الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيَان تربية أَوْلَاد عبيد الدِّيوَان وَكَيْفِيَّة تأديبهم
قد قدمنَا أَن جُمْهُور عبيد البُخَارِيّ كَانُوا بالمحلة من مشرع الرملة وَأَنَّهُمْ تَنَاسَلُوا بهَا وكثروا إِلَى الْغَايَة فَلَمَّا كَانَت سنة مائَة وَألف أَمر السُّلْطَان رحمه الله أُولَئِكَ العبيد أَن يأتوه بأبنائهم وبناتهم من عشر سِنِين فَمَا فَوق فَلَمَّا قدمُوا عَلَيْهِ فرق الْبَنَات على عريفات دَاره كل طَائِفَة فِي قصر للتربية والتأديب وَفرق الْأَوْلَاد على البنائين والنجارين وَسَائِر أهل الْحَرْف للْعَمَل والخدمة وسوق الْحمير والتدرب على ركُوبهَا حَتَّى إِذا أكملوا سنة نقلهم إِلَى سوق البغال الحاملة للآجر والزليج والقرمود والخشب وَنَحْو ذَلِك حَتَّى إِذا أكملوا سنة نقلهم إِلَى خدمَة المركز وَضرب أَلْوَاح الطابية حَتَّى إِذا أكملوا سنة نقلهم إِلَى الْمرتبَة الأولى فِي الجندية فكساهم وَدفع إِلَيْهِم السِّلَاح يتدربون بِهِ على الجندية وطرقها حَتَّى إِذا أكملوا سنة دفع إِلَيْهِم الْخَيل يركبونها أعراء بِلَا سروج ويجرونها فِي الميدان للتمرس بهَا والتدرب على ركُوبهَا حَتَّى إِذا أكملوا سنة وملكوا رؤوسها دفع إِلَيْهِم السُّرُوج فيركبونها بهَا ويتعلمون الْكر والفر والثقافة فِي المطاعنة والمراماة على صهواتها حَتَّى إِذا أكملوا سنة بعد ذَلِك صَارُوا فِي عداد الْجند الْمُقَاتلَة فَيخرج لَهُم السُّلْطَان الْبَنَات اللَّاتِي قدمن مَعَهم ويزوج كل وَاحِد من الْأَوْلَاد وَاحِدَة من الْبَنَات وَيُعْطِي الرجل عشرَة مَثَاقِيل مهر زَوجته وَيُعْطِي الْمَرْأَة خَمْسَة مَثَاقِيل شورتها ويولي عَلَيْهِم وَاحِدًا من آبَائِهِم الْكِبَار وَيُعْطِي ذَلِك الْقَائِد مَا يَبْنِي بِهِ دَاره وَمَا يَبْنِي بِهِ أخصاص أَصْحَابه وَهِي الْمَعْرُوفَة عندنَا بالنواويل وَيبْعَث بهم إِلَى الْمحلة بعد أَن يكتبوا فِي ديوَان الْعَسْكَر وَاسْتمرّ الْحَال هَكَذَا فَفِي كل سنة يَأْتِي من الْمحلة عدد صَغِير وَيتَوَجَّهُ إِلَيْهَا من عِنْد السُّلْطَان عدد كَبِير من سنة مائَة وَألف إِلَى أَن توفّي السُّلْطَان رحمه الله فِي التَّارِيخ الْآتِي فَبلغ عدد هَذَا الْعَسْكَر البُخَارِيّ مائَة ألف وَخمسين ألفا مِنْهَا ثَمَانُون ألفا مفرقة فِي قلاع الْمغرب لعمارتها وحراسة طرقها وَسَبْعُونَ ألفا بالمحلة وَعدد القلاع الَّتِي بناها الْمولى إِسْمَاعِيل رحمه الله بالمغرب سِتّ وَسَبْعُونَ قلعة لَا زَالَت
قَائِمَة الْعين والأثر بآفاق الْمغرب يعرفهَا الْخَاص وَالْعَام إِلَى الْآن هَكَذَا وجد فِي كناش كَاتب الدولتين الرشيدية والإسماعيلية الْفَقِيه أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن عبد الْقَادِر الزرهوني الْمُتَوفَّى بتارودانت سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف وَكَانَ عِنْده دفتر الْعَسْكَر كُله سَوَاء السوَاد الْأَعْظَم والمتفرق فِي قلاع الْمغرب
قَالَ صَاحب الْبُسْتَان وَأَيْنَ هَذَا مِمَّا نَقله المؤرخون على وَجه الغرابة من أَن الْخَلِيفَة المعتصم بن رشيد رحمهمَا الله بلغ عدد مماليكه الَّذين اشتراهم وَالَّذين جلبهم من بِلَاد التّرْك ثَمَانِيَة عشر ألفا قَالَ وَهَذَا الْعدَد الَّذِي جمعه أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى إِسْمَاعِيل رحمه الله من العبيد لَو خَاضَ بِهِ الْبَحْر إِلَى الأندلس وَكَانَت تِلْكَ القلاع سفنا ومراكب جهادية لاستولى عَلَيْهَا والتوفيق من الله اه قلت وَهُوَ لعمري كَلَام مَقْبُول لَكِن الْإِنْسَان مجبور فِي قالب مُخْتَار وتصاريف الْأُمُور جَارِيَة بيد الله لَا بيد غَيره وَمَا ترك من الْجَهْل شَيْئا من أَرَادَ أَن يظْهر فِي الْوَقْت غير مَا أظهره الله فِيهِ
وَقَالَ الشَّاعِر
(لَا يعرف الشوق إِلَّا من يكابده
…
وَلَا الصبابة إِلَّا من يعانيها)
وَقَالَ الآخر
(لَا تعذل المشتاق فِي أشواقه
…
حَتَّى يكون حشاك فِي أحشائه)
وَقَالَ
(واذا مَا خلا الجبان بِأَرْض
…
طلب الطعْن وَحده والنزالا)
وَمن أَمْثَال الْعَامَّة الْقَاعِد على الجرف محسن للسباحة هَذَا كُله بِالنّظرِ إِلَى الْحَقِيقَة فَأَما الشَّرِيعَة فقد قَالَ تَعَالَى {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل} الْأَنْفَال 60 الْآيَة وعَلى كل حَال فَلَا يسوغ للْإنْسَان أَن يهمل الاستعداد الْمَأْمُور بِهِ شرعا ويكل الْأَمر إِلَى الْقدر وَإِلَّا فَيكون مخطئا مُخَالفا للشَّرْع والطبع قَالَ صلى الله عليه وسلم للأعرابي الَّذِي ترك نَاقَته مُرْسلَة أعقلها وتوكل وَقَالَ الشَّاعِر