الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلّة ذلك- والله أعلم- أنه لما وقع مع الفرنسيين هذا الصلح 1 وأسقط السلطان عن الأجناس ما كانت تؤديه كثر تجارهم بمراسي المغرب، وازدادت مخالطهم وممازجتهم لأهله، وكثرت تجارتهم في السلع التي كانوا ممنوعين منها وانفتح لهم باب كان مسدوداً عليهم من قبل، فظهر أثر ذلك في السكة وفي السلع) 2.
وهكذا يشرح صاحب الاستقصا الخطر الذي خيّم على الاقتصاد المغربي في هذا العهد، ويجعل ذلك نتيجة لانفتاح أبواب المغرب اثر وقعة ايسلي 3.
ثالثاً: الحياة العلميّة:
فترت الحركة العلميّة في المغرب بعد وفاة "المنصور الذهبي" 4 فتوراً كبيراً، وخرج كثير من العلماء فارّين بدينهم إلى البوادي عندما أراد السلطان المأمون بن المنصور 5 أن يوافقوه على احتلال العدوّ لمدينة العرائش 6 فكان لذلك تأثير سيء على الحركة العلميّة في المدن المغربية وخصوصاً "فاس"7.
1 - هو الصلح الواقع بعد معركة ايسلي التي دارت بين السلطان المولى عبد الرحمن وبين الفرنسيين. أنظر: السلاوي- الاستقصا: 9/ 53.
2 -
أنظر: المصدر السابق: 9/ 54.
3 -
أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 19.
4 -
السلطان أحمد المنصور الشريف الملقب "بالذهبي": سادس ملوك الدولة السعدية، ولد (سنة 956هـ)، ومات بالطاعون في السادس عشر ربيع النبويّ (سنة 1012هـ) ودفن بفاس.
أنظر: القادري- نشر المثاني:1/ 98 - 106، والتقاط الدرر: 41 - 42، الكتاني- سلوة الأنفاس: 3/ 226.
5 -
السلطان محمد المأمون، ولد المنصور الذهبي- السابق- وهو أكبر أبناءه، ولاّه والده ولاية العهد، حيث أخذت له البيعة مرتين في سنة (987هـ) و (992هـ)، ثم عيّنه حاكما على فاس ومنطقة الغرب، دارت بينه وبين والده واخوته معارك دمويّة من أجل الحكم. إلى أن قتل في (سنة 1022هـ) بسبب اعطائه مدينة العرائش للنصارى. أنظر: التقاط الدرر: 64 - 65.
6 -
العرائش: مدينة بالمغرب على الأطلسى، جنوب غربي طنجة، فتحها المولى اسماعيل، ثم صارت مركزاً للقرصنة. أنظر: المنجد في الاعلام: 342.
7 -
أنظر: كنون- النبوغ المغربي:1/ 284.
ولكن ظهور الزاوية الدلائية في ذلك الحين كان له أثر كبير، فكأنّما بعثها الله لحفظ تراث العلوم والآداب الذي كاد أن يضيع، فصارت مركزاً مهما لنشر الثقافة العربية بين قبائل المغرب، فتخرج منها عدد لا يحصى من العلماء الفطاحل.
ولما ظهرت الدولة العلويّة وفي عهد المولى رشيد قضى على الزاوية الدلائية، ولكنه لم يقل شأناً عن غيره في اهتمامه بالعلم- والعلماء فقام بنقل أهل العلم من رجالها مكرّمين إلى فاس حيث عكفوا على التعليم والتذكير من غير خوف ولا نكير وكان مجلسه لا يخلو من العلماء وأهل الخير والصلاح، فأنشأ مدرسة "الشراطين" 1 بفاس لدراسة العلم وسكنى طلابه 2.
واستمرت الحياة العلمية مزدهرة في عهد المولى محمد بن عبد الله الذي كان دائم المعالجة للحالة العلمية والاستنهاض لهمم العلماء، كي يجاروا الزمن في تطوّره، فأراد أن يقضي على علم الفروع وعلم الكلام معا والاقتصار على كتب السنّة، وبالفعل فقد بعث بأوامره في هذا الصدد إلى كافة علماء المغرب، إلاّ أنّه لم يحرّم النظر في كتب الخلاف عموماً وإنّما أمر بالرجوع إلى الأمهات والاعتماد أساساً على كتاب الله وسنّة رسوله اللذين هما المرجع الأول والأخير لأحكام الشريعة 3.
