المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الثاني في جواز صلح العدوّ إن كان مطلوباً، (وفي) 1 عدم - أجوبة التسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد

[التسولي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌القسم الأولالدّراسة

- ‌الفصل الأولترجمة‌‌ الإمام التُّسُوُلي

- ‌ الإمام التُّسُوُلي

- ‌عصره

- ‌أولاً: الحياة السياسيّة:

- ‌أ - الصراع على الحكم وأثره في إضعاف الدولة:

- ‌ب - الاضطرابات والفتن:

- ‌ج - القضاء على الأسطول المغربي:

- ‌د - مأساة الجزائر وموقف المغرب منها:

- ‌ثانياً: الحياة الاجماعية والاقصادية:

- ‌ثالثاً: الحياة العلميّة:

- ‌حياته

- ‌اسمه ونسبه وصفته

- ‌أسرته:

- ‌نشأته:

- ‌وفاته:

- ‌شيوخه:

- ‌مكانته في العلم والجهاد

- ‌أ - مكانته في العلم:

- ‌ب - مكانته في الجهاد:

- ‌آثاره

- ‌أولاً- تلاميذه:

- ‌ثانياً: مؤلفاته:

- ‌الفصل الثانيحركة التأليف الجهادية في عصرالإمام التُّسولي

- ‌حركة التأليف الجهادية بالمغرب في عصر التُّسولي:

- ‌أولاً - المؤلفات الجهادية العامة:

- ‌ثانياً - المؤلفات الخاصة بتنظيم الجيش:

- ‌الفصل الثالثالتّعريف بالكتاب

- ‌أولاً: "عنوان الكتاب وصحة نسبته للمؤلف

- ‌محتواه

- ‌ثانياً: محتواه وأسلوبه:

- ‌ أسلوبه:

- ‌ثالثاً: مصادره

- ‌مصادر الفقه والأصول:

- ‌مصادر السياسة الشرعية والجهاد والسير والتصوّف:

- ‌مصادر الحديث:

- ‌مصادر التفسير:

- ‌رابعاً: أهميته وانتشاره:

- ‌خامساً: وصف النسخ:

- ‌النسخة الأولى:

- ‌النسخة الثانية:

- ‌النسخة الثالثة:

- ‌النسخة الرابعة:

- ‌سادساً: منهجي في التحقيق:

- ‌القسم الثانينصّ الكتاب وتحقيقه

- ‌نص السؤال

- ‌ونص الجواب

- ‌المسألة الأولى

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس

- ‌الفصل السابع

- ‌ المسألة الثانية:

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌ المسألة الثالثة:

- ‌حكم مانع الزكاة مع تحقّق عمارة ذمته، أو عدم تحققها

- ‌ المسألة الرابعة:

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌ المسألة الخامسة:

- ‌خاتمة

- ‌الملاحق

- ‌ملحق رقم (1)

- ‌ملحق رقم (2)

- ‌الفهارس

- ‌فهرس الآيات

- ‌فهرس الأحاديث

- ‌فهرس المصطلحات الفقهية

- ‌فهرس المصطلحات العسكرية والسياسية

- ‌فهرس الأشعار

- ‌فهرس الكتب الواردة في الكتاب

- ‌فهرس الأعلام

- ‌الكنى

- ‌من نسب لأبيه

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌ المخطوطة والمطبوعة

- ‌ الفهارس والمعاجم

- ‌ المجلات والدوريات

الفصل: ‌ ‌الفصل الثاني في جواز صلح العدوّ إن كان مطلوباً، (وفي) 1 عدم

‌الفصل الثاني

في جواز صلح العدوّ إن كان مطلوباً، (وفي) 1

عدم جوازه إن كان طالباً

ــ

اعلم: أن العدوّ الكافر دمّره الله إما أن يكون طالباً، أو مطلوباً.

فالجهاد في الثاني: فرض كفاية، [قال] "ابن النحاس":(جهاد الكفار في بلادهم فرض كفاية [42/أ] باتفاق العلماء).

[وقال]"ابن عرفة": (حاصل أنقال المذهب: أنه فرض كفاية، على قادر عليه، لم ينزل به عدوّ الدين، ولم يبلغه نزوله بمن عجز عن رفعه من مسلم أو ذمي.

ثم قال: وفرض الكفاية، حرام عموم تركه) 2 اهـ. أي: يحرم أن يتركه الإمام في جميع السنين لغير عذر، قال الإمام "القاضي" "عبد الوهاب"- في "التلقين" 3 - :(لا يجوز للإمام تركه لهدنة، إلاّ لعذر).

1 - ساقطة من "ب" و"ج" و"د".

2 -

أنظر: ابن عرفة- المختصر الفقهي: 1/ 262 - ب، "كتاب الجهاد".

3 -

"التلقين فى الفروع" للقاضي أبو محمد، عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي، من فقهاء المالكية، له نظم ومعرفة بالأدب، توجّه إلى مصر فعلت شهرته.

وكتابه هذا مخطوط في فقه المالكية، قال الحاجي خليفة:(قال القاضي ابن شهبة: مختصر، وشرحه، ولم يتمه، وعليه "شرح" لداود بن عمر الشاذلى، (ت سنة 732هـ)، وقال السيوطى- فى "طبقات النحاة": صنف مختصر التلقين للقاضي عبد الوهاب في الفقه). من كتبه أيضاً: "عيون المسائل"، و"النصرة لمذهب مالك" وغيرها. مات (سنة 422هـ). (الشيرازي- طبقات الفقهاء: 168 - 169، ابن كثير- البداية والنهاية: 12/ 42، ابن فرحون، الديباج: 159 - 160، حاجي خليفة- كشف الظنون: 1/ 481).

4 -

نفله الونشريسي في "المعيار": 2/ 209، "في مجاهدون يغيرون على أطراف مراكز العدوّ الذي صالحه السلطان".

ص: 264

[قال]"اللّخمي": (هو فرض على كل إمام كانت رعيّته تجاور العدوّ) 1 أي: في كل عام مرة.

[وقال]"أبو عمر"- في "كافيه "-، و"القرطبي"- في "تفسيره "- وغيرهما: (فرض على الإمام: إغزاء طائفة إلى العدوّ كل سنة مرة، يخرج معهم بنفسه، أو يولّي عليهم من يثق به .... إلخ ما مرّ في الفصل قبله.

وذكر "الدمياطى" 2 - في "كتاب الجهاد""وابن النحاس" 3، وغيرهما: (أن ترك الجهاد في جميع السنين، والإعراض عنه، والسكون إلى الدنيا خروج من الدين.

واحتجّوا له، بما روي: عن "ابن عمر" 4 رضي الله عنهما: أن النبي-

1 - نقله المواق في "التاج والإكليل فى شرح مختصر خليل": 3/ 346"باب: "الجهاد".

والحطاب فى "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل": 3/ 347، "باب الجهاد".

2 -

في "الأصل"(الزمياطى) وكذلك في "ج" وفي "د"(الرباطي) وكلاهما تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ب"، وقد ثبت في كتب التراجم.

وهو: عبد الرحمن بن أبي جعفر الدمياطي، روى عن مالك وسمع من كبار أصحابه: كابن وهب، وابن القاسم، وأشهب، وله عنهم سماع مختصر مؤلف حسن وهذه الكتب معروفة باسمه تسمّى بالدمياطيّة، روى عنه: يحيي بن عمر والوليد ابن معاوية وغيرهما. مات (سنة 226هـ).

(ابن فرحون- الديباج: 148، مخلوف- شجرة النور: 29).

