الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(على الْمَرْء أَن يسْعَى لما فِيهِ نَفعه
…
وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يساعده الدَّهْر)
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك الْعَفو والعافية والتوفيق واللطف فِيمَا جرت بِهِ الْمَقَادِير يانعم الْمولى وَنعم النصير
فتح العرائش
وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة مائَة وَألف فِي آخر شَوَّال مِنْهَا سَار الْقَائِد أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن حدو البطوئي فِي جمَاعَة من الْمُجَاهدين لحصار العرائش وَكَانَ الإصبنيول خذله الله قد استولى عَلَيْهَا على يَد الشَّيْخ بن الْمَنْصُور السَّعْدِيّ كَمَا مر فَنزل الْقَائِد أَبُو الْعَبَّاس الْمَذْكُور عَلَيْهَا وضيق على الْكفَّار الَّذين بهَا وحاصرهم نَحوا من ثَلَاثَة أشهر وَنصف كَذَا فِي النزهة وَقَالَ المؤرخ منويل إِن مُدَّة الْحصار كَانَت خَمْسَة أشهر قَالَ وَكَانَ طاغية الفرنسيس وَهُوَ لويز الرَّابِع عشر قد أعَان الْمولى إِسْمَاعِيل على فتح العرائش وحاصرها بحرا بِخمْس فراقط وَقطع عَنْهَا الْمَادَّة مُدَّة ثمَّ أقلع عَنْهَا ثمَّ بعد ذَلِك كَانَ الْفَتْح قَالَ فِي النزهة فتحهَا الْمُسلمُونَ بعد معاناة شَدِيدَة وَذَلِكَ أَنهم حفروا المينات تَحت خَنْدَق سورها الموَالِي للمرسى وملؤوها بارودا ثمَّ أوقدوها بالنَّار فنفطت وَسقط جَانب من السُّور فاقتحم الْمُسلمُونَ مِنْهُ وتسلقوا إِلَى مَا كَانَ من النَّصَارَى على الأسوار فَوَقَعت ملحمة عَظِيمَة وفر باقيهم إِلَى حصن القبيبات الَّذِي بناه الْمَنْصُور السَّعْدِيّ واعتصموا بِهِ يَوْمًا وَلَيْلَة فخامر قُلُوبهم الْجزع وطلبوا الْأمان فَأَمنَهُمْ الْقَائِد أَبُو الْعَبَّاس الْمَذْكُور على حكم السُّلْطَان فنزلوا عَلَيْهِ فَأخذُوا أُسَارَى بأجمعهم وَلم يعْتق مِنْهُم إِلَّا أَمِيرهمْ وَحده وَتمّ الْفَتْح وَذَلِكَ يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّامِن عشر من الْمحرم سنة إِحْدَى وَمِائَة وَألف وَمَا فِي الْبُسْتَان وقلده صَاحب الْجَيْش أَن نَصَارَى العرائش اعتصموا بحصن القبيبات سنة كَامِلَة خطأ لَا يعول عَلَيْهِ
وَكَانَ عدد نَصَارَى العرائش قبل الِاسْتِيلَاء عَلَيْهِم ثَلَاثَة آلَاف وَمِائَتَيْنِ
