الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس
1
في زيادة تحقيق بعض ما تقدّم، وكيفية
إجرائه على المنصوص المُسَلّم
ــ
فقد علمت- ممّا مرّ- أنّه إذا زنا شخص، أو سرق، أو حارب مثلاً، وثبت ذلك بما لا مطعن 2 له فيه، وظفر به الإمام، فلا يسجن لإعطاء المال بل ليقام الحدّ عليه، ولا عذر لهم في كونه يتعذّر حدّه، لأنّه لا تعذّر بعد الظفر بعينه، لأنّ من سجن لاعطاء المال يمكن إقامة الحدّ عليه قطعاً، وإقامته متعبد بها يثاب مقيمها على إقامتها الثواب الجزيل الذي لا حدّ له، لأنّه قد نفّذ أوامر الله في عباده، ولا فرق في ذلك بين الشريف والمشروف، وبين ذي الوجاهة 3 والضعيف.
ومن سجن الزناة والقاذفين (وقاتلي) 4 الغيلة 5 مثلاً، وذوي الحرابة والسراق، لأخذ الأموال بعد ثبوت ذلك عليهم بموجبه ثم سرّحهم 6: فقد بدّل الأحكام الشرعية، ومن بدّلها دخل في قوله- تعالى-: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ،
1 - نقل هذا الفصل بتمامه المهدى الوزاني في "المعيار الجديد": 10/ 195 - 204.
2 -
في "ب": (طعن).
3 -
ذو الجاه والقدر والرتبة، يقال:"وقد وجه الرجل": صار وجيهاً، أي: ذا جاه وقدر. (الفيومي- المصباح المنير: 2/ 366).
4 -
في "الأصل"(وقاتل) وما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" مناسب للسياق، لأن ما قبله جاء بصيغة الجمع، وهو معطوف عليه.
5 -
بكسر الغين: الاغتيال، يقال:"قتله غيلة"، وهو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فيقتله فيه:(الرازي- مختار الصحاح: 383).
6 -
أي: أفرج عنهم، يقال:"سرّح عن فلان" أي: فرّج. أنظر البستاني- فاكهة البستان: 638.
فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.
ولا يسع البرزلي، ومن معه، أنْ يقولوا: بمثل هذا التبديل المذكور، وحاشاهم أن يقولوه! [16/أ]
وإنما معنى كلامهم: أنّ الزاني أو المحارب ونحوه، لم يظفر بعينه لفراره، أو تعصّبه ونحو ذلك، وإنّما ظفر الإمام بماله: فإنّه يعاقب بأخذه حتى يظفر به، فيقام الحدّ عليه إنْ لم يحدث ما يسقطه، كالتوبة للمحارب قبل القدرة عليه ونحو ذلك، كما مرّ.
وجلالتهم تصونهم عمّا توهّم فيهم، كيف: وقد علم من الدين ضرورة: أنّ من بدّل ما شرعه الله، أو أحلّ ما حرّم الله فهو كافر، وأن إقامة حدود الله واجبة من غير فرق بين وضيع أو شريف!.
وفي الصحيح: أنّه قال- عليه الصلاة والسلام: "إنّما هلك من كان قبلكم، لأنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، وأيّم الله: لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" 1 اهـ.
1 - أخرجه مسلم في "صحيحه": 3/ 1315، "كتاب: الحدود" "باب: قطع السارق الشريف وغيره " مطولاً، من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، أن قريشاً أهمّهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترىء عليه إلاّ أسامة، حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حدّ من حدود الله؟) ثم قام فاختطب فقال: "أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم، انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحدّ، وأيم الله!، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
والنساثى في "سننه ": 8/ 64 - 65 - 66 - 67، "كتاب: قطع السارق" "باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر الزهري في المخزومية التي سرقت". بألفاظ مختلفة وروايات عديدة.
وأبو داود في "سننه""أنظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود": 12/ 31.
"كتاب: الحدود" "باب: في الحدّ يشفع فيه، نحوه مطولاً.
وابن ماجة في "سننه ": 2/ 851 "كتاب: الحدود""باب: الشفاعة في الحدود"،، نحوه.
وأحمد في "مسنده ": 6/ 162، نحوه.
ولهذا قلنا في التحصيل المتقدّم- آنفاً-: أنّ ما شرع الله فيه حدًّا معلوماً لا يعدل عنه إلى المال إتفاقاً بل إجماعاً، إلاّ مع التعذّر، ولا يسقط الحدّ إنْ زال العذر فتنبّه لما ذكر!: فقد زلّت هنا أقدام، فيفتون بالمال مطلقاً، ويحتجّون بما للبرزلي ومن معه، وهم قد دخلوا بسبب ذلك في الكفر بنصّ التنزيل، فقد ضلّوا وأضلّوا، نسأل الله السلامة من حمل كلام الأئمة على غير وجهه!.
وقد تقدّم- في الفصل الثالث-: أنّ حامي الغاصب أو المحارب ونحوهما- ولو بجاهه- كهو، فيجرى على حكمه، فيعاقب بالمال إنْ لم يظفر الإمام بعينه، ثم إنْ ظفر به حكم عليه بما شرع الله فيه.
وقد نقل البرزلي- في نوازله- 1: (أن سرّاق "المغرب" اليوم كلّهم لصوص، تجري عليهم أحكام الحرابة من القتل، أو القطع من خلاف أو النفي، لا أحكام السرقة، لأنّهم يجعلون أحد السرّاق عند رأس صاحب المنزل في الحاضرة أو البادية، متى رآه تحرّك ضربه أو هدّده، وكذا سرّاق البوادي يجعلون واحداً يخرج الحيوان [16/ب] والمتاع، والباقون واقفون بالسلاح يمنعون يقدم عليه)2.
قال- أي البرزلي-: (والحكم فيهم: أنّهم إذا أخذوا بعد أنْ قتل أحدهم ربّ المنزل قتلوا جميعاً، وإنْ لم يقتلوا أحدا: أجريت عليهم أحكام المحارب من النفي والقطع من خلاف، أو القتل والصلب.
1 - هي "جامع مسائل الأحكام ممّا نزل من القضايا للمفتين والحكام" لأبي القاسبم بن أحمد بن محمد القيرواني، المعروف بالبرزلي (مات سنة 844هـ). ذكر الزركلي:"ان كتابه هذا مخطوط في مجلدين، قد يكون مختصراً من كتابه الفتاوى"، وأنه اقتنى نسخة منه نفيسة في أربعة مجلدات "كتبت سنة (982هـ) سمّاها الناسخ في أولها الفتاوى" على طريقة المشارقة، وفي نهايتها "النوازل" على طريقة المغاربة" (الزركلي- الأعلام: 5/ 172).
2 -
أنظر: فتاوى البرزلي: 4/ 241 - أ، حيث نقله عن "أبي محمد صالح" 3 في "مسائل الحرابة". والمصنف (التسّولي) في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 365 (فصل قي دعوى السرقة).
