الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
فيما ينبغي للإمام فعله قبله، وفيمن يجب استنفاره
من الرعية، وكيفية التدريب للحروب 1 وذكر
مكائد بها يظفر 2 الإمام بالمرغوب
ــ
اعلم: أنّه ينبغي للإمام قبل الاستنفار: أنْ يأمرهم بتقديم عمل صالح من صدقه، أو صيام، وردّ مظلمة، وصلة رحم، كما كان يفعل عمر- رضي الله عنه ويقول:"إنّما تقاتلون بأعمالكم"3.
ثم اعلم: أنّ الله تعالى قرن النصر بالصبر، فقال تعالى:{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} 4 وقال: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} 5.
وقال: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا
…
} 6، وقال:{اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّة مَعَ الصَّابِرِينَ} 7.
1 - في "ب"(للرعية).
2 -
في "ب"(ليظفر).
3 -
نقله الطرطوشي في "سراج الملوك ": 174، "باب: في ذكر الحروب وتدبيرها وحيلها وأحكامها".
4 -
سورة الأنفال/ جزء من آية: 65.
5 -
سورة آل عمران/ آية 120، وتمامها:{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِةا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّة بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} .
6 -
سورة الأنفال/ آية 45، وتمامها:{وَاذْكُرُوا اللَّة كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
7 -
سورة البقرة/ آية 153، وتمامها:{يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّة مَعَ الصَّابِرِينَ} .
قال الحرالّى 1 - بعد كلام-: (فمن لم يتحمّل الصبر الأول على الجهاد، أخذ بأمور هي بلايا في باطنه تجاوزها الخطاب، فانعطف عليها، قوله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ} 2، فالجوع: فراغ الجسم عمّا به [29/أ] قوامه، لفراغ النفس عن الأمان الذي هو لها قوام، فأفقدها القوامين في ذات نفسها بالخوف، وفي بدنها بالجوع لمّا لم تصبر على كدّ الجهاد، وقد كان ذلك الصبر عليه أهون من الصبر على الخوف والجوع.
وإنما كان أول نائلهم من هذا الابتلاء الخوف، حيث خافوا الأعداء على أنفسهم فجاؤوهم إلى مواطنهم- فمن لم يمش إلى طبيبه ليستريح جاء الطيبيب لهلاكه- وشتّان بين خوف الغازي 3 للعدوّ في قصره وبين المحصر 4 في أهله، وكذلك شتّان بين أرزاق 5 المجاهد وتزوّده" - " وخير الزاد التقوي- " 6 في
1 - في جميع النسخ (المحرالي) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وهو: أبو الحسن، علي بن أحمد بن الحسن الحرالي التجيبي: المفسر، المغربي، الصوفي، أطال "الغبريني" في الثناء عليه وإراد أخبارة، وقال:(ما من علم إلاّ له فيه تصنيف)، وقال الذهبي:(كان فلسفي التصوّف، ملأ تفسيره بحقائقه ونتائج فكره وزعم أنّه يستخرج من علم الحروف وقت خروج الدجال) من كتبه: "مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل" و"المعقولات الأول" في المنطق، و"الوافي" وغيرها. مات بحماة (سنة 638هـ).
(الغبريني- عنوان الدراية: 85 - 97، الذهبي- ميزان الاعتدال: 2/ 218، المقري- نفح الطيب: 1/ 417، الزركلي- الأعلام: 4/ 256 - 257، وجاء في هامشه: وقد وردت نسبته في كثير من المصادر بلفظ "الحراني" وهو تصحيف).
2 -
سورة البقرة / آية 155، وتمامها:{وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} .
3 -
أي: المجاهد الذي يغزو الأعداء في عقر دارهم، والذي ربما تنتابه هواجس الخوف من الأعداء عندما يشتدّ الوطيس.
4 -
هو: المحاصر الذي ضيّق عليه الأعداء، وأحاطوا به في عقر داره. (الرازي- مختار الصحاح: 106).
5 -
في "الأصل"(ازارة) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".
6 -
أورده الزبيدي في "اتحاف السادة المتقين بشرح أحياء علوم الدين": 8/ 448، وعزاه للبيهقي من طريق الثوري عن ابن عباس، بزيادة:"ورأس الحكمة مخافة الله عز وجل". =
سبيله لجهاده وبين جوع المتحلّف في عيلته 1.
فالمجاهد: آمن في جيشه، متزوّد في رحله، غانم من عدوّه. والمتخلّف: خائف في أهله، جائع في عيلته، ناقص المال من ذات يده) اهـ.
(وهذا) 2 الوعيد لاحق للإمام والرعية: فالإمام يلحقه ذلك إذا غفل ولم يجبر الناس على الجهاد والاستعداد، والرعية يلحقها ذلك إذا أمرهم ولم يمتثلوا.
وإذا تقرر أنّ النصر مقرون بالثبات والصبر، فيخرج منه: أنّه لا يستنفر إلاّ من كان فيه نجدة الصبر، فلتكن همّة الإمام مصروفة لاستنفار الشجعان والأبطال، لأنهم المتّصفون بالصبر للقتال، فيعينهم للخروج مع غيرهم وليكثر منهم- ولا عليه أن يكثروا- ويقربهم إليه بالمنزلة والمكانة، ويوسر إليهم، ويعدهم وعداً جميلاً، ويقوّي أطماعهم في أن ينالوا ما عنده من الهبات الفاخرة، والولايات السّنية 3، ويجعلهم مقدمة 4 الجيش.
فقد قالت الحكماء: (أسد يقود ألف ثعلب خير من ثعلب يقود ألف أسد)3.
= والعجلوني الجرّاحي في "كشف الخفاء ومزيل الألباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس": 1/ 473، وقال (رواه العسكري عن زيد بن خالد رفعه في حديث، ورواه أبو الشيخ عن ابن عباس مرفوعاً بزيادة "وخير ما ألقي في القلب اليقين"، وعن عقبة بن عامر كما سيأتي في ("رأس الحكمة": 1/ 507)، فيتقوّى، بل صريح القرآن شاهد له.
1 -
أهل بيت الرجل الذين ينفق عليهم. (المعجم الوسيط: 2/ 644).
2 -
في "الأصل"(وهكذا) وما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" مناسب للسياق.
3 -
من: السّنّي: أي: الرفيع، وأسناه: رفعه. (الرازي- مختار الصحاح: 252).
4 -
المقدمة: هي: قطعات الحماية الأمامية، وجحفل مؤلف من جميع الصنوف تقسم إلى نفيظة وطليعة، تخرج من القسم الأكبر لحمايته وللحصول على المعلومات عن العدوّ وعن الأرض، ولمنع العدوّ من الحصول على المعلومات، ولحماية القسم الأكبر من مباغتة العدوّ. (أنظر: شيت خطاب- المصطلحات العسكرية: 2/ 595 - 596، فتحي أمين- المصطلحات العسكرية: 497).
5 -
نقله الطرطوشي في "سراج الملوك": 174 "باب: في ذكر الحروب وتدبيرها وحيلها وأحكامها"، وعزاه إلى حكماء العجم.
قال الإمام الطرطوشي: (لا ينبغي أن يقدّم على الجيش أو يأخذ الألوية 1 إلاّ الرجل ذو البسالة والنجدة والشجاعة)2. [28/ب]
ولله درّ قائل:
("وَالنَّاسُ أَلْفٌ مِنْهُمْ كَوَاحِدٍ
…
وَوَاحِدٌ كَالْأَلْفِ إِنْ أَمرٌ عَنَّا") 3
وإذا كان الواحد كالألف: فإذا 4 رأي الإمام في قومه وجيشه عدداً 5 ممّن هذه أوصافه فذلك 6، وإلاّ "ردّ الغنم للزريبة" 7، ولذا قالوا: (يجب على الإمام: أن
يهتمّ بأمور الجهاد، فيأمر كل قبيلة: بتعليم الحروب، والتدريب).
وإن رأي: أن يعيّن من كل قبيلة مائة أو أكثر، تتعلم الحروب والتدريب مهيئة نفسها لكلمة الأمير، وتكون تلك المائة: من الوجوه الذين لا يولّون الأدبار، وعند كل خمسة أشهر ونحوها 8، يأمرهم بالضرب بين يديه بمرأي منه، فمن رآه 9 منهم كثير الإصابة والتدريب أحسن إليه وقرّبه لديه، وهكذا حتى يعرف من كل قبيلة أبطالها وشجعانها، فيعيّنهم حينئذ للأسفار الأمثل فالأمثل.
ومن وجده من القبائل لم (يعتن) 10 بما أمره به: من تعلّم الحروب أهانها
1 - جمع لواء: وهو العلم الصغير (ابن العنابي- السعي المحمود في نظام الجنود: 115).
2 -
أنظر: الطرطوشي في "سراج الملوك": 174، "باب: في ذكر الحروب وتدبيرها وحيلها وأحكامها".
3 -
المصدر السابق: 175، "باب: في ذكر الحروب وتدبيرها وحيلها وأحكامها"، ولم يذكر قائله. وابن العنابى في "السعى المحمود في نظام الجنود: 163، وعزا نقله "للطرطوشي".
4 -
في "ب"(فسان).
5 -
في "الأصل"(عدد) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".
6 -
ساقطة من "ب" و"ج" و"د".
7 -
نقله الطرطوشي في "سراج الملوك": 174.
8 -
في "ج"(أونحوها) وفي "ب"(أو أكثر).
9 -
في "ج"(رأي).
1 -
0 - في "الأصل"(يتعين) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".
