المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الثالث فيما يرتزق منه الجيش إن عجز بيت المال، ووجوب المعاونة - أجوبة التسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد

[التسولي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌القسم الأولالدّراسة

- ‌الفصل الأولترجمة‌‌ الإمام التُّسُوُلي

- ‌ الإمام التُّسُوُلي

- ‌عصره

- ‌أولاً: الحياة السياسيّة:

- ‌أ - الصراع على الحكم وأثره في إضعاف الدولة:

- ‌ب - الاضطرابات والفتن:

- ‌ج - القضاء على الأسطول المغربي:

- ‌د - مأساة الجزائر وموقف المغرب منها:

- ‌ثانياً: الحياة الاجماعية والاقصادية:

- ‌ثالثاً: الحياة العلميّة:

- ‌حياته

- ‌اسمه ونسبه وصفته

- ‌أسرته:

- ‌نشأته:

- ‌وفاته:

- ‌شيوخه:

- ‌مكانته في العلم والجهاد

- ‌أ - مكانته في العلم:

- ‌ب - مكانته في الجهاد:

- ‌آثاره

- ‌أولاً- تلاميذه:

- ‌ثانياً: مؤلفاته:

- ‌الفصل الثانيحركة التأليف الجهادية في عصرالإمام التُّسولي

- ‌حركة التأليف الجهادية بالمغرب في عصر التُّسولي:

- ‌أولاً - المؤلفات الجهادية العامة:

- ‌ثانياً - المؤلفات الخاصة بتنظيم الجيش:

- ‌الفصل الثالثالتّعريف بالكتاب

- ‌أولاً: "عنوان الكتاب وصحة نسبته للمؤلف

- ‌محتواه

- ‌ثانياً: محتواه وأسلوبه:

- ‌ أسلوبه:

- ‌ثالثاً: مصادره

- ‌مصادر الفقه والأصول:

- ‌مصادر السياسة الشرعية والجهاد والسير والتصوّف:

- ‌مصادر الحديث:

- ‌مصادر التفسير:

- ‌رابعاً: أهميته وانتشاره:

- ‌خامساً: وصف النسخ:

- ‌النسخة الأولى:

- ‌النسخة الثانية:

- ‌النسخة الثالثة:

- ‌النسخة الرابعة:

- ‌سادساً: منهجي في التحقيق:

- ‌القسم الثانينصّ الكتاب وتحقيقه

- ‌نص السؤال

- ‌ونص الجواب

- ‌المسألة الأولى

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس

- ‌الفصل السابع

- ‌ المسألة الثانية:

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌ المسألة الثالثة:

- ‌حكم مانع الزكاة مع تحقّق عمارة ذمته، أو عدم تحققها

- ‌ المسألة الرابعة:

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌ المسألة الخامسة:

- ‌خاتمة

- ‌الملاحق

- ‌ملحق رقم (1)

- ‌ملحق رقم (2)

- ‌الفهارس

- ‌فهرس الآيات

- ‌فهرس الأحاديث

- ‌فهرس المصطلحات الفقهية

- ‌فهرس المصطلحات العسكرية والسياسية

- ‌فهرس الأشعار

- ‌فهرس الكتب الواردة في الكتاب

- ‌فهرس الأعلام

- ‌الكنى

- ‌من نسب لأبيه

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌ المخطوطة والمطبوعة

- ‌ الفهارس والمعاجم

- ‌ المجلات والدوريات

الفصل: ‌ ‌الفصل الثالث فيما يرتزق منه الجيش إن عجز بيت المال، ووجوب المعاونة

‌الفصل الثالث

فيما يرتزق منه الجيش إن عجز بيت المال،

ووجوب المعاونة بالأبدان إن افتقر إليها في الحال

ــ

اعلم: أنه إذا ضعف بيت المال عن أرزاق الجيش، فقد قال- حجة الإسلام - أبو حامد الغزالي، في كتابه "المستصفى" 1، ما نصّه: (فإن قيل: توظيف الخراج 2 من المصالح، فهل إليه سبيل، أم لا؟، قلنا: لا سبيل إليه مع كثرة

1 - "المستصفى" للإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي الطوسي: الفيلسوف، المتصوّف، رحل إلى كل من بغداد والحجاز والشام ومصر. وكتابه هذا في أصول الفقه، وقد قال فيه: (قد صنفت في فروع الفقه وأصوله كتباً كثيرة ثم أقبلت بعده على علم طريق الآخرة

) وقد اختصره: أبو العباس أحمد بن محمد الاشبيلي (ت 651هـ)، وشرحه أبو علي حسين بن عبد العزيز الفهري البلنسي (ت 679هـ)، وعليه تعاليق لسليمان بن محمد الغرناطي (ت 639هـ). ومن كتبه- أيضاً-:"إحياء علوم الدين" و"تهافت الفلاسفة" و"معارك القدس في أحوال النفس" وغيرها، مات "بالطابران"(سنة 505هـ).

(ابن خلكان- وفيات الأعيان:1/ 463، كبرى زاده: مفتاح السعادة: 2/ 191 - 210، حاجي خليفة- كشف الظنون: 2/ 1673، الزركلي- الأعلام: 7/ 22).

2 -

الخراج: ما يخرج من غلّة الأرض.