وفي سنة 1203هـ أصدر منشوراً بيّن فيه النظام الذي يجب اتّباعه وقسّمه إلى ثلاثة فصول، يتناول في الفصل الأول أحكام القضاة، والفصل الثاني في أئمة المساجد، والفصل الثالث في المدرسين في مساجد فاس.
وبالتأمل في فصول هذا المنشور يظهر ما كان للمولى محمد بن عبد الله من النيّة
1 - مدرسة الشراطين: مدرسة في مدينة فاس وهي محكمة البناء، جميلة الشكل أنيقة الوضع، وهي تتكوّن من ثلاثة طبقات وتشتمل على مالئتي واثنين وثلاثين بيتاً وقبّة للصلاة.
أنظر: كنون- النبوغ المغربي:1/ 284.
2 -
أنظر نفس المصدر السابق: 1/ 284.
3 -
أنظر: كنون- النبوغ المغربي:1/ 285.
الصادقة الحسنة في إصلاح حالة التعليم 1.
ولما تولّى المولى سليمان أبطل هذا المنشور لاختلاف وجهة نظره عمّا كان يراه والده واتبع منهجاً آخر فاهتمّ بالعلم والعلماء وخاصة التفسير، ورفع مناصبهم على سائر رجال دولته، وأجرى عليهم الأرزاق، حتى لقد تنافس الناس في أيامه في اقتناء العلوم وانتحال صناعتها لاعتزاز العلم وأهله في دولته وسعة أرزاقهم 2.
وقد كان ممّا ساعد الحركة العلمية على الازدهار في عهذه تصديه لمناقشة العلماء في آرائهم بالمذاكرة تارة، وبالتأليف تارة أخرى 3.
ثم عاد المولى عبد الرحمن بن هشام فجدّد المنشور الذي أبطله عمّه المولى سليمان فكان له تأثير ظاهر في إحياء كثير من العلوم الإسلامية 4. فاتجه إلى تنظيم التعليم وترتيب الدروس في جامع القرويين 5 بفاس، ولاسيّما بعد النشاط الملحوظ الذي عرفته زوايا القرويين أيام السلطان المولى سليمان.
فوجّه خطاباً إلى شيخ القرويين في ذلك الوقت 6 في 12 محرّم 1261، ضمّنه خطّة للاصلاح الشامل لنظام التدريس، كما حثّ فيه الشيوخ واليلبة على الجدّ والتحصيل والإفادة حيث يقول في مقدمته: (وبعد، فلقد بلغنا توافر طلبة العلم على العادة، وجدّهم في الطلب، غير أنّه قلّ التحصيل والافادة،
1 - أنظر نص هذا المنشور في كنون- النبوغ المغربي: 1/ 286 - 287.
2 -
أنظر: السلاوي- الاستقصا: 8/ 170.
3 -
أنظر: التازي- جامع القرويين: 3/ 725.
4 -
أنظر: كنون- النبوغ المغربي: 1/ 288.
5 -
جامع القرويين: جامع بفاس له شهرة علميّة كبيرة. أنظر: عبد الهادي التازي- جامع القرويين.
6 -
هو عبد الهادي العلوي بن عبد الله العلويّ من أعيان القضاة الذين عرفتهم فاس في هذا العهد، كان بصيراً بالمذهب المالكي، ضابطاً لقواعده، عارفاً بصناعة الأحكام، جماعاً للدواوين، من كتبه "شرحه على تيسير الوصول إلى جامع الأصول" لابن البديع، مات سنة 1272هـ.
أنظر: التازي- جامع القرويين: 3/ 811.
وذلك لمخالفة الفقهاء في اقرائهم عادة الشيوخ، واعراضهم عمّا ينتج التحصيل والرسوخ 1.
وممّن نبغ في عصر الإمام التُّسولي واشتهر كثيرون لا يمكن حصرهم، وسأكتفي بذكر من كان له السبق والشهرة:
ففي التفسير نبغ المفسر الكبير الشيخ الطيب بن كيران 2 وفي الحديث الحافظ أبو العلاء العراقي 3، وفي الفقه التاودي بن سودة 4 والرهوني 5 وحمدون بن الحاج
1 - أنظر: نص الخطاب كاملاً: في "جامع القرويين" للتازي: 3/ 727 - 728.