وأهان قائدها، ولامهم على مخالفة أمره، ولا يتّكل في اختبارهم على غيره فينتظم الأمر حينئذ.
فإذا احتاج الأمير إلى إقامة جيش لفجىء العدوّ ونحوه، أقامه في ساعة واحدة من الأبطال، لأنّهم مكتوبون عنده في الديوان 1 من كل قبيلة، ولا يحتاج حينئذ إلى فريضة الحراك، لأنّهم إذا وكّلوا لغرضهم لا يحركون إلاّ أوباش 2 الناس، الذين إذا قابلوا العدوّ ولّو الأدبار، فيفسد الأمر، ويختلّ الملك، وربما كانوا لا يفترضون 3 الحركة إلاّ بعد انتهاز العدوّ في المسلمين الفرصة.
(ولما تقابل بعض أمراء 4 الأندلس، مع الطاغية (ابن ردمير) 5، قال الطاغية- لمن يثق بعقله، وممارسته للحروب من رجاله-:"استعلم لي من في عسكر المسلمين من الشجعان الذين نعرفهم كما يعرفوننا، ومن غاب منهم، [29/أ] ومن حضر "فذهب، ثم رجع، فقال:"فيهم فلان وفلان حتى (عدّ) 6 سبعة رجال".
قال: " (انظر) 7 الآن من في (عسكري) 8 من الرجال المعروفين بالشجاعة،
1 - هو: مجتمع الصحف، والكتاب يكتب فيه أهل الجيش وأهل العطيّة، وأول من وضعه: عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (ترتيب القاموس المحيط: 2/ 237).
2 -
أي: الأخلاط، مثل "الأوشاب"، وقيل: هو جمع مقلوب من: البوش. (الرازي- مختار الصحاح: 560).
3 -
في "ب"(يفرضون).
4 -
هو: المستعين بالله: سليمان بن محمد بن هود مولى أبي حذيفة الجذامي، مؤسس دولة آل هود بالأندلس، وتقابل مع هذا الطاغية في مدينة "وشقة" من ثغور بلاد الأندلس. (مات سنة 438هـ). أنظر: ابن عذارى- البيان المغرب: 3/ 221 - 224، والطرطوشي- سراج الملوك: 175، والزركلي- الأعلام: 3/ 132.
5 -
في "الأصل"(ابن زدمير) وكذلك في "ب"، وما أثبتناه من "ج" قد ثبت في "البيان المغرب" لابن عذارى: 3/ 223، وفي "سراج الملوك" للطرطوشي: 175، "ابن ردميل" وجاء في نسخة أخرى منه: 302 "ابن روميل النصراني".
6 -
ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د".
7 -
في "الأصل"(أنظروا) وما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" قد ثبت في "سراج الملوك ".
8 -
في "الأصل"(عسركم) والصواب ما أثبتناه.
ومن غاب منهم "فعدّوهم، فوجدوهم ثمانية لا يزيدون، فقام الطاغية ضاحكاً مسروراً، وهو 1 يقول: "ما أبيضك من يوم".
ثم تناشبت الحرب، فلم تزل المضاربة 2 بين الفريقين، ولم يولّ واحد منهم دبره، ولا عن مقامه، حتى (فنى) 3 أكثر العسكرَين، ولم يفرّ واحد منهم، ولما كان وقت العصر حملوا على المسلمين، وداخلوهم مداخلة واحدة، ففرّقوا بينهم وهزموهم.
فليعتبر ذو 4 العزم في البصيرة، ببشرى الطاغية بالنصر والغنيمة، لما زاد في أبطاله رجل واحد) اهـ بنقل الطرطوشي 5.
وذكر بعض المؤرخين: (أن بعض أمراء الأندلس الذين استحكموها إثر فتحها كان يقاتل عدوّه، وأمّر على طائفة من جيشه ولده، فوقعت الهزيمة على ناحية ولده، فجاء الأمير لولده بسيفه يقطر دماً ليقتله، وهو يقول: (هلاّ صبرت حتى قتلت وسلّمت، ولا تأتيني بالذلة والهزيمة" فما ردّه خواصه عن قتل ولده إلاّ بمشقّة.
فلما رأي عمّاله ما فعل بولده، قالوا:"هذا ما فعل بولده، فكيف بنا! " فلم ينهزهم أحد من عمّاله بعد).
فتهديد العمّال وتوعّدهم بالقتل إن انهزموا، من مكائد الحرب.
وذكر الموّاق- رحمه الله: (أنّ عثمان 6 رضي الله عنه أمّر-: ابن أبي
1 - ساقطة من "ب".
2 -
في "سراج الملوك للطرطوشي"(المصابرة).
3 -
في "الأصل"(أفنى) وكذلك في "ب"، وما أثبتاه من "ج" و"د" قد ثبت في "سراج الملوك".
4 -
في"ب" و"ج" و"د"(ذوو).
5 -
نقله الطرطوشي في "سراج الملوك": 175 - 176، "باب: في ذكر الحروب ومكائدها". وابن العنابي في "السعي المحمود في نظام الجنود": 163 - 164، وعزا نقله للطرطوشي.
6 -
عثمان بن عفان، أمير المؤمنين ذو النورين، ثالث الخلفاء الراشدين. قتل (سنة 3هـ). (ابن حبيب- المحبر: 377، ابن الجوزي- صفة:1/ 112، الزركلي- الأعلام: 4/ 210).
سرح 1 على غزوّ افريقية" 2، وكان الطاغية "جرجير" يملك من "طرابلس" 3 إلى "طنجه" 4، فهاله 5 أمر العرب لما نزلوا به، فتحيّل: أن زيّن بنتا له كانت بارعة الجمال، وقال لجيشه: "أتعرفون هذه" قالوا: "نعم، سيدتنا، وبنت سيّدنا"
قال الملك جرجير: [29/ب]"- وحق المسيح، ودين النصرانية- لا قتل أحد منكم ابن أبي سرح- أمير العرب- إلاّ زوجتها له، وسقت لها جميع ما معها من الحليّ، والحلل، والجواري! ".
فحرّض بذلك شجعان الروم تحريضاً شديداً، فبلغ ذلك لابن أبي سرح، فأخبر من معه من المسلمين: بمقالة "جرجير"، ثم قال لهم:"- والله- لا قتل منكم رجل "جرجير" إلاّ نفلته ابنته، وما معها! ".
فانتدب أناس فيهم: عبد الله بن الزبير 6 رضي الله عنه وهو: ابن بضع
1 - هو: عبد الله بن سعد أبي سرح القرشي العامري: صحابي جليل، وفارس بني عامر، أسلم قبل فتح مكة، وكان من كتاب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم فتح افريقية، وغزا الروم بحراً، وظفر بهم في معركة "ذات الصواري" مات "بعسقلان" فجأة وهو قائم يصلي (سنة 37هـ). (ابن الأثير- أسد الغابة: 3/ 173، ابن كثير- البدابة: 7/ 250، السلاوي- الاستقصا:1/ 35، الزركلي- الأعلام: 4/ 88 - 89).
2 -
سمّيت "افريقية": بافريقيس بن أبرهة، وقيل: أنه لما غزا المغرب انتهى إلى موضع واسع رحيب كثير الماء، فأمر أنْ تبنى هناك مدينة فبنيت وسمّاها بأفريقية، اشتق اسمها من اسمه، ثم نقل إليها الناس، ثم نسبت تلك الولاية بأسرها إلى هذه المدينة، وفتحت عنوة في خلافة عثمان بن عفان (سنة 29هـ). (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 1/ 228).
3 -
وهي طرابلس الغرب، مدينة تقع على شاطيء البحر، يحيطها سور صخري جليل البنيان. ذكر اللّيث بن سعد:(غزا عمرو بن العاص طرابلس (سنة 23هـ)، وحاصرها شهرين لا يقدر منهم على شيء ثم دخلها بجيشه وهزم الروم وغنم ما كان فيها. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 4/ 25).
4 -
هي: بلد على ساحل بحر المغرب مقابل الجزيرة الخضراء وهو: من البر الأعظم وبلاد البربر، ينسب إليها:"عبد الملك بن سنجون اللواتي الطنجي"، وكان من فصحائها وكبار علمائها. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 4/ 43).
5 -
أي: أفزعه، وبابه: قال. (الرازي- مختار الصحاح: 556).
6 -
أبو بكر، عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي: فارس قريش في زمنه، شهد فتح =
وعشرين سنة، فتحيّلوا، وحملوا حتى شقّوا الصفوف، وظفروا "بجرجير"، فقتلوه، وانهزم الكفّار، وتنازعوا في قتل "جرجير"، فقالت البنت:"أنا أعرف قاتل أبي" فأمر ابن أبي سرح: أنْ يمرّ الجيش بين يديها، وهي تنظر حتى مر ابن الزبير، قالت:"هذا- والمسيح- هو: الذي قتل أبي، فقال ابن أبي سرح، لابن الزبير: "كتمتنا" قال: "قد علم الله (الذي) 1 قتله له- يعني: لم أقتله إلاّ لله- لا لما وعدت به من التنفيل" قفال ابن أبي سرح: "إذن- والله- أنفلك ابنته" فنفله إياها، وما معها، واتخذها أم ولد) 2 اهـ.
فانظروا- أيّدكم الله-!: كيف كانت راحة المسلمين في انتداب هؤلاء الأبطال لقتله، ووفاء أميركم بوعده!.