3 -

أبو جعفر، تقدّم، وكتابه المقصود هنا هو:"مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق" في فضائل الجهاد. وهو مطبوع.

(حاجي خليفة- كشف الظون: 2/ 1686، الزركلي- الأعلام: 87).

4 -

أبو عبد الرحمن، عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي: الصحابي الجليل، كان جريئاً جهيراً، هاجر إلى المدينة مع أبيه وشهد فتح مكة، أفتى الناس في الإسلام ستين سنة، له في كتب الحديث (2630) حديثاً، مات (سنة 73هـ).

(ابن سعد- طبقات: 4/ 105، 138، النووي- تهذيب الأسماء:1/ 278، ابن خلكان- وفيات: 1/ 246، الزركلي- الأعلام: 4/ 108).

ص: 265

صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تبايعتم بالعينة 1، وأخذتم بأذناب البقر، ورضيتم بالزراعة، وتركتم الجهاد، سلّط الله عليكم ذلاًّ، ولا ينزعه عنكم، حتى ترجعوا إلى دينكم" رواه: "أبو داود" بإسناده، وقال:(حسن)2.

قالوا: ومعنى الحديث: أن الناس إذا تركوا الجهاد، وأقبلوا على الزراعة ونحوها، سلّط الله عليهم العدوّ،- لعدم تأهبهم له- ولعدم استعدادهم لنزوله-، لرضاهم بما هم فيه من الأسباب، فأعطاهم ذلاًّ، وهو: أنهم لا يتخلّصون من

1 - العينة: السلف.

وفي تفسير الفقهاء: أن يبيع الرجل متاعه إلى رجل، ثم يشتريه منه في المجلس بثمن حال. عند المالكية، وفي قول للظاهرية: بيع الرجل ما ليس عنده، وهي السّلم. عند الشافعية والزيدية، وفي قول للحنفية، وقول للحنابلة: أن يبيع سلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها من المشتري قبل قبض الثمن بثمن نقد أقلّ من ذلك القدر.

وفي قول للحنفية: أن يأتي الرجل المحتاج إلى آخر، ويستقرضه عشرة دراهم، ولا يرغب المقرض في الاقراض طمعاً في فضل لا يناله بالقرض، فيقول: لا أقرضك، ولكن أبيعك هذا الثوب إن شئت باثني عشر درهما، وقيمته في السوق عشرة، ليبيعه في السوق بعشرة، فيرضي به المستقرض، فيبيعه كذلك، فيحصل لصاحب الثوب درهمان، وللمشتري قرض عشرة.

وفي قول للحنابلة، وقول للظاهرية: أن يكون عند الرجل المتاع، فلا يبيعه إلاّ إلى أجل مسمّى. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 270).

قال الشوكاني: (وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك وأبو حنيفة وأحمد والهادوية، وجوز ذلك الشافعي وأ صحابه مستدلّين على الجواز بما وقع من ألفاظ البيع التي لا يراد بها حصول مضمونه وطرحوا الأحاديث المذكورة في الباب). (نيل الأوطار: 5/ 207).

2 -

أخرجه أبو داود في "سننه" أنظر: عون المعبود في شرح سنن أبي داود: 9/ 335، "كتاب البيوع" "باب: النهي عن العينة"، عن نافع عن ابن عمر. والبيهقى في "سننه": 5/ 316، "كتاب البيوع" "باب: ما ورد في كراهية التبايع بالعينة".

وأورده الزيلعي في "نصب الراية": 4/ 17.

والمتقي الهندي في "منتخب كنز العمال": 2/ 263.

والشوكاني في "نيل الأوطار": 5/ 206، وقال:(رواه أحمد وأبو داود، وأخرجه أيضاً- الطبراني وابن القطان وصحّحه، وقال الحافظ- في بلوغ المرام- ورجاله ثقات).

وقد صحّحه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة": 1/ 15.

ص: 266

عدوّهم، حتى يرجعوا إلى ما هو واجب عليهم، من جهاد الكفار، والإغلاظ عليهم، وإقامة الدين، ونصرة الإسلام.

وقد دل قوله عليه الصلاة والسلام "حتى ترجعوا إلى [42/ب] دينكم": على أن ترك الجهاد، والإعراض عنه، خروج من الدين، ومفارقة له، وكفى به ذنباً وإثماً. اهـ.

فالمخاطب في هذا الحديث الكريم، وغيره، هم: الأئمة، فمعناه: إذا ترك الأئمة الناس، يتبايعون بالعينة، ويتبعون أذناب البقر

إلخ،- كما مرّ في الفصل قبله- وفي فصل الاستنفار-.

وذكر الدمياطي، و"ابن النحاس"- أيضاً - وغيرهما، ما نصّه: (خرّج "ابن عساكر" 1، عن "أنس" 2 باسناده، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"من غزا غزوة في سبيل الله"، فقد أدّى إلى الله جميع طاعته، {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا} 3.

1 - أبو القاسم، علي بن الحسن هبة الله، ثقة الدين ابن عساكر الدمشقي: المؤرخ الحافظ الرحالة، محدث الديار الشامية. من كتبه:"تاريخ دمشق الكبير" يعرف بتاريخ ابن عساكر، اختصره الشيخ عبد القادر بدران" و"تهذيب تاريخ ابن عساكر" و"الأشراف على معرفة الأطراف" وغيرها. مات بدمشق (سنة 571هـ). (ابن خلكان- وفيات الأعيان: 1/ 335، ابن كثير- البداية والنهاية: 12/ 294، كبرى زاده- مفتاح السعادة:1/ 216، 2/ 211، الزركلي- الأعلام: 4/ 274).

2 -

أنس بن مالك بن النصر بن ضمضم الخزرجي الأنصاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، روى عنه رجال الحديث (2286) حديثاً، مولده "بالمدينة" ثم رحل إلى "دمشق"، ومنها إلى "البصرة"، وهو آخر من مات "بالبصرة"، من الصحابة (سنة 93هـ).

(ابن سعد- طبقات: 7/ 10، ابن الجوزي- صفة:1/ 298، ابن الأثير- أسد الغابة:1/ 127 - 129، الزركلي- الأعلام: 2/ 25).

3 -

سورة الكهف / آية 29، وتمامها:{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُةا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُةلِ يَشْوِي الْوُجُوة بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} .

ص: 267

قال: قيل:- يا رسول الله- وبعد هذا الحديث الذي ععناه، من يدع الجهاد ويقعد؟ قال: من لعنه الله، وغضب عليه، وأعدّ له عذاباً عظيماً، قوم يكونون في آخر الزمان ولا يرون الجهاد، وقد اتخذ ربّي عنده عهداً لا يخلفه: أيّما عبد لقيه، وهو يرى ذلك، أن يعذّبه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين! ") 1 اهـ.

قال "الدمياطي"- المذكور- وغيره: (ذكر صاحب "شفاء الصدور"، عن "زيد بن أسلم" 2، عن "أبيه" 3، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما قطر القطر من السماء، وسيأتي على الناس زمان، يقول فيه قرّاء منهم: ليس هذا بزمان جهاد، فمن أدرك ذلك الزمان، فنعم زمان الجهاد، قالوا:- يا رسول الله- وأحد يقول ذلك، نعم، من لعنه الله، والملائكة، والناس أجمعون! ") 4 اهـ.

فانظروا- أيّدكم الله-!: إلى هذا الوعيد الفضيع، وبالجملة: إنما تجوز المهادنة مع كون الجهاد فرض كفاية، بأن يكون العدوّ مطلوباً في أرضه، ومع

1 - أورده المتقي الهندي في "منتخب كنزل العمال": 2/ 268 - 269، مختصراً، وعزاه للديلمي عن أنس.

