المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأما‌ ‌ المسألة الثانية: ففيها فصلان: ‌ ‌الفصل الأول في حكم المتخلّف عن الاستنفار، - أجوبة التسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد

[التسولي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌القسم الأولالدّراسة

- ‌الفصل الأولترجمة‌‌ الإمام التُّسُوُلي

- ‌ الإمام التُّسُوُلي

- ‌عصره

- ‌أولاً: الحياة السياسيّة:

- ‌أ - الصراع على الحكم وأثره في إضعاف الدولة:

- ‌ب - الاضطرابات والفتن:

- ‌ج - القضاء على الأسطول المغربي:

- ‌د - مأساة الجزائر وموقف المغرب منها:

- ‌ثانياً: الحياة الاجماعية والاقصادية:

- ‌ثالثاً: الحياة العلميّة:

- ‌حياته

- ‌اسمه ونسبه وصفته

- ‌أسرته:

- ‌نشأته:

- ‌وفاته:

- ‌شيوخه:

- ‌مكانته في العلم والجهاد

- ‌أ - مكانته في العلم:

- ‌ب - مكانته في الجهاد:

- ‌آثاره

- ‌أولاً- تلاميذه:

- ‌ثانياً: مؤلفاته:

- ‌الفصل الثانيحركة التأليف الجهادية في عصرالإمام التُّسولي

- ‌حركة التأليف الجهادية بالمغرب في عصر التُّسولي:

- ‌أولاً - المؤلفات الجهادية العامة:

- ‌ثانياً - المؤلفات الخاصة بتنظيم الجيش:

- ‌الفصل الثالثالتّعريف بالكتاب

- ‌أولاً: "عنوان الكتاب وصحة نسبته للمؤلف

- ‌محتواه

- ‌ثانياً: محتواه وأسلوبه:

- ‌ أسلوبه:

- ‌ثالثاً: مصادره

- ‌مصادر الفقه والأصول:

- ‌مصادر السياسة الشرعية والجهاد والسير والتصوّف:

- ‌مصادر الحديث:

- ‌مصادر التفسير:

- ‌رابعاً: أهميته وانتشاره:

- ‌خامساً: وصف النسخ:

- ‌النسخة الأولى:

- ‌النسخة الثانية:

- ‌النسخة الثالثة:

- ‌النسخة الرابعة:

- ‌سادساً: منهجي في التحقيق:

- ‌القسم الثانينصّ الكتاب وتحقيقه

- ‌نص السؤال

- ‌ونص الجواب

- ‌المسألة الأولى

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس

- ‌الفصل السابع

- ‌ المسألة الثانية:

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌ المسألة الثالثة:

- ‌حكم مانع الزكاة مع تحقّق عمارة ذمته، أو عدم تحققها

- ‌ المسألة الرابعة:

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌ المسألة الخامسة:

- ‌خاتمة

- ‌الملاحق

- ‌ملحق رقم (1)

- ‌ملحق رقم (2)

- ‌الفهارس

- ‌فهرس الآيات

- ‌فهرس الأحاديث

- ‌فهرس المصطلحات الفقهية

- ‌فهرس المصطلحات العسكرية والسياسية

- ‌فهرس الأشعار

- ‌فهرس الكتب الواردة في الكتاب

- ‌فهرس الأعلام

- ‌الكنى

- ‌من نسب لأبيه

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌ المخطوطة والمطبوعة

- ‌ الفهارس والمعاجم

- ‌ المجلات والدوريات

الفصل: وأما‌ ‌ المسألة الثانية: ففيها فصلان: ‌ ‌الفصل الأول في حكم المتخلّف عن الاستنفار،

وأما‌

‌ المسألة الثانية:

ففيها فصلان:

‌الفصل الأول

في حكم المتخلّف عن الاستنفار، وما عليه

من العقاب من العزير الجبّار

ــ

قد علمت- ممّا تقدّم-: أنّ الاستنفار للجهاد يتعيّن بتعيين الإمام، فحيث استنفر قوماً فقد عيّنهم للجهاد، فمخالفتهم عصيان لله ولرسوله توجب عقوبتهم- بما تقدّم في الفصل السادس-[26/أ]

ثم انّ النفير للجهاد، والذهاب إليه، المخاطب به ابتدأ هو الإمام، أي: هو المخاطب أنّ 1 يعيّن طائفة من رعيّته تذهب إليه.

فإذا عيّن طائفة، وجيشاً له، وجب على من عيّنهم وصار في حقّهم: فرض عين، لقوله- تعالى-: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ

} 2.