قال المواق أيضاً: (ذكر) صاحب "عيون الأخبار" 3 أن "مسلمة" 4 حاصر
= افريقية زمن عثمان، بويع له بالخلافة (سنة 64هـ)، وكان من خطباء قريش المعدودين، وأول من ضرب الدراهم المستديرة، له في كتب الحدبث 33 حديثاً، وكانت له مع الأمويين وقائع هائلة انتهت بمقتله (سنة 73هـ). (ابن الأثير- الكامل: 4/ 135، ابن الجوزي- صفة:1/ 322، البكري- تاريخ الخميس: 2/ 301، الزركلي- الأعلام: 4/ 87) ..
1 -
ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د".
2 -
نقله الموّاق في "التاج والأكليل لشرح مختصر خليل": 3/ 373 374، "كتاب: الجهاد" وعزا نقله لصاحب كتاب "معارف الأشواق".
3 -
"عيون الأخبار" للشيخ الإمام أبي محمد، عبد الله بن مسلم، المعروف بابن قتيبة، الدينوري، النحوي، الأدبي، من المصنفين المكثرين، وكتابه هذا قد طبع، وهو كبير مشتمل على أبواب كثيرة، تجتمع في عشرة كتب وهى: كتاب السلطان، والحرب، والسؤدد، والطبائع، والأخلاق، والعلم، والزهد، والاخوان، والحوائج، والطعام، والنساء. وذكر: أنّه صنفه في الأدب والمحاضرات دالاً على معالي الأمور، مرشداً لكريم الأخلاق، زاجراً عن الدناءة والقبح، باعثاً على الصواب والتدبير، ورفق السياسة).
ومن كتبه- أيضاً-: "تأويل مختلف الحديث" و"أدب الكتاب" وغير ذلك. مات ببغداد (سنة 276هـ). (السيوطي- بغية الوعة: 2/ 63 - 64، حاجي خليفة- كشف الطنون: 2/ 1184، الزركلي- الأعلام: 4/ 137).
4 -
هو: مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم: الأمير، القائد، من أبطال عصره، من بني أميّة في دمشق، له فتوحات مشهورة منها "غزو القسطنطنية" و"الترك" و"السند" قال =
حصناً من حصون الكفّار، وندب الناس للدخول من نقب 1 هناك، فما دخله أحد، فجاء رجل من عرض الجيش، فدخله، ففتحه الله عليهم، فنادى "مسلمة":"اين صاحب النقب؟ "فما جاء أحد، فنادى:"اني عزت عليه أنْ يأتي" فأتى رجل وقال: "صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً: أنْ لا تجعلوا اسمه في صحيفة إلى الخليفة، ولا تأمروا له بشيء، ولا تسألوا عمّن هو! ".
فقال "مسلمة": "ذلك له" فقال: "أنا هو"[30/أ] فكان مسلمة لا يصلّي صلاة إلاّ قال: "اللهمّ إجعلني مع صاحب النقب") 2 اهـ.
وذكر الإمام الطرطوشي- في "سراجه"-: (أن القدماء قالوا: للكثرة الرّعب، وللقلّة النصر، فالكثرة أبداً يصحبها الإعجاب ومع الإعجاب الهلاك. وفي الحديث:"خير الأصحاب أربعة، وخير السرايا 3 أربعمائة، وخير الجيش أربعة آلاف، ولن يغلب جيش بلغ اثني عشر ألفاً من قلّة" 4 فالكثرة
= الذهبي: (كان أولى بالخلافة من سائر إخوته). مات (سنة 120هـ). (ابن حجر- تهذيب: 10/ 144، الزركلي- الأعلام: 7/ 224).
1 -
أي: من ثقب، وجمعه: أنقاب، ونقاب، ونقبت الحائط، أي: خرقته. (الفيومي- المصباح المنير: 2/ 330، الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 4/ 420).
2 -
أنظر ابن قتيبة في "عيون الأخبار": 1/ 172، "باب: في أخبار الشجعاء والفرسان وأشعارهم". والموّاق في "التاج والإكليل في شرح مختصر خليل": 3/ 374.
3 -
مفرده: "سريّة" وهي: قمة عسكرية للمشاة والخيّالة والدروع والمخابرة والهندسة والنقلية. يقال: سرية مشاة، وسرية خيالة وسرية مدرعات، وسرية دبابات، وسرية ناقلات. (شيت خطاب- المصطحات العسكرية: 361).
4 -
أخرجه أحمد في "مسنده": 1/ 299، عن ابن عباس.
والبيهقي في "سننه": 9/ 156، "كتاب السير" "باب: ما يستحب من الجيوش والسرايا".
وأبو داود في "سننه" أنظر: "عون المعبود في شرح سنن أبي داود": 7/ 268 - 269. "كتاب الجهاد" "باب: في ما يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا"، وقال: (والصحيح أنه مرسل).
والهيثمى في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد": 5/ 258، 327 "كتاب الجهاد" "باب: =
يلزمها الإعجاب. قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ (شَيْئًا)
…
1} 2.
(قال) 3: (قال بعض الحكماء: وقد جمع الله لنا آداب الحرب، في قوله تعالى:{يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّة كَثِيرًا .... إلى قوله: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّة مَعَ الصَّابِرِينَ} 4 5، فدلّت هذه الآية: على أن النصر مقرون بالصبر.
قال: (ورأيت غير واحد ممّن ألّف في الحروب: يكره رفع الصوت بالتكبير،
= المرافقة" و"باب الصبر عند القتال" مع زيادة، من قلّة إذا صدقوا وصبروا" وعزاه لأبي داود والترمذي.
وأورده الزبيدي في "اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين": 6/ 399. والشوكاني في "نيل الأوطار": 7/ 235، "باب: ترتيب السرايا والجيوش"، وقال: (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن).
1 -
سورة التوبة / آية 25، وتمامها:{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} .
2 -
أنظر الطرطوشي في "سراج الملوك": 179، "باب: في ذكر الحروب ومكائدها وحيلها وأحكامها".
3 -
أي الطرطوشي، وهي ساقطة من "الأصل" وكذلك من "ب"، والإضافة من "ج".
4 -
سورة الأنفال / آية 45، تقدم تخريجها: 302، وآية 46 وتمامها:{وَأَطِيعُوا اللَّة وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْةبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّة مَعَ الصَّابِرِينَ} .
5 -
أنظر الطرطوشي في "سراج الملوك ": 177 "باب: ذكر الحروب ومكائدها وحيلها". ونقله- أيضاً- ابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 1/ 167، "في مكائد حصار المدن والحصون" وعزاه لكتاب، محاسن البلاغة للتدميرى".
ثم قال: (قال صاحب "مشارع الأشواق" من متأخري المشارقة- هو محيي الدين أحمد بن ابراهيم الدمشقي-: "ولقد صدق هذا القائل فإن الله تعالى أمر المقاتلين فيها بخمسة أمور، ما اجتمعت في فئة إلاّ نصرت، وإن قلّت، وكثر عدوّها، وهي: الثبات وكثرة ذكر الله، وطاعة الله ورسوله، وعدم التنازع الموجب للفشل والوهن، فإنّهم إذا اجتمعوا كانوا كالحزمة من السهام، لا يستطاع كسرها جملة فإذا تفرّقت سهل كسرها سهماً سهماً.
الخامسة: الصبر وهو ملاذ الأمر والنصر سببه، ومتى فقد شيء من ذلك نقص من النصر بحسبه).
ويقولون: يذكر الله في نفسه) 1.
قال 2: (قال عتبة بن ربيعة 3 - يوم بدر-4 لأصحابه-: ألا ترون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم جثيًّا 5 على الركب، كأنهم خرس يتلمّظون 6 تلمّظ الحيّات)7.
قال: (وبينما المنصور بن (أبي) 8 عامر 9 - في بعض غزواته-: إذ وقف
1 - أنظر نفس المصدر السابق.
وقال القرطبي عند قوله تعالى: {فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّة كَثِيرًا} : (قال قتادة: افترض الله- جلّ وعزّ ذكره- على عباده، أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف وحكم هذا الذكر أن يكون خفيًّا، لأن رفع الصوت في مواطن القتال رديء مكروه إذا كان الذاكر واحداً، فأنَّا إذا كان من الجميع عند الجملة فحسن، لأنه يفتّ في أعضاد العدوّ، وروى أبو داود عن قيس بن عباد قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند القتال). (الجامع لأحكام القرآن: 8/ 34).
2 -
أي الطرطوشي.
3 -
أبو الوليد، عتبة بن ربيعة بن عبد شمس: كبير قريش وأحد ساداتها في الجاهلية، موصوفاً بالرأي والحلم والفضل، خطيباً، نافد القول، أول ما عرف عنه توسطه للصلح في حرب الفجّار (بين هوازن وكنانه)، أدرك الإسلام، وشهد بدراً مع المشركين، وقاتل قتالاً شديداً، فأحاط به عليّ بن أبي طالب وحمزة وعبيدة بن الحارث، فقتلوه (سنة 2هـ) (ابن حبيب- المحبر: 175، الزركلي- الأعلام: 4/ 200).
4 -
ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل "وادي الصفراء" وإليه نسبت الوقعة المشهورة التي أظهر الله بها الإسلام وفرّق بين الحق والباطل في شهر رمضان (سنة 2هـ). (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 1/ 357 - 358).
5 -
جثى على ركبتيه يجثي جثيًّا، وجثا يجثو جثوًّا: أي جلس على ركبته. (الرازي- الصحاح: 69، المصباح المنير: 1/ 113).
