بها الخبير العسكري "بوتان" الذي كان قد بعث به نابليون من قبل (1808م)، لاختبار أرض الوطن، فاختار هذه الناحية لأن الحملة تستطيع منها أن تأتي مدينة الجزائر من خلفها بدل أن تتعرض لها من ناحية وجهها الحصين فيما لو أرادت النزول في شاطيء أو مرفأ مدينة الجزائر ذاتها، وهكذا بدون اعلان حرب أو إنذار بقتال أخذت الجيوش الفرنسية تنزل بأرض الجزائر إلى أن وقعت العاصمة في أيديهم في (14 محرّم 1246هـ) الموافق (5 جويلية 1830م).

2 -

لفّق: ضمّ كلام الخطبة بعضه إلى بعض كما يضمّ بين شقّي الثوبين بالخياطة، فيقال لفّق بين الثوبين، أي: لأم بينهما بالخياطة. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 4/ 158، البسناني - فاكهة: 1305).

3 -

ساقطة من "ب" و"ج" و"د".

4 -

ساقطة من "الأصل" ومن "ب"، والإضافة من و"ج" و"د".

5 -

أورده السيوطي في "جمع الجوامع": 1/ 70، عن معاذ، ولفظه:، إذا ظهرت البدع في أمتي وشتم أصحابي فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله" وعزاه للديلمي.

وكذا أورده في نفس المصدر السابق من طريق ابن عساكر عن معاذ: 1/ 70.

6 -

سورة آل عمران / آية 187، وتمامها:{وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} .

7 -

سورة البقرة / آية 159، وتمامها:{وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} .

ص: 256

لطرد الكاتم والإبعاد، وامتثالاً لقوله تعالى- في كتابه الكريم-:{وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} 1، ولقوله تعالى:{يَا أَيُّةا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} 2.

ولقوله صلى الله عليه وسلم ممّا أخرجه: "أحمد" و"الطبراني": "أن المؤمن يجاهد بسيفه، ولسانه" 3، ولقوله- عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه "السمرقندي"-4:"أن أول من يدخل الجنة سراً، والناس في الحساب من أمر بالجهاد، وحرّض عليه" 5 وهكذا أيضاً رواه في: "شفاء الصدور"6.

وعن عليّ- رضي الله عنه قال: "من حرّض أخاه على الجهاد، كان له أجره، وكان له في كل خطوة في ذلك عبادة سنة".

والمأثور عنهم في ذلك: لا يحويه ديوان، ولا يحصره زمام الأذهان، وكيف "والدين كجسم، والجهاد منه بمنزلة الرأس في الأجساد"!.

1 - سورة النساء / آية 84.

2 -

سورة الأنفال / آية 65.

3 -

أخرجه أحمد في "مسنده": 3/ 456، عن كعب بن مالك.

وأورده السيوطي في "جمع الجوامع": 2/ 211.

وجاء في "سنن" أبي داود، نحوه، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم). (عون المعبود شرح سنن أبي داود: 7/ 182).

4 -

أبو محمد، الحسن بن أحمد بن محمد بن جعفر السمرقندي القاسمي: إمام زمانه في الحديث، من كتبه:"بحر الأسانيد في صحاح المسانيد". جمع فيه مائة ألف حديث، قال الذهبي:(لم يقع في الإسلام مثله). مات (سنة 491هـ). (الكتاني- الرسالة المستطرفة: 125، الزركلي- الأعلام: 2/ 180).

5 -

لقد أطلت النفس في البحث عنه فلم أجده.

6 -

"شفاء الصدور"، لابن السبع، الإمام الخطيب أبي الربع سليمان السبتي، قال عنه صاحب "مشارع الأشواق"(وقفت عليه في نحو أربعة أسفار يشتمل على أحاديث في فضائل الأعمال وضع فيه مؤلفه من عجائب الغرائب أصولاً وفروعاً جمع فيه وادعى، وأودع أحاديثه عريّة عن الإسناد. (حاجي خليفة- كشف الظنون: 2/ 1050)، وقد أخبرني الشيخ العلاّمة محمد المنوني: أنه توجد قطعة منه في المغرب.

ص: 257

وأثبّتها هاهنا لما اشتملت عليه من التحريض، ونيل الثواب الجزيل في قتال أهل العناد.

نصّها: (الحمد لله، الواحد الأحد، المنزّه عن الأكفاء، والأضداد، المتعالي عن الأشياء، والشركاء، والأنداد، الذي هدى من وفّقه إلى طريق الرشاد، وخذل بعدله من أضّله فأوجب له الطرد والإبعاد، نحمده ونشكره على ما أسبغ 1 من النعم، ورفع من النقم، وهو سبحانه لمن حمده وشكره كفيل بالازدياد.

ونشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، شهادة ترغم 2 بها أنوف أهل الشرك والارتداد.

ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، المبعوث بدلائل الحقّ، وقتال أهل العناد، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الأبرار، وصحابته الأخيار- الذين [40/أ] بذلوا المجهود في قتال أهل الشرك، بذلاً خارجاً عن المعتاد- صلاة دائمة تقيناً بها من أهوال يوم الجزاء، الذي لا ينفع فيه مال، ولا وداد 3.

عباد الله!: عليكم بتقوى الله، وأجيبوا داعي الله، واعلموا: أن الله- سبحانه- أيّد هذا الدين المحمّدي بالجهاد، ووعد الساعي فيه، أو في شيء منه إلى سني المراد، فجعل- سبحانه- الشهيد بالحياة المحفوفة في برزخ 4 الموت بالرزق الجزيل وحسن الاستمداد، فما من ميت مقبول إلاّ ولا يتمنّى العود إلى الدنيا إلاّ الشهيد، لما يرى من فضل الشهادة عند ذي العرش المجيد، فيتمنّى: الرجوع إليها ليزداد- إذ له من الكرامة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر- يوم العباد!.

أخرج "الحاكم": عن "عائشة"رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 - أي: أتمّ. (المعجم الوسيط:1/ 416).

2 -

تقول: فعل ذلك على الرغم من أنفه، ورغم أنفي لله عز وجل.

معناه: ذلّ وانقاد، لأن أمسّ به التراب. (الرازي- مختار الصحاح: 198).

3 -

من المودّة، وهي: المحبّة. (المعجم الوسيط: 2/ 1031).

4 -

ما بين الموت والبعث، فمن مات فقد دخل البرزخ، قال تعالى:{وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (سورة المؤمنون / آية 100). (المعجم الوسيط: 1/ 48).

ص: 258

- قال: "لجابر 1 بن عبد الله"- وقد استشهد أبوه 2 في "أحد" 3: "ألا أبشّرك؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال:"إن الله أحيا أباك وأقعده بين يديه، وقال له: تمنّ عليّ ما شئت أعطيك؟، قال: يا ربّ ما عبدتك حق عبادتك، أتمنّى أن تردّني إلى الدنيا أقتل مع نبيّك مرة أخرى في الجهاد، قال: قد سبق منّي إنك إليها لا تردّ! "4.

فأعظم به من وصف لا تحصى فضائله، إذ قدمت على نوافل الخير المعلّى 5 نوافله، عند الربّ الرحيم الكريم يوم التناد.

فناهيك بأن للمجاهد مزية لا يدركها غيره، ولو عبد ألف سنة، هي حياته المحفوفة بالرزق الجزيل طول الأباد 6.

1 - جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري السلمي، صحابي، من المكثرين من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، غزا تسع عشرة غزوة، وكانت له حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم، روى له البخاري ومسلم وغيرهما. (1540) حديثاً، مات (سنة 78هـ).

(النووي- تهذيب الأسماء واللغات:1/ 142، ابن حجر- الإصابة: 2/ 45، الزركلي- الأعلام: 2/ 104).

2 -

هو: الصحابي عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي، يكنّى بأبي جابر، وكان عقبياً، بدرياً، شهد "بدراً""واحداً"، وقتل يوم "أحد"، ودفن هو وعمرو بن الجموح في قبر واحد، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ادفنوهما في قبر واحد فإنهما كانا متصاينين متصادقين في الدنيا". (ابن الأثير- أسد الغابة: 3/ 213 - 233).

3 -

بضم أوله وثانيه معاً: اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة أحد التي قتل فيها حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم ويقع في شمالي المدينة على قرابة ميل منها. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 1/ 109).

4 -

أورده الزبيدي في "اتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين": 3/ 24، بنحوه. والهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد": 9/ 317، (كتاب: المناقب" "باب: ما جاء في عبد الله بن عمرو بن حرام" بنحوه.

5 -

من العلاء بالفتح أو العلى وهو: الرفعة والشرف. (البستاني- فاكهة البستان: 981).

6 -

أي: مدى الدهر. (المعجم الوسيط:1/ 2).

ص: 259

أخرج "ابن جرير" 1: عن "الضحاك" 2 رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- لما أصيب أهل "أحد"-: [40/ب]"أعطاهم الله الشهادة، والحياة، والرزق الطيب"، قالوا: يا ليتنا من يبلّغ إخواننا: إنّا قد لقينا ربنا، فرضي عنّا، وأرضانا، فقال الله- تعالى-: أنا رسولكم إلى نبيّكم، وإخوانكم، وأنزل الله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ

} 3 {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ} 4 5.