عند الحنابلة: ما قرّر على الأرض بدل الأجرة.

عند الزيدية: ما وضع على أرض افتتحها الإمام، وتركها في يد أهلها على تأديته.

عند الاباضية: هو ما يستخرجه السلطان، أو نحوه من أصحاب الأموال كل سنة مثلاً.

وأرض الخراج عند الشافعية نوعان: الأول: أن يفتح الإمام بلدة قهراً، ويقسمها بين الغانمين، ثم يعوّضهم عنها، تم يقفها على المسلمين، ويضرب عليها خراجاً.

الثاني: أن يفتح الإمام بلدة صلحاً على أن الأرض للمسلمين، ويسكنها الكفار بخراج معلوم، فالأرض تكون فيئاً للمسلمين، والخراج أجرة لا يسقط بإسلامهم. وخراج الوظيفة عند الحنفية مثل الذي وظّفه عمر رضي الله عنه على أرض سواد العراق لكل جريب يبلغه الماء صاع بر أو شعير، والجريب: قطعة متميّزة من الأرض يختلف مقدارها بحسب اصطلاح أهل الأقاليم. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 114 - 115).

ص: 286

الأموال في أيدي الأخيار، أما إذا خلت الأيدي، ولم يكن في (بيت المال) 1 ما يفي بخراجات العسكر- ولو تفرق العسكر واشتغلوا بالكسب، لخيف دخول الكفّار بلاد الإسلام، أو خيف ثوران الفتنة من أهل الغرامة في بلاد الإسلام-: فيجوز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند.

ثم إن رأى في طريق التوزيع التخصيص بالأراضي فلا حرج، لأنّا نعلم: أنه إذا تعارض شران [أو] 2 ضرران، قصد دفع أشدّ الضررين، وأعظم الشرين، وما يؤديه كل واحد منهم قليل بالإضافة إلى ما يخاطر به من نفسه وماله، لو خلت خطة الإسلام عن ذي شوكة 3، يحفظ نظام الأمور، ويقطع مادة الشرور (ولفسدت الأرض ومن عليها 4 اهـ 5 باختصار.

وقوله: (على الأغنياء

إلخ يريد (على) من له قدرة وطاقة على دفع شيء لا (يجحف) 6 به، كما يأتي.

وفي "المعيار"، عن الإمام "ابن منظور" 7: (الأصل: أن لا يطالب المسلمون بمغارم غير واجبة بالشرع، وإنما يطالبون بالزكاة، وما أوجبه القرآن والسنّة،

1 - في "المستصفى"(مال المصالح).

2 -

ساقطة من جميع النسخ، والإضافة في المصدر السابق.

3 -

أي: ذي بأس، فالشوكة: شدّة البأس. (الرازي- مختار الصحاح: 278).

4 -

هذه العبارة لم يوردها الغزالي في "المستصفى" ولعلّها من تصرف المصنف.

5 -

الغزالي "المستصفى": 256. من أجحف به: اشتدّ في الاضرار به، يقال "أجحف بهم الدهر"، استأصلهم، وأجحف بهم الفقر: أذهب أموالهم. (المعجم الوسيط:1/ 108).

6 -

أبو عمر، عثمان بن يحيى بن محمد بن منظور، القيسي، المالقي، كان عالماً بالعربية، والفرائض. قال السيوطي:(قال في تاريخ غرناطة: من بيت معمور بالنباهة، كان صدراً من علماء بلده، أستاذاً ممتعاً، من أهل النظر والاجتهاد والتحقيق، ثاقب الذهن) ولي القضاء "ببلش" و"مالقة". من كتبه: "بغية المباحث في معرفة مقدمات الموارث" و"اللّمع الجدلية في كيفية التحدث في علم العربية". مات "بمالقة"(سنة 735هـ).

7 -

(السيوطى- بغية الرعاة: 2/ 136 - 137، ابن فرحون- الديباج: 192، حاجي خليفة - كشف الظون: 2/ 1561 - 1562، البغدادي- هدية العارفين:1/ 654، كحالة- معجم المؤلفين: 6/ 270).

ص: 287

كالفيء 1، والركاز 2، وارث من ورثه بيت (المال)، لكن إذا عجز بيت المال عن أرزاق الجند، وما يحتاج إليه من آلة حرب [48/ب] وعدّة: فيوزع على الناس ما يحتاج إليه من ذلك، ويستنبط هذا الحكم، من قوله تعالى: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَةلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا؟ .... } 3. لكن لا يجوز ذلك إلاّ بشروط:

أحدها: أن يعجز بيت المال، وتتعيّن الحاجة.

وثانيها: أن يصرفه الإمام بالعدل، فلا يجوز: أن يستأثر به دون المسلمين، ولا ينفقه في سرف، ولايعطي من لا يستحق، ولا أكثر ممّا يستحق.

وثالثها: أن يكون المغرم على من كان قادراً من غير ضرر ولا إجحاف، ومن 4 لا شيء له أوله شيء قليل لا يغرم شيئاً.

ورابعها: أن يتفقّدها في كل وقت، فربما جاء وقت لا يفتقر فيه لزيادة على ما في بيت المال) 5.

1 - في قول العلماء: هو كل ما حصل للمسلمين من أموال الكفار بغير قتال.