6 -
لمظ الرجل يلمظ لمظاً، وتلمّظ زيد تذوق وتتبع بلسانه اللّماظة، والحيّة أخرجت لسانها. (البستاني- فاكهة البستاني: 1312).
7 -
أنظر الطرطوشي في "سراج الملوك ": 177، "باب: في ذكر الحروب ومكائدها وحيلها وأحكامها"، وأورده- أيضاً- ابن قتيبة في "عيون الأخبار": 2/ 108، "كتاب الحرب" "آداب الحرب ومكائدها".
8 -
ساقطة من جميع النسخ، والإضافة من "سراج الملوك " ومن كتب التراجم.
9 -
هو محمد بن عبد الله بن عامر المعافري القحطاني، المعروف: بالمنصور بن أبي غامر: أمير =
من الأرض بمكان مرتفع، فرأى: جيوش المسلمين- بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن يساره- قد ملؤوا السهل والجبل، فالتفت إلى مقدم العسكر- وهو رجل يعرف: بابن المصحفي- 1 وقال له: كيف ترى هذا العسكر، أيها الوزير؟ "فقال له- ابن المصحفي-:"أرى جمعاً كثيراً، وجيشاً واسعاً" قال له المنصور: "لا يعجزنا أن يكون في هذا الجيش ألف مقاتل، من أهل الشجاعة والبسالة"، فسكت ابن المصحفي، فقال المنصور:"ما سكوتك؟ أليس في هذا الجيش ألف مقاتل من الأبطال؟ "[30/ب]
قال: "لا"، فتعجب المنصور!، ثم انعطف عليه، فقال:"أليس فيهم خمسمائة رجل؟ " قال: "لا"، قال:"أفيهم مائة رجل؟ " قال: "لا"، قال:"أفيهم خمسون؟ " قال: "لا"، فسبّه المنصور، واستخفّ به، وأمر به فأخرج على أقبح حال!.
فلما توسّطوا بلاد المشركين: اجتمعت الروم، وتصافّ الجمعان، فبرز علج 2 من الروم- يكر 3 ويمرّ- وهو ينادي:"هل من مبارز؟ "، فبرز له رجل من المسلمين، فتجاولا ساعة، فقتله العلج، ففرح المشركون، وصاحوا
= الأندلس، في دولة المؤيد الأموي، قدم قرطبة طالباً للعلم فبرع وتولّى القضاء في اشبيلية، وقام بشؤون الدولة لما مات المستنصر الأموي، وكان "المؤيد" صغيراً، قال الذهبي:(كان المؤيد معه صورة بلا معنى). مات في احدى غزواته بمدينة سالم (سنة 392هـ). (ابن الأثير- الكامل: 9/ 61، المقري- نفح الطيب:1/ 189، الزركلي- الأعلام: 6/ 226).
1 -
هو: أبو الحسن، جعفر بن عثمان بن نصر، الحاجب المعروف: بالمصحفي، الوزير، الأديب، الأندلسي، الكاتب، ولي جزيرة "ميورقة" في أيام الناصر، وتصرّف في أمور الدولة في أيام هشام المؤيد، وقوى عليه المنصور بن أبي عامر فقتله وبعث بجسده إلى أهله (سنة 372هـ) (المقري- نفح الطيب:1/ 281 - 286، الزركلي- الأعلام: 2/ 125).
2 -
العلج- بالكسر- الرجل من كفّار العجم، وجمعه: علوج وأعلاج. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط:3/ 291).
3 -
يقال: كرّ الفارس: عاد مرة بعد أخرى. (شيت خطاب- المصطحات العسكرية: 2/ 618).
واضطرب لها المسلمون!، ثم جعل العلج يمرح بين الصفّين، وينادي:"هل من مبارز اثنين بواحد؟ "، فبرز إليه رجل من المسلمين، فتجاولا ساعة، فقتله العلج، وجعل يكرّرا ويحمل:"هل من مبارز ثلاثة بواحد؟ "، فبرز إليه رجل، فقتله العلج، فصاح المشركون، وذلّ المسلمون- وكادت أن تكون كسرة-!.
فقيل للمنصور: "ما لها غير ابن المصحفي " فبعث إليه: فحضر، فقال المنصور:"ألا ترى ما يصنع هذا العلج؟ " قال: "بعيني جميع ما جرى" قال: "فما الحيلة فيه؟ " قال: "وما الذي تريد؟ " قال: "تكفي المسلمين شرّه " قال: "نعم"، ثم قصد إلى رجال يعرفهم، فاستقبله رجل من رجال الثغور 2 على فرس قد نشزت أوراكها هزالاً- وهو: يحمل قربة ماء بين يديه على الفرس، والرجل في نفسه وحليته: غير متصنّع، فقال له- ابن المصحفي-:"ألا ترى ما يصنع هذا العلج؟ " قال: "قد رأيته!، فماذا ترى فيه؟ " قال: "يزال رأسه الآن" قال: "نعم"، فلبس لأمة 3 حربه، وبرز إليه، فتجاولا ساعة، فلم ير الناس إلاّ المسلم خارجاً إليهم يركض، ولا يدرون ما هنالك؟، فإذا الرجل: يحمل رأس العلج، فألقى الرأس بين يدي المنصور!، وقال ابن المصحفي له:"عن مثل هذا أخبرتك: بأنه ليس في عسكرك ألف، ولا خمسمائة، ولا مائة، ولا خمسون، ولا عشرون، ولا عشرة"[31/أ] فردّ ابن المصحفي إلى منزلته فأكرمه، وأكرم قاتل العلج) 4 اهـ.
1 - في "ب" و"ج" و"د"(يكرّ) وما أثبتناه مناسب للسياق.
2 -
مفرده "ثعر" وهو: كل موضع قريب من أرض العدوّ، كأنه مأخوذ من الثغر، وهي الفرجة في الحائط، وهو في مواضع كثيرة، منها: ثعر الشام، وطرسوس، والمصيصة وغيرها. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 2/ 79 - 80).
3 -
اللأمة- بالفتح- الدّرع، وجمعه: لأم ولؤم، والفارس لأمته لسمها. (البستاني- فاكهة البستاد: 1275).
4 -
أورده الطرطوشي في "سراح الملوك ": 176 - 178، "باب: في ذكر الحروب ومكائدها وحيلها وأحكامها" وذكر أنه نقله من أستاذه: القاضي أبو الوليد الباجي.
قال: وكذا وقع لرجل يقال له ابن فتحون 1: فإنه كان أشجع العرب والعجم، وكانت النصرانية تعرف شجاعته، وكان المستعين (أبو) 2 المقتدر بالله 3: يعظّمه لذلك، ويجرى له في كل يوم خمسمائة دينار، فحسده نظراؤه على كثرة العطاء- وما زالوا عليه- حتى غيّروه عليه.
فلما غزا المستعين بلاد الروم، فبرز علج وسط الميدان 4، ينادي: "هل من مبارز؟ فبرز إليه رجل، فقتله العلج، ثم خرج إليه آخر فقتله، ثم آخر فقتله، فضجّ المسلمون، واضطربوا، ولم يقدر أحد من المسلمين: أن يخرج إليه، وبقي الناس في حيرة!.
فقيل للمستعين: "ما لها إلاّ ابن فتحون" فدعاه، وقال له:"أترى ما يصنع هذا العلج؟ " فقال: "هو بعيني" قال: "فما الحيلة فيه؟ " قال: "وما تريد؟ ". قال: "أن تكفي المسلمين شرّه"، فلبس ابن فتحون قميصاً واسع الأكمام، وركب فرسه بلا سلاح، وأخذ بيده سوطاً طويلاً، وفي طرفه عقدة، ثم برز إليه- فعجب النصراني منه! - وحمل كل منهما على صاحبه، فلم تخط طعنة النصراني سرج ابن فتحون، فتعلّق ابن فتحون برقبة فرسه ونزل
1 - هو أبو الوليد ابن فتحون، فارس كان "بسرقسطة"، يقرب نسبه إلى الطرطوشي. (الطرطوشي- سراج الملوك: 180).
2 -
في جميع النسخ (ابن) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه كما هو ثابت في "سراج الملوك":180.
3 -
هو أبو الفضل، العباس بن محمد بن أبي بكر بن سليمان، المستعين بالله، من خلفاء الدولة العباسية الثانية بمصر، بويع بالخلافة في القاهرة بعد وفاة أبيه (سنة 808هـ)، أرسله "الأتابكي شيخ المحمودي" إلى سجن الاسكندرية بعد هزيمة الناصر، ومات بالطاعون (سنة833هـ).
أنظر: ابن إياس- بدائع الزهور: 1 - 2/ 747، 2/ 130، البكري- تاريخ الخميس: 2/ 384، الزركلي- الأعلام: 3/ 265).
4 -
أي- الساحة، يقال ميدان المعركة: ساحة المعركة والحرب. (شيت خطاب- المصطلحات العسكرية: 2/ 651).
إلى الأرض، ثم استوى على سرجه، وحمل عليه، فضربه بالسوط على عنقه، فالتوى على عنقه، وأخذه بيده من السرج، فاقتلعه، وجاء به نحو المستعين فألقاه بين يديه، فعلم المستعين: أنه أخطأ في صنعه معه، فأكرمه، وردّه إلى منزلته، وزاد في عطائه) 1.