2 -

أبو أسامة أو أبو عبد الله، العدوي العمري، فقيه مفسر من أهل المدينة، كان مع عمر بن عبد العزيز أيام خلافته، ثقة كثير الحديث، له حلقة في المسجد النبوي، وله كتاب في "التفسير" رواه عنه ولده عبد الرحمن. مات (سنة 136هـ). (الذهبي- تذكرة الحفاظ: 1/ 124، ابن حجر- تهذيب: 3/ 395، الزركلي- الأعلام: 3/ 56 - 57).

3 -

أبو زيد، اسلم العدوي، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن أبي بكر، ومولاه عمر وعثمان وابن عمر وغيرهم. قال عنه العجلي:(مدني ثقة من كبار التابعين)، قال أبو عبيد:(توفي سنة 80هـ). (ابن الأثير- أسد الغابة: 1/ 77 - 78، ابن حجر- تهذيب التهذيب: 1/ 233).

4 -

أورده المتقي الهندي في "كنز العمال": 10742، نحوه. ولفظه:"لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما أمطرت السماء وأنبتت الأرض وسينشأ نشوء من قبل المشرق يقولون: لا جهاد ولا رباط أولئك هم وقود النار، بل رباط يوم في سبيل الله خير من عتق ألف رقبة ومن صدقة أهل الأرض جميعاً". وكذلك في "المنتخب": 2/ 275.

ص: 268

ذلك قالوا: (إنما تجوز لمصلحة) من استعداد، وإقامة [43/أ] جيش، ونحو ذلك، مما يراه الإمام من المصالح التي يحتال فيها لعدوّه) 1.

قالوا: (ويستحب: أن لا تزيد المهادنة على أربعة أشهر) كما في "خليل" 2، وغيره 3.

وكيف يطوّل في الهدنة سكوناً للراحة، من تدبّر قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوةا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَةا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَةا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِةادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} ونحوها من الآيات!؟.

قال في "الكشاف ": (قوله تعالى: {بِأَمْرِهِ} أي: عقوبته عاجلة أو آجلة قال: وهي آية شديدة لا ترى أشد منها

إلخ) ما تقدّم من كلامه فيها مع غيرها.

وقال "ابن النحاس": (في هذه الآية الشريفة: من التهديد، والتحذير، والتخويف، لمن ترك الجهاد رغبة عنه وسكوناً إلى ما هو فيه من الأهل والمال، ما فيه كفاية، فاعتبروا يا أولي الأبصاره) اهـ.

وقد قالوا: (إن الإمام مع الرعية، كالنفس مع صاحبها، إن لم يشغلها شغلته).

فالإمام: إن لم يشغل الرعية بأمور الجهاد، شغلته بالقيام عليه، وبعدم امتثال أوامره، كما أن النفس: إن لم يشغلها صاحبها بالعبادة والطاعة لربّها، شغلته بالمعاصي، وكفران النعم التي أسبلت عليها.

وقال "القرطبي"- في "تفسيره"-: (إن قيل: كيف يصنع الواحد إذا قصّر

1 - قال أحمد المرنيسي (قال الشيخ خليل: وللإمام المهادنة لمصلحة ان خلا عن كشرط بقاء مسلم وان بمال). (أنظر جوابه لسؤال عن حكم المال الذي يفرض على المسلمين لدفعه إلى الأعداء مقابل الصلح بعد نفاد مال بيت مال المسلمين ص: 2).

2 -

أنظر: "مختصر خليل": 103 (فصل عقد الجزية) ونصّه: (وندب أن لا تزيد على أربعة أشهر.

3 -

قال الموّاق: (قال ابن شاس: استحبّ الشيخ أبو عمر أن لا تكون المدة أكثر من أربعة أشهر إلاّ مع العجز). (التاج والإكليل لمختصر خليل: 3/ 386).

ص: 269

الجميع- يعنى: في الجهاد- أو في فداء الأسارى -؟ قيل: يعمد إلى أسير واحد فيفديه،- فإنه إذا فدى الواحد (فقد أدّى في الواحد أكثر ممّا كان يلزمه في الجماعة - فإن الأغنياء لو اقتسموا فداء الأسارى ما أدّى كل واحد منهم إلاّ أقلّ من / (درهم- ويغزو بنفسه إن قدر، وإلاّ جهّز غازياً، لقوله- عليه الصلاة والسلام): "من جهّز غازياً، فكأنما غزا" 1 اهـ.

ثم لا يخفى: أن ما وقع لتلك الأقطار، حتى صار لهم العدوّ يقطع لهم البحار، ويتّبعهم في الفيافي 3 والقفار 4، والمسلمون أمامه "كأولاد الجراد"، هذا يتقدّم أمام الآخر سالكين نهج الفرار، إلاّ من طول المهادنة في تلك الأوطان، وعدم ممارسة القتال وشدّة الامتحان، فسكنوا إلى الراحة، واشتغلوا بالتكسّب

1 - أخرجه البخاري في "صحيحه""أنظر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 6/ 49. "كتاب الجهاد" "باب: فضل من جهّز غازياً أو خلفه بخير"، عن زيد بن خالد، وزاد عليه: "ومن خلف غازياً في سبيل الله بخير فقد غزا".

ومسلم في "صحيحه": 3/ 1507، "كتاب: الامارة" "باب: فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره.

والترمذي في "صحيحه": 4 م 168، "كتاب فضائل الجهاد" باب: ما جاء في فضل من جهّز غازياً، وقال:(قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير هذا الوجه).

والنسائي في "سننه": 6/ 46، "كتاب الجهاد" "باب: فضل من جهّز غازياً".

وأبو داود في "سننه": 3/ 12، "كتاب: الجهاد"، "باب: ما يجزىء في الغزو".

وأحمد في "مسنده": 4/ 115.

وأورده المتقي الهندي في "منتخب كنز العمّال": 2/ 264.

2 -

القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": 8/ 152، وزاد في الحديث:"ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا".

3 -

جمع "فيفاء" وهي الصحراء الملساء، وقد أضيفت إلى عدة مواضع منها: فيفاء "الخبار" و"رشاد"، وفيفاء "غزال" بمكة وغير ذلك.

(ياقوت الحموي- معجم البلدان: 4/ 285).

4 -

جمع "قفر"، وهو: الخلاء من الأرض لا ماء فيه ولا ناس ولا كلأ، ودار قفر: خالية. (المعجم الوسيط: 2/ 756).

ص: 270

وأموال الزراعة، وصار عدوّهم يتحيّل لهم بأدنى التحيلات، فيفشي أخباراً في أجناس الكفّار من اليهود وغيرهم، أنه يريد ثغور المسلمين، وأنه مريد الخروج منها، أو أنه يريد الصلح ونحو ذلك، وذلك كلّه: مكيدة، لعلمه: بأن ذلك يصل للمسلمين، فتسكن نفسهم إليه، فينتهز فيهم فرصته، وإذا رآهم لقتاله اجتمعوا كفّ عن خروجه لهم حتى يتفرّقوا لطلب ما به تطبّعوا لعلمه: أنه لا صبر لهم عليه، وأنه ليس بيد أميرهم رزق يرشدهم إليه، ولا لهم مغيث من أمراء الآفاق يعينهم عليه، فإذا تفرّقوا دهمهم بما من الجيوش لديه.