وعند المالكية، والاباضية، وقول للشافعية وللزيدية:-يرادت الغنيمة. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 291 - 292).

2 -

ما ركّزه الله- تعالى- في الأرض من المعادن في حالتها الطيبيعية. وفي الحديث الشريف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الركاز الخمس. قيل: يا رسول الله وما الركاز؟ قال: هو الذهب، والفضة، المخلوقان في الأرض، يوم خلق الله السموات والأرض".

وهو في الشرع:

عياض: الكنز من دفن الجاهلية.

التمرتاشي: مال مركوز تحت أرض من معدن خلقي ومن كنز.

المالكية والشافعية والجعفربة، مثل القول الشرعي المنقول عن عياض، وفي قول للمالكية: هو ما وجد من ذهب، أو فضة في باطن الأرض مخلصاً سواء دفن فيها، أو كان خالياً عن الدفن.

الثوري والحنفية: هو المعدن. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 152 - 153).

3 -

سورة الكهف / آية 94، وتمامها:{عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} .

4 -

في "ب"(ولا من)، ولعلّه سهو من الناسخ.

5 -

أنظر: الونشريسي في "المعيار": 11/ 127 - 128 "في حكم فرض الخراج على الرعية" =

ص: 288

قال 1: (وكذلك إذا تعيّنت الضرورة للمعونة 2 بالأبدان، ولم يكف المال، فإن الناس يجبرون على التعاون بأبدانهم، على الأمر الداعي للمعونة، بشرط القدرة، وتعين المصلحة، والافتقار إلى ذلك)3.

قال: (فإذا عزم أمير المؤمنين على رفع (الظلمات) 4 وسلك بالمأخوذ على الشروط التي ذكرناها، حتى يعلم الناس أنهم لا يطالبون إلاّ بما جرت به العوائد 5، وسلك بهم مسلك العدل في الحكم، فله أن يوزّع من المال على النسبة المفسرة ما يراه صواباً، ولا إجحاف فيه حسبما ذكرناه 6 اهـ باختصار.

فانظروا- أيّدكم الله-!: فإنهم لم يخصّوا ذلك بالأغنياء- والغنى يتفاوت- وإنما ضبطوه بعدم الإجحاف.

قال- الحافظ-: "أبو العباس الونشريسي"رحمه الله كان بمحول جواب "ابن منظور" - ما نصّه: (تأملت السؤال بمحوله، ولا مزيد على ما

= وهو جواب لابن منظور عن سؤال وجه له. وزاد عليه شرط لم يذكره "المنصف" هنا، وهو (الثالث: أن يصرفه مصرفه بحسب المصلحة والحاجة لا بحسب الغرض).

ونقله- أيضاً- أحمد المرنيسي في "فتواه في حكم المال الذي يفرض على المسلمين": 5 - 6، وعزاه للمعيار عن ابن منظور، بعد أن قال: (نعم ان خلا بيت المال أو بقي به ما لا يقوم بأرزاق الجند جاز أن يوظف عليهم من المعونة ما هو مألوف ومعهود بشروط نقلها صاحب "المعيار" في جامعه عن ابن منظور

).

1 -

أي الإمام ابن منظور.

2 -

في "ب"(للمعاونة) وما أثبتناه قد ثبت في "المعيار".

3 -

نقله الونشريسي في "المعيار": 11/ 128، "في حكم فرض الخراج على الرعية".

ونقله- أيضاً- أحمد المرنيسي في "فتواه في حكم المال الذي يفرض على المسلمين": 6.

4 -

في "الأصل"(الظلامات) وكذلك في "ج" و"د"، وما أثبتناه من "ب" قد ثبت في (المعيار).

5 -

جمع عادة، وهي: عبارة عمّا يستقر في النفوس من الأمور المتكررة المقبولة عند الطبائع السليمة. (البستاني- فاكهة البستان: 995).

6 -

أنظر المصدر السابق "المعيار": 11/ 128 - 129. وأحمد المرنيسي في "فتواه في حكم المال الذي يفرض على المسلمين": 6.

ص: 289

أجاب به المجيب أسفله وبطرّته، وبذلك أفتي وأقول، [49/أ]"محمد الموّاق"،- وفقه الله- آمين 1 اهـ.

قال 2: (وكان الإمام "أبو اسحاق الشاطبي"رحمه الله ممّن يرى رأي من يجيز ضرب الخراج على الناس عند ضعفهم وحاجتهم، لضعف بيت المال عن القيام بمصالح الناس 3، قائلاً: "وهو- رأي توظيف الخراج على المسلمين- من "المصالح المرسلة" 4، ولا شكّ عندنا: في جوازه وظهور مصلحته في بلاد "الأندلس" في زماننا، لكثرة الحاجة، وضعف بيت المال، لكن يبقى نظر آخر في قدر ما يحتاج إلى أخذه من ذلك: فهذا لا يعرفه إلاّ الملك، أو من يباشره من خدّامه وخاصته، بل ذلك في زماننا لا يعلمه إلاّ الملك") 5 اهـ كلام الشاطبي.

وذكر "ابن خلكان" 6: (أن أمير المؤمنين "يوسف بن تاشفين": طلب من

1 - الونشريسي- "المعيار": 11/ 129.