ومن المكائد أيضاً: ما قاله ابن النحاس وغيره، قالوا:(أهمّ ما ينبغي لصاحب الجيش قبل القتال، أن يبثّ الجواسيس الثقات عنده في عسكر [31/ب]، عدوّه، ليتعرّف أخبارهم، وما عندهم من العدد والآلات، ويحرز أعدادهم، ويبحث عن أسماء رؤسائهم وشجعانهم، ويدسّ إليهم ويخدمهم بما تميل إليه طبائعهم، ليغدروا بصاحبهم أو يعتزلوه وقت القتال، ويكتب أخباراً مزوّرة تطابق ما وصل إليه من الجواسيس، ويطرحها في جيش عدوّه على ما يقتضيه الحال، ولا يبخل بما يصرفه على ذلك، فإنه إن كانت النصرة له فلا يضرّه ما أنفق، وإن كانت عليه فلا ينفعه ما خلف)2.
ويروى: (أن أصحاب المهلّب 3 حاصوا عليه، وقالوا: "لا طاقة لنا
1 - أنظر الطرطوشي في "سراج الملوك ": 180، "باب: ذكر الحروب ومكائدها وحيلها وأحكامها".
2 -
قال ابن الأزرق - في مكائد ما قبل القتال-: (المكيدة الأولى: وهي أهمّ ما يبدأ به قبل القتال، بثّ الجواسيس الثقات في عسكر العدوّ وبلاده لتعرف أخبارهم مع الساعات، وما عندهم من العدّة والعدد، وما لهم من المكائد والحيل، وكم عدد رؤسائهم وشجعانهم وما منزلتهم عند صاحبهم، ويدسّ إليهم ما يخدعون به من صلة أو ولاية، حتى يغدروا صاحبهم، أو يهربوا عنه ويخذلوه، عند لقائه). (ابن الأزرق- بدائع السلك في طبائع الملك: 1/ 162). وقال الطرطوشي: (ووجوه الحيل لا تحصى والحاضر فيها أبصر من الغائب). (الطرطوشي- سراج الملوك: 17).
3 -
هو أبو سعيد، المهلب بن أبي صفرة ظالم بن سراق الأزدي العتكي، أمير، بطاش، جواد، قال فيه عبد الله بن الزبير:(هذا سيد أهل العراق) حارب الأزارقة تسعة عشر عاماً حتى تمّ له الظفر بهم، تولّى ولاية "خراسان" في عهد عبد الملك بن مروان، أخباره كثيرة، مات بخرسان (سنة 83هـ). (ابن حبيب- المحبر: 261، ابن الأثير- الكامل: 4/ 183، ابن خلكان- وفيات: 350 - 358، الزركلي- الأعلام: 7/ 315).
بسهام 1 مسمومة ترمي بها الخوارج، يصنعها رجل يقال له:"أبزى" فقال: "كفيتكم العبد- إن شاء الله-"، ثم كتب إليه: "من المهلّب إلى أبزى، أما بعد:
فقد وصلت هديّتك، وحسن موقعها، وقد أنفذت لك مع كتابي ألف درهم، فاقبضها، ولا تقطع مواصلتي ومهاداتي أعظم وفدك، وتجدني حيث شئت".
وقال للرسول: "تعرض لجماعة من الخوارج، حتى يأخذوا الكتاب منك، ويدفعوه إلى رئيسهم "قطري" 2 - ففعل ما أمره به- فلما وصل الكتاب إلى "قطري"، عجّل على "أبزى" بالقتل، قبل أن يعرف صحة الخبر، وقال: "ما أصنع بمن يهادي المهلّب "، فافترقوا لذلك، وكان هذا سبب اختلافهم، فقال المهلّب- لأصحابه-: "لا تشغلوهم عن المنازعة بالقتال، فإنّهم إن افترقوا الآن لن يجتمعوا أبداً" فكان كما قاله).
وحكى عن كسرى: (أنه بعث "الاصبهند" إلى الروم، في جيش عظيم، فأعطي من الظفر ما لم يعط أحد من الظفر قبله، فظن "كسرى": أن ذلك يغيره عليه، ويوجب له كبراً، فبعث إليه رجلاً، ليقتله- وكان المبعوث عاقلاً- فلما رأى عقل "الاصبهند" وتدبيره، قال:"ما يصلح هذا بغير جرم"، ثم
1 - مفرده: "سهم" وهو: عود من الخشب يسوّى، في طرفه نصل يرمى به عن القوس. (شيت خطاب- المصطحات العسكرية: 1/ 380).
2 -
هو أبو نعامة، ابن الفجاءة، جعونة بن مازن بن يزيد الكناني المازني التميمي، من رؤساء الأزارقة "الخوارج" وأبطالهم. من أهل "قطر" بقرب "البحرين"، كان خطيباً فارساً شاعراً. استفحل أمره في زمن مصعب بن الزبير، لما ولي العراق نيابة عن أخيه عبد الله، وبقي "قطري" ثلاث عشرة سنة يقاتل ويسلّم عليه بالخلافة وامارة المؤمنين، والحجاج بن يوسف يسثر إليه جيشاً بعد جيش، وهو يردهم ويظهر عليهم، اختلف المؤرخون في مقتله، فقيل: عشر به على فرسه، فاندقت عنقه فمات، وقيل: توجه إليه سفيان بن الأبرد الكلبي، فقاتله وقتل في المعركة، وذلك في (سنة 78هـ).
(ابن خلكان- وفيات الأعيان: 4/ 93 - 95، الزركلي- الأعلام: 5/ 200 - 201).
أخبره بالذي جاء به، فأرسل "الاصبهند" إلى "قيصر":[32/أ]"اني أريد أن ألقاك؟ " قال: "إذا شئت التقينا"، فالتقيا، وقال له:"إن هذا الخبيث قد همّ بقتلي، ووجّه إليّ رجلاً، لذلك، وإني أريد هلاكه- كالذي أراد مني- والبادي أظلم- فاجعل لي من نفسك ما سأطمئن إليه، فأعطيك من بيوت أمواله؟ ".
فأعطاه من المواثيق، ما اطمأنّ إليه، وسار قيصر في أربعين ألفاً، فنزل "بكسرى"، فعلم "كسرى": كيف جرى الأمر، فاحتال على بعض جنود "قيصر"، فدعا قسيساً متبصراً في دينه، وقال له:"إني كاتب معك كتاباً لطيفاً في جريدة، لتبلغه "الاصبهند"، ولا تطعنّ على ذلك أحداً، وأعطاه ألف دينار، وقد علم "كسرى": أن القسّ موصل كتابه إلى "قيصر"، لأنّه لا يحبّ هلاك الروم.
وكان في الكتاب: "إلى "الاصبهند": إني كتبت إليك، وقد دنا منّي "قيصر"، وقد أحسن الله إلينا، ومكّنا منهم بتدبيرك- لاعدمت صواباً- وأنا ممهله، حتى يقرب من المدائن 1، ثم أغافصه 2 في يوم كذا، فأعد عليّ من قبلك ما يكون به استئصالهم.
فخرج القسّ (بالكتاب) 3: فأوصله إلى "قيصر"، فقال قيصر:"هذا الحق، ما أراد إلاّ هلاكنا! " فتولّى منصرفاً، وأتبعه "كسرى"، ايّاس بن
1 - جمع مدينة: وهذا الموضع كان مسكن الملوك من الأكاسرة الساسانية وغيرهم، فكان كل واحد منهم إذا ملك بنى لنفسه إلى جنب التي قبلها وسمّاها باسم، فأولها المدينة "العتيقة"، ثم مدينة "الاسكندرية"، ثم مدينة يقال لها "رومية"، وغير ذلك، فسميت المدائن بذلك، وكان فتح المدائن كلّها على يد: سعد بن أبي وقاص سنة 16هـ) في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 5/ 74 - 75).
2 -
في "ج"(أعافصه) والصواب ما أثبتناه. وهو بمعنى: فاجأه وأخذه على غرّة (ابن منظور- لسان العرب: 3276، الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 3/ 106).
3 -
في "الأصل"(بالكتب) ولعلّه سهو من الناسخ.
قبيصة الطائي 1، فقتل أصحابه، ونجا قيصر في شرذمة 2 قليلةه).
وقد كان "كسرى" من الذكاء على غاية، روي عنه:(أنّ منجميه قالوا له: "انك تقتل"، فقال: "لأقتلن من يقتلني" فأمر: بسمّ مخلّط في أدوية، ثم كتب عليه: "هذا دواء، للجماع مجرب، من أخذ منه قدر وزن كذا جامع كذا وكذا امرأة 3! " فلما قتله: "شيرويه" 4، فتّش خزائن أبيه، فمرّ به، فقال- في نفسه-: "هذا الدواء كان يقوي على المواقعة" فأخذ منه فقتله وهو ميت).
قالوا: (وينبغي لأمير الجيش: أن يفشي في جيشه على ألسنة كبراء عدوّهم 5، (وبطارقتهم) 6 كتباً مزوّرة إليه، ويظهرها في عسكره، [32/ب] لتقوى بها القلوب، وتنطق بمضمونها الألسنة، ويتّسع فيها الكلام، فلا بدّ أن يبلغ العدوّ ذلك، فيوغر قلبه على أصحابه وجنده- ويخاف أن يكون ذلك حقاً- وان كان يعلم أن
1 - هو من أشراف طيء، وفصحائها، وشجعانها في الجاهلية، اتصل بكسرى ابرويز، فولاه الحيرة، وولي النعمان، ثم اشتدّ غضب ابرويز على النعمان فقتله وأعاد اياساً إلى ولاية الحيرة، وحدثت في أيامه وقعة "ذي قار" التي انتصف بها العرب من العجم، وكان على العجم اياس، فانهزم ولم يبرح والياً على الحيرة إلى أن مات (سنة 54هـ). (ابن الأثير- الكامل: 1/ 173، الزركلي- الأعلام: 2/ 33).