2 -
الشيخ أبو عبد الله الطيب بن عبد المجيد بن كيران الفاسي العلاّمة، المفسر الكبير، ولد سنة 1172هـ، كان يدرس التفسير بالقرويين. أخذ عن الشيخ التاودي والبناني وغيرهما، من كتبه "تفسير جليل" من سورة النساء إلى حم غافر، مات سنة 1227هـ. أنظر جعفر الكتاني - الشرب المحتضر: 68، وسلوة الأنفاس: 3/ 2، كنون- النبوغ المغربي: 1/ 304، التازي- جامع القرويين: 3/ 807، محمد الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب:345.
3 -
أبو العلاء إدريس بن محمد بن إدريس بن حمدون الحسينى العراقي الفاسي، شهر هو وأهل بيته بالنسبة إلى العراق لقدوم سلفهم منه، كان حافظ المغرب في عصره، وحصل على رياسة الحديث فلم ينازع فيها، من كتبه "المستدرك على الجامع الكبير للسيوطى" فيه نحو العشرة آلاف حديث، مات "سنة 1183هـ". أنظر: مخلوف- شجرة النور: 356، كنون- النبوغ المغربي:1/ 302 - 303، التازي- جامع القرويين: 3/ 804.
4 -
أبو عبد الله محمد التاودي بن محمد الطالب بن سودة المرّي، الإمام العالم العلاّمة، شيخ الجماعة بفاس، كان مقدّماً في كل العلوم لاسيّما التفسير والحديث والفقه والتصوّف والكلام والمنطق والأصول، أخذ عن جلّة من مشائخ عصره، من كتبه:"زاد المجد السارى- ط" و"تعليق على صحيح مسلم". مات (سنة 1209هـ). (مخلوف- شجرة النور: 372، الكتاني- فهرس الفهارس:1/ 185 - 190، الزركلي- الأعلام: 6/ 62، كنون- النبوغ المغربي: 1/ 303 - 304، محمد الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب:322.
5 -
أبو عبد الله محمد بن أحمد يوسف الرهوني الوزّاني، الإمام العلاّمة الحافظ المتقن، اشتغل بقبيلته رهونة، ثم ذهب إلى فاس فدرس فيها الفقه على مشاهير رجالها. من كتبه "حاشيته المشهورة على البناني"، "مات سنة 1230هـ). أنظر: مخلوف- شجرة النور: 378، الزركلي- الأعلام: 6/ 17، كنون- النبوغ المغربي:1/ 305 - 306، التازي- جامع القرويين: 3/ 807، محمد الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب:348.
الذي هو من شيوخ التُّسولي 1، وغيرهم كثير 2.
وفي اللغة والنحو: ابن الطيّب الشرقى 3 وابن بونة 4.
أمّا غيرها من العلوم الأدبية، فإن التاريخ والجغرافية لم يكن حظهما من الانتشار بأقل من أي علم آخر، فالكتب التي ألفت في تاريخ الدولة الشريفة وتراجم علماء هذا العصر تعد بالعشرات وكذا الرحلات، وكتب الأنساب 5.
وممن ألّف في هذا المجال: ابن الطيّب القادري 6 والزياني 7 وغيرهما.
1 - أنظر: ترجمته في: 45 - 48.
2 -
راجع الفقهاء الذين عاشوا في الفترة التي عاشها التُّسولي في "الشرب المحتضر والسر المنتظر في بعض أهل القرن الثالث عشر لجعفر الكتاني"، وفي "جامع القرويين للدكتور عبد الهادى التازي": 3/ 805 - 810.
3 -
أبو عبد الله محمد بن الطيّب الصميلي الشرقي الفاسي: الإمام اللغوي الشهير، أخذ عن جلّة من العلماء كالمسناوي والوجّاري وغيرهم، وبرع وصار إمام أهل اللغة في عصره، من كتبه "حاشيته العديمة النظير على القاموس" في اربع مجلّدات التي منها كان استمداد الشيخ مرتضى صاحب "تاج العروس"، مات بالمدبنة المنوّرة (سنة 1170هـ). أنظر: الزركلي- الأعلام: 6/ 177 - 178، كنون- النبوغ المغربي:1/ 301، التازي- جامع القرويين: 3/ 802 - 803، الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب: 258، 264.
