الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حِصَار مَدِينَة فاس ثمَّ فتحهَا والإيقاع بثوارها
لما قفل الْمولى الرشيد رحمه الله من سجلماسة إِلَى تازا أَقَامَ بهَا أَيَّامًا فاتفق أهل فاس مَعَ أحلافهم من الحياينة أَن يُغيرُوا عَلَيْهِ بمستقره مِنْهَا ويبدأوه بِالْحَرْبِ قبل أَن يبدأهم ليَكُون ذَلِك كاسرا من شوكته وفاتا فِي عضده فتأهبوا للحرب وَخَرجُوا فِي شَوَّال سنة خمس وَسبعين وَألف وَلما قابلوا محلته افْتَرَقت كلمتهم وَرَجَعُوا منهزمين من غير قتال فَتَبِعهُمْ الْمولى الرشيد إِلَى قنطرة نهر سبو خَارج فاس ثمَّ رَجَعَ عَنْهُم فبعثوا إِلَيْهِ فِي الصُّلْح فَلم يتم بَينه وَبينهمْ صلح إِلَى أَن ملك أَطْرَاف الْمغرب كُله وَكَانَ ذَلِك من حسن تَدْبيره وترتيبه الْأُمُور
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسبعين وَألف فَفِي صفر مِنْهَا زحف إِلَى فاس وحاصرها وقاتلها ثَلَاثَة أَيَّام فأصابته رصاصة فِي طرف أُذُنه وَرجع سالما ثمَّ عَاد إِلَى حصارها مرّة أُخْرَى فِي ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة فَقتل وَنهب وَرجع إِلَى تازا لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِقصد فتحهَا ثمَّ توجه إِلَى الرِّيف بِقصد الرئيس أبي مُحَمَّد عبد الله آعراس الثائر بِهِ فَكَانَت بَينهمَا وقعات وحاصره فِي بعض حصونه إِلَى أَن قبض عَلَيْهِ فِي رَمَضَان من السّنة فَعَفَا عَنهُ واستبقاه وكر رَاجعا إِلَى فاس فَنزل عَلَيْهَا فِي أَوَاخِر ذِي الْقعدَة من السّنة وقاتلها قتالا شَدِيدا إِلَى ثَالِث ذِي الْحجَّة فاقتحم فاسا الْجَدِيد من أَعلَى السُّور من نَاحيَة الملاح وفر أميرها يَوْمئِذٍ أَبُو عبد الله الدريدي وَهَذَا الدريدي كَانَ فِي جملَة من إخوانه بني دُرَيْد بن أثبج الهلاليين وَكَانُوا فِي ديوَان السعديين وَلما بَايع أهل فاس الرئيس أَبَا عبد الله مُحَمَّد الْحَاج الدلائي كَانَ الدريدي هَذَا فِي عسكره فَلَمَّا فشلت ريح أهل الدلاء بالمغرب نزع عَنْهُم واستبد بفاس الْجَدِيد وحالف أهل فاس الْقَدِيم على حَرْب الدلائيين ثَالِث جُمَادَى الثَّانِيَة سنة أَربع وَسبعين وَألف وَقد كَانَ أَحْمد بن صَالح الليريني رَئِيس أهل عدوة الأندلس قد خطب ابْنة الدريدي لوَلَده صَالح بن أَحْمد فَزَوجهُ إِيَّاهَا والتحم
مَا بَينهمَا فَكَانَ الدريدي يَشن الغارات على قبائل البربر الَّذين بأحواز مكناسة وَغَيرهَا وَيَأْتِي بالنهب والطبل يقرع عَلَيْهِ إِلَى أَن يدْخل دَار الْإِمَارَة وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى أَن اقتحم عَلَيْهِ الْمولى الرشيد فاسا كَمَا قُلْنَا ففر إِلَى منجاته وَقَالَ فِي النزهة بل قَتله الْمولى الرشيد وَسكن هيعة فاس الْجَدِيد وَمن الْغَد زحف إِلَى فاس الْقَدِيمَة فحاصرها وقاتلها فضعفوا عَن مقاومته وفر رَئِيس اللمطيين ابْن الصَّغِير وَولده لَيْلًا إِلَى بستيون بَاب الجيسة وَلما طلع الْفجْر فر أَيْضا رَئِيس عدوة الأندلس أَحْمد بن صَالح فَرَأى أهل فاس أَن أَمرهم قد ضعف وكلمتهم قد افْتَرَقت فَخَرجُوا إِلَى الْمولى الرشيد وَبَايَعُوهُ وَاجْتمعت كلمتهم عَلَيْهِ فَبعث فِي طلب ابْن صَالح فَوجدَ بحوز الْمَدِينَة فجيء بِهِ وسجن بِبَاب دَار ابْن شقراء لفاس الْجَدِيد ثمَّ قتل وَقتل مَعَه عدَّة من أَصْحَابه ثمَّ قبض على ابْن الصَّغِير وَولده وَبعد سَبْعَة أَيَّام أَمر السُّلْطَان بِقَتْلِهِمَا فقتلا واستقام أَمر فاس وصلحت أحوالها قَالَ فِي النزهة افْتتح أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى الرشيد فاسا الْقَدِيمَة فَحكم السَّيْف فِي رؤسائها وأفناهم قتلا فتمهدت الْبِلَاد وَاجْتمعت الْكَلِمَة وَكَانَ دُخُوله حَضْرَة فاس الْقَدِيمَة صَبِيحَة يَوْم الِاثْنَيْنِ أَوَائِل ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَسبعين وَألف وبويع بهَا يَوْمه ذَلِك وَلما تمت لَهُ الْبيعَة أَفَاضَ المَال على علمائها وغمرهم بجزيل الْعَطاء وَبسط على أَهلهَا جنَاح الشَّفَقَة وَالرَّحْمَة وَأظْهر إحْيَاء السّنة وَنصر الشَّرِيعَة فَحل من قُلُوبهم بِالْمَكَانِ الأرفع وتمكنت محبته من قُلُوب الْخَاصَّة والعامة اهـ
وَولي قَضَاء فاس السَّيِّد حمدون المزوار ثمَّ خرج إِلَى بِلَاد الغرب فقصد الْخضر غيلَان الثائر بِبِلَاد الهبط وَكَانَ بقصر كتامة فزحف إِلَيْهِ الْمولى الرشيد فَانْهَزَمَ الْخضر إِلَى آصيلا وَرجع الْمولى الرشيد عَنهُ إِلَى فاس أَوَائِل ربيع الأول سنة سبع وَسبعين وَألف فَكتبت لَهُ الْبيعَة بفاس وقرئت بَين يَدَيْهِ قبل زَوَال يَوْم السبت الثَّامِن عشر من ربيع الأول الْمَذْكُور ثمَّ فِي شهر ربيع