2 -
الشرذمة: جماعة قليلة من الجند، يقال:"بعث الآمر شرذمة إلى العدوّ": جماعة قليلة من الجند، "وطارد الجيش شراذم العدوّ": جماعاته المتفرقة القليلة الذين مزّقتهم الحرب. (شيت خطاب- المصطحات العسكرية: 1/ 398).
3 -
في "ب"و"ج"و"د": (مرة).
4 -
شيرويه بن عضد الدولة، ابن بويه الديلمي، أبو الفوارسي، الملقّب: شرف الدولة، سلطان بغداد وابن سلطانها، وكان فيه خير وقلّة ظلم، أزال المصادرات، واعتلّ بالاستسقاء، مات (سنة 379هـ). (اليافعي- مرآة الجنان: 2/ 408، الزركلي- الأعلام: 3/ 183).
5 -
في "ب"و"ج"و"د": (عدوّه).
6 -
في "الأصل"(بطارقهم) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج"، لأنه جمع بطريق وهو: القائد من قواد الروم تحت يده عشرة آلاف رجل. (الرازي- مختار الصحاح: 41، ابن منظور- لسان العرب: 301).
ذلك كذباً، فلا بدّ أن يؤثر في قلبه أثراً) 1.
قالوا: (وينبغي له- أيضاً-: أن يكثر في مجلسه من قراءة الأحاديث الواردة في فضائل الجهاد وأنواعه، وقراءة كتب الغزوات، ووقائع العرب وأيامها، وفتوحات المسلمين، ومنازلات الأبطال، ومعارك الشجعان من الصبر الشديد، والانغماس في العدوّ الكثير، فيوكل الطلبة بأن يقرأوا ذلك في كل طائفة من جيوشه، فإن ذلك يقوّي قلوب ذوي الإيمان، ويذهب بالضعف من قلب الجبان)2.
فان طارقاً 3 - (مولى) 4 ابن نصير-5: (لما عبر إلى بلاد الأندلس، ليفتحها، وخرج بعسكره في "الجزيرة الخضراء" 6 وهو: في اثني عشر ألفاً، فطمعت
1 - نقل نحوه ابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 1/ 162 "في المكيدة الثانية من مكائد ما قبل القتال وآدابه".
2 -
أورد نحوه الهروي في "التذكرة الهروية في الحيل الحربية": 94، "في تحريض الرجال على الحرب" ومن ذلك قوله (ويستحب للملك أن يكثر في مجلسه من قراءة كتب الحروب وغزوات الفرس ووقائع العرب، وفتوح الشام وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومقاتل الفرسان، وحيل القتال).
3 -
هو طارق بن زياد الليثي بالولاء: فاتح الأندلس، أصله من البربر، اسلم على يد موسى بن نصير، فكان من أشدّ رجاله. مات سنة (102هـ). (المقري- نفح الطيب: 1/ 108، الزركلي- الأعلام: 3/ 217).
4 -
في "الأصل"(موصلي)، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه.
5 -
هو: أبو عبد الرحمن، موسى بن نصير، اللخمي بالولاء، صاحب فتح الأندلس، كان من التابعين- رضي الله عنهم وكان كريماً شجاعاً ورعاً تقيًّا لله تعالى. لم يهزم له جيش قط، مات (سنة 97هـ). (ابن خلكان- وفيات: 2/ 134، المقري- نفح الطيب: 1/ 108، الزركلي- الأعلام: 7/ 330 - 331).
6 -
مدينة مشهورة بالأندلس ن وقبالتها من البرّ بلاد البربر سبتة، وهي شرقي شذونة وقبلي قرطبة، ومدينتها من أشرف المدن وأطيبها أرضاً، وسورها يضرب له ماء البحر. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 1/ 136).
الروم فيها، فاقتتلوا ثلاثة أيام، وكان على الجيش رجل يقال له:"تدمير" 1، فكتب تدمير إلى ملكه "لذريق" 2 يعلمه:"بأنهم قوم لا يدري من أهل الأرض هم، أم من أهل السماء؟ - قد وصلوا إلى بلادنا- وقد لقيتهم- فانهض إليّ أنت بنفسك! ".
فأتى لذريق في تسعين ألف عنان 3، فاقتتلوا ثلاثة أيام- أشدّ قتال- فرأي طارق: ما الناس فيه من الشدّة!، فقام يحرّضهم على الصبر، ويرغّبهم في الشهادة، ثم قال: "أين المفرّ؟ البحر من ورائكم، والعدوّ أمامكم، فليس إلاّ الصبر منكم، والنصر من ربّكم، وأنا فاعل شيئاً، فافعلوا كفعلي، والله لأقصدنّ طاغيتهم: فإمّا أن أقتله، وإما أن أقتل دونه!.
فاستوثق من حلية 4 لذريق، وعلامته وخيمته، ثم حمل عليه مع أصحابه حملة
1 - هو: قائد من قواد الملك "لذريق"، وإليه تنسب بلاد "تدمير" بالأندلس وهي:"مرسية" وما والاها، وهي خمسه مواضع تسمّى بهذا الاسم. (ابن خلكان- وفيات الأعيان: 5/ 321).
2 -
هو الملك السابع والعشرين من ملوك اليونان الذين حكموا الأندلس وآخرهم، وهر صاحب مدينة "طليطلة"، سقط حكمه فيها بعد أن فتحها المسلمون على يد طارق بن زياد (سنة 94هـ)، وهو الذي فتح (بيت الحكمة) الذي أسسه ملوك اليونان لوضع الطلسمات لتخويف البربر، وكان عليه ستة وعشرون قفلاً لكل ملك قفل منها، فرأي فيه مائدة عظيمة وعليها مكتوب: مائدة سليمان بن داود- عليهما السلام، وتابوتاً عليه صور فرسان مصوّرة على أشكال العرب، وعليهم الفراء وهم معمّمون على ذوائب جعد ومن تحتهم الخيل العربية، ووجد كذلك رق مكتوب فيه:(متى فتح هذا البيت وهذا التابوت المقفلا بالحكمة دخل القوم الذين صورهم في التابوت إلى جزيرة الأندلس، وذهب ملك اليونان من أيديهم) فندم لذريق على ما فعل وتحقّق انقراض دولتهم. (ابن خلكان- وفيات الأعيان: 5/ 327 - 328).
3 -
العنان: هو سير اللجام الذي تمسك به الدابة، وجمعه: أعنّة. (المعجم الوسيط: 2/ 639).
4 -
أي: صفته. (الرازي- مختار الصحاح: 116)، وقد تكون (خيمته) كما ثبت في "سراج الملوك ":178.
رجل واحد، فقتل الله لذريق [33/أ]- وحمى الله المسلمين- وانهزمت الروم) 1.
وبهذه الحيلة: هزم البارسلان- ملك الترك- ملك الروم، بعد:(أن جمع الرومي جيوشاً يبلغ عددهم ستمائة ألف مقاتل، وقد استعدّ من الخيل والسلاح والمجانيق 2، والآلات المعدّة لفتح الحصون والحروب ما يعجز الوصف عن إحصائها، فلقيه البارسلان بنحو اثنى عشر ألفاً،- فحرّض 3 قومه كتحريض "طارق" المتقدّم- وحملوا على ملك الروم، حتى خلصوا إليه بقتل من دونه، فقتلوه وبدّدوا شمله)4.
وبها- أيضاً-: (قهر "ابن تاشفين" 5، "الأذفونش" 6 ملك الروم، لأن ابن
1 - نقل هذه الواقعة: ابن خلكان في "وفيات الأعيان": 5/ 320 - 328، والطرطوشي في "سراج الملوك": 178، وابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 1/ 165، "فيما يخدع به العدوّ عند القتال". وابن العنابي في "السعي المحمود في نظام الجنود": 178، عن الإمام الطرطوشي في "سراجه".
2 -
هي آلة حربية لرمي العدوّ بحجارة كبيرة، ولها عدة أنواع. (أنظر هامش: أبو بكر الهروي "التذكرة الهروية في الحيل الحربية": 81).
3 -
قال "البارسلان " لتحريض قومه: (يا معشر أهل الإسلام امهلوا فان هذا يوم الجمعة والمسلمون يخطبون على المنابر ويدعون لنا في شرق البلاد وغربها) فصبروا إلى أن زالت الشمس ثم صلّوا ودعوا الله تعالى أن ينصر دينه وأن يربط على قلوبهم الصبر- وكان "البارسلان" قد استوثق من خيمة ملك الروم وعلامته وفرسه، ثم قال لرجاله:(لا يتخلف أحدكم أن يفعل كفعلي ويضرب بسيفه ويرمي بسهمه حيث أضرب بسيفى وأرمي بسهمي). (الطرطوشي- سراج الملوك: 177 - 178).
4 -
نقلها الطرطوشي في "سراج الملوك ": 177 - 178"باب: "في ذكر الحروب ومكائدها وحيلها وأحكامها". وابن العنابي في "السعى المحمود في نظام الجنود": 179 - 180.
5 -
أبو يعقوب، يوسف بن تاشفين بن ابراهيم، الصنهاجي، اللمتوني، الحميري، أمير المسلمين، وملك الملثمين، سلطان المغرب الأقصى، حازماً ضابطاً لمصالح مملكته، كتب إليه المعتمد ابن عباد (سنة 475هـ) من "اشبيلية" يستنجده على قتال الافرنج، فزحف بمجموعة، فكانت واقعة "الزلاقة" التي انكسر فيها جيش الفرنج. مات (سنة 500هـ).