ولهذا: قدّمنا- في الفصل الذي قبله ويليه- وفي الفصل الثاني من المسألة الثانية-: أن الإمام يجب عليه: أن يفرض على كل قبيلة مائة مثلاً ونحوها من شجعانها وأبطالها تكون معه دائماً، وكل قبيلة تموّن مائتها، وعليه رعي النصفة في المناوبة بين الناس- كما في "ابن شاس" 1 - 2 فإذا قامت معه هذه ستة أشهر ونحوها، ردّها لبلادها بعد أن تأتي الأخرى في محلها، وهكذا، ليدفع بذلك هذه الحيلة، وليس المقصود الاقتصار على دفعها، بل المقصود: الاستعداد لدفعها وإخراجهم من القصور التي استولوا للمسلمين عليها، وإهانتهم في أراضيهم التي أتوا للإسلام منها. [44/أ]

وقد تقدّم- في تلك الفصول- ما- فيه كفاية، لأهل البصيرة وأولي العناية، [قال تعالى]: {الَّذِينَ جَاةدُوا فِينَا لَنَةدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا

} 3، {إِنَّ اللَّة مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} 4.

1 - أبو محمد، عبد الله بن محمد بن نجم بن شاس، جلال الدين، الجذامي السعدي المصري، شيخ المالكية في عصره بمصر، له "عقد الجواهر الثمينة" في فقه المالكية. مات مجاهداً "بدمياط"(سنة 616هـ).

(مخلوف- شجرة النرر: 165، الزركلي- الأعلام: 4/ 124).

2 -

أنظر: عقد الجواهر الثمينة: 1/ 464 ونقله الحطاب في "مواهب الجليل لمختصر خليل": 3/ 347.

3 -

سورة العنكبوت / آية 69.

4 -

سورة النحل / آية 128.

ص: 271

قال "ابن عرفة": (كرّه علماؤنا المهادنة على أن يعطينا أهل الحرب مالاً كل عام، ولقد طلب الطاغية ذلك من "عبد الله بن هارون"، على أن يعطوه مائة ألف دينار كل عام، فشاور الفقهاء في ذلك، فقالوا له: "الثغور اليوم عامرة فيها أهل البصائر بالقتال أكثرهم من البلدان، إن قطع عنهم الجهاد تفرّقوا، وخلت الثغور للعدوّ، والذي يصيبه أهل الثغور منهم أكثر من مائة ألف" فسرّ بذلك، ورجع إلى رأيهم) 1 اهـ.

فانظروا- أيّدكم الله-!: كيف احتال العدوّ، وسمح باعطاء المال، لأجل أن يتفرّق من الثغور أهل البصائر بالقتال، ويسكن الناس إلى الراحة، فلا يقدرون على مقاومته بعد ذلك لعدم ممارستهم للقتال؟!.

وانظروا: كيف كرّه العلماء تلك المهادنة مع أخذ المال من العدوّ، مع وجود العدّة والعدد، فكيف بها مع عدم ذلك كلّه؟! 2.

هذا كله: في حكم المهادنة إن كان العدوّ مطلوباً في أرضه.

وأما ان كان العدوّ طالباً- كما في تلك الناحية وغيرها من الأقطار-: فقال في "المعيار": (لا يجوز الصلح والهدنة بحال، وإن وقع وجب نقضه، لأن العدوّ حيث نزل أو قارب النزول فالجهاد متعيّن، وترك الجهاد المتعيّن ممتنع، فالصلح - المذكور-: ممتنع، لأنه تعود على العدوّ- أهلكه الله- مصلحته، وعلى المسلمين مفسدته، وإن تخيّلت فيه مصلحة، فهي للعدوّ أعظم من وجوه مكملة، فإنه يتحصّن في تلك المدّة، ويكثر من آلات الحرب والعدّة، فيتعذّر على المسلمين الاستنقاذ، ويصعب عليهم تحصيل [44/ب] المراد- فالصلح المذكور إن وقع مصلحة للعدوّ ومفسدة على الإسلام- فلا يكون له في نفس الأمر انبرام- فيجب نقضه، لأنه بمقتضى الشرع غير منبرم، فحكمه غير لازم عند كل من حقّق

1 - قاله ابن عرفة في "المختصر الفقهي": 1/ 279 - أ "في المهادنة".

2 -

قال أحمد المرنيسي: (قال المازري: لا يهادن العدوّ بإعطائه مالاً لأنه عكس مصلحة أخذ الجزية منهم إلا ّلضرورة التخليص منه).

(جواب لسؤال عن حكم المال الذي يفرض على المسلمين لدفعه إلى الأعداء مقابل الصلح بعد نفاد مال بيت مال المسلمين: 2).

ص: 272

أصول الشريعة) اهـ باختصار 1، وفيه كفاية.

قلت: وكيف يصح الصلح والهدنة من العدوّ الطالب للمسلمين النازل بأرضهم؟!، والله سبحانه يقول:{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَةدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ .... } 2، فهو استفهام بمعنى: الإنكار والاستبعاد، لأن يكون لهم عهد ولا ينكثوه- مع وغرة صدورهم- يعنى: محال أن يثبت لهؤلاء عهد، فلا تطمعوا في ذلك، ولا تحدثوا به أنفسكم.

ثم قال تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْةرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا - أي: حلفاء- وَلَا ذِمَّةً} 3 أي: عهداً؟!، (أي: حالهم وشيمتهم أنهم: إن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم قرابة، ولا حلفاء ولا عهداً) قاله: غير واحد من المفسرين 4.

والصلح الوارد عنه- عليه الصلاة والسلام 5 - إنما: هو منه إليهم، لأنهم مطلوبون وقتئذ، لا منهم إليه، فحيث ظهر عليهم- عليه الصلاة والسلام وطالبهم في أراضيهم جاز صلحه لمصلحة.

ولا شكّ: أن العدوّ الكافر النازل بأرض الإسلام- وأخذ لهم الثغور، والأمصار- قد ظهر عليهم، فكيف يرقب 6 عهذه، وتسكن النفس إليه؟،

1 - أنظر: الونشريسي في "المعيار": 2/ 208، "مجاهدون يغيرون على أطراف مراكز العدوّ الذي صالحه السلطان".

2 -

سورة التوبة / آية 7، وتمامها:{إِلَّا الَّذِينَ عَاةدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّة يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} .

3 -

سورة التوبة / آية 8. قال القرطبي: (كيف هنا للتعجب، كما تقول: كيف يسبقني فلان، أي لا ينبغي أن يسبقني، "وعهد" اسم يكون، وفي الآية اضمار، أي كيف يكون للمشركين عهد مع إضمار الغدر). (الجامع لأحكام القرآن: 8/ 78).

4 -

أنظر: البيضاوي في "تفسيره": 191.

والزمخشري في "الكشاف": 2/ 249 - 250.

والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": 8/ 79.

5 -

هو: صلح الحديبية المشهور. (الطبري- تاريخ الرسل والملوك: 2/ 620 - 644).

6 -

في "ب"(يترقّب)، وفي "ج"و"د"(يرتقب).

ص: 273

وكيف يكون للمغلوب على غلابه (الكافر) 1 عهد وميثاق؟!.

ولهذا قال الإمام الحافظ "أبو العباس الونشريسي"رحمه الله في "معياره"، أثناء جواب له، ما نصّه:(كيف يثاق بهم عند قوتهم وظهورهم، وكثرة عددهم، ووفور عُددهم اعتماداً على وفائهم بعهودهم في شريعتهم، ونحن لا نقبل شهادتهم بالإضافة إليهم فضلاً عن قبولها بالإضافة إلينا، فكيف يعتمد على زعمهم بالوفاء!؟) 2 اهـ الغرض منه.

ومعناه: أن العهد أعلا مراتبه أن يكون شهادة، ونحن لا نقبل [45/أ] شهادة بعضهم على بعض، فكيف نقبلها على المسلمين، ونعتمد على زعمهم وعهدهم بالوفاء؟!.

