الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن الْغَد أَمر السُّلْطَان بإحضار أهل فاس بالمشور ثمَّ خرج عَلَيْهِم فَقَامُوا إِلَيْهِ وأدوا وَاجِب التَّحِيَّة فَقَالَ لَهُم يَا أهل فاس كاتبوا إخْوَانكُمْ يسلمُوا إِلَيْنَا الْبَسَاتِين والقصبات فَإِنَّهَا للمخزن وَمن وظائفه فَإِن أَبَوا فَإِنِّي آتيهم وأهدم عَلَيْهِم تِلْكَ الْقرْيَة فَأَجَابُوا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وعادوا إِلَى رحالهم
وَلما كَانَ الْمسَاء اتَّخذُوا اللَّيْل جملا وأسروا ليلتهم كلهَا وَلم يصبحوا إِلَّا بِبَاب فاس فَاجْتمعُوا بإخوانهم وقرروا لَهُم مقَالَة السُّلْطَان وَمَا عزم عَلَيْهِ فِي حَقهم فَاجْتمع أعيانهم وتفاوضوا فِي شَأْنهمْ وشأن السُّلْطَان وأحضروا نُسْخَة الْبيعَة وتصفحوا شُرُوطهَا وَقَالُوا إِنَّا لم نُبَايِعهُ على هَذَا الَّذِي يعاملنا بِهِ ثمَّ أعْلنُوا بخلعه وَالْأَمر لله وَحده
حِصَار الْمولى عبد الله مَدِينَة فاس
لما أعلن أهل فاس بخلع السُّلْطَان الْمولى عبد الله عزموا على الْحَرْب ووطنوا أنفسهم على الْحصار وَنَادَوْا فِي الْمَدِينَة من أَرَادَ الْخُرُوج إِلَى بَلَده ومأمنه من غير أهل الْبَلَد فليتهيأ فِي ثَلَاث ثمَّ أغلقوا أَبْوَاب الْمَدِينَة واستعدوا لِلْقِتَالِ
وَلما سمع السُّلْطَان بخبرهم تهَيَّأ لغزوهم فَأخذ أهبته وَخرج من مكناسة فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف فَنزل على فاس ووزع الْجنُود عَلَيْهَا من كل نَاحيَة وَأطلق يَد الْجَيْش بالعيث فِي أطرافها من تخريب المصانع وَقطع الْأَشْجَار وإفساد الْمزَارِع وَأمر بطم الْوَادي فانحبس عَنْهُم مَاؤُهُ وزحفت العساكر فَكَانَ الْقِتَال على كل بَاب سَائِر النَّهَار فَإِذا كَانَ الْمسَاء أَمر الطبجية والأعلاج بإرسال الكور والبنب وحجارة المنجنيق فَكَانَ النَّاس لَا يستريحون بِالنَّهَارِ وَلَا ينامون بِاللَّيْلِ وَاشْتَدَّ الكرب وريع السرب وَاسْتمرّ الْحَال إِلَى أَن دخلت سنة اثْنَتَيْنِ
واربعين وَمِائَة وَألف فازداد الْأَمر شدَّة وَارْتَفَعت الأسعار وانعدمت الأقوات وَكثر الْهَرج فبعثوا إِلَى السُّلْطَان فِي الصُّلْح فَقَالَ على تَسْلِيم الْبَسَاتِين والقصاب فَأَبَوا وتجلدوا ثمَّ بعد ذَلِك وَقع الصُّلْح على يَد الْقَائِد أبي عبد الله مُحَمَّد السلاوي بضريح الْمولى إِدْرِيس رضي الله عنه واستصحب مَعَه جمَاعَة من أَشْرَاف فاس وعلمائها إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ بفاس الْجَدِيد فَأكْرم مقدمهم ووصلهم بِأَلف دِينَار وكساهم وَولى عَلَيْهِم الْحَاج أَبَا الْحسن عليا السلاوي فَدخل الْوَالِي الْمَذْكُور القصبة ثَانِي ربيع النَّبَوِيّ سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف وشحن الْبَسَاتِين والقصاب بالمقاتلة من أَصْحَابه وافتتح عمله بقتل الشَّيْخ دحمان المنجاد من رُؤَسَاء فاس وَلما اتَّصل خَبره بالسلطان عَزله وَولى على فاس أحد أَوْلَاد حمدون الروسي الْمَعْرُوف بالبادسي ثمَّ بعد مُدَّة يسيرَة عَزله وَولى عبد النَّبِي بن عبد الله الروسي ثمَّ لما عزم على النهوض إِلَى مكناسة عَزله أَيْضا وَولى عَلَيْهِم عدوهم حمدون الروسي وارتحل فِي الْعشْرين من ربيع الأول من السّنة
وَفِي هَذِه السّنة بعث السُّلْطَان وَلَده الْمولى مُحَمَّدًا مَعَ أمه السيدة خناثى إِلَى الْحجاز بِقصد حج الْبَيْت وَالْمولى مُحَمَّد يَوْمئِذٍ دون بُلُوغ وَفِي نشر المثاني إِن هَذِه الْحجَّة كَانَت سنة ثَلَاث بعْدهَا قَالَ إِن أم السُّلْطَان الْمولى عبد الله وَهِي السيدة خناثى بنت بكار المغفرية التمست من وَلَدهَا الْمَذْكُور السّفر إِلَى الْمشرق بِقصد حج بَيت الله الْحَرَام فأجابها إِلَى ذَلِك وهيأ لَهَا جَمِيع مَا تحْتَاج إِلَيْهِ وَوجه مَعهَا وَلَده الَّذِي أيد الله بِهِ الدُّنْيَا وَالدّين بعده سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله فحج مَعهَا فِي هَذِه السّنة يَعْنِي سنة ثَلَاث واربعين وَمِائَة وَألف