وقال- تعالى-: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} 3.

وقال- تعالى-: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ

} 4.

وقال: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 3.

ص: 204

وقال: {يَا أَيُّةا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ

} 1.

و [قال]: {قَاتِلُوهُمْ- أي: دائمأ- حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ- أي: لا يوجد فيكم شرك- وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} 2.

وقال: {يَا أَيُّةا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} .

إلى غير ذلك من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية:

كقوله- عليه الصلاة والسلام: "جاهدوا في سبيل الله، فإن الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة"3.

أخرجه: أحمد 4، والطبراني 5 والحاكم 6 وصححه عن عبادة بن الصامت 7 -

1 - سورة التوبة / آية 73، وسورة التحريم / آية 9، وتمامها:{وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَةنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} .

2 -

سورة الأنفال / آية 39، وتمامها:{فَإِنِ انْتَةوْا فَإِنَّ اللَّة بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .

3 -

أخرجه أحمد في "مسنده": 5/ 314. والحاكم في "المستدرك": 2/ 74 - 75 "كتاب: الجهاد" عن أبي أمامة عن عبادة، مرفوعاً، بلفظ آخر.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد": 5/ 272، عن عبادة بن الصامت، وقال:(رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط أطول من هذا، وأحد أسانيد أحمد وغيره ثقات).

4 -

هو أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني: إمام المذهب الحنبلي، مات (سنة 241هـ). (ابن الجوزي- صفة الصفوة: 2/ 190، ابن خلكان- وفيات: 1/ 17، ابن كثير- البداية: 10/ 325، الزركلي- الأعلام: 1/ 203).

5 -

أبو القاسم، سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الشامي، من كبار المحدثين، ولد "بعكا"، له ثلاثة "معاجم في الحديث" وكتب في "التفسير" و"دلائل النبوّة". مات (سنة 360هـ). (ابن خلكان- وفيات: 1/ 215، ابن تغري بردي- النجوم الزاهرة: 4/ 59، الزركلي- الأعلام: 3/ 121).

6 -

أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن حمدويه الضبي النيسابوري، الشهير بالحاكم، من أكابر حفّاظ الحديث، وأعلم الناس بصحيح الحديث وتميزه عن سقيمه، قال ابن عساكر:(وقع من تصانيفه المسموعة في أيدي الناس ما يبلغ ألفاً وخمسمائة جزء) ومنها: "تاريخ نيسابور" و"المستدرك على الصحيحين" و"الإكليل". مات (سنة 405هـ)(الذهبي- ميزان الاعتدال: 3/ 85، ابن حجر- لسان الميزان: 5/ 232، الزركلي- الأعلام: 6/ 227).

7 -

أبو الوليد: عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي، الصحابي الجليل، من الموصفين بالورع، شهد العقبة وبدرا وسائر المشاهد، وهو أول من ولي القضاء بفلسطين، روى 181 =

ص: 205

رضي الله عنه-.

وأخرج: عبد الرزاق 1، عن أبي أمامة 2 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالجهاد في سبيل الله، فإنّه باب من أبواب الجنة يذهب

الله به الهمّ والغم" 3.

فالخطاب في هذه الآيات القرآنية، ونحوها، والأحاديث النبوية التي لا تحصى كلّه للأئمة ابتداء، وللرعية انتهاء.

أعني: يجب على الإمام ابتداء: أنْ يعيّن طائفة من كل قبيلة مثلاً، فإذا عيّنهم صار فرض عين على من عيّنهم انتهاء- كما مرّ-. فإذا ترك الإمام التعيين والأمر بالجهاد لحقه الوعيد الآتي، وإذا عيّن الإمام طائفة ولم تفعل لحقها الوعيد الآتي- أيضاً- وهو:[26/ب]

= حديثاً. مات (سنة 34هـ). (ابن حبيب- المحبر: 270، ابن حجر تهذيب: 5/ 111، الزركلي- الأعلام: 3/ 258).

1 -

هو: أبو بكر، عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، من حفاظ الحديث الثقات، من أهل "صنعاء"، كان يحفظ نحواً من سبعة عشر ألف حديث، له "الجامع الكبير" و"كتاب: تفسير القرآن". مات (سنة 211هـ). (ابن خلكان- وفيات: 1/ 126، الزركلي- الأعلام: 3/ 353).