فهذا خرق: للاجماع، والكتاب، والسنة بلا نزاع، قال تعالى- مخبراً عن دوام معاداة الكفار للمؤمين- وانهم لا ينفكّون عنها- بقوله: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوم عن دينكم إن استطاعوا

} 3.

وإنما جاز الصلح والهدنة: إذا كانوا مطلوبين في أراضيهم، لأن الغلبة والظفر

1 - ساقطة من "ب".

2 -

قاله الونشريسي في "معياره ": 2/ 140، أثناء جواب عن سؤال وجّهه له الفقيه القاضي "أبو عبد الله بن قطية" عن رجل من أهل "مربلّة" معروف بالفضل والدين تخلف عن الهجرة مع أهل بلده ليبحث عن أخ له فقد قبل في قتال العدوّ بأرض الحرب كما أنه كان عوناً للمسلمين الذمّيين حيث سكناه ولمن جاورهم يتكلّم عنهم مع حكّام النصارى فيما يعرض لهم معهم من نوائب الدهر، فهل يرخص له من الإقامة معهم تحت حكم الملّة الكافرة؟ أو لا يرخص؟، فأجاب بذلك بعد أن نقل ما روي عن "عمر بن عبد العزيز" أنه نهى عن الإقامة بجزيرة الأندلس.

3 -

سورة البقرة/ آية 217، وتمامها:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّةرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَةلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيةا خَالِدُونَ} .

ص: 274

حينئذ للمؤمنين، فالعهد حينئذ منا إليهم، لا منهم إلينا، فالمؤمنون هم الموفون بالعهود، ومع ذلك قالوا: (إنما يجوز لمصلحة

كما مرّ).

وكيف تميل النفس، وتسكن لعهودهم مع نهي الشارع عنها؟!، وأيضاً مهما أرادوا نقضها تسبّبوا وطلبوا من المؤمنين أمراً لا يمكن المؤمنين أن يسمحوا به، وإن هم سمحوا به انتقلوا إلى طلب ما هو أعلى منه، وهكذا إلى أن تحصل الإباية من المسلمين فيحتجّون عليهم.

وكيف يكون للمغلوب على غالبه (عهد) 1 ويشرط؟!، وقد سمعنا: أنكم صالحتموه 2 - أيّدكم الله- قبل هذا الأوان، فصار يطلبكم بمطالب لا تسمحون بها، فكان سبباً للنقض، وقد كانت عهود من الطاغية لأهل الأندلس، فلم يتم لهم شيء منها، فهو دائماً إنما يطلب العهود مع كونه غالباً، لفرصة ينتهزها، أو حيلة يستعملها، فيكون الصلح عائداً على المسلمين بالمفسدة، كما مرّ.

ـ[تنبيه!]ـ:

إذا نزل عدوّ الدين بأرض الإسلام، أو قريباً منها مريداً الدخول إليها، فإن الجهاد فرض عين على أهل ذلك البلد، وعلى إمامهم، شيوخاً وشبّاناً، أحراراً، أو عبيداً، بل وإن على امرأة إن كانت لها قوّة، ولا يتوقف قتالهم للعدوّ النازل على مشورة الإمام، ولا سيّما إن بعد منهم، بل وإن لم يكن لهم إمام تعيّن عليهم

1 - في جميع النسخ (عهد الله) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.

2 -

الخطاب هنا للأمير عبد القادر الجزائري، وقد قامت بينه وبين الفرنسيين عدّة معاهدات واتّفاقيات نقضها الفرنسيون، ومنها: الهدنة التي قامت بينه وبين "دي ميشيل" الفرنسي حاكم وهران، ومعاهدة "تافنة" التي قامت بينه وبين "بيجو"(في سنة 1837م).

فكانوا كما قال الأمير "شكيب أرسلان": (كانت معاهدات الدول الاستعمارية مع أهالي الأقطار التي تضع نصب أعينها الاستيلاء عليها هي في الغالب محاط استراحة بين الحملة والحملة، ومنازل استجمام بين مراحل الحرب لا غير، بحيث لا تعدم عذراً لدى توفّر القوة في نقض المعاهدات التي لم تبرمها منذ البداية إلاّ على نيّة النقض). (يحيى بوعزيز- الأمير عبد القادر رائد الكفاح: 52 - 62).

ص: 275

مدافعته ونصب الإمام، فإن لم يقدر- أهل ذك البلد- مع إمامهم، على مقاومة العدوّ، تعيّن على أقرب الأئمة إليهم، وعلى رعيّته أن [45/ب] يعينوهم، فإن لم تكن فيهم كفاية ومقاومة- أيضاً- وجب: على من والاهم، وهكذا حتى يأتي الوجوب منسحباً على جميع المسلمين.

فقطر الجزائر مثلاً: حيث لم يقدروا على دفعه، لعدم من يضبط كلمتهم، أو لعدم وجود القوة فيهم، بدليل: أنه (يتردّد) 1 العدوّ إليهم، ويأخذ مدائنهم شيئاً فشيئاً، فإنه

يجب على من والاهم- من أئمة المشرق- وأئمة المغرب- إلى "سوس" الأقصى- وإلى "بغداد" بل وإلى "الهند" 2 مثلاً-: أن يعينوهم بالجيوش والعدّة والعدد، وإن

عصى من والاه فلم يعن، تعيّن على من والا من والاه، وهكذا.

قال "ابن جزي"- في "قوانينه"-3: ويتعيّن الجهاد بأمور:

أحدها: أمر الإمام، فمن عيّنه الإمام وجب عليه الخروج.

والثاني: أن يفجأ العدوّ بلاد الإسلام، فيتعيّن عليهم دفعه، فإن لم) يقدروا) 4 لزم من قاربهم، فإن لم يستقل الجميع وجب على سائر المسلمين) 3.

1 - في "الأصل"(لا يتردد) وهو خطأ، والصواب "يتردّد" كما هو ثابت في "ب" و"ج" و"د".

2 -

هي أحد أشباه الجزر الثلاث التي توجد في آسيا الجنوبية. وهي: بانحصارها بين شبه جزيرة العرب وشبه جزيرة الهند الصينية تشبه "إيطاليا" من "أوروبا" ولكنها بشكلها الجملي يمكن تشبيهها "بافريقيا"(دائرة معارف القرن العشرين: 10/ 540).

3 -

"القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية" لأبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي: الفقيه، الأصولي، اللغوي، من أهل غرناطة.

وكتابه هذا قد طبع في مجلد واحد، ومن كتبه- أيضاً-:"تقريب الوصول إلى علم الأصول" و"الفوائد العامة في لحن العامة"، وغيرها، مات (سنة 741هـ). (ابن فرحون- الديباج: 295، ابن حجر- الدرر الكامنة: 3/ 356، المقري- نفح الطيب: 3/ 272، البغدادي- ذيل كشف الظنون: 4/ 244، الزركلي- الأعلام: 5/ 325).

4 -

في جميع النسخ (يستقلوا)، وما أثبتناه قد ثبت في "قوانين ابن جزي":149.

5 -

قاله ابن جزي في "قوانينه": 149، "كتاب: الجهاد" وزاد عليه أمراً ثالثاً وهو: "استنقاذ أسارى المسلمين من أيدي الكفّار".