ونقله أحمد المرنيسي في "فتواه في حكم المال الذي يفرض على المسلمين": 6.

2 -

أي: الونشريسي.

3 -

في "ب"(المسلمين).

4 -

قال الآمدي- في المصالح المرسلة-: (قد اتفق الفقهاء من الشافعية والحنفية وغيرهم على امتناع التمسك به إلاّ ما نقل عن مالك أنه يقول به، مع إنكار أصحابه لذلك عنه، ولعلّ النقل إن صح عنه فالأشبه أنه لم يقل بذلك في كل مصلحة، بل فيما كان من المصالح الضرورية الكلية الحاصلة قطعاً. فالمصالح منقسمة إلى ما عهد من الشارع اعتبارها، وإلى ما عهد منه الغاؤها وهذا القسم متردّد بين ذينك القسمين، وليس الحاقه بأحدهما أولى من الآخر، فامتنع الاحتجاج به دون شاهد بالاعتبار، يعرّف أنه من قبيل المعتبر دون الملغى). (الأحكام في أصول الأحكام: 4/ 216).

5 -

نقله الونشريسي في "المعيار": 11/ 131.

6 -

أبو العباس، أحمد بن محمد بن ابراهيم بن أبي بكر، البرمكي، الاربلي. المؤرخ الحجة، الأديب الماهر، تولّى القضاء في "مصر والشام"، والتدريس في كثير من مدارس دمشق، من كتابه:"وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" من أشهر كتب التراجم، مات (سنة 681هـ). (ابن اياس- بدائع الزهور: 7/ 353، الزركلي- الأعلام:1/ 220).

ص: 290

أهل البلاد المعونة على ما هو بصدده، فوصل كتابه إلى "المريّة" 1 في هذا المعنى، وذكر فيه: أن جماعة أفتوه بجواز طلب ذلك اقتداء "بعمر بن الخطاب"رضي الله عنه فقال أهل "المريّة" لقاضي بلدهم- وهو: "أبو عبد الله محمد بن يحيى بن الفرّاء2 - : "الأبدان تحييه" 3، وكان هذا القاضي من أهل الدين والورع على ما ينبغي، فكتب إليه: "أما بعد، ما ذكره أمير المؤمنين في اقتضاء المعونة، وتأخري عن ذلك، وان "أبا الوليد الباجي" 4، وجميع الفقهاء والقضاة (بالعدوة) 5 والأندلس أفتوه: باقتضائها، وذكروا: أن "عمر بن الخطاب"رضي الله عنه قد اقتضاها، فكان "عمر بن الخطاب"رضي الله عنه

1 - بالفتح ثم الكسر، وتشديد الياء: مدينة كبيرة من كورة "البيرة" من أعمال الأندلس، كانت هي "وبجاية" بأبي الشرق، منها يركب التجار، وفيها تحل مراكب التجار، وفيها مرفأ ومرسى للسفن والمراكب، دخلها الافرنج- خذلهم الله- من البرّ والبحر في (سنة 542هـ)، ثم استرجعها المسلمون (سنة 552هـ)، وينسب إليها أبو العباس أحمد بن عمر المعروف بالدلائي المريّ، ومحمد بن خلف بن سعيد المريّ من أهل الفقه والفضل. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 5/ 119).

2 -

وهو: أبو عبد الله محمد بن يحيى بن زكرياء، يعرف بابن الفراء، من أهل "المريّة" وقاضيها، الصالح الدين، المتواضع، روى عن أبي العباس العذري كثيراً، وعن القاضي أبي عبد الله بن المرابط، سمع الناس منه بعض ما رواه، استشهد "بقتندة" (سنة 514هـ). (ابن بشكوال- الصلة: 2/ 572).

3 -

هذه العبارة ليست واردة في "وفيات الأعيان".

4 -

أبو الوليد، سليمان بن خلف بن سعد التجيبي القرطبي: فقيه مالكي، محدّث، ولد في "باجة بالأندلس"، وتولّى القضاء في بعض أنحائها، من كتبه:"السراج في علم الحجاج"، و"أحكام الفصول في أحكام الأصول" و"التسديد إلى معرفة التوحيد" مات "بالمريّة" (سنة 474هـ). (ابن فرحون- الدبياج المذهب: 120، المقري- نفح الطيب: 1/ 361).

5 -

في "الأصل"(بعزوة) وكذلك في "ب"، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ج" و"د" وقد ثبت في "وفيات الأعيان": 7/ 119، وهي: إحدى مدن فاس أُسست (سنة 192هـ) في ولاية إدريس بن إدريس، وهي مشهورة بشجاعة رجالها ونجدتهم وجمالهم، حيث ان مدينة "فاس" تفترق إلى مدينتين، أحدهما كانت هذه والأخرى تسمّى "بعدوة القرويين". (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 4/ 230).

ص: 291

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعه في قبره، ولا يشكّ في عدله، ولست يا أمير المؤمنين: بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم[49/ب] ولا وزيره، ولا ممّن لا يشكّ في عدله، فان كان الفقهاء والقضاة أنزلوك بمنزلته في العدل، فإن الله سائلهم وحسيبهم.