وإذا أخذوا واحداً 1 منهم فقط: (كان ضامناً لجميع ما أخذوه) 2 اهـ. باختصار.
وقال الشيخ "ميّارة"- في بعض فتاويه- ما نصّه: (وقد آل بنا الحال في بعض الأوقات إلى أنْ يتبع المسافرين بعض مردّة أهل البلد إلى الأجنّة ونحوها ممّا قرب من البلاد، فيسفكون دمائهم، وينهبون أموالهم، ويرجعون إلى البلد بالأمتعة جهاراً، فلا ينتقم منهم، ولا يستفتى عن حكمهم، بل وإلى ما هو أعظم من هذا: من القتل صبراً، ونهب الأموال من الدور والحوانيت بلا ذنب، ولا سبب، ثم يكتسب فاعل ذلك التعظيم والاحترام، فضلاً عن عدم النكير عليه، والضرب على يده، فإنّا لله وإنّا إليه راجعونه) 3 اهـ كلام ميّارة.
قلت: ولا شكّ في حرابة من وجدت منه 4 هذه الأوصاف، وجريان أحكام الحرابة عليه، حيث ثبت ذلك عليه.
وأمّا إنْ لم يثبت- وهو الغالب- لعدم وجود من يشهد على من اكتسب التعظيم والاحترام بالتمرّد والعصيان- كما هو مشاهد بالعيان-: فإنّه ينكل بالضرب، وطول السجن بقدر (قوة) 5 تهمته- كما تقدّم عن "التبصرة" وغيرها في الفصل الأول - ولا (أقل) 6 من أنْ ينفى من البلد مؤاخذة له بالأيسر، وردعاً
1 - في جميع النسخ (واحد) والصواب ما أثبتناه.
2 -
أنظر: فتاوى البرزلي: 4/ 341 - أ "في مسائل الحرابة" و"المصنف" في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 365 "في دعوى السرقة".
3 -
أنظر: ميّارة في "رسالته في قتال المحاربين المتعرضين لقطع الطريق" وهي: موجودة ضمن مجموعة رسائل: 17/ب.
ونقله- أيضاً- المصنف في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 350، "في دعوى الغصب والتعدّي".
4 -
في "ب": (فيه).
5 -
ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د".
6 -
ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د".
لأمثاله، وإنْ لم يظفر الإمام بعينه فإنّه يعاقب بالمال، كما مرّ تفصيله.
وأما إذا غصب شخص مالاً لآخر، أو أتلفه بغرق أو حرق، ونحو ذلك تعدّياً 1: فإنّه يغرم ما غصبه وما أتلفه لربه، ولو بجاهه، كما تقدّم في الفصل الثالث. [17/أ]
فإن أراد الحاكم أنْ يغرمه بعد ذلك مالاً بدل ما لزمه من الأدب على جرئته، وتلبّسه بمعصيته، أو تمحّضت معصية الله كالصيد في الحرم، والشتم بغير قذف، أو بقذف، وعفا عنه المقذوف- إذْ ما من حقّ لآدمى إلاّ وفيه حق الله- وككتمان الجواسيس، والغصاب، والأكل في نهار رمضان، ونحو ذلك، فإنه يجري 2 على ما مرّ من الخلاف المتقدّم.
فيجوز: على ما للشافعي في قوله القديم، وعليه المتأخرون، حيث تعذّر أدبه.
ولكن لم أقف على القدر الذي يعاقب به العاصي- على القول به- وظاهر كلامهم: أنه باجتهاد الإمام، فيغرم كل واحد بقدر ما ينزجر به، وذلك يختلف باختلاف عظم جريرته، وبحسب الشخص من تمرده على العصيان، وعدم تمرّده، ولو أدى ذلك إلى أخذ ماله كلّه، حيث كان لا ينفكّ إلاّ به.
فالعقوبة بالمال حينئذ منظور فيهما- أيضاً-: إلى قوة تهمته، وكثرة تمرّده.
أمّا ما يفعله بعض جهّال العمّال، والقواد اليوم، من مجاوزة الحدّ في الإغرام، لكونهم لا ينظرون إلى ما تقدّم، بل إلى كثرة مال صاحب المذنب وقلّته، ولا ينظرون إلى كون الذنب وقع منه فلتة 3، ولا إلى كونه متمرداً على العصيان أم لا، بل ويأخذون ما أتلفه الغاصب ونحوه، ولا يدفعون لربه شيئاً، أو يدفعون له الشيء القليل، فهو خرق للكتاب، والسنّة، والاجماع.
1 - أي: ظلماً وتجاوزاً. (الرازي- مختار الصحاح: 331، البستاني- فاكهة: 915).
2 -
في "ب"(يحرم) وهو خطأ.
3 -
الفلتة: الأمر يحدث من غير رويّة واحكام، ويقال (الهفوة غير المقصودة). (المعجم الوسيط:2/ 706).
قال تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
…
إلى قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ (عُدْوَانًا وَظُلْمًا) 1 فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} 2، أي: لا تأكلوه بما لم تبحه الشريعة.
ولا شكّ أنّ الشريعة لم تبح لهم شيئاً من ذلك، فأكل أموال الناس [17/ب] بالباطل لاحق به الوعيد المتقدّم، ولاحق به- أيضاً- الوعيد في قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا، فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
…
الآية} 3.
لأنّه إذا كانت المحاربة لله ورسوله لاحقة لمن تعامل بالربا- مع كونه برضي المتعاقدين في الجملة- فكيف يأخذه بغير رضي مالكه ظاهراً أو باطناً، بل على وجه التعدّي والظلم!.
وفي الصحيح عنه- عليه الصلاة والسلام أنّه قال: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس: من لا دينار له ولا متاع، فقال: لا، بل المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب، هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته، أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم (يحبس) 4 في النار"5.
1 - ساقطة من "ب".
2 -
سورة النساء / آية 29 - 30، وتمامها:{يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّة كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} .
3 -
سورة البقرة / آية 279، وتمامها:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} .
4 -
في "ب" و"ج" و"د"(يسحب) وكلا اللّفطين غير واردتين بالرجوع إلى مسلم في صحيحه.
5 -
أخرجه مسلم في "صحيحه": 4/ 1997، "كتاب: البر والصلة" "باب: تحريم الظلم" عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: "ان المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتى قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من =
وفي الحديث الكريم- أيضاً-: "أنّه يوم القيامة يؤخذ للمظلوم بماله، من حسنات ظالمه، عن كل دانق سبعون صلاة مقبولة" زاد بعض الحنفية: "في جماعة".
نقله "شرّاح " 1 المختصر 2 عند قوله في البيوع: (بأوزن منها بسدس سدس 3.
قالوا: (والدانق هو: سدس الدينار والدرهم) اهـ.