ص: 276

وقال الإمام "أبو عمر بن عبد البر"رحمه الله: (يتعيّن على كل أحد: إن حلّ العدوّ بدار الإسلام محارباً لهم: أن يخرج إليه أهل تلك الدار، خفافاً وثقالاً، شيوخاً وشباناً، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر سواد المسلمين، وإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوّهم، كان على من جاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، وكذلك- أيضاً- من علم بضعفهم، وأمكنه غياثهم، لزمه- أيضاً- الخروج، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، ولو قارب العدوّ دار الإسلام ولم يدخلها لزمهم- أيضاً- الخروج) 1 اهـ.

قال "ابن بشير" 2: (إذا نزل قوم من العدوّ بأحد من المسلمين، وكانت فيهم قوة على مدافعتهم، فإنه تتعيّن عليهم المدافعة، فإن عجزوا تعيّن على من قاربهم نصرتهم) 3 اهـ.

وقال "المازري": (فان عصى الحاضر أو من والاه ولم يدفع، [46/أ] تعلق الوجوب بمن يليه) 4 اهـ. ونصوص أهل المذهب في هذا لا تحصى كثرة.

والمخاطب بالتعيين المذكور ابتداء إنما هو: الإمام، إذ هو المكلّف باستنفار الرعية، لنصرة من والاهم، وتجب على من عيّنه لذلك إطاعته، ولا يتّكل على الرعية أن تفعل، كما مرّ: في قول "القرطبي"، و"الكافي"، وغيرهما: (فرض على

1 - قاله ابن عبد البر في "الكافي": 1/ 462 - 463.

2 -

أبو الطاهر، ابراهيم بن عبد الصمد بن بشير التنوخي المهدوي، الإمام العالم الجليل الفقيه الحافظ، بينه وبين أبي الحسن اللخمي قرابة، وتفقه عليه في كثير من المسائل ورد عليه اخياراته، أخذ عن الإمام السيوري وغيره، من كتبه:"التنبيه" وذكر فيه أسرار الشريعة، وكتاب "جامع الأمهات" مات شهيداً، قال الشيخ مخلوف:"لم أقف على وفاته". أنظر: مخلوف- شجرة النور: 126

3 -

نقله الموّاق في "التاج والإكليل": 3/ 348، "كتاب: الجهاد" عند قول خليل: "وعلى قربهم ان عجزوا".

4 -

نقله الموّاق في "التاج والإكليل": 3/ 346، "كتاب الجهاد".

والحطاب في "مواهب الجليل": 3/ 347، "كتاب الجهاد".

ص: 277

الإمام: إغزاء طائفة إلى العدوّ، ويخرج معهم بنفسه، أو يولّي عليهم من يثق به، وفرض على الناس- في أموالهم وأنفسهم- الخروج المذكور).

وكما مرّ- أيضاً- في قول "ابن طلحة": (يلزم الإمام: حمل الناس على الجهاد، فإن اتّكل على أن يفعل الناس بأنفسهم ضاع الباب

إلخ).

وإنما وجب على من والاهم أن يعينهم- حيث لم يستقلّوا، أو لم يفعلوا-، لأنّ العدوّ إذا نزل بأرض الإسلام، وعجز أهل تلك الأرض عن دفعه، أو لم يعجزوا، ولكنهم عصوا وتركوا دفعه، فإن العدوّ يتمكّن حينئذ من تلك الأرض، وإذا تمكّن انتقل بالمحاربة لمن والاهم وهكذا، فيؤدي ذلك لكثرة الارتداد، واستئصال الإسلام.

وهكذا وقع (لأهل) 1 جزيرة الأندلس، تركوا الاستعداد، ولما دهمهم العدوّ- منسحباً بالسلاح- وثياب البذلة 2 - خرجوا لقتاله بالغفائر 3، وثياب الزينة، فدهشوا: لعدم التدريب، وممارسة القتال، فصبروا اليوم الأول- مثلاً- والثاني، وكّلوا، فأخذ رقابهم وأموالهم، وكانت ملوكهم لا يعين بعضهم بعضاً، حتى تمكّن العدوّ من طليطلة" 4 قاعدة مملكتهم، وصارت ملوكهم تؤدي الضريبة وقتئذ للعدوّ الكافر، فلم تنفعهم الإعانة حينئذ، ولم تقم لهم قائمة!

فانظروا- أيّدكم الله-!: حيث لم يعن بعضهم بعضاً، ولم يكونوا بناء

1 - ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج" و"د".

2 -

بكسر الباء، ما يمتهن من الثياب. (الرازي- مختار الصحاح: 33).

3 -

جمع الغفارة وهو: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة". (المعجم الوسيط: 2/ 663).

4 -

بضم الطائين وفتح اللامين: مدينة كبيرة ذات خصائص محمودة بالأندلس، غربي ثغر الروم، وبين الجوف والشرق من "قرطبة"، وكانت قاعدة ملوك القرطبيين وموضع قرارهم، عليها "القنطرة" التي يعجز الوصف عن وصفها، كانت في أيدى المسلمين إلى أن ملكها الأفرنج (سنة 477هـ). وكانت تسمّى "مدينة الأملاك"، ينسب إليها جماعة من العلماء، منهم: أبو عبد الله الطليطلي (ت 458هـ) وغيرهم.

(ياقوت الحموي- معجم البلدان: 4/ 39 - 40).

ص: 278

مرصوصاً، ولم يستعدّوا لعدوهم الكافر عموماً وخصوصاً، كيف أصبحوا [46/ب] بين يديه جناحاً مقصوصاً، والمال والحريم بأيديهم معدوداً محصوصاً 1، والقلب من أجل فعلتهم إلى الأبد حيراناً منكوصاً 2، وأصبحت مساجدهم مناصب 3 للصلبان، واستبدلت مآذنهم) بالنواقس) 4 بعد الأذان، فلو لم تكن (في الدنيا) 3 إلاّ هذه الفعلة، لكفت في أئمة المسلمين ورعيّتهم موعظة!.

قال- سيدي- "العربي الفاسي": (لا يبرأ المسلمون من عهدة المدافعة، ونصرة من عجز، إلاّ إذا استفرغوا الوسع في إزاحة الكفّار من المدائن التي أخذوها للمسلمين، (فلو نازلوها فلم تفتح، وجب عليهم معاودتها كلما أمكنهم ذلك، حتى يفتحها الله عليهم، ولا فرق في ذلك بين المدائن المأخوذة للمسلمين) 6 حديثاً أو قديماً).

لأن الوجوب والتعيين متعلّق بالمسلمين، لا بقيد زمان، ولا مكان، إلاّ أنه: يتعيّن على الحاضر زماناً ومكاناً،- على ما مرّ ترتيبه- فانا لم يفعل لعذر، أو لغير عذر، وجب على غيره ممّن يليه.

كما قاله "ابن عرفة"، عن "المازري": (وترك من تقدم من أئمة المسلمين مدائن الإسلام في أيدي الكفّار، هم بذلك في محل العصيان، لا في محل الاقتداء والاستنان، وقديماً قيل: "أسلك سبيل الهدى، ولا يضرّك قلّة

1 - من أحصى الشيء، أي: عرف قدره. (المعجم الوسيط: 1/ 179).

2 -

نكص عن الأمر نكصاً، ونكوصاً، ومنكصاً: تكأكأ عنه وأحجم، وعلى عقبيه: رجع عما كان عليه من خير. (الزاوي - ترتيب القاموس المحيط: 4/ 393).

3 -

العود الذي يصلب عليه. (البستاني- فاكهة البستان: 801).

4 -

في جميع النسخ (بالنواقص)، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه. وهو جمع "ناقوس"، الذي يضربه النصارى لأوقات صلاتهم. (الزاوي - ترتيب القاموس المحيط: 4/ 426).

5 -

ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د".

6 -

ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د".