وما اقتضاها عمر- رضي الله عنه حتى دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلف أن ليس عنده، درهم واحد من بيت مال المسلمين ينفقه عليهم، فلتدخل: يا أمير المؤمنين المسجد الجامع هنالك بحضرة أهل العلم، وتحلف: أن ليس عندك درهم واحد، ولا في بيت مال المسملين، وحينئذ تستوجب ذلك، والسلام") 1 اهـ. بلفظه، ونقله غير واحد 2.

وزاد بعضهم: (أن "عليًّا بن يوسف" 3 كتب لأهل "المريّة" يهددهم على القدح في جانب الفقيه القاضي المذكور، ويأمرهم بالاعتراف له بالفضل، ولم يكن يرد عليه كتاب أعزّ من كتابه لزهذه) 4 اهـ.

فتنبّهوا- أيّدكم الله-!: لهذه القصة، لكن حالكم معروف، وأنه لا بيت مال لكم لاستيلاء الكفار عليه قبل ولايتكم.

ثم إذا جاز 5 التوزيع المذكور بالشروط المتقدمة: فإنه يجب على كل من

1 - انظر ابن خلكان في "وفيات الأعيان": 7/ 118 - 119.

2 -

ونقله الونشريسي في "المعيار": 11/ 132. وأحمد المرنيسي في "فتواه في حكم المال الذي يفرض على المسلمين: 6".

3 -

أبو الحسن، علي بن يوسف بن تاشفين اللمتوني، أمير المسلمين "بمراكش"، وثاني ملوك دولة الملثمين المرابطين، بويع بعد وفاة أبيه (سنة 500هـ)، قال ابن خلكان:(كان حليماً وقوراً صالحاً عادلاً) ومن أعماله: أنه جاء إلى الأندلس مجاهداً، فعبر البحر من "سبتة" في جيوش تزيد على مائة ألف فارس، وفتح مدينة "طلامون" و"مجريط" و"وادي الحجارة"، مات (سنة 537هـ). (السلاوي- الاستقصا: 1/ 123، 126، الزركلي- الأعلام: 5/ 33).

4 -

انظر: ابن خلكان- وفيات الأعيان: 7/ 118 - 119.

5 -

في "ب"(جوّز).

ص: 292

وظف عليه شيء أن يؤديه.

وقد سئل الإمام "السرقسطي" 1 رحمه الله: (هل يجوز لأحد أن يغيب على شيء من المغارم الموظفة؟، فقال: "إن مصالح المسلمين التي لا تسكن ثغورهم، ولا (ينفك) 2 عنهم عدوّهم- دمّره الله- ولا تأمن طرقهم إلاّ بها، إن كانت لا تقوم إلاّ بمغارم الأسواق، وكان أصل وضعها عن اتفاق من أهل الحل والعقد، لكون بيت المال عاجزاً قاصراً عنها، فإن تلك المغارم يجب حفظها، وأن يولّى لقبضها وصرفها في مواضعها الثقات الأمناء، فإن أخذوها من محلها، ووضعوها في المصالح التي جعلت لها، كان سعيهم مشكوراً، ومن ضيّعها، ووضعها في غير موضعها، كان غاشًّا ظالماً، وكذلك من لزمته [50/أ] من أهل الأسواق فحبسها، ولم يخرجها") 3 اهـ.

وقال الإمام) الطرطوشي"- في "سراجه"-: (اعلم: أن المال قوة السلطان، وعمارة المملكة، ولقاحه الأمن، ونتاجه العدل، وهو: حصن السلطان، ومادة الملك، والمال أقوى العدد على العدوّ، ومن حقوقه: أن يؤخذ من حق ويوضع في حق ويمنع من سرف ولا يأخذ من الرعية إلاّ ما فضل عن معاشها ومصالحها، ثم ينفق ذلك في الوجوه التي يعود عليها نفعها) 4 اهـ لفظه 5.

فان قلت: قد ورد في الحديث، أنه- عليه الصلاة والسلام قال: "لا

1 - أبو الحسن، رزين بن معاوية بن عمّار العبدري السرقسطي الأندلسي: إمام الحرمين، نسبته إلى "سرقسطة"، جاور بمكة زمناً طويلاً، من كتبه:"التجريد للصحاح الستة" مات بمكة (سنة 535هـ). (الكتاني- الرسالة المستطرفة: 130، الزركلي- الأعلام: 3/ 20).

2 -

في " المعيار"(ينكف): 5/ 32.

3 -

نقله الونشريسي في "المعيار": 5/ 32، "مسألة: في حكم الغيبة على مغارم الأسواق".

4 -

ساقطة من "ب".

5 -

أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 122 - 123، "باب: في سيرة السلطان في استجباء الخراج".

ص: 293

يدخل الجنة صاحب مكس" 1، أليست المغارم المذكورة من المكس المذكور؟.

قلنا: المغارم لمصالح المسلمين، ليست من المكس في شيء، لأن المكس- كما "لابن عرفة" وغيره-: هو: (منع الناس من التصرف في أموالهم بالبيع، أو غيره، ليختصّ المانع بنفع ذلك) 2 اهـ.

وقال "أبو محمد المرجاني" 3: (المكس: أن يحجر السلعة بحيث لا يبيعها أحد غيره، أو من يختاره)4.