فانظروا:- أيّدكم الله- في هذا الوعيد اللاحق لأكل أموال الناس بالباطل ما أفضعه، وما أشبعه، حتى كان الدانق الذي هو: سدس الدرهم يؤدي بسبعين صلاة مقبولة في جماعة!.
فعلى من له اليد القويّة، أنْ يبادر إلى التغيير على من كانت يده سريعة لأكل الأموال 4، أيًّا كان عاملاً، أو غيره لئلا يكون راضياً بفعله.
وقد تقدّمت النصوص- في الفصل الثاني-: "أنّ من رضي فعل قوم فهو منهم"
= حسناته وهذا من حسناته، فان فنيت حسناته، قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار".
وأحمد في "مسنده": 2/ 303، 334، 372، نحوه.
والترمذي في "سننه": 4/ 613، "كتاب: صفة القيامة" "باب: ما جاء في شأن الحساب والقصاص".
1 -
في "الأصل"(شرح) ولعلّه سهو من الناسخ.
2 -
هو: "مختصر" الشيخ خليل بن اسحاق، وقد شرحه كثيرون، منهم: ابن الناسخ الطربلسي، وسمّاه:"الدرر فى توضيح المختصر"(ت 914هـ)، وبهرام بن عبد الله المالكي الدميري (ت 805هـ)، والرعيني المالكي، سمّاه:"مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" ثلاث مجلدات (ت 954هـ)، والشيخ عبد الباقي الزرقاني (ت 1099هـ)، وغير ذلك كثير. (حاجي خليفة- كشف الظون: 2/ 1628).
3 -
أورده الزرقاني في "شرحه على مختصر خليل": 5/ 55 "كتاب: البيوع عند قوله "بأوزن منها بسدس سدس"، ولم ينص على أنه حديث، وإنما قاله بطريقة تدلّ على ضعفه، حيث يقول: "وما قيل: أنه يؤخذ للمظلوم بماله
…
" ولم أقف عليه في كتب الحديث التي بين يدي.
4 -
في "ب"(أموال الناس).
وقد علمت هناك: ما لحقه- (بسبب ذلك) - 1 من الهلاك والخسران، [قال تعالى]:{إِنَّ اللَّة لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا [18/أ] مَا بِأَنْفُسِهِمْ} 2
…
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ (فَبِمَا) 3 كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} 4.
وأمّا إذا نهب مسافر أو سرق 5 بأرض قوم: فقد تقدّم عن "التبصرة" في الفصل الأول: (أنّ المتهم يكشف ويبالغ في كشفه بالضرب والسجن على قدر قوة تهمته).
وذكر ابن (سهل) 6: (أنّ الرجل إذا قبض بيده بعض المسروق، وقال: اشتريته من السوق، فإنّه ينظر فيه، فإنْ كان ممّن يشار إليه بالسرقة سجن حتى يموت) 7 اهـ.
وقد علمت: أنّ قبائل الزمان كلّهم متّهمون، إذ غالب أحوالهم 8 النهب
1 - ساقطة من "ج".
2 -
سورة الرعد / آية 11، وتمامها:{وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} .
3 -
في "الأصل"(بما)، وكلاهما جائز، قال ابن مجاهد:(قرأ نافع وابن عامر: "من مصيبة بما كسبت" بغير فاء، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام، وقرأ الباقون: (فبما) بالفاء). (ابن مجاهد- السبعة في القراءات: 581).
4 -
سورة الشورى / آية 30.
5 -
في "ب"(مروا) وهو خطأ.
6 -
في "الأصل"(سهيل) وكذلك في "ب"، وهو تصحيف.
وهو: أبو الأصبغ عيسى بن سهل بن عبد الله السدي القرطبي الغرناطي: قاضي "غرناطة"، أصله من "جيان" وولي الشورى بقرطبة، من كتبه:"الأعلام بنوازل الأحكام" في الفتاوى وغيرها، وذكر "الزركلي":(أنه مخطوط يوجد في خزانة الرباط (86 أوقات)، كما توجد منه نسخة منه بدار الكتب الوطنية بتونس رقم (18394)، وقد قام بتحقيق الجزء الأول منه الدكتور أنس العلاني لنيل أطروحة دكتوراه الحلقة الثالثة بالكلية الزيتونية بتونس. (مخلوف- شجرة النور: 122، الزركلي- الأعلام: 5/ 1 - 103).
7 -
نقله ابن فرحون في "التبصرة": 2/ 121 "في الدعاوي بالتهم والعدوان"، والمصنف في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 363 "في دعوى السرقة"، وعزاه إلى "ابن فرحون".
8 -
في "ج": (أصولهم) وهو تصحيف.
والغصب- كما تقدّم في الفصل الأول- والحمل على الغالب واجب، وعليه: فلا بدّ حينئذ من كشف من وقع النهب ونحوه بأرضهم بالسجن وغيره، لأنّ الغالب أنّ ذلك لا يخفى عليهم، إذ لا تجد أحداً ينهب الناس بأرض إلاّ وبعض أهل تلك الأرض معهم، وأهل البلد لا يخفى عليهم ذلك.
والحمل على الغالب مشروع، وليس للحاكم أنْ يقول للمنهوب ونحوه: إنّما لك عليهم اليمين، لأنّ ذلك ذريعة- كما تقدّم عن "التبصرة"- إلى إهمال ما أوجبه الشرع باتفاق الأئمة الأربعة: من الكشف بالضرب والسجن، وذريعة إلى 1 زيادة الفساد.
وأيضاً: لا أقلّ أن يكون عقابهم وتضمينهم من باب سدّ الذريعة- الذي تقدّم في الفصل الثالث أنّه مشروع- لأنّهم إذا غرّموا حمّلهم ذلك على حفظ طرقاتهم 2، والمارّين بأرضهم، وعدم كتمان غصّابهم، والتعصب عليهم- كما تقدّم-.
فإرسال من وقع النهب بأرضهم مع المنهوب للقاضي يحكم بينهم، من زيادة الفساد قطعاً، وإهمال سدّ الذريعة، ليس بالأمر الهيّن، إذ فيه إعانة الظالم على ظلمه، لأن" غاية 3 ما يفعله القاضي: أنْ يكلّف المنهوب بالبيّنة، وأين هذه البيّنة؟، وعلى فرض وجودها، فلا تكون إلاّ من أهل ذلك البلد، وهم على ما هم عليه من الحميّة 4، والعصبيّة، وقوة التهمة، فكيف يشهدون! مع كونه نهب بأرضهم، بل (من) 5 شهد منهم عاقبوه، وخشي على نفسه منهم، لأنّهم مكتسبون بغصبهم التعظيم والاحترام [18/ب]- كما مرّ-!.
ومن أجل إهمال هذا الباب: استولى الكفر، وغلب الظلم على الإسلام،
1 - ساقطة من "ب".
2 -
في "الأصل"(سرّاقهم)، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج".
3 -
في"ب"(غالب).