ص: 279

السالكين، واترك طريق الردى، ولا يضرّك كثرة الهالكين") 1 اهـ كلامه.

قلت: وهذا منه- رحمه الله تصريح بأن الجهاد فرض عين، على كل من الأئمة، والحال: أنهم قد أخذوا له، أو لغيره ممّن قبله، بعض أقطار البلدان، لأن عدوّ الدين قد نزل به، أو بمن قبله، وقد أخذ له، أو لمن قبله ثغوراً، فيجب عليه: أن يستنقذ ذلك منهم، وإن ترك ذلك الاستنقاذ من قبله، وهو صحيح لا خلاف فيه.

ولهذا أفتى- سيدي- "شقرون بن هبة" 2 - أحد حفّاظ المتأخرين-: بأن الجهاد في هذا الزمان فرض عين ونحوه في كتاب "فلك السعادة" 3 قائلاً:

1 - نقله - المصنف- في "الجواهر النفيسة فيما يتكرّر من الحوادث الغريبة": 1/ 9 - ب، 10 - أ.

2 -

هو: أبو عبد الله محمد بن هبة الله، المعروف بالسيد "شقرون بن هبة الله": الفقيه، الفهامة، العلاّمة، شيخ الفتيا وإمامها الأكبر، كان طلق اللّسان واسع العبارة واضح البيان، كثير المعرفة، قدم على "فاس"(سنة 967هـ) فقلّده يومئذ السلطان "الغالب بالله" الفتوى ورياسة العلم بمراكش وسائر أقطار المغرب، وجعل له كرسياً للدرس في قصره كان يحضره السلطان وسائر الأمراء، فانتفع الناس بعلومه، لقي المشايخ الأكابر وأخذ عنهم، مات "بفاس" (سنة 983هـ). (ابن عسكر- دوحة الناشر: 116 - 117).

3 -

"فلك السعادة الدائر بفضل الجهاد والشهادة"" لعبد الهادي بن عبد الله بن علي بن طاهر الحسني السجلماسي، فاضل من أهل المغرب، قرأ "بفاس" وغيرها. وكان من ألمع رجال "مدغرة"، ورث العلم والصلاح عن والده وأجداده الكرام واشتهر باطلاعه على السيرة النبويّة. وكتابه هذا قال عنه محمد بن عبد العزيز الدباغ:(في الجهاد، جمع فيه فأوعى وضمنه كل ما يتعلّق بهذا الموضوع من آيات وأحاديث بناه على طريقة المحدثين، وذكر في مقدمته أنه كان مطولاً ثم اختصره، وأنه بوّبه على اثني عشر باباً، كما هي بروج الفلك، وأنه فصله على ثمانية وعشرين فصلاً على عدد المنازل. وكان كتابه محبوباً متداولاً ونافعاً مفيداً، وقد حبس المولى عبد الله نسخة منه على خزانة القرويين في شهر رجب من عام ستة وخمسين ومائة وألف وهي نسخة مكتوبة بخط مغربي جميل واضح رقمها الترتيبي (264) وتشتمل على مائة وخمس وستين ورقة).

(الزركلي- الأعلام: 4/ 273، الدباغ- دراسة حول كتاب، فلك السعادة".

أنظر: "دعوة الحق" العدد: 246، الصفحات: 152 - 160، لسنة 1405هـ/ 1985م)

ص: 280

(الجهاد اليوم فرض عين، لأنّهم قالوا: "إذ نزل العدوّ ساحة 1 الإسلام، فالجهاد فرض عين" ولا مخالف لهذا القول، واليوم قد نزلوا بساحات، [47/أ] وهتكوا أستاراً وحرمات، وأخذوا معاقل وحصوناً، وسبوا 2 قبائل وبطوناً).

أي: وهم إذا سبوا ذلك، تعيّن على إمام الوقت ورعيّته أن يستنقذوا ذلك، ويجب على من يليه من الأئمة: أن يعينه على ذلك إن هو عجز، أو ترك وعصى- كما تقدّم في نص "المازري"- كما أنه يجب ذلك على من بعده من الأئمة إن هو مات.

ثم قال 3: (قال "ابن عادل" 4 في تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِأَةلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ

} 5، ظاهر الآية وجوب الجهاد على الكلّ، إلاّ ما خصّه الدليل من: المرضى والضعفاء والعاجزين 6.

1 - الساحة: المكان الواسع، وساحة الحرب: هي جميع البلاد التي يحتمل أن يتقاتل فيها الفريقان المتخاصمان في البر والبحر والجوّ. (شيت خطاب- المصطلحات العسكرية: 1/ 380).

2 -

السبي، والسباء: الأسر، وقد سبيت العدوّ: أسرته. (الرازي- مختار الصحاح: 227).

3 -

أي صاحب كتاب "فلك السعادة" المتقدّم.

4 -

أبو حفص عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي سراج الدين: المفسّر، العالم، صاحب التفسير الكبير:"اللباب في علوم الكتاب- خ" في خزانة "كتاب سراي""بمغنيسيا"، نسخة سلطانية في (7000) ورقة، ومنه المجلدات الأول والثاني والثالث والخامس والثامن في الرباط، وفي "شسشربتي" و"الظاهرية" و"الزيتونة" و"دار الكتب" مجلدات متفرقة منه، وفي مكتبة مدرسة بشير أغا بالمدينة نسخة منه قريبة من الكمال. مات (سنة 880هـ). (حاجي خليفة- كشف الظنون: 1543، الزركلي- الأعلام: 58).

5 -

سورة التوبة / آية 120، وهي طرف منا، وتقدّم تخريجها في:355.

6 -

قال القرطبي: (ويحتمل أن يكون الإستنفار في كل مسلم، وخصّ هؤلاء بالعتاب لقربهم وجوارهم، وأنهم أحقّ بذلك من غيرهم). (الجامع لأحكام القرآن: 8/ 290).

ص: 281

ثم نقل عن (الأوزاعي) 1، و"ابن المبارك" 2، و"ابن جابر" 3، و"سعيد بن عبد العزيز" 4:(أن) 5 الخطاب في هذه الآية: لأول هذه الأمة ولآخرها 6، وذلك لو سوّغنا للمندوب للجهاد أن يتقاعد لم يختص بذلك بعض دون بعض، فيؤدي إلى تعطيل الجهاد.

1 - في "الأصل"(ابن الأوزاعي) والصواب ما أثتناه في "ب" و"ج" و"د" قد ثبت في "القرطبي": 8/ 292.

وهو: عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، إمام الديار الشامية في الفقه والزهد، وأحد الكتّاب المترسلين، وكانت الفتيا تدور بالأندلس على رأيه، من كتبه:"كتاب السنن" في الفقه، و"المسائل". مات (سنة 157هـ).

(الأصبهاني- حلية الأولياء: 6/ 135، الزركلي- الأعلام: 3/ 320).

2 -

أبو عبد الرحمن، عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء، التميمي: الحافظ، شيخ الإسلام، المجاهد، التاجر، أفنى عمره في الأسفار، وجمع الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والسخاء، من كتبه:"الجهاد" وهو أول من صنف فيه، و"الرقائق ". مات "بهيت" على الفرات (سنة 181هـ).

(الذهبي- تذكرة الحفاظ: 1/ 253، كبرى زاده- مفتاح السعادة: 2/ 112، الزركلي- الأعلام: 4/ 115).

3 -

أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن جابر الأندلسي الهواري: المالكي، الشاعر، اللغوي، عالم بالعربية، أعمى، من أهل "المرية"، صحبه إلى الديار المصرية "أحمد بن يوسف الغرناطي الرعيني، فكان ابن جابر يؤلف وينظم، والرعيني يكتب، من كتبه: "شرح ألفية ابن مالك" و"شرح ألفية ابن معطي"، و"العين في مدح سيد الكونين" وغير ذلك، مات (سنة 780هـ).