وقال (الطيبي) 5: (المكس: الضريبة التي يأخذها (العشار)6.

قال الشيخ "أبو محمد عبد القادر الفاسي": (فعلى تفسير (الطيبي) أخذ

1 - أخرجه أبو داود في "سننه": 3/ 133، "كتاب: الخراج والامارة والفيء". "باب: في السعاية على الصدقة) عن عقبة بن عامر.

وأحمد في "مسنده": 4/ 143.

وأورده العجلوني الجراحي في "كشف الخفاء ومزيل الألباس": 2/ 501، وقال:(رواه أبو داود وأحمد وغيرهما عن عقبة بن عامر مرفوعاً، وصحّحه ابن خزيمة والحاكم).

والسخاوي في "المقاصد الحسنة": 469، وقال:(وصحّحه ابن خزيمة والحاكم).

2 -

نقله الونشريسي في "المعيار": 2/ 492.

3 -

أبو محمد المرجاني الشيخ، العالم، الصالح، الإمام التونسي. مات (سنة 699هـ).

(شرف الطالب في أسنى المطالب في كتاب "ألف سنة من الوفيات": 75، مخلوف- شجرة النور: 193).

4 -

نقله الونشريسي في "المعيار": 2/ 492 "في حقيقة المكس وبدعيته".

5 -

في "الأصل"(القرطبي) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د"، وقد ثبت في "المعيار".

وهو: شرف الدين الطيبي، الحسين بن محمد بن عبد الله: المحدّث، المفسّر، من علماء البيان، من أهل توزير، كانت له ثروة طائلة أنفقها في وجوه الخير، كان شديد الرد على المبتدعة، ملازماً لتعليم الطلبة، آية في استخراج الدقائق من الكتاب والسنّة، من كتبه:"الخلاصة في معرفة الحديث" و"شرح الكشاف" في التفسير سمّاه: "فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب"، و"شرح مشكاة المصابيح في الحديث". مات (سنة 734هـ). (ابن حجر- الدرر الكامنة: 2/ 68، الزركلي- الأعلام: 2/ 256).

6 -

نقله الونشريسي في "المعيار": 2/ 492، "في حقيقة المكس وبدعيته".

ص: 294

الفوائد في الأبواب، والقاعات، واكتراء الأسواق والرحاب مكس، وهو الذي كثر استعماله في العرف.

وعلى تفسير "المرجاني" و "ابن عرفة": ليس بمكس، وإنما هو: غصب وظلم) 1 اهـ.

وقد علمت: أن الفقهاء- رضي الله عنهم احترزوا عنه، وأخرجوه بالشروط المتقدمة، فليست المغارم المذكورة من المكس في شيء، لأنها ليست [50/ب] لنفع الأمير، بل لنفع المسلمين، ولهذا اتفقوا على جوازها.

لكن الأحوط والأقرب فيما يظهر: أن جبر الناس على المعونة بالأبدان أصوب، بأن يفرض على كل قبيلة مائة فارس أو أكثر بحسب ما تطيقه، وكل قبيلة تموّن مائتها وإدالتها، فإذا مضى لهذه الإدالة أربعة أشهر مثلاً أرسلها بعد أن تأتي أخرى في محلها، وهكذا، لأن ذلك أهون على الرعيّة من فرض الأموال وتوزيعها عليهم، ولا سيّما وهم لم يعتادوا ذلك، والنفس مجبولة على حبّ المال، لأنه شقيق الروح، فيؤدي إلى ميلهم للعدوّ الكافر، وإلى سوء الظنّ بإمامهم، لتهمتهم إيّاه على أنه يصرف ذلك في مصالح نفسه.

فتوزيع المال يحتاج إلى رياضة وسياسة، بخلاف المعونة بالأبدان على الكيفيّة المذكورة، فهي: سالمة ممّا ذكرنا- وقد تقدّم التنبيه على هذا في فصل الاستنفار- ولو كلّف الرعية أن يحرثوا لبيت المال مثلاً، فكل زوج من أزواج القبائل تزرع مدًّا 2 أو مدّين من عندها، وتحصده، وتدرسه 3، وتأتي بزمامه للأمير، من غير أن يدفع الأمير لهم شيئاً في مقابلة ذلك، لكان صواباً.

1 - نقله الونشريسي في "المعيار": 2/ 492، وزاد عليه:(قال المرجاني: والظالم هو الذي يقرر في بعض الأشياء أن من اشترى شيئاً أو باعه فعليه كذا وكذا، فهذا لا يمتنع من شرائه ولا بيعه إذ ليس فيه إعانة).

2 -

المدّ: مكيال قديم، وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز، أي ربع صاع ورطلان عند أهل العراق، جمعه: امداد، ومداد. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 337).

3 -

درس الحنطة درساً ودراساً: داسها. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 2/ 169).

ص: 295

قال الإمام "الطرطوشي"رحمه الله: (فيا أيها الملك: احرص كل الحرص على عمارة الأرضين، وعلى جباية الأموال بالرفق، ومجانبة الخرق 1، فان العلقة تنال من الدم بغير أذى، ولا سماع صوت، ما لا تناله "البعوضة" بلسعتها وهول صوتها.