(ابن الأثير- الكامل: 9/ 216، 10/ 143، الزركلي- الأعلام: 8/ 222).
6 -
في جميع النسخ (الأدفنش) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه كما هو ثابت في كتب التراجم.
وهو: الأذفونش فرذلند ملك الأفرنج بالأندلس، صاحب "طليطلة" قوى أمره في ذلك =
تاشفين أمر قواده وأبطاله: أن يحملوا عليه، ولا يقصدون غيره، ففعلوا، حتى خلصوا إليه، وأصابوه، إلاّ أنه هرب بعد الإصابة في نفر قليل، وبدّدوا جمعه، وغنموا جيشه) 1.
فانظروا- أيّدكم الله-: كيف قرن الله النصر بالصبر في هذه الوقائع، وكيف انغمس العدد القليل في الكثير، فوقع النصر- حيث كانوا على قلب واحد- فلا يستنفر ويقدّم للقتال من لا معرفة له به، ولذا وجب على الإمام تدريبهم وتعليمهم- كما مرّ!.
(ولما برز بعض ملوك 2 الأندلس، لقتال الروم، ورأي الهزيمة دنت إليه، فزع إلى "رجل" 3 من المسلمين لم يكن في الثغور أعرف منه بالحروب، فقال له:"كيف اليوم يا رجل؟ " فقال له: "يوم أسود، ولكن بقيت لي حيلة" فذهب بعد أن زيّا نفسه بزيّ الروم- وكان يعرف كلامهم بمجاورتهم- فانغمس في عسكر الكفّار، فقصد إلى الطاغية 4، وجعل
= الوقت، وكانت ملوك الطوائف من المسلمين هنالك يصالحونه، ويؤدّون إليه ضريبة، وقد استولى على "طليطلة" بعد حصار شديد، وكانت "للقادر بالله بن ذي النون"، ودارت بينه ويين الأمير "يوسف بن تاشفين" معارك انتصر فيها المسلمون، وهرب الأذفونش. (ابن خلكان- وفيات: 5/ 27 - 29).
1 -
أنظر ابن خلكان في "وفيات الأعيان": 7/ 116 - 117، وكان ذلك في موقعة "الزلاقة" قرب بطليوس (سنة 479هـ)، حيث قال:(قال "البياسي": ان يوسف بن تاشفين قدم بين يدي حربه كتاباً على مقتضى السنة يعرض عليه: الدخول في الإسلام أو الحرب أو الجزية، ومن فصول كتابه: وبلغنا يا "أذفونش" أنك دعوت في الاجتماع بك، وتمنيت أن يكون لك فلك تعبر البحر عليها إلينا، فقد أجزناه إليك، وجمع الله في هذه العرصة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك، فلما سمع "الأذفونش" ما كتب إليه، جاش بحر غيظه وزاد في طغيانه وأقسم: أنه لا يبرح من موضعه حتى يلقاهه).
2 -
هو: المقتدر بالله ابن هود ملك الأندلس، وقد برز من سرقسطة، (الطرطوشي- سراج الملوك: 179 - 180 "في ذكر الحروب وتدبيرها").
3 -
يسمّى "سعدادة".
4 -
هو رد ميل عظيم الروم. (الطرطوشي- سراج الملوك: 180).
يترصد 1 غرّته 2، فوجده مكففاً 3 في السلاح لا يظهر منه إلاّ عيناه، فاحتال، حتى أمكنته الفرصة فطعنه في عينيه، فخرّ صريعاً، وجعل ينادي بلسان الروم:"قتل السلطان يا معشر الروم" وأشاع قتله في العسكر، فكان ذلك سبب انهزامهمه) 4.
قالوا: (ومن السنة إذا أراد غزو طائفة: أن يوري 5 بغيرها تورية لا يشكّ فيها القريب والبعيد، ولا يطّلع على مقصده أحداً من خواصه، ولا غيرهم، إلاّ إن دعت ضرورة إلى ذلك- كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة "تبوك" 6 - بل إن أمكنه: أن يورّي بغيرها ممّا هو- كحالها في القرب والبعد والخوف- فليفعل، ولا يعيّنها ما وجد لكتمانها سبيلاً)7.
1 - ترصد له: أي قعد له على طريقه. (البستاني- فاكهة البستان: 535).
2 -
أي: غفلته. (نفس المصدر السابق: 1017).
3 -
أي: محاطاً، فكنّفه: حاطه وصانه، وتكنفوه، واكتنفوه، وكنفوه تكنيفاً: أحاطوا. (الرازي- الصحاح: 459).
4 -
نقلها الطرطوشي في "سراج الملوك ": 179 - 180.
5 -
في "الأصل"(يرى) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج". وهو بمعنى: يخفيه، يقال:"ورّى الخبر تورية" أي: ستره وأظهر غيره كأنه مأخوذ من وراء الإنسان، كأنه يجعله وراءه حيث لا يظهر، فالتورية: ان تطلق لفظاً ظاهراً في معنى، وتريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ لكنه خلاف ظاهره. (الرازي- مختار الصحاح: 569، المصباح المنير: 2/ 376).
6 -
موضع بين وادي القرى والشام، حصن بين عين ونخل وحائط ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتنسب إليه آخر غزواته صلى الله عليه وسلم حينما توجه في (سنة 9هـ)، لغزو من انتهى إليه أنه قد تجمع من "الروم" وعاملة، ولخم، وجذام، فوجدهم قد تفرّقوا، فنزل صلى الله عليه وسلم مع أصحابه على عين وأمرهم أن لا يمسّ أحد من مائها، فسبق إليها رجلان وهي تبص بشيء من ماء فجعلا يدخلان فيها سهمين ليكثر ماءها، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما زلتما تبوكان منذ اليوم) فسميت بذلك "تبوك "، والبوك: ادخال اليد في شيء وتحريكه. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 2/ 14 - 15).
7 -
قال الصنعاني: (وكانت توريته صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد قصد جهة سأل عن طريق جهة أخرى ايهاماً أنه يريدها، وإنما يفعل ذلك لأنه أتم فيما يريده من إصابة العدوّ وإتيانهم على غفلة من =
وفي الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم يكن يريد غزوة يغزوها إلاّ ورّى بغيرها)1.
قال "ابن النحاس": (واعلم: أن الرسول يكشف حالة مرسله، لأنه أنموذج 2 شجاعته واقدامه، وترجمان عقله وفهمه، فربّ رسول: أزال هيبة مرسله من قلب عدوّه، بما شاهد من خوره 3، وعجزه، وجبنه، وقبح منظره، وربّ رسول: ألقى الرعب في قلب العدوّ، بحسن مظهره، وشدّة اقدامه، وقوة قلبه، وفصاحة لسانه، فكان ذلك سبب كسر العدوّ)4.
وقال: (ينبغي: أن يختار الرسل الثقات الذين لهم قوة الفراسة في أقوال العدوّ وأفعاله، وينبغي: أن لا يرسل رسولاً إلى عدوّه مراراً متوالية، فربما
= غير تأهبهم له وفيه دليل على جواز مثل هذا، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(الحرب خدعة). (الصنعاني- سبل السلام: 1342 - 1343).
1 -
أخرجه البخاري في "صحيحه""أنظر فتح الباري في شرح صحيح البخاري": 6/ 122 - 130، كتاب:"الجهاد" باب: "من أراد غزوة فورّى بغيرها" ومن أحب الخروج يوم الخميس"، 8/ 113، "كتاب المغازي" باب: "حديث كعب بن مالك"، عن عبد الله بن كعب.
ومسلم في "صحيحه": 4/ 2128، كتاب:"التوبة" باب: "حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه".
2 -
في "ب"(دليل).
3 -
في "ب" و"ج" و"د"(جوره) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه.
وهو بمعنى: ضعفه. تقول: "خور يخور خوراً، والجمع خور بوزن طور. (الرازي- الصحاح: 150).
4 -
نقل نحوه الهروي في "التذكرة الهروية في الحيل الحربية": 75 - 78، "في صفة الرسول الذي يرسله، والرسول الذي يأتيه والحيلة عليه" وممّا قاله: (وليحذر أن يرسل رسولاً إلاّ بعد امتحانه واختبار أسراره واعلانه، وليعتبر دينه فإن وجد ميلاً إلى الدنيا وطمعاً في جمع المال، فلا يأمنه على سره. وليعلم أن الرسول الذي يأتيه من عدوّه أو صديقه إنما هو بعضه لا بل كلّه، وإنما هو رأيه، لا بل عقله، فيه يستدل على عقل صاحبه، وقوته، وعجزه، وخوره، واقدامه، فإذا أراد امتحانه وكشفه، فليستشره، فانه يقف من مشورته على خيره وشرّه، وعدله وجوره).
حصل للرسول من المرسل إليه مؤانسة وإحسان- والقلوب مجبولة على حبّ المحسن فقد يتولّد من ذلك: عدم إقدامه عليه بالكلام، حياء منه، وترك مقابلته بما يكره، وفاء له، ومداهنة 1 له في الجواب- حيث لا تليق المداهنة- فيحصل من ذلك خلل لا يخفى، فإن الإحسان يقيّد اللسان، وربما يتولّد من ذلك صداقة تؤدي: إلى أن يصير بطانة 2 للعدوّ عند من أرسله، فيضره من حيث لا يشعر) 3.