4 -
هي: (الأنفة، يقال: (فلان دو حميّة منكرة) إذا كان ذا غضب وأنفة. (الرازي- مختار الصحاح: 121، المصباح المنير:1/ 187).
5 -
ساقطة من "الأصل".
وسفكت دماء، وغصبت أموال لا يعلمها إلاّ الكبير المتعال.
حتى أنّ المسافر يسفك دمه في بعض الطرقات أو ينهب ماله، أو يأتي في جسده بعض الجراحات- ممّا لا يفعله المرء بنفسه- (فيرسله) 1 العامل (أو) 2 القائد مع من أخذ بأرضهم القاضي الوقت، فيستبشرون لأنّهم يعلمون أنّ يردّهم لليمين.
فكيف يهمل العامل المذكور- ما تقدّم في الفصل الأول والثالث-: من وجوب كشفهم بالضرب والسجن وإغرامهم، سدًّا للذريعة 3!.
قال "القرافي": (يمتاز نظر القاضي، ونظر والي الجرائم، بأمور منها: (أن) 4 والي الجرائم يسمع الدعوى على المتهوم، ويبالغ في 5 كشفه، بخلاف القاضي.
ومنها: أنْ يعجل يحبس المتهوم للاستبراء والكشف) 6.
1 - في "الأصل"(فيرسل)، وما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" مناسب للسياق.
2 -
ساقطة من "الأصل".
3 -
نقله المصنف- أيضاً- في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 352، "في دعوى الغصب والتعدّي".
4 -
ساقطة من "الأصل" ومن "ب"، والإضافة من "ج".
5 -
ساقطة من "ج".
6 -
قال ابن فرحون: (قال القرافي- أيضاً- في "الذخيرة" ممّا نقله عن "الماورديّ في الفرق بين نظر القاضي ونظر والي الجرائم، قال: "ويمتاز والي الجرائم على القضاة بتسعة أوجه:
الأول: سماع قذف المتهوم من أعوان الامارة من غير تحقيق الدعوى المعتبرة، ويرجع إلى قولهم، هل هو من أهل هذه التهمة، أم لا؟ فان نزهوه أطلقه، أو قذفوه بالغ في الكشف بخلاف القضاة.
الثاني: أنه يراعي شواهد الحال وأوصاف المتهوم في قوة التهمة وضعفها، بأن يكون المتهم بالزنا متصنعاً للنساء، فتقوى التهمة، أو متهماً بالسرقة، وفيه آثار ضرب مع قوة بدن، أو لا يكون شيئاً من ذلك فيخفف، وليس ذلك للقضاة.
الثالث: تعجيل حبس المتهوم للاستبراء والكشف، ومدّته شهر، أو بحسب ما يراه، بخلاف القضاة =
قال 1: (وقد ورد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم: (وجد في بعض غزواته رجلاً، فاتّهمه: بأنّه جاسوس، فعاقبه، حتى أقر)2.
فانظروا- أيّدكم الله- كيف عاقبه- عليه الصلاة والسلام بمجرّد التهمة، وأفعاله- عليه الصلاة والسلام كلّها للتشريع 3!.
قلت: ولذا قال في "التحفة" 4:
= الرابع: يجوز له مع قوة التهمة ضرب المتهم ضرب تعزير لا ضرب حدّ ليصدق، وليس ذلك للقضاة.
الخامس: أن له فيمن تكررت منه الجرائم، ولم ينزجر بالحدود، استدامة حبسه إذا أضرّ الناس بجرائمه بخلاف القضاة.
السادس: أن له احلاف المتهوم لاختبار حاله، ويغلظ عليه الكشف، ويحلفه بالطلاق والعتاق والصدقة- كأيمان بيعة السلطان- ولا يحلف القاضي أحداً في غير حق، ولا يحفف إلاّ باليمين بالله تعالى.
السابع: أن له أخذ المجرم بالتوبة قهراً ويظهر له من الوعيد ما يقوده إليها طوعاً، ويتوعده بالقتل فيما لا يجب فيه القتل، لأنه ارهاب لا تحقيق، ويجوز أن يتوعّده بالأدب دون القتل بخلاف القضاة.
الثامن: أن له سماع شهادات أهل المهن إذا كثر عددهم ممّن لا يسمعهم القاضي.
التاسع: أن له النظر في المواثبات وإن لم توجب غرماً ولا حداً). (التبصرة: 2/ 115).
1 -
أي: القرافي.
2 -
أخرجه أبو داود في "سننه" أنظر "عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي": 7/ 315 - 316، مرفوعاً، عن سلمة بن الأكوع، وفيه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله". وأورده ابن فرحون في "التبصرة": 2/ 110، وعزاه للقرافي في الذخيرة في باب السياسة.
3 -
في "الأصل"(للشريعة) وهو تصحيف، وما أثبتناه من "ب" و"ج".
4 -
"تحفة الحكام في نكت العقود والأحكام" لأبي بكر محمد بن محمد بن عاصم الغرناطي: القاضي، الفقيه، المالكي، مات بغرناطة (سنة 829هـ)، وهو عبارة عن: أرجوزة في الفقه المالكي، تعرف (بالعاصمية) نسبة إلى مؤلفها، وقد شرحها جماعة من العلماء. وله أيضاً "حدائق الأزاهر في مستحسن الأجوبة والمضحكات والحكم والأمثال والحكايات والنوادر" وإلى غير ذلك. (مخلوف- شجرة النور: 247، الزركلي- الأعلام: 7/ 45).
(وان يكن مطالباً من يتّهم
…
فمالك بالسجن والضرب حكم) 1
قال 2: (ومنها: أنّه يضرب المتهوم مع قوة التهمة، أو يحلّفه بالطلاق والعتاق وأيمان البيعة، بخلاف القاضي)3.
قال: (ومنها: أنّ له أن يتوعّد الجرم بالقتل، فيما لا يجب فيه قتل، لأنه إرهاب لا تحقيق، ويجوز له أن يحقّق وعيده بالأدب دون القتل، بخلاف القضاة، فليس لهم ذلك) 4 اهـ باختصار.
ونقل ذلك ابن فرحون 5، وزاد:(أن بعض القضاة المالكية فعل ذلك).
فقد علمت: أنّ النصوص متواترة بكشف المتهوم، واحداً كان أو جماعة، [19/أ] من القبائل أو غيرهم، ومع ذلك يضمنون في مثل من أخذ المسافر بأرضه سدًّا للذريعة- كما مرّ في الفصل الثالث- لأنّهم غرّموا، احتاطوا 6 هم لصيانة الطرقات المارّة في أرضهم، واحتاط غيرهم ممّن سمع ذلك كذلك.
وفي تضمين مثل هؤلاء يقول ناظم العمل:
(لوالد القتيل مع يمين
…
القول في الدعوى بلا تبين
إذا ادّعى (دراهما) 7 وأنكرا
…
القاتلون ما ادّعاه وطرا) 8
1 - أنظر المصنف (التُّسولي) في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 363، فصل في دعوى السرقة".
