الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالمغرب الشرقي، بل كاد المغرب يفقد استقلاله نهائياً عقب موقعة "ايسلي"1.
قال المنوني- وهو يصوّر الكارثة التي وقعت على المغرب-: (وإذا أردنا أن نستخلص مقدار ما أصاب البلاد في كارثة الجزائر وسابقتها، نجد المغرب أصبح فاقداً قوته البحرية، مضيعاً هيبة جيشه البري، مهدداً في استقلاله من طرف الجار الأوروبي القريب)2.
ثانياً: الحياة الاجماعية والاقصادية:
الحياة الاجتماعية والاقتصادية في عصر الشيخ التُّسولي- رحمه الله اتّسمت في بادىء الأمر وفي الأيام الأولى للسلطان المولى سليمان بالنماء والبركة والخير فعمّ العدل وانتشر، فحارب الظلم وأمر عمّاله برفعه عن الناس وردّ ما أخذوه منهم من غير بيّنة ولا دليل 3، ومن أجلّ الأعمال التي قام بها هذا السلطان هو إسقاط المكوس التي كانت موظفة على حواضر المغرب في الأبواب 4 والأسواق 5، وعلى السلع والغلل والجلد وغير ذلك. واكتفى بالزكاة والأعشار من القبائل وأموال التجارة، والعشر المأخوذ من تجار النصارى وأهل الذمة بالمراسي، ومنع المسلمين من التجارة بأرض العدوّ لئلاّ يؤدى ذلك إلى تعشير ما بأيديهم، فكانت القبائل في دولته قد تمولت ونمت مواشيها وكثرت الخيرات لديها من عدله وحسن سيرته، فصارت القبيلة التي كانت تعطى عشرة آلاف مثقال مضاربة أيام والده يستخرج منها زيادة على النصاب الشرعي عشرون وثلاثون ألف مثقال 6.
1 - أنظر: المنوني- مظاهر بقظة المغرب الحديث: 1/ 17 - 18.
2 -
نفس المصدر السابق: 1/ 18.
3 -
أنظر السلاوي- الاستقصا: 8/ 171.
4 -
مكس الأبواب: هو ما يفرض على أحمال الدواب من السلع التي تعبر أبواب المدينة.
أنظر: بن عبد الله- معلمة الفقه المالكي: 319.
5 -
مكس الأسواق: ضرائب تفرض على مبيعات مختلفة.
أنظر نفس المصدر السابق: 319.
6 -
أنظر: السلاوي- الاستقصا: 8/ 169، وبن عبد الله- معلمة الفقه المالكي:317.
واستمرّ الحال على ذلك إلى أن ظهر الخطر الذي أصاب الاقتصاد المغربي في الصميم وهو ما وقع في أوروبا من اختراع للمناسج الميكانيكيّة التي تنسج بدون واسطة اليد، فقد أخذت منسوجات هذا الاختراع الجديد تدخل للمغرب في أواخر دولة السلطان المولى سليمان وعهد المولى عبد الرحمن، ثم تكاثرت مع مرّ الزمن حتى قضت على المناسج المغربية اليدوية، وقد استطاع الغربيون أن ينسجوا على غرار المنسوجات المغربية لما وقع بيد تجارهم بالمغرب، فبعثوه إلى بلادهم ونسجوا على منواله، فجاء أكثر جودة من المغربي وأخف، وأرخص ثمناً، وأقل تكلفة، فراج في مدن المغرب رواجاً كبيراً.
وفي هذا الوقت أخذت صناعة القطن والكتان تضعف شيئاً فشيئاً، ويجلب من بلاد الافرنج ما يستغنى به عمّا يصنعه المغاربة ويزهد فيه، لرخص الافرنجي ولطافته، بعد ما كانت هذه الصناعة على غاية من الازدهار بالمغرب.
وما أصاب هذه الصناعة أصاب باقي الصناعات المغربية الأخرى التي تقدّمت عند الغرب، وكان من نتيجة هذا الغزو الأوروبي للصناعات المغربية، أن افتقر أهلها وضعف حالهم، ونزل بالمغاربة ضرر كبير بدفع ما في أيديهم من النقود والاحتياج إلى الأجنبي في الملبوسات والمصنوعات 1.
ففتحت أبواب مراكش للأوروبيين بعدما كانت مغلقة في وجوههم، فأخذوا يتسابقون لاكتساب النفوذ فيها، وكثر تردّدهم عليها بالتجارات أولاً، ثم بالمشروعات، الأمر الذي نشأت عنه عواقب وخيمة سياسياً واقتصادياً 2.
وقد تبسط صاحب الاستقصا في شرح هذه العواقب الاقتصادية وقال: (وفي سنة احدى وستين ومائتين وألف أخذت السكة في الارتفاع
…
ولما أخذت السكة في الارتفاع أخذت الأسعار في الارتفاع أيضاً، وحاول السلطان- رحمه الله حصرها فلم تنحصر.
1 - أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث:1/ 19 - 20.
2 -
أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث:1/ 18.