وكم من دولة: كان سبب زوالها، خيانة رسولها واستمالة قلبه- كما تقدّم- فإذا اختلفت الرسل، كان ذلك أوثق لنيل ما يرومه 4 - اللهم-: إلاّ [34/أ] أن يكون الرسول ممّن به ثقة- لا يداخلها شكّ- ولا ارتياب- فإن تكرر دخوله عليه.
ومن أعظم المكائد في الحروب- كما للطرطوشي، وابن النحاس، وغيرهما-: (الكمين- ولا تحصى كثرته وتعدّده- فان قدر على أن يجعل منه ثلاثة كمائن أو أكثر فليفعل، وهو: وان كان من عدد يسير، فانه إذا ظهر: أثر في القلوب رعباً، وفي الأعضاء ضعفاً، وفي العقل خموداً 5، وفي الاقدام وقفة، ولا يدوم اقبال مقاتل- على خصمه، إلاّ إذا كان آمناً من ورائه، ومتى جوّز أن يؤتى من خلفه تشتّتت همّته بين الدفع والقتال، وضعف جأشه عن مقاومة الرجال. وكم من عسكر: استبيحت بيضته 6، وقلّ عزمه،
1 - من "دهن" أي: نافق. (الزاري- ترتيب القاموس المحيط: 2/ 226).
2 -
البطانة: هو صفي الرجل يكشف له عن أسراره، ويقال:"بطانة الثوب": ما يبطن به، وهى: خلاف ظهارته. (ابن منظور- لسان العرب: 304، المعجم الوسيط: 1/ 61).
3 -
نقل نحوه الهروي فى "التذكرة الهروية في الحيل الحربية": 75 - 76، "في صفة الرسول الذي يرسله".
4 -
أي: يظلبه، يقال:"رام الشيء" طلبه. (الرازي- الصحاح: 210، المعجم الوسيط: 1/ 385).
5 -
أي سكوناً، ويقال:"خمد فلان خموداً" أي: سكن. (المعجم الوسيط:1/ 254).
6 -
"البيضة": الخوذة الحديدية التي يلبسها الجنود والضباط في الحرب وفي التدريب الإجمالي ونحوهما. (شيت خطاب- المصطحات العسكرية: 1/ 103).
بالكمائن، وكانت سبب هلاكهم في الجاهلية والإسلام 1.
قال ابن النحاس: (وإذا صفّ للقتال: فليجتهد) أن تكون الشمس في عين العدوّ، والريح في وجهه، فإن سبقه العدوّ إلى ذلك، ولم يمكنه إزالته عن موضعه، فليخرجه بالعسكر عن ظلّه وينشر الرايات، ويرتب الأبطال بنفسه- ولا يعتمد على غيره- ويجعل بعض الأبطال والشجعان في قلب العسكر- فانه: مهما انكسر الجناحان 2، فالعيون ناظرة إلى القلب- فإذا كانت راياته تخفق، وطبوله تضرب، كان حصناً للجناحين، وملاذاً لمن فرّ منهما، وإذا انكسر القلب: تمزّق الجناحان- اللهم- إلاّ أن يكون مكيدة من صاحب الجيش، فيجعل الحماة والأبطال في الجناحين، ويجعل من دونهم في القلب، حتى إذا توسطه العدوّ، واشتغل بنهبه، أطبق عليه الجناحان.
وينبغي: أن يختار من عسكره عصبة 3 يثق بشجاعتهم وفروسيتهم، [34/ب] فإذا حمل العدوّ على جهة من جهات العسكر أمرهم به، وليجتهد على الثبات عند
الصدمة الأولى، وإن رأى: أن يوهم عدوّه أن له كميناً بمحل كذا، (وأنه يأمره بالتحول من ذلك إلى محل آخر) 4، وهو في ذلك كلّه إنما يريد خدعة: فليفعل-
1 - أنظر: الطرطوشي في "سراج الملوك": 175، "باب: في ذكر الحروب وتدبيرها وحيلها وأحكامها".
وابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 1/ 164، "فيما يخدع به العدوّ وعند القتال".
وابن العنابي في "السعي المحمود في نظام الجنود": 162، في "حيل الحروب" وعزاه "للطرطوشي".
2 -
جناحا العسكر: جانباه (شيت خطاب- المصطلحات العسكرية: 1/ 157).
3 -
العصبة من الرجال: ما بين العشرة إلى الأربعين" (الرازي- مختار الصحاح: 343).
4 -
ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د". وفي "د" زيادة: "بالتحول مثلاً من ذلك).
والحيل لا تحصى- والحاضر فيها أبصر من الغائب-) 1.
وقد قال- عليه الصلاة والسلام: "الحرب خدعة" 2، ومعنى قوله:"خدعة"- بضم الخاء وفتحها- أي: ينقضي أمرها بخدعة واحدة 3.
ويروى: (أن "عمرو 4 بن عبدود": لما بارز "عليًّا"رضي الله عنه وأقبل عليه، قال له عليّ: "ما برزت لأقاتل اثنين" فالتفت "عمرو"، فوثب عليه عليّ: فضربه، فقال عمرو: "خدعتني" فقال: "الحرب خدعة")5.
وقد فعل مثل هذا: ("الهادي" 6 - أمير المؤمنين-: لما حمل عليه
1 - نقل نحوه: ابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 1/ 164، "فيما يخدع به العدوّ عند القتال" في:"الخدعة الأولى". والهروي في، التذكرة الهروية في الحيل الحربية": 97 - 100، في "ضرب المصافّ ومكائد الحرب".
2 -
أخرجه أبو داود في "سننه" أنظر: "عون المعبود في شرح سنن أبي داود": 7/ 298، "كتاب الجهاد" باب:"المكر في الحرب".
والترمذي في "جامعه" أنظر: "تحفة الأحوذي": 5/ 320، كتاب:"الجهاد" باب: "ما جاء في الرخصة في الكذب والخديعة في الحرب"، وقال (حديث حسن صحيح).
وأحمد في "مسنده": 1/ 90، 6/ 387.
وأورده ابن حجر في "المطالب العالية": 2/ 195، وعزاه لأبي يعلى في "مسنده".
3 -
قال ابن العنابي: (و"خدعة" من الخدع- بالفتح- اظهار أمر، واضمار خلافه، تقال بفتح فسكون، وبضم فسكون، وبضم ففتح. قال المطرزي في "المغرب": "قال ثعلب: والحديث باللغات الثلاثة، فالفتح على أن الحرب ينقضي أمرها بخدعة واحدة، والضم على أنها آلة الخداع". وأما الخدعة- بضبم ففتح- فلأنها تخدع أصحابها، لكثرة وقوع الخداع فيها. وهي أجود معنى. والأول أفصح، لأنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم) انتهى. (السعى المحمود في نظام الجنود: 160).
4 -
في "بط (عمراً) والصواب ما أثبتناه.
وهو: عمرو بن عبدود العامري، من "بني لؤي" من قريش. وكان فارسها وشجاعها في الجاهلية، أدرك الإسلام ولم يسلم، قتله "علي بن أبي طالب" في غزوة "الخندق" (سنة 5هـ). أنظر: ابن أبي حديد- شرح المنهج: 3/ 280، الزركلي- الأعلام: 5/ 81.
5 -
كانت هذه الواقعة في غزوة الخندق. أنظر: الزركلي- الأعلام: 5/ 81.
6 -
أبو محمد، أمير المؤمنين، موسى الهادي بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، من خلفاء الدولة العباسية ببغداد، شجاعاً جواداً، له معرفة بالأدب، ولد بالريّ، وولي بعد وفاة أبيه =
"الخارجي "- وليس عنده أحد- ولا معه سلاح- فلم يتحرك من مكانه إلى أن قرب منه، فصاح: أضرب عنقه- كأنه يأمر أحداً من وراء الخارجي- فالتفت "الخارجي" إلى خلفه، لينظر المأمور بضرب عنقه، فوثب عليه الهادي وثبة صار على صدره، وأخذ منه السيف، وذبحه به).
واعلموا- أيّدكم الله-!: أن من استضعف عدوّه، أو آمن به في هدنة أو غيرها، وسكن إلى راحته فقد اغترّ، ومن اغترّ ظفر به عدوّه- إذ لا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون- فاحذروا عدوّم- أيّدكم الله-! ولا تغترّوا، واشعروا الجرأة لقلوبكم عند الحرب، فإنها سبب الظفر، واذكروا الضغائن، فانها تبعث على الاقدام، والتزموا الطاعة، فانها حصن المحارب- والصبر سبب النصر-.
قال بعض المصنفين: (كثرة التكبير عند اللّقاء فشل: غضّوا الأصوات، وتحمّلوا السكينة والصبر، فإنهما سبب الظفر والنصر) قاله الطرطوشي 1. [35/أ]
= (سنة 169هـ)، وكان غائباً فأقام أخوه "الرشيد" ببيعته، واستبدّت أمه بالأمر، فأمرت جواريها أن يقتلنّه فخنقنه ودفن في بستانه "بعيسى آباذ"(سنة 170هـ).
(ابن الأثير- الكامل: 6/ 29 - 36، الزركلي- الأعلام: 7/ 327).
1 -
قاله الطرطوشي في "سراج الملوك ": 181 "باب: في ذكر الحروب ومكائدها، وحيلها، وأحكامها".
وقال الهروي: (وليحذروا كثرة الصياح، والغلبة والصراخ فان ذلك يؤدي إلى الفشل والضجر والملل والعجز والخور، وليلزموا هيبة الحرب، وناموس الشجاعة، والثبات عند الصدمة الأولى. (التذكرة الهروية في الحيل الحربية: 98 - 99).