2 -
أي: القرافي.
3 -
نقله ابن فرحون في "التبصرة": 2/ 115 في الفرق الرابع والسادس بين نظر القاضي ونظر والي الجرائم.
4 -
أنظر نفس المصدر السابق، في الفرق السابع بين نظر القاضي ونظر والي الجرائم.
5 -
ساقطة من "ج".
6 -
أخذوا بالأوثق والأحزم. (المعجم الوسيط: 206).
7 -
في "الأصل"(دراهم) بالرفع، وكذلك في "ج"، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "ب"، لأنه مفعول به.
8 -
أنظر: السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 137، في مسائل القضاء واليمين والشهادة.
ولا مفهوم القتيل)، ولا (لدراهم)، بل المدار: على كون الدعوى على معروف بالتهمة والظلم، كقبائل الزمان- التي 1 تقدّم أنّهم محمولون على التهمة والفساد-، وأنّه لا يمكن إجراء الأحكام على مقتضاها فيهم، سواء ادّعى عليهم بالدراهم والقتل، أو بالدراهم فقط، (أو) 2 بالعروض، أو بالحيوان 3، أو غير ذلك، كما لشرّاحه 4.
قال ناظم العمل في "شرحه لنظمه"- ناقلاً عن شيخه قاضي الجماعة: (أبي القاسم بن أبي النعيم 5 - (ما نصّه) 6: (الذي (جرت به الأحكام) 7 عندنا في هذه النازلة ومثلها: أنّ القول قول والد القتيل مع يمينه، والظالم أحق أنْ يحمل عليه، وإنْ كان المشهور خلافه، وكم من مسألة جرى الحكم فيها بخلاف المشهور، ورجّحها العلماء للمصالح العامة) 8 اهـ.
1 - في "ب"(الذي).
2 -
ساقطة من "الأصل".
3 -
في "ب"(الحيوان).
4 -
أي: شرح نظم عمل فاس.
5 -
في "الأصل"(أبي القاسم ابن النعيم) وكذلك في "ج" وفي "ب"(ابن النعيم) وما أثبتناه ثابت في كتب التراجم. وهو: أبو القاسم، بن محمد بن أبي النحيم الغسّاني الأندلسي، أحد قضاة فاس المشهورين في العصر "السعدي" بعد أحمد المنصور"، يعد شخصية علمية وسياسية في عصره، أدرك عدة شيوخ أخذ عنهم، وأخذ عنه كثير، وله دروس ومقروءات، وتخرج به جماعة من الأعلام "كأبي حامد الفاسي"، قتله اللّصوص من "اللمطين" اثر رجوعه من صلاة الجمعة بموضع يقال له: "الزر بطانة" طالعة فاس، لطلوعه للصلاة مع السلطان من غير إذنهم سنة 1032هـ)، وثار قتال بفاس بين الأندلسيين واللّمطيين بسبب موته ودام أحد عشر شهراً لارادة الأخذ بثأره.
(القادري- التقاط الدرر: 80، ونشر المثاني:1/ 254 - 233، السلاوي- الاستقصا: 6/ 57).
6 -
ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج" و"د".
7 -
في "ب" و"ج": (جرى به العمل).
8 -
نقله السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 137، حيث قال: (وقد وقفت على ما قيّده الفقيه: "سيدي عبد العزيز الزياتى" من خط عمّ أبينا "سيدى العربي الفاسي"- =
ثم نقل نحوه: عن مشايخ فاس، ومراكش، وشفشاون 1، وغيرهم 2.
وظاهرهم: أنّ مستند العمل المذكور هو ما يأتي عن الرعيني 3، وأن المدعى عليه حيث كان ممّن يشار له 4 بذلك، فيقبل قول المدعي، وإنْ (لم) 5 يثبت
= رحمهم الله قال: "وجدت بخط شيخنا قاضي الجماعة "سيدي أبو القاسم بن أبي النعيم" جواباً عن هذه المسألة قال فيه: الذي جرت به الأحكام عندنا بهذه الحضرة في هذه النازلة ومثلها، أن القول قول والد القتيل مع يمينه، والظالم أحق أن يحمل عليه، وان كان المشهور خلافه، وكم من مسألة جرى الحكم فيها بغير المشهور، ورجّحها العلماء للمصالح العامة).
1 -
شفشاون: مدينة بشمال المغرب وهي بلد صغير في الشمال الغربي "لمراكش" على مسيرة 35 ميلاً جنوبي تطوان، يقوم عند سفح جبل سيدي (بوحاجة) وهو طفف من كتلة "بوهاشم" الجبلية على رافد من روافد "وادي لو"، وتدخل شفشاون الآن في منازل قبيلة الأخماس وإن كانت الحال جرت أن تتع "بني زجل" وهي قبيلة من فرع "غمارة" وشفشاون عند العامة "شاون"، وأصل الاسم هو صيغة الجمع البربرية "أشفشاون". وجاء في تقييد القاضي العلاّمة محمد الصادق الريوني:"شفشاون" كلمة بربرية معناها محل صالح للجهاد.
(عبد القادر العافية- لمحات تاريخيّة عن مدينة شفشاون، أنظر مجلة دعوة الحق: 5/ 115، يونيو، لسنة 1977).
2 -
قال (المصنف)، (قال سيدى العربي الفاسي ما ذكره ابن النعيم رحمه الله شاهدنا الحكم به عام قدوم الخليفة أبي العباس المنصور حضرة فاس وقد انحشر الناس إلى الشكوى بالمظالم وكان يحضر مجلسه أي: مجلس الخليفة للحكم فيها علماء "فاس" كشيخنا المذكور وشيخنا المفتي سيدي محمد القصار، وشيخنا سيدي علي بن عمران، وعلماء "مراكش" وقاضي مراكش وقاضي شفشاون، فكان الحكم يصدر على الوجه المذكور). (البهجة في شرح التحفة: 2/ 349، "في دعوى الغصب والتعدّي") حيث عزاه إلى ناظم العمل في شرحه لنظمه).
3 -
هو: أبو عبد الله، محمد بن سعيد الأندلسي، الفاسي، الرعيني، المحدث، العالم، الرحالة، له نظم وتصانيف منها "المغرب في جملة من صلحاء المشرق والمغرب"، و"اختصار المقدمات" لابن رشد، و"الأسئلة والأجوبة" و"الاعتماد في الجهاد". مات (سنة 778هـ) (مخلوف- شجرة النور: 236، الكتاني- فهرس الفهارس:1/ 326، الزركلي- الأعلام: 6/ 139).
4 -
في "ب"و"ج"(إليه).
5 -
ساقطة من "الأصل".
تلصّصه (ولا) 1 تعدّيه باقرار (أو بيّنة) 2، كما يأتي عن عمر- رضي الله عنه وهو كذلك.