4 -
أبو عبد الله محمد المختار بن بونة الجكنى الشنجيطي، العلاّمة النحوي الكبير، من كتبه. "كتابه المعروف بالاحمرار" الذي مزجه بالألفية مزجاً جيّداً وكتبه بالحمرة للفرق بينه وبين نظم ابن مالك واستدرك عليه أبواباً عدّة كالقسم وجوابه. وفاته مجهولة وكان حياً في أوائل القرن الثالث عشر. أنظر: كنون- النبوغ المغربي: 1/ 304 - 305.
5 -
أنظر الكتب التي ألفت في هذه العلوم في: كنون- النبوغ المغربي: 1/ 316 - 319.
6 -
أبو عبد الله محمد بن الطيّب بن عبد السلام القادري الحسني الفاسي العلاّمة المؤرخ النسابة، من كتبه:"نشر المثاني في أخبار أهل القرن الحادي عشر والثاني" و"التقاط الدرر في أخبار أهل المائتين الحادية والثانية عشر"، وغيرها. مات في شعبان "سنة 1187هـ".
أنظر: شجرة النور: 352 - 353، كنون- النبوغ المغربي: 1/ 303، الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب: 304 - 305.
7 -
أبو القاسم بن أحمد بن علي بن ابراهيم الزياني الفاسي، من صدور كتاب الدولة الشريفة ووزرائها المشاهير، كان له معرفة بالتاريخ والأدب والتنجيم، من كتبه:"الترجمان المعرب عن تاريخ دول المشرق والمغرب". مات "سنة 1249هـ". =
وأمّا العلوم العقلية كالطب والحساب والهيئة والفلك، فقد أخذت- أيضاً - دوراً بارزاً في هذا العصر- وقد برز فيها كثير من العلماء ومنهم: محمد بن أحمد الحبابي 1، ومحمد بن المفضل ابن كيران 2 وعبد السلام العلمي 3 وغيرهم.
كما أخذ الخط حظه في هذا العصر فوقع تفنن كبير في تحسين الخط المغربي وما يرجع إليه من الزخرفة الكتابية وجدولة الكتب الملوّنة، فتقررت الأصول الفنّية لأنواع الخطوط حتى وضعت لها الأسماء التي تميّز بعضها عن بعض 4.
= أنظر: كنون- النبوغ المغربي: 1/ 307، مجلّة دعوة الحق، مارس 1967م. التازي- جامع القرويين: 3/ 809، الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب: 398 - 408.
1 -
هو محمد بن الطاهر بن أحمد الحبابي، الأستاذ الموقت المعدل، مات سنة 1267هـ.
أنظر: الكتاني- سلوة الأنفاس: 2/ 360، التازي- جامع القرويين: 3/ 811.
2 -
هو محمد بن المفضل ابن كيران الفاسي، تولّى توقيت منار جامع الرصيف بفاس عام" 1306هـ"، كان عالماً بالتوقيت والهندسة والحساب، له آثار كثيرة، منها:"اختراع ثمن الدائرة" في الأعمال التوقيتيّة وغيرها و"رسالة في طريقة العمل بالجهاز المبتكر"، و"شرح مقدمة في الهندسة المساحية" لرواد الانطاكى وذكر الشيخ المنوني، أنه توجد نسخة منه في المكتبة الملكية بالمغرب ضمن المجموعة الزيدانية رقم 1966، أنظر: المنوني: مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 214 - 216.
3 -
أبو محمد عبد السلام العلمي بن أحمد الحسني الفاسى، ولد بها عام بضع وخمسين ومائتين وألف، له مشاركة في العلوم، نبغ في علم الميقات واليب، من كتبه:"شرح على أرجوزة الشيخ عبد العزيز بن عبد السلام الوزكاني الوزاني (تحرير المواقيت)، و"ضوء النبراس في حل مفردات الأنطاكي" بلغة فاس، و"البدر المنير في علاج البواسير"، وهو مخترع الآلة ذات الشعاع والظل. مات (سنة 1323هـ).
أنظر: التازي- جامع القرويين: 3/ 816، المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث:1/ 237 - 244، الزركلي- الأعلام: 4/ 8.
4 -
أنظر: كنون- النبوغ المغربي:1/ 289.