(ابن حجر- الدرر الكامنة: 3/ 339، كبرى زاده- مفتاح السعادة: 1/ 156، الزركلي- الأعلام: 5/ 328).

4 -

أبو محمد، التنوخي، الدمشقي، فقيه دمشق في عصره، حافظاً، حجة، قال الإمام أحمد بن حنبل:"ليس بالشام أصح حديثاً منه". مات (سنة 167هـ). (الذهبي- تذكرة الحفّاظ: 1/ 23، الزركلي- الأعلام: 3/ 97).

5 -

في "الأصل"(ابن) ولعلّه سهو من الناسخ.

6 -

نقله القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": 8/ 292، ونصّه (قال الوليد بن مسلم، سمعت الأوزاعي وابن المبارك والفزاري والسبيعي وسعيد بن عبد العزيز يقولون- في هذه الآية-: أنها لأول هذه الأمة وآخرها).

ص: 282

وقال ابن عطية: (حكم الآية في دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على الصحيح، وكذلك غيره من الأئمة) اهـ 1.

قال: (وقد قالوا- أيضاً-: إذا عجز أهل دار نزل بهم عدوّ الدين، عن الذبّ عق أنفسهم، تعيّن على من يقربهم أن يعينهم، وهكذا: واليوم نسمع ونبصر بنزول العدوّ دياراً فضلاً عن دار فنتغافل، وربما استصرخونا 2 فنتكاسل، حتى ينتهزوا 3 (فرصتها)، ويتمكّنوا من غرّتها، ثم يفعلون بأخرى مثل ذلك، فدلّ ذلك: على استخفافنا بقوله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} 4 أي: (فواجب عليكم أن تنصروهم على المشركين، لأن ترك نصرهم يؤدي لمفسدة، واستيلاء الكفّار حتى عليكم) 5 اهـ باختصار كثير.

1 - قال ابن عطية: (هذه معاتبة للمؤمنين من أهل يثرب وقبائل العرب المجاورة لها على التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوه، وقوة الكلام تعطي الأمر بصحبته إلى توجهه غازياً وبذل النفوس دونه. وهذا كله في الانبعاث إلى غزو العدوّ على الدخول في الإسلام واما إذا ألمّ العدوّ بجهة فمتعيّن على كل أحد القيام بذبه ومكافحته. فيجيء قوله تعالى:{مَا كَانَ لِأَةلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ} عموم في اللفظ والمراد به في المعنى الجمهور والأكثر. وتجيء هذه الآية مبيّنة لذلك مطردة الألفاظ متصلة المعنى من قوله- تعالى- {مَا كَانَ لِأَةلِ الْمَدِينَةِ

إلى قوله {يَحْذَرُونَ} بين في آخر الآية العموم الذي في أولها، إذ هو معرض أن يتأول فيه ألاّ يتخلف بشر). (المحرر الوجيز- 8/ 297 - 300).

2 -

في "ب"(استصرخوا بنا).

3 -

في "ب"و"ج"و"د"(ينتهزون).

4 -

سورة الأنفال / آية 72، وتمامها:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَةاجَرُوا وَجَاةدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُةاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُةاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .

5 -

قال ابن عاشور في تفسير هذه الآية- (أي: طلبوا أن تنصروهم لأجل الدين، أي لردّ الفتنة عنهم في دينهم إذ حاول المشركون إرجاعهم إلى دين الشرك وجب نصرهم لأن نصرهم للدين ليس من الولاية لهم بل هو من الولاية للدين ونصره، وذلك واجب عليهم سواء استنصرهم الناس أم لم يستنصروهم إذا توفر داعي القتال). (التحرير والتنوير: 10/ 86).

ص: 283

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ.- أي: (إلاّ) 1 تفعلوا مثله، من تولّى [47/ب] المؤمنين بعضهم بعضاً، ومعاداتهم 2 للكافرين، كما يفعل الكفّار [من] 3 التعاضد 4 والتعاون- تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} 5. 6

وبيانه: أن المؤمنين إذا تركوا التناصر والتعاون فيما بينهم- حتى يكونوا يداً واحدة على الكافرين- انحلّ نظامهم، واستولى الكافر على جميعهم، وذلك مفسدة لدينهم ودنياهم.

فالله الله في الهمم قد حمدت 7 ريحها، والله الله في الرجولية قد قلّ حدّها، والله الله في الغيرة على الدين قد (تعس) 8 جدّها، والله الله في الدين الذي (طمع الكفر) 9 في تبديله، والله الله في الحريم الذي مدّ الكافر يده إلى استرقاقه وتحويله، ولمثل هذا فليعمل العاملون، وفي مثله فليتنافس المتنافسون!.

وبالجملة: فلا يخرج إمام ولا رعيته من عهدة الوجوب، في إزاحة الكفار من مدائن المسلمين 10، أو إعانة من عجز عن إخراجهم منها، أو مدافعتهم عنها،

1 - في "الأصل"(لا) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".

2 -

في "ج" و"د"(ومعانتهم) والصواب ما أثبتناه.

3 -

إضافة من عندنا حتى يستقيم النص.

4 -

أي: التعاون والمناصرة. (المعجم الوسيط: 2/ 612).

5 -

سورة الأنفال / آية 73.

6 -

قال ابن عاشور: (إن المسلمين إذا لم يظهروا يداً واحدة على أهل الكفر لم تظهر شوكتهم، ولأنه قد يحدث بينهم الاختلاف من جرّاء اختلافهم في مقدار تفرّق جماعتهم، وهذا فساد كبير، ولأن المقصود إيجاد الجامعة الاسلامية وإنما يظهر كمالها بالتفاف أهلها التفافاً واحداً، وتجنب ما يضادّها، فإذا لم يقع ذلك ضعف شأن جامعتهم في المرأى وفي القوة، وذلك فساد كبير). (التحرير والتنوير: 10/ 88).

7 -

أي: سكنت (المعجم الوسيط: 1 م 254).

8 -

في "الأصل"(تعسر) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".

9 -

في "الأصل"(تطمع في مدّ الكافر) ولعلّه سهو من الناسخ، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج"و"د".

1 -

0 - في "ب"(الاسلام).

ص: 284

إلاّ باستفراغ الوسع، وبذل الطاقة والجهد بالعدّة والاستعداد، ومباشرة الدفع، ومعاودة القتال بحسب الإمكان، أو يموت وهو مدين على ذلك الفعل، فينتقل الوجوب إلى من تولّى بعده، وأما كونه يقتدي بمن عصى من الأئمة، وترك مدائن المسلمين بأيدي الكفار، أو ترك إغاثة من عجز عن الدفع، فذلك غير مخلص.

وبهذا نعلم: أن محل كون الجهاد فرض كفاية: إذا لم يكن العدوّ أخذ شيئاً من بلاد المسلمين، وإلاّ كان فرض عين- على ما مرّ تفصيله قريباً- إذ هو: نازل بهم دائماً ما دام آخذاً لثغورهم وبلادهم، فيجب على أئمة وقته، وعلى من يليهم إن عجزوا، على من بعدهم إن ماتوا أو عصوا وتركوا أن يخرجوهم ممّا استولوا عليه، ولا يحلّ لهم تركهم، إلاّ بقدر ما [48/أ] يتجهّزون، ويعاودون ذلك المرة بعد المرّة، حتى يفتحها الله عليهم.

ص: 285