سئل الإمام "الحفار" 3 - حسبما في "المعيار"-: عن الدعوى على المعروف، بالظلم يعني: كقبائل الزمان؟ [19/ب]
فقال: (إنّ من عرف بالتعدّي والظلم، قال الفقهاء: (ينغلب) 4 الحكم في حقه، فمن ادّعى على من هذه حالته 5، فيحلف هذا الطالب، ويستحق ما طلب) 6 اهـ.
ونقل الرعيني مثله عن مالك 7، وقال: (إنّ مثل هذا وقع في زمان عمر-
1 - ساقطة من "الأصل".
2 -
في "ب"و"ج"و"د"(ولا ببيّنة).
3 -
أبو عبد الله، محمد بن علي شهر بالحفار، الأنصاري، إمام غرناطة ومحدثها ومفتيها، الشيخ المعمر ملحق الأحفاد بالأجداد الفقيه العلاّمة. أخذ عن "ابن لب" وغيره، وعنه: خلق كابن سراج وأبي بكر بن عاصم، له فتاوى نقل بعضها في المعيار، (مات سنة 811هـ).
أنظر: مخلوف- شجرة النور: 247.
4 -
في "الأصل"(يغلب) وكذلك في "بر" وما أثبتناه من "ب"، وقد ثبت في النص الأصلي في المعيار: 5/ 244 - 245.
5 -
في "ب"و"ج"(حاله).
6 -
أنظر هذه المسألة في المعيار للونشريسي: 5/ 244 - 245، "في ذمي استظهر على مسلم برسوم، وادّعى المسلم قضاء ما فيها"، حيث كان قول الإمام الحفار هنا في الأصل جواباً عن سؤال مضمونه: أن رجلاً من يهود الذمّة استظهر على رجل من المسملين بثلاثة رسوم، وذكر أنه بقيت لهم من كل واحد منها بقيّة وطلبه بها، فادعى المسلم المذكور أنه خلّصه من الرسوم المذكورة، فهل يكون القول قول الغريم، أو لا يلتفت إلى قوله إلاّ ببيّنة؟.
وأوردها أيضاً- السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 138. ونقلها- أيضاً- المصنف في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 350، "في دعوى الغصب والتعدّي".
7 -
قال السجلماسي: (ذكره الرعيني في كتاب "الدعوى والإنكار في ترجمة القضاء في أهل الغصب والتعدّي، ومن يعرف باستحلال الحرام" ونصّه: قال مالك: فيمن دخل عليه السراق، فسرقوا متاعه وانتهبوا ماله، وأرادوا قتله فنازعهم وحاربهم، ثم ادعي أنه يعرفهم أو لم يعرفهم أهو مصدق عليهم إذا كانوا معروفين بالسرقة مستحلّين لها؟ أو ترو أن يكلف البيّنة، قال: هو مصدق عليهم). ("شرح نظم عمل فاس": 2/ 138 - 139).
ونقله أيضاً المصنف في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 349 - 350 "في دعوى الغصب".
رضي الله عنه- في سرّاق دخلوا على شخص، وانتهبوا ماله، فرفعهم إلى عمر، فأغرمهم عمر- رضي الله عنه بمجرد دعواه عليهم، ونكّلهم 1 عقوبة موجعة) 2 اهـ.
فما جرى به العمل له 3 مستند صحيح، وقد تكفّل شارحه بنقول كثيرة تشهد له بل لو لم يكن في وجوب إغرامهم إلاّ سدّ الذرائع لكان كافياً، فضلاً عن كونهم متّهمين- كقبائل الزمان ونحوهم- على أنّ تلك النقول كلها دائرة بين سدّ الذريعة وبين قوة التهمة- على ما مرّ في الفصل الثالث- وذلك كلّه مراعاة للمصلحة العامة.
وأمّا قول الرباطي 4 - في شرحه للعمل المذكور-: (لا بدّ من ثبوت التلصّص 5 والتعدّي بإقرار أو ببيّنة)6.
كما هي مسألة العتبيّة: (من أنّ الغاصب، اختطف صرّة لم يعرف قدر ما فيها بمعاينة البيّنة، أو بإقرار الغاصب، أنّ القول للمغصوب منه في قدر ما فيها)7.
1 - أي: جعلهم نكالاً وعبرة لغيرهم، وأصابهم بنازلة، وصنع بهم يحذر غيرهم. (الرازي- الصحاح: 338، البستاني- فاكهة البستان: 1507).
2 -
أورده السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 138 - 139.
3 -
ساقطة من "ب".
4 -
هو: أبو زيد محمد بن قاسم السجلماسي الرباطي البوجعدي: فقيه مالكي، سجلماسي الأصل، أقام بالرباط للتدريس بها وقراءة البخاري، له تآليف، منها:"فتح الجليل الصمد في شرح التكميل والمعتمد" يعرف بشرح العمل المطلق، وهو شرح أرجوزة له في الفقه، و"شرح نظم العمل للفاسي". مات (سنة 1214هـ). (الزركلي- الأعلام: 7/ 8).
5 -
أي تكرار السرقة، وتستعمل للتجسس. (المعجم الوسيط: 2/ 831).
6 -
أنظر السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 141.
7 -
أنظر "العتبية": 11/ 232، حيث كان جواباً عن سؤال وجّه للإمام مالك عن رجل انتهب من رجل مالاً في صرّة في يده والناس ينظرون إليه، قد رأوها قبل ذلك في يد صاحبها، فطلب، فطرحها مطرحاً لم توجد، فادّعى صاحبها عدداً وكذبه الآخر ولم يفتحها ولم يدر كم هي؟. قال مالك: (إذا اختلفا في العدد فاليمين على المنتهب، ومطرف وابن كنانة يقولان في هذا وشبهه: القول قول المنتهب منه، إذا ادّعى ما يشبه، وأن مثله يملكه. =
فليست هي المقصودة بالعمل المذكور، وحمله عليها بعيد من ظاهره وإطلاقه، ومن تعليلهم بالمصلحة العامة.
وما قاله أبو الحسن الزرويلي 1، وابن هلال 2: (من أنّ ما للرعيني، خلاف الأصول 3
…
(إلخ) - لا يقدّم في العمل المذكور.
= قال محمد بن رشد- في شرحه لهذه المسألة-: (قول مالك هو القياس، لقول النبي عليه السلام "البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر" فالقول قول المنتهب مع يمينه، أنه لم يكن فيها أكثر من كذا وكذا، إذ حقّق أنه لم يكن فيها أكثر من ذلك، وان لم يدع معرفة عدد ما فيها، وذلك إذا أتى بما يشبه، فإن أتى بما لا يشبه، لم يكن له إلاّ ما أقر به المنتهب، وأما قول مطرف وابن كنانة، فانه استحسان، ووجهه ان عداء المنتهب وظلمه قد ظهر، فوجب ان يسقط حقه، في أن يكون القول قوله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس لعرق ظالم حق والظالم أحق من حمل عليه).