2 -

أبو أمامة: صدى بن عجلان بن وهب الباهلي. صحابي كان مع علي بن أبي طالب في "صفين"، له في الصحيحين 250 حديثاً، آخر من مات من الصحابة بالشام (سنة 81هـ). (ابن الجوزي- صفة الصفوة: 1/ 308، ابن حجر- تهذيب: 4/ 420، الزركلي- الأعلام: 3/ 203).

3 -

أخرجه أحمد في "مسنده": 5/ 319، عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت. والبيهقى في "سننه": 9/ 104، "كتاب السير" "باب: إقامة الحدود في أرض الحرب، وهو طرف من رواية طويلة عن عبادة بن الصامت. وابن حبان في "مورد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمي":410. "كتاب: المغازى" "باب: في غنيمة بدر وغيرها" وهو طرف من رواية طويلة عن عبادة بن الصامت.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد": 5/ 272، "كتاب الجهاد" "باب: فضل الجهاد"، وقال: (رواه الطبراني، في الأوسط، وفيه عمرو بن الحصين وهو متروك). والمتقي الهندي في "منتخب كنز العمّال": 2/ 266.

ص: 206

قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوةا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَةا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَةا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِةادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ} 1 أي: عقوبة عاجلة، أو آجلة 2.

قال في "الكشاف": (هذه آية شديدة لا ترى أشدّ منها، كأنها تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين، واضطراب حبل اليقين) 3 اهـ.

فهذا الوعيد: لاحق للإمام إذا لم يعيّن، ولاحق للرعيّة إذا عيّن ولم يفعلوا.

وقال- تعالى-: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ

إلى قوله: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} 4.

قال المفسّرون: (هذا سخط عظيم على المتثاقلين 5، حيث وعدهم بعذاب أليم مطلقاً يتناول عذاب الدنيا والآخرة- أي: عذاب الدنيا باستيلاء العدوّ عليهم ونحوه، وعذاب الآخرة بالنار- وأنّه يهلكهم ويستبدل قوماً آخرين غيرهم)6.

فهذا الوعيد أيضاً: لاحق للإمام إذا لم يعيّن، ولاحق للرعيّة إذا عيّن ولم يفعلوا.

فقوله- تعالى-: {إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: إذا قال الله للأئمة: انفروا بلا واسطة، وقال للرعية: انفروا بواسطة الإمام.

1 - سورة التوبة / آية 24، وتمامها:{وَاللَّهُ لَا يَةدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} .

2 -

قاله الزمخرشي في "الكشاف": 2/ 257، وعزاه إلى الحسن. ونقله القرطبي في "الجامع لأحكام القرآان ": 8/ 96.

3 -

أنظر: الزمخشري- الكشاف: 2/ 257.

4 -

سورة التوبة / آية 38 - 39، وتمامها:{أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .

5 -

في "ب"(الثاقلين) وهو خطأ.

6 -

أورده الزمخشري في "الكشاف": 2/ 271.

ص: 207

فخطابه- تعالى- للأئمة بلا واسطة، وخطابه للرعية بواسطة الإمام، فالكلّ يلحقه الوعيد المذكور بمخالفة ما أمر به.

قال القرطبي في تفسيره: (التثاقل عن الجهاد مع إظهار الكراهية حرام).

قال: الإمام إذا عيّن قوماً وندبهم إلى الجهاد لم يكن لهم أنْ يتثاقلوا عند التعيين، ويصير بتعيينه فرضاً على كل من عيّنه) 1 اهـ.

وقال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّةلُكَةِ} 2.

قيل: (التهلكة هي: الكفّ عن الغزو والجهاد، والإنفاق فيه، لأن [27/أ] الكفّ يقوّي العدوّ، ويتسلّط عليكم، فيفسد عليكم دينكم ودنيام)3.

والوعيد شامل للإمام ابتداء، وللرعية انتهاء- كما مرّ-.

وقال- تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ

إلى قوله: قُلْ نَارُ جَةنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} 4.

قال ابن النحاس 5: هذه الآية: (وإنْ كانت في أقوام بأعيانهم، ففيها التهديد لمن فعل كفعلهم، وتخلّف كتخلّفهم، وناهيك بذلك وعيداً فضيعاً).

1 - أنظر القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": 8/ 142، وزاد عليه:(فاما من غير كراهة فمن عينه النبي صلى الله عليه وسلم حرم عليه التثاقل وان أمن منهما فالفرض فرض كفاية، ذكره القشيري).

2 -

سورة البقرة / آية 195، وتمامها:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّةلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّة يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .

3 -

قاله الزمخشري في "الكشاف": 1/ 237، والبيضاوي في "تفسيره":44.

4 -

سورة التوبة / آية 81، وتمامها:{وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَةنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} .

5 -

هو: أبو جعفر أحمد بن محمد المرادي، المصري: المفسر، الأديب، كان من نظراء "نفطويه" و"ابن الأنباري". من كتبه:"تفسير القرآن" و"إعراب القرآن" و"تفسير أبيات سيبويه". مات بمصر (سنة 338هـ). (ابن كثير- البداية والنهاية: 11/ 222، السيوطى- بغية الوعاة:1/ 362، الداودي- طبقات المفسرين:1/ 67 - 70).

ص: 208

وأخرج الطبراني: عن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما ترك قوم الجهاد، إلاّ عمّهم الله بالعذاب" 1 اهـ.

فأطلق في العذاب، فيتناول: الدنيوي ما والأخروي- كما مرّ- والوعيد لاحق الإمام والرعية أيضاً- كما مرّ- إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا تحصى.

فقد علمت من هذا كلّه!: أنّ الله- تبارك وتعالى قد أكّد الوعيد، وأوعد بالعذاب الشديد، كل من أعرض عن الجهاد، وشغله عنه الاهتمام بأمر 2 الأزواج والأولاد، وأبدى القرآن الكريم ما فيه كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد.

وإذا تقرر هذا تبيّن لكم- أيّدكم الله-!: حكم ما أشرتم إليه في السؤال من قولكم: (فهل يعاقبون

الخ؟).

إذ لا إشكال في عقاب المتخلف عن النفير بعد التعيين- كما رأيته- دنيا وأخرى.

فحينئذ فإنْ أظهروا الميل للعدوّ والكافر، وتعصّبوا به: فيقاتلون قتال الكفّار، ومالهم فيء.

وقد سُئِلَ الإمام سيدي: أحمد بن زكري 3: عن قبائل من العرب امتزجت أمورهم مع النصارى، وصارت بينهم محبّة، حتى أنّ المسلمين: إذا أرادوا الغزو،

1 - أورده المنذري في "الترغيب والترهيب": 2/ 331، "كتاب: الجهاد" "باب: الترهيب من أن يموت الإنسان ولم يغزو ولم ينو الغزو"، وقال:(رواه الطبراني بإسناد حسن).

2 -

في "ب" و"ج" و"د"(بأمور).

3 -

وهو: أحمد بن زكري، الفقيه، الأصولي، البياني، من أهل تلمسان، تتلمذ على يد العلاّمة "ابن زاغو"، من كتبه:"مسائل القضاء والفتيا" و"بغية الطالب في شرح عقيدة ابن الحاجب". "وشرح الورقات لإمام الحرمين" في أصول الفقه. مات (سنة 899هـ). (الونشريسي- وفيات الونشريسي من كتاب: "ألف سنة من الوفيات": 153، مخلوف- شجرة النور: 267، الزركلي- الأعلام: 1/ 231).

ص: 209

أخبر هؤلاء القبائل النصارى، فلا يجدهم المسلمون إلاّ متحذرين متهيّبين- والفرض أنّ المسلمين لا (يتوصّلون) 1 إلى الجهاد إلاّ من بلاد هؤلاء القبائل-[27/ب] وربما قاتلوا المسلمين مع النصارى.

ما حكم الله في دمائهم، وأموالهم؟ وهل ينفون من البلاد؟ وكيف إنْ أبوا من النفي إلاّ بالقتال؟.

فأجاب- رحمه الله بقوله ما نصّه: (ما وصف به القوم المذكورون: يوجب قتالهم كالكفار الذين تولّونهم، ومن يتولّ الكفّار فهو منهم.

قال تعالى: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} 2 اهـ.

وأمّا: إنْ لم يميلوا إلى الكفّار، ولا تعصّبوا بهم، ولا كانوا يخبرونهم بأمور المسلمين، ولا أظهروا شيئاً من ذلك، وإنّما وجد منهم الامتناع من النفير فإنّهم: يقاتلون قتال الباغية 3 - وسيأتي الكلام عليها في المسألة الأخيرة من مسائل السؤال- والله أعلم.

1 - في "الأصل"(يتوصل) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".

2 -

سورة المائدة / آية 51، وتمامها:{إِنَّ اللَّة لَا يَةدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .

3 -

في "ب"(الباغين).

ص: 210