فبيّن- سبحانه-: أنه لا نجاة من الموت، ولا محيد إلاّ في قتال أهل الكفر والعناد، فيا لها من مزية علت المزايا مراتبها، ورتبة علت المراتب فضائلها، فاق

1 - أبو جعفر، محمد بن جروير بن يزيد الطبري، المؤرخ، المفسّر، الإمام الثقة، المجتهد، استوطن بغداد، عرض عليه القضاء والمظالم فامتنع. من كتبه:"أخبار الرسل والملوك- ط"، يعرف بتاريخ الطبري، و"جامع البيان في تفسير القرآن- ط". مات (سنة 310هـ).

(الذهبي- تذكرة الحفاظ: 2/ 351، ابن كثير- البداية: 11/ 145، كبرى زاده- مفتاح السعادة: 1/ 205).

2 -

أبو سعيد، الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب الكلابي، شجاع، صحابي، كان نازلاً بنجد، وولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم هناك من قومه، وكانوا يعدونه بمائة فارس، وله شعر، مات (سنة 11هـ).

(ابن الأثير- أسد الغابة: 3/ 36، الزركلي- الأعلام: 3/ 214).

3 -

سورة آل عمران / آية 169، وتمامها: (عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.

4 -

سورة البقرة / آية 154، وتمامها: (وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ}.

5 -

أخرجه أبو داود في "سننه""أنظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود": 7/ 194، نحوه مطوّلاً من طريق: عثمان بن أبي شيبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.

وأحمد في "مسنده": 1/ 266، "كتاب الغزوات"، نحوه من طريق: أبي الزبير المكي عن ابن عباس.

والحاكم في "المستدرك ": 2/ 88، 297، نحوه مطوّلاً. وقال:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".

والبيهقى في "سننه": 9/ 163، "كتاب: السير" "باب: فضل الشهادة في سبيل الله عز وجل" نحوه.

وأورده الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين": 10/ 388، نحوه مختصراً.

ص: 260

بها المجاهد سائر العباد، وفاز بكريم منابها 1 يوم يقوم الاشهاد، فلو أراد أحدكم دواء للموت لم يجد له دواء إلاّ فناء نفسه في قتال أهل الكفر والارتداد!.

فحرّضوا أنفسكم وأشياعكم عليه بقلب وقالب 2 وجازم الاعتقاد، وأكثروا من الأهبة والنفر إليه، وبادروا له بغاية الاستعداد، فإن لم تشغلوهم شغلوكم، وإن لم تقاتلوهم قاتلوكم، كيف وهم لكم بالمرصاد، أو لا ترون أنهم نزلوا على من بالقرب 3 منكم، واستولوا لهم على أعظم الثغور، وصارت تخلي رعباً منهم المنازل والقصور، ويغتالون لهم الرقاب والأموال والولاد!.

فانظروا أيّدكم الله لأنفسكم!: فإن فساد الكفر لا يعدّ له فساد، يبثّ الشرك والتثليث، وينسخ كلمة التوحيد، ويمحي أثر قائلها من الأرض والبلاد!.

أولا تتيقّنون أن الله- سبحانه-: أمرنا بالغلظة عليهم، والتقوّي، وكثرة الاستعداد؟.

أولا تعلمون أن الله- سبحانه-: وعدنا بالنصر عليهم وهو سبحانه إن وعد بشيء لا يخلف الميعاد-؟ فقال- جلّ من قائل-: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّة يَنْصُرْكُمْ} 4، وقال:{وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} 5، وقال:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} 6 وقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 7، وقال:{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} 8، وقال:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} 9، وقال: (أم

1 - المناب:- بالفتح- مصدر: يقال: "ناب عنه نوباً ومناباً": قام مقامه. (الرازي- مختار الصحاح: 542، ترتيب القاموس المحيط: 1520).

2 -

القالب: ما تفرغ فيه المعادن وغيرها ليكون مثالاً لما يصاغ منها.

(الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 3/ 672، البستاني- فاكهة البستان: 1186).

3 -

أي: على "ثغر الجزائر".

4 -

سورة عمد / آية 7.

5 -

سورة التوبة / آية 123.

6 -

سورة الأنفال / آية 60.

7 -

سورة البقرة / آية 193.

8 -

سورة التوبة / آية 14.

9 -

سورة التوبة / آية 36.

ص: 261

حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاةدُوا مِنْكُمْ} 1 أي: أحسبتم: أن تتركوا فلا تؤمروا بالقتال في الجهاد، ولا تمتحنوا ليظهر الصادق في إيمانه من الكاذب، ويتميّز كل على الانفراد 2، وقال:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} 3 أي: لنعاملنّكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالقتال والجهاد، حتى يتبيّن الصابر على دينه من غيرم، وتظهر أخباركم للحاضر والباد 4.