1 -
هو: أبو الحسن علي بن محمد الزرويلي، المعروف: بالصغير، الفقيه، القاضي، المفتي، المغربي، الحافظ، تولّى القضاء والتدريس بفاس في عهد السلطان "أبو الربيع"، ومن كتبه:"التقييد على المدونة- خ" خمسة أجزاء في الصادقية بتونس، باسم "شرح تهذيب المدونة" في الفقه المالكي، و"الفتاوى والتقييدات"، وسيأتي أن المراد بها "الأجوبة" كما أوردها المصنف- مات (سنة 719هـ).
(ابن فرحون- الديباج: 212، السلاوي- الاستقصا: 2/ 49، 87، مخلوف- شجرة النور: 215، الزركلي- الأعلام: 4/ 334).
2 -
هو: أبو العباس، أحمد بن عمر بن هلال الربعي: الفقيه المالكي، المفتي كان ماهراً في الأصول، حسن الخط، قال ابن فرحرن:(كان كثير العزلة عن أهل المناصب، بل عن الناس ما عدا خواص طلبته)، من كتبه:"شرح جامع الأمهات" لابن حاجب في الفقه، و"ناضرة العين"، و"الفتح القدسي في تفسير آية الكرسي". مات (سنة 795هـ). (ابن فرحون- الديباج: 82، ابن حجر- الذرر الكامنة: 4/ 232، الزركلي- الأعلام: 1/ 187).
3 -
نقله السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 141، حيث كان جواباً عن سؤال وجّه لابن هلال، في مسألة: المشتهر بقطع الطريق يدعي عليه رجل: انه تلصّص عليه وأخذ له مالاً ولا شاهد له إلاّ بالسماع، هل يحلف المدعي ويستحق، أو يحلف اللّص ويبرأ؟ فقال- في جوابه عن هذه المسألة- ما نصّه: (وأما المدعى عليه أخذ المال بالتلصّص، وهو معروف بذلك مشهور، فليس عليه إلاّ اليمين إذا أنكر ولم تقم عليه بيّنة، ولا أعلم في ذلك خلافاً، وما للرعيني فيمن كان معروفاً بأخذ أموال الناس والاغارة عليهم فادّعى عليه رجل أنه أخذ له مالاً أنه مصدق مع يمينه، ويأخذ ما ادّعى عليه، قال "الزرويلي":"هو خلاف الأصول"، وإنما =
إذ ما قالاه: من مخالفته للأصول) إنما هو: جار على المشهور، وقد قالوا:(كم من مسألة جرى فيها العمل بخلاف المشهور)، وهذا العمل حدث بعد زمان أبي الحسن، وابن هلال، كما هو ظاهر، والله أعلم.
(وأيضاً 1 فإنه وإنْ كان الأصل عدم العداء والظلم، لكن لما كثر كل منهما في هذا الزمان وغلب، أجروا الأحكام على مقتضى الغالب، وحملوا الناس عليه، لئلاّ تضيع الحقوق، لأنّ الأصل والغالب إذا تعارضا فالحكم للغالب، لقوله تعالى:{وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} 2 أي: احكم به.
ولذا قال أبو الحسن في "أجوبته" 3 - في مسألة: من رفع شخصاً بحاكم جائر فأغرمه مالاً، يجب عليه، بعد أن حكى فيها قولين- ما نصّه: (وهذا وقد كان الحاكم يحكم بحق تارة، وبالباطل أخرى، وأمّا الآن فالحاكم لا يحكم إلاّ بالباطل،
= خلاف "مطرف" و"ابن كنانة" و"أشهب" فيمن علم بالتلصّص". وأشار الزرويلي إلى أنه لا يؤخذ من قولهم ما يقوله بعض الناس: المسلوب مع بمينه، قال: لأن قولهم ذلك إذا علم بالتلصّص برؤية الناس).
ثم قال السجلماسي: (قلت عبارة الشيخ أبي الحسن الزرويلي في المعنى الذي ذكر أنه أشار إليه، هو قوله:- ما نصّه- "وانظر مثلاً" يؤخذ من قول "ابن كنانة" و"مطرف" و"أشهب" ما يقوله بعض الناس: "المسلوب مع يمينه" والذي يظهر: أنه لا يؤخذ منه، لأن مسألة "العتبية" فيها: وناس ينظرون إليه، وأما المسلوب فلم يعاين أحد ما أخذ له).
1 -
من هنا إلى آخر ....... قوله: "أن الحكم للغالب كما رأيت""ساقط" من "الأصل"، والإضافة من"ب" و"ج" و"د".
2 -
سورة الأعراف / آية 199، وهي: جزء من قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} .
3 -
هي: "الفتاوى والتقييدات" لأبي الحسن الزرويلي. وهذه الفتاوى قيّدها عنه تلاميذه، وقال "الزركلي":(ومن لطيف ما رأيت "كتاب: الدر النير على أجوبة أبو الحسن الصغير" لقاضي سجلماسة ابراهم ابن هلال، طبع بفاس (سنة 133هـ) وفي نهاية النسخة التي رأيتها ورقة مخطوطة حديثة عنوانها: "فهرست الدرّ النير على أجوبة أبو الحسن الصغير" فكأن كاتبها تعمّد ابراز النص على أنه يكبر ويصغر). (الزركلي- الأعلام: 4/ 334).
فلا ينبغي أنْ يختلف في أنّه يغرم ما خسره) 1، وسلّمه ابن هلال.
فأنت تراه حمل الحكّام على الظلم والتعدّي، حيث غلب منهم ذلك، وأوجب على الشاكي الغرامة وإنْ كان الأصل عدم العداء.
ونحوه: لسيدي مصباح 2 - حسبما في المعيار- حيث قال: (إذا تقرّر العرف في ولاة الظلم وأجنادهم، بغرم المال ممّن أخذوه ظلماً، كان القول للمأخوذ منه فيما 3 ادّعى أنّه غرمه، وفي قدره، لأنّ العرف شاهد لمدّعيه يقوم مقام الشاهد الناطق) 4 باختصار.
وقبائل الزمان، ومردة حواضرهم كذلك، لما كثر منهم العداء وغلب، كان القول للمنهوب والمغصوب، (و) 5 لكن فيما يشبه أن يملكه فقط.
وإذا تقرّر هذا علمت: أنّ ما جرى به العمل، له مستند صحيح، وأصل أصيل فى الشريعة، وهذا العمل حدث بعد زمان أبي الحسن، وابن هلال، ولو كانت القبائل في زمانهما على ما هم عليه، وقت جريان العمل المذكور ما وسعهما أنْ يقولا بمخالفته للأصول، لاعترافهما بأنّ الحكم للغالب كما رأيت.
وبما تقدّم عن التبصرة، والقرافي في الفصل الأول، وعن القرافي في هذا الفصل: يتبيّن لكم- أيّدكم الله! - عدم العمل على ما في "البيان" عن "مالك"6. [20/أ]
1 - نقله المصنف في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 350 - 351.