ومثل السلطان إذا حمل على أهل الخراج، حتى ضعفوا عن عمارة الأرض، مثل من يقطع لحمه ويأكله من الجوع، فهو وإن قوي من ناحية، ضعف من ناحية أخرى، وما أدخله على نفسه (من الوجع 2 والضعف أعظم ممّا دفع عن نفسه) 3 من ألم الجوع.

ومثال من كلّف الرعية من الخراج فوق طاقتها: كالذي يصلح سطح [51/أ] داره بتراب أساسها، ومن يدمن (حزّ) 4 العمود يوشك أن يضعف (فتقع) 5 الخيمة عليه، وإذا ضعف الزارعون عجزوا عن عمارة الأرض فيتركونها، فتتخرّب 6 الأرض، وتهرب الأرزاق 7، فتضعف العمارة، ويضعف الخراج، وينتج ذلك ضعف الأجناد، وإذا ضعف الجند طمع الأعداء في السلطان.

فيا أيها الملك: كن بما يبقى في أيدي رعيّتك، أفرح (منك) 8 بما يؤخذ

1 - بالضم وبالتحريك: ضذ الرفق، وأن لا يحسن الرجل الحمل والتصرف في الأمور، والحمق. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 2/ 44).

2 -

في "ب"(الجوع) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "ج" و"د" قد ثبت في "سراج الملوك".

3 -

ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج" و"د".

4 -

في "الأصل"(جز) وكذلك في "ج"، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"د".

5 -

في "الأصل"(فتقطع) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من"ب" و"ج" و"د".

6 -

في "سراج الملوك"(فتخرب).

7 -

في "سراج الملوك"(ويهرب الزراع).

8 -

ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب""ج" و"د".

ص: 296

منها، فلا يقلّ مع الصلاح شيء، ولا يبقى مع الفساد شيء) 1.

قال 2: (روي: أن "المأمون ") أرق ذات ليلة، فاستدعى سميره، فحدّثه بحديث، فقال:"يا أمير المؤمنين كان "بالموصل" 3 بومة، و "بالبصرة" 4 بومة، فخطبت بومة "الموصل" إلى بومة "البصرة" بنتها لابنها، فقالت بومة "البصرة": لا أنكحك ابنتي، إلاّ أن تجعل في صداقها مائة ضيعة 3 خراب، فقالت بومة "الموصل": لا أقدر6 عليها الآن، ولكن إن دام علينا هذا الأمير سنة، فعلت لك ذلك"، قال:(فاستيقظ) لها "المأمون"، وجلس للمظالم، وأنصف الناس بعضهم من بعض، وتفقّد أمر (الولاة)7.

قال 8: (واعلموا أن أعظم ما يدخل على الدول من الفساد، هو: تقليد (الأعمال) 9 أهل الحرص عليها، لأنه لا يخطبها إلاّ لصّ في ثوب ناسك، وذئب

1 - أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 123، "باب في سيرة السلطان في استجباء الخراج"، ونقله أحمد المرنيسي في "فتواه في حكم المال الذي يفرض على المسلمين":8.

2 -

أي: أبو بكر الطرطوشي.

3 -

مدينة مشهورة عظيمة، احدى قواعد بلاد الاسلام قليلة النطر كبراً وعظماً ومنها يقصد إلى جميع البلدان، فهي باب "العراق" ومفتاح "خراسان"، قالوا: وسمّيت بالموصل لأنها وصلت بين الجزيرة والعراق، وينسب إليها من أهل العلم كثير ومنهم: عبد العزيز بن حيان بن جابر الأزدي الموصلي، (ت 261هـ)، وأبو يعلى أحمد بن علي التميمي الموصلي الحافظ.

4 -

قال ابن الأنباري: البصرة في كلام العرب الأرض الغليظة، وهي: مدينة في "العراق"، وأخبارها كثيرة، والمنسوبون إليها من أهل العلم لا يحصون، وقد صنّف "عمر بن شبّه" و"أبو يحيى زكرياء الساجي" وغيرهما في فضائلها كتباً في مجلدات. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 1/ 430 - 440).

5 -

الضيعة: العقار، (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 3/ 47).

6 -

في "ب"(أقوى) وما أثبتناه مناسب للسياق.

7 -

أنظر الطرطوشي في "سراج الملوك": 123، "باب: في سيرة السلطان في استجباء الخراج".

8 -

أي: أبو بكر الطرطوشي.

9 -

في جميع النسخ (العمّال) وهو تصحيف، وما أثبتناه قد ثبت في "سراج الملوك":141.

ص: 297

في (مسلاخ) 1 عابد وقد سبق المثل: "الحرص على الأمانة، دليل على 2 الخيانة"، وإذا اهتضمت حقوق المسلمين، وأكلت أموالهم، فسدت نياتهم، وقلّت طاعاتهم، (فانتقضت) 3 الأمور، ودبّ الفساد إلى الملوك) 4.

قال "المأمون": (ما فتق عليّ فتق قط، إلاّ وجدت سببه جور العمّال).

(ولما عزل "عثمان"رضي الله عنه "عمرو بن العاص" 5 عن مصر، استعمل عليها "ابن أبي السرح"، فحمل من المال أكثر مما كان يحمله "عمرو"، فقال عثمان: "يا عمرو أشعرت أن اللّقاح درّت؟ " فقال عمرو: [51/ب] "وذلك (أنكم) 6 أعجفتم 7 أولادها") 8.