فتنبّهوا- أيّدكم الله-!: فإنكم بهذه الآيات القرآنية المخاطبون، وبالأحاديث المصطفيّة المقصودون، إذ بيدكم الحلّ والعقد، والرعيّة في طوعكم، فكيف بأمرها بالجهاد تبخلون!؟ - وأنتم خلفاء الله في أرضه- فكيف على دينه لا تغيرون!؟، أأمنتم مكر الله- {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} -!؟ 5، أأتخذتم عند الله عهداً، فأنتم عليه متوكّلون!؟ 6، أم تعتقدون: أن كفاركم اليوم لا يقصدونكم بالقتال والجهاد؟، أم تقولون: نحن اشتغلنا اليوم بجهاد أنفسنا ورعيّتنا، (بالخدمة) 7 على الأولاد؟!.

والنبي- عليه الصلاة والسلام: إنما بعثه الله مجاهداً، وفي هذا العرض الأدنى زاهداً، متقنّعاً باليسير، وهو: يستعدّ لعدوّه الاستعداد الكبير، فإذا لم تقتدوا به فبمن تقتدون؟، وإذا لم تهتدوا به فبمن تهتدون؟، وإذا لم تشمّروا 8 عن

1 - سورة التوبة / آية 16، وتمامها:{وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} .

2 -

أنظر: القرطبي- "الجامع لأحكام القرآن ": 8/ 88.

3 -

سورة محمد / آية 31، وتمامها:{وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} .

4 -

قال القرطبي: ("ولنبلونّكم" أي: نتعبّدم بالشرائع وإن علمنا عواتب الأمور، وقيل: لنعاملنّكم معاملة المختبرين، {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}، قال ابن عباس: {حَتَّى نَعْلَمَ}، حتى نميّز، وقال علي- رضي الله عنه: {حَتَّى نَعْلَمَ}، حتى نرى). (الجامع لأحكام القرآن: 16/ 253).

5 -

سورة الأعراف / آية 99.

6 -

في "ب"(متّكلون).

7 -

ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج" و"د".

8 -

من شمّر ازاره تشميراً: رفعه، والتشمير في الأمر، السرعة فيه والخفة، ويقال: "شمّر عن

ص: 262

ساق الجدّ في هذه البرهة ففي أيّ وقت تشمرون!؟، وإذا لم تستعدّوا في هذه الفسحة فمتى تستعدّون!؟.

أفلا تتذكرون: أن الله- سبحانه- أمرنا بالذهاب إليهم، وقتالهم في أراضيهم، فكيف: إذا قدموا إلى برّنا هذا بالغيّ والفساد!؟، [41/ب] أم لنا براءة استثنانا الله- تعالى- بسببها من عموم دعوة العباد؟!.

فالجهاد: فرض عين على من نزل بهم عدوّ الدين، فإن لم تكن فيهم كفاية، أو لم تجتمع لهم كلمة: فعلى الذين يلونهم، (فإن لم تكن في الذين يلونهم كفاية، أو لم تجتمع لهم كلمة: فعلى الذين يلونهم) 1، وهكذا إلى أن تحصل الكفاية، ولو اتّصل ذلك من مثل "المغرب" لبغداد"، وعمّ ذلك من الآفاق الحاضر والباد.

فأيقظوا أنفسكم من وسن الغفلة 2، وانتهزوا من عدوّ الدين الفرصة ما دامت معكم فسحة الاستعداد، قبل أن يتفاقم الهول، ويحق القول، ويسدّ الباب، ويحق العذاب، وتسترق بالكفر الرقاب، ويحصل الفوت بسبب الازدياد- فإنكم إن لم تستعدّوا فهم لكم بصدد الاستعداد والوقوف لكم بالمرصاد، ولا تتّكلوا على ما يخبركم به ضعفاء العقول من وفائهم باستمرار العهود، وعدم نقضهم للميثاق المعقود، فإن ذلك كلّه مردود، إذ لا ميثاق ولا عهد لأعداء الدين وأهل الفساد، كيف ونحن لا نعتبر عهودهم وشهادتهم بالإضافة إليهم، فكيف نعتبرها بالنسبة إلينا بإجماع أهل العلم والاجتهاد!.

جعلني الله وإياكم ممّن يقظ فاستيقظ، ووعظ فاتّعظ، وكان أول من امتثل، حتى فاز بفضيلة مزيّة الجهاد 3.

ساعده، أو عن ساقه" أي: جدّ، وشمرت الحرب.

وشمّرت عن ساقها: اشتدّت. عن ساقها: اشتدّت. (الرازي- مختار الصحاح: 274، الفيومي- المصباح المنير: 1/ 390).

1 -

ساقطة من "ب".

2 -

"الوسن" محركة، والوسنة والسنّة: شدّة النوم أو أوّله، أو النعاس. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 4/ 612).

3 -

في "ب"(الاجتهاد)، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه.

ص: 263