الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورد كتاب من السُّلْطَان يتَضَمَّن الْعَفو عَن أهل فاس وَالرِّضَا عَنْهُم فارتاب حمدون الروسي وفر إِلَى زرهون ثمَّ قفل السُّلْطَان من تادلا فَأَقَامَ بمكناسة مُدَّة يسيرَة وَخرج غازيا بِلَاد السوس فَقَدمهَا ومهدها وَعَاد مؤيدا منصورا وَفِي هَذِه السّنة أَمر بِبِنَاء بَاب مَنْصُور العلج بمكناسة فجَاء فِي غَايَة الضخامة والفراهة وأكمل سوق القصبة فجَاء على مَا يَنْبَغِي وَالله أعلم
هدم السُّلْطَان الْمولى عبد الله مَدِينَة الرياض من حَضْرَة مكناسة وَمَا اتَّصل بذلك
كَانَت مَدِينَة الرياض زِينَة مكناسة وبهجتها إِذْ كَانَ بهَا آثَار أكَابِر دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى إِسْمَاعِيل رحمه الله وَبهَا دور الْعمَّال والقواد وَالْكتاب وَسَائِر أَعْيَان الحضرة الإسماعيلية بل كل من كَانَ لَهُ وظيف فِي خدمتها السُّلْطَانِيَّة بنى دَاره بهَا وتنافس الأكابر والرؤساء فِي تشييد الدّور وتنجيد الْقُصُور وَتَنَاهوا فِي ذَلِك حَتَّى كَانَ بدار عَليّ بن يشي القبلي أَربع وَعِشْرُونَ حَلقَة يجمعها بَاب وَاحِد وَكَانَت دَار الْقَائِد عبد الله الروسي وَأَوْلَاده على ذَلِك المنوال بل أعظم ضخامة وأكمل حضارة حَتَّى كَأَنَّهَا حومة مُسْتَقلَّة وَكَانَ لأمثالهما من القواد مثل ذَلِك أَو قريب مِنْهُ فخلدوا بهَا الْآثَار الْعَظِيمَة والمعالم الفخيمة وَبنى كل عَامل مَسْجِدا فِي حومته وَكَانَ بوسطها الْمَسْجِد الْأَعْظَم الْإِسْمَاعِيلِيّ ومدرسته وحمامه وفنادقه وأسواقه الموقوفه عَلَيْهِ وَكَانَت تنْفق بهَا البضائع الَّتِي لَا تنْفق فِي غَيرهَا فَأتى عَلَيْهَا من أَيَّام النحوس يَوْم ركب السُّلْطَان الْمولى عبد الله عِنْد فجره ووقف على تل عَال يشرف مِنْهُ عَلَيْهَا وَأمر النَّصَارَى والشعابنية بهدمها فتسارعوا إِلَيْهَا وشرعوا فِي هدمها من كل نَاحيَة وَالنَّاس نيام فَلم يرعهم إِلَّا بُيُوتهم تتساقط عَلَيْهِم فَمن أسْرع وخف بِحمْل مَتَاعه وآثاثه نجا وَمن لَا معِين لَهُ أَو ترَاخى فِي حمل مَتَاعه ضَاعَ تَحت التُّرَاب وَكَانَ بهَا طَائِفَة كَبِيرَة من أَخْوَاله الودايا وَغَيرهم فارتحل
الودايا إِلَى فاس الْجَدِيد وانضموا إِلَى إخْوَانهمْ الَّذين بهَا وتفرق غَيرهم بِمَدِينَة مكناسة وَلم تمض عشرَة أَيَّام حَتَّى صَارَت مَدِينَة الرياض كدية من التُّرَاب وَلم يبْق بهَا إِلَّا الأسوار قَائِمَة الإشخاص والجدران مائلة للعيان وَالْأَمر لله وَحده
قَالُوا وَفِي هَذِه السّنة بعث السُّلْطَان الْمولى عبد الله بعثا مَعَ الْقَائِد أبي عمرَان مُوسَى الجراري إِلَى بعض الْجِهَات وَكَانُوا نَحْو ثَلَاثمِائَة فَلَمَّا قدمُوا عَلَيْهِ قَتله وَقتل أَصْحَابه مَعَه وَقدم عَلَيْهِ أَيْضا وَفد من عِنْد الباشا أَحْمد بن عَليّ الريفي فِي مثل هَذَا الْعدَد من طنجة وَمَعَهُمْ هَدِيَّة الباشا الْمَذْكُور فَقَتلهُمْ فَكَانَ قَتلهمْ سَبَب نفرة أَحْمد بن عَليّ عَنهُ وسعيه فِي إِفْسَاد دولته وَقتل أَيْضا من قَبيلَة حجاوة مِائَتي رجل على دَعْوَى قطع الطَّرِيق ببلادهم وَلما أَمر بِقَتْلِهِم وأخرجوا إِلَى الْمحل الْمعد لذَلِك خرج النظارة والبطالون من أهل الْبَلَد للفرجة عَلَيْهِم بِبَاب البطيوي فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذا بالسلطان قد برز من الْبَاب وَلما رأى اجْتِمَاع النَّاس قصد نحوهم فَلَمَّا رَأَوْهُ فروا إِلَى كَهْف هُنَاكَ قريب فاختفوا فِيهِ فَأتى السُّلْطَان حَتَّى وقف على بَاب الْكَهْف وَكَانَ من قربه أكوام من حجر أعدت للْبِنَاء بهَا فَأمر الأعوان من المسخرين بِوَضْع أسلحتهم وردم بَاب الْكَهْف بذلك الْحجر مَعَ التُّرَاب فَفَعَلُوا وَهلك ذَلِك الْجمع الْكثير غما وَلم يُوقف لَهُم بعد على خبر وَلَا عرف لَهُم عدد وَلما صدرت مِنْهُ هَذِه الْأَفْعَال الشنيعة عَفا الله عَنهُ كتب إِلَيْهِ أهل الدِّيوَان من مَشْرُوع الرملة يُنكرُونَ عَلَيْهِ قَتله للْمُسلمين دون مُوجب فَبعث إِلَيْهِم بالراتب وَأمرهمْ بالتهيؤ لغزو أهل فازاز فشغلهم بذلك
وَفِي هَذِه السّنة بعث مُحَمَّد بن عَليّ بن يشي الزموري القبلي واليا على فاس وَقَالَ لَهُ خُذ مِنْهُم المَال واطرحه فِي وَادي أبي الخراريب وَلَا تتركه لَهُم فَمَا أطغاهم إِلَّا المَال حَتَّى استخفوا بِأَمْر الْملك فَقدم مُحَمَّد بن عَليّ الْمَذْكُور فاسا وَنزل بدار أبي عَليّ الروسي بالمعادي وَعين من كل حومة نَقِيبًا