2 -
هو: أبو الضياء، مصباح بن عبد الله اليالصوني: الشيخ الفقيه المالكي، الحافظ، العالم، تنسب إليه المدرسة "المصباحية". مات بمدبنة فاس (سنة 750هـ). (وفيات الونشريسي: 119، ولقط الفرائد من لفاظة حقق الفوائد: 203، في كتاب: ألف سنة من الوفيات).
3 -
في "ب"(ممّا).
4 -
نقله المصنف في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 351.
5 -
الواو ساقطة من "ج".
6 -
أنظر ما أورده ابن رشد عن الإمام مالك في "بيانه" في "الفصل الخامس": 158.
ونقله في التبصرة 1، فقيل له 2: (أيكره للسلطان أنْ يأخذ الناس بالتهمة فيخلوا ببعضهم، ويقول له: الأمان عليك، فأخبرني: فيخبره؟.
فقال: إنّي- والله- لأكره ذلك، أنْ يقوله لهم، (ويغرّهم) 3، وهو وجه الخديعة).
قال "ابن رشد": (وجه الكراهة: أنّه إذا قال له ذلك، فهو من نوع الإكراه على الإخبار، ولعلّه يخبره بالباطل لينجو من عقابه، فإقراره على نفسه من باب الإقرار تحت الوعيد، والتهديد لا يلزمه) 4 اهـ.
لأنّ هذا الذي كرّهه الإمام مالك- في هذه الرواية- مخالف لما ورد: "أنّه- عليه الصلاة والسلام لقى رجلاً، فاتّهمه: أنّه جاسوس، فعاقبه، حتى أقرّ" كما تقدّم عن "القرافي".
ومخالف لما مرّ عنه 5 في كلام التحفة، حيث قال ناظمها:
(وإنْ يكن مطالباً من يتهم
…
فما لك بالسجن والضرب حكم
وحكموا بصحة الاقرار
…
من ذاعر 6 يحبس للاختبار) 7
ومخالف لما مرّ عن القرافي، والتبصرة.
لأنّ ماكرّهه الإمام- أي مالك-: هو من باب السياسة، والعمل بها
1 - أنظر ابن فرحون- التبصرة: 2/ 114، "في أحكام القضاء بالسياسة الشرعية".
2 -
أي: الإمام مالك.
3 -
في "الأصل"(ويغرمهم) وفي "ب"(ولغيرهم) وكلاهما تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ج" كما هو ثابت في "التبصرة لابن فرحون ".
4 -
نقله ابن فرحون في "التبصرة": 2/ 114.
5 -
أي: عن الإمام مالك.
6 -
"الذاعر" المفزع والمخيف وهو الزاني الفاسق السارق (التُّسولي- البهجة في شرح التحفة: 2/ 363).
7 -
أنظر المصنف في "البهجة في شرح التحفة لابن عاصم": 2/ 363، فصل:"في دعوى السرقة".
مشروع، لكثرة الفساد وإنتشاره- كما مر-
ومن السياسة في استجلاب إقرار المتهم، ما ورد: أن عليًّا- رضي الله عنه شكى إليه شاب، بنفر من الناس، فقال: إنّ هؤلاء خرجوا مع أبي في سفر، فعادوا ولم يعد أبي، فسألتهم عنه؟ فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله؟ فقالوا: ما ترك شيئاً- وكان معه مال كثير- فارتفعنا إلى القاضي، فاستحلفهم، وخلّى سبيلهم.
فدعا عليّ- رضي الله عنه بأعوانه: فوكّل بكل رجل منهم رجلين، وأوصاهم 1 أنْ لا يمكنوا بعضهم يدنوا من بعض، ولا يمكّنون أحداً يكلّمهم، ودعا كاتبه، ودعا أحدهم، فقال له: أخبرني عن أبي هذا الفتى، في أيّ يوم خرج معكم؟ وفي أي منزل نزل معكم 3 وكيف كان سيركم 3 وبأيّ علّة مات؟ وكيف أصيب لماله 2؟، وسأله: عمن غسله، ودفنه؟ ومن تولّ الصلاة عليه؟ وأين دفن؟، والكاتب يكتب.
ثم كبّر علي- رضي الله عنه وكبّر الحاضرون معه، والباقي من التهمين، لا علم لهم، عن ماذا يسأل صاحبهم، وماذا يقول!، إلاّ أنّهم ظنّوا: أنّ صاحبهم قد أقرّ عليهم، لكونهم ينظرون إليه، ولا يسمعون كلامه.
ثم دعا الآخر بعد أنْ غيب الأول عن مجلسه، ثم سأله كما سأل صاحبه، ثم غيّبه، وطلب الآخر وسأله، والكاتب يكتب، كل ذلك حتى عرف ما عند الجميع، فوجد كل واحد يخبر بضدّ ما أخبر به صاحبه، (ثم أمر بردّ الأول، وقال له: يا عدوّ الله!: قد عرفت غدرك وكذبك ممّا سمعت من أصحابك، ولا ينجيك من العقوبة إلاّ الصدق) 3 ثم أمر به إلى السجن، وكبّر وكبّر الحاضرون.
فلما أبصر الباقي من المتهمين حاله، لم يشكوا أنّ صاحبهم قد أقرّ عليهم، ثم
1 - في "الأصل"(وأوصى).
2 -
في "ب"(ماله).
3 -
ساقطة من "ج".
دعا آخر منهم: فهدّده، فقال: والله- يا أمير المؤمنين- لقد كنت كارهاً لما صنعوا، ثم دعا الجميع: فأقرّوا بالقصة، واستدعى الأول، وقيل له: لقد أقرّ أصحابك، ولا ينجيك سوى الصدق، فأقرّ بما أقرّ به أصحابه، فأغرمهم المال، واستقاد منهم بالقتل" 1 اهـ.
فتدبّرا- أيّدكم الله! - في هذه القصة، ففيها دليل- لما مرّ- أنّ والي الجرائم لا يرفع المتهمين إلى القضاة،- كما مرّ عن القرافي- الا ترى كيف استحلفهم القاضي- في هذه القصة- وأرسلهم، وتولّى علي- رضي الله عنه الفصل بينهم، حتى استجلب إقرارهم!.
وفيها دليل لكون المتهم يهدّد بالسجن وغيره، ويعرف عند استجلاب إقراره.
وفيها ردّ لما حكاه في "البيان" عن مالك: من الكراهة لذلك، كما مرّ.
وبتمام هذه الستة فصول، وإجراء الأحكام على ما اشتملت عليه من الأصول: ينزجر الظالم الجسور، وبإهمالها: تهتك الستور ويستولي [21/أ] على الإسلام العدوّ الكفور، وبتأملها يعلم حكم الله في الفريقين اللّذين أشرتم لهما في السؤال، والله أعلم.
1 - أخرجه البيهفي في "سننه": 10/ 104، "كتاب آداب القاضي"، "باب التثبت في الحكم".