وقال "زياد" 9: (أحسنوا للزارعين، فإنكم لن تزالوا سمّاناً ما سمنوا)10.

1 - في جميع النسخ (سلاح)، وما أثبتناه قد ثبت في "سراج الملوك".

2 -

ساقطة من "ج".

3 -

في جميع النسخ (فانقضت) وما أثبتناه قد ثبت في "سراج الملوك ".

4 -

أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 141، "باب: في بيان الشروط والعهود التي تؤخذ على العمّال".

5 -

أبو عبد الله، عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي، فاتح مصر، وأحد عظماء المسلمين ودهاتهم، وأولى الرأي والحزم والمكيدة فيهم، أسلم في هدنة الحديبية، وولاّه النبي صلى الله عليه وسلم امرة جيش "ذات السلاسل" أخباره كثيرة، وله في كتب الحديث (39) حديثاً.

(ابن الأثير- أسد الغابة: 4/ 115 - 118، الزركلي- الأعلام: 5/ 79).

6 -

في "الأصل"(انكم) وما أثبتناه من "ب""ج" و"د" قد ثبت في "سراج الملوك": 123.

7 -

العجف هو: الهزال. (الرازي- مختار الصحاح: 328).

8 -

نقله الطرطوشي في "سراجه": 123، "باب: في سيرة السلطان في استجباء الخراج".

9 -

زياد بن أبيه: أمير، من الدهاة، القادة الفاتحين، الولاة، من أهل الطائف، اختلفوا في اسم أبيه، فقيل: عبيد الثقفي، وقيل: أبو سفيان، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وأسلم في عهد أبي بكر، ولاه علي بن أبي طالب امرة "فارس"، قال الشعبي:(وما رأيت أحداً أخطب من زياد) أخبار كثيرة وله أقوال سائرة. مات (سنة 53هـ).

(الطبري- تاريخ: 5/ 288، الذهبي- ميزان الاعتدال:1/ 355، الزركلي- الأعلام: 3/ 53).

1 -

0 - نقله الطرطوشي- سراج الملوك: 123، "باب: في سيرة السلطان في استجباء الخراج".

ص: 298

قال 1: (وسمعت شيوخ بلاد الأندلس من الأجناد وغيرهم، يقولون: ما زال أهل الإسلام ظاهرين على عدوّهم، وأمر العدوّ في ضعف وانتقاص، لمّا كانت الأرض مقطّعة في أيدي الأجناد، فكانوا يستغلونها، (ويرفقون) 2 بالفلاحين، ويربونهم كما يربّي التاجر تجارته، فكانت الأرض عامرة، والأموال وافرة، والأجناد متوافرة 3، إلى أن كان الأمر في آخر زمان "ابن أبي 4 عامر": فردّ عطايا الجند مشاهرة، وقدّم على الأرض جباة يجبونها، فأكلوا الرعايا، واحتجبوا أموالهم، واستضعفوهم، فتهارجت الرعايا، وضعفوا عن العمارة، فقلّت الجبايات المرتفعة إلى السلطان، وضعفت الأجناد، وقوي العدوّ على بلاد المسلمين، حتى أخذوا الكثير منها، ولم يزل أمر المسلمين في ضعف، وأمر العدوّ في ظهور، إلى أن استولى "اللمتونيّون" 3 فردّوا الاقطاع كما كانت في الزمان الأول، ولا أدري ما يكون وراء ذلك، نسأل الله: جميل الصنع! 6 اهـ لفظه.

فتدبّروا- أيّدكم الله-!: هذه القضايا، فإن قبائلكم هي (أجنادكم)

1 - أي: الطرطوشي.

2 -

في "الأصل"(ويرفقوا)، وما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" قد ثبت في "سراج الملوك".

3 -

في "سراج الملوك"(متوافرين).

4 -

ساقطة من جميع النسخ، والإضافة من "سراج الملوك ":123. وهو: المنصور بن أبي عامر.

5 -

في "سراج الملوك": "المتلثّمون" وكلاهما جائز. فاللّمتونيون، نسبة إلى بلاد "لمتونة" وهم طائفة من طوائف الملثّمين، قال ابن خلدون- وهو يصف الإقليم الأول- (وبالقرب منها من شماليّها بلاد "لمتونة" وسائر طوائف الملثّمين) وقال- يصف الإقليم الثاني-:(وفيها جمالات الملثّمين من "صنهاجة"، وهم شعوب كثيرة ما بين "كزّولة" و"لمتونة" و"مسراتة"، و"لمطة" و"وريكة". وكان من ملوكها "يوسف بن تاشفين". (ابن خلدون - مقدمة تاريخ: 93، 98، 405).

6 -

أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 123، "باب في سيرة السلطان في استجباء الخراج".

7 -

في "الأصل"(أجلادكم) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".

ص: 299

وتركهم يستغلّون (أراضيهم) 1، ويعطون "الادالات" أفضل وأصوب يظهر من ضرب الخراج عليهم- كما ترون- والله أعلم.

1 - في "الأصل"(أراضيكم) وما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" مناسب للسياق.

ص: 300