وَلما ظفر بهم الْمُسلمُونَ أَسرُّوا مِنْهُم نَحْو أَلفَيْنِ وَقتلُوا مِنْهُم اثْنَتَيْ عشرَة مائَة وَوجد بهَا من البارود وَالْعدة مَا لَا يُحْصى كَثْرَة فَمن المدافع نَحْو مائَة وَثَمَانِينَ مِنْهَا اثْنَان وَعِشْرُونَ من النّحاس وَالْبَاقِي من الْحَدِيد وَمِنْهَا مدفع يُسمى الغصاب طوله خَمْسَة وَثَلَاثُونَ قدما بِالْحِسَابِ وَوزن كرته خَمْسَة وَثَلَاثُونَ رطلا بِحَيْثُ حلق عَلَيْهِ بِقرب خزانته أَرْبَعَة رجال كَذَا سمع من المشاهدين لذَلِك بعد السُّؤَال كَذَا فِي النزهة قَالَ منويل فِي كِتَابه إِن النَّصَارَى مَا أَسْلمُوا أنفسهم حَتَّى شرطُوا شُرُوطًا مُعْتَبرَة لَكِن السُّلْطَان نكث اه قلت حكى أَبُو الْقَاسِم العميري فِي فهرسته مَا حَاصله أَن نَصَارَى العرائش ادعوا أَن الْفَتْح الْمَذْكُور إِنَّمَا كَانَ صلحا وتأمينا لَا عنْوَة ثمَّ لما طَال النزاع فِي ذَلِك أَمر السُّلْطَان قَاضِي حَضرته المكناسية أَبَا عبد الله مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِأبي مَدين بِبَيَان الحكم فِي ذَلِك فَأجَاب جَوَابا طَويلا حرر فِيهِ حكم الشَّرِيعَة المحمدية بِمَا لاغاية فَوْقه وَحكم على أُولَئِكَ النَّصَارَى بالأسر وَقد ذكر ذَلِك بِتَمَامِهِ فِي الفهرسة الْمَذْكُورَة فَلْينْظر هُنَالك وَأمر السُّلْطَان رحمه الله بإشخاص أُولَئِكَ النَّصَارَى إِلَى مكناسة الزَّيْتُون وَكَانُوا ألفا وَثَمَانمِائَة على مَا فِي الْبُسْتَان فَكَانَ يستخدمهم مَعَ غَيرهم من المساجين والأسرى فِي بِنَاء قصوره بِالنَّهَارِ ويبيتون لَيْلًا فِي الدهليز وَهُوَ فِي عرف المغاربة هري تَحت الأَرْض وأسكن السُّلْطَان رحمه الله أهل الرِّيف العرائش وَأمر قائدهم أَن يَبْنِي بهَا مسجدين وحماما وَيَبْنِي دَاره بقلعتها وَفِي فتح العرائش أنْشد الْخَطِيب البليغ أديب فاس ومفتيها أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد الشريف البوعناني فَقَالَ
(أَلا أبشر فَهَذَا الْفَتْح نور
…
قد انتظمت بعزكم الْأُمُور)
(وطير السعد نَادَى حَيْثُ غنى
…
قد انشرحت بفتحكم الصُّدُور)
(وضوء النَّصْر ساعده التهاني
…
وَنور الْفَخر نحوكم يَدُور)
(وَقد وافتكم الْخيرَات طرا
…
وطاب الْعَيْش واتصل السرُور)
(حميتم بَيْضَة الْإِسْلَام لما
…
بِعَين الْحق قد حرس الثغور)
(وجاهدتم وقاتلتم فَأنْتم
…
لدين الله أقمار تنير)
(وأطلعتم صوارمكم نجوما
…
لَدَى هيجاء صَاحبهَا كفور)
(فَأَنت الْبَدْر يَوْم السّلم حسنا
…
فِي يَوْم الوغا الْأسد الهصور)
(وَفِي ثغر العرائش قد تبدى
…
لقد ركم على الشعرى الظُّهُور)
(لقد كَانَ الْمُلُوك فساوموها
…
وراموها وَبَان لَهَا نفور)
(فَلَمَّا جاءها انقادت وَقَالَت
…
إِلَيْك بِحَق مَوْلَانَا الْمصير)
(ملكت قياد عزتها بذل
…
فَمَا أغْنى الْحصار وَلَا العبور)
(قهرتم بأبطال ضخام
…
على الهيجاء كلهم جسور)
(فكم رَأس من الْكفَّار أَمْسَى
…
قطيع الرَّأْس مجرورا يخور)
(وَكم نحر قلادته رماح
…
وَسن الرمْح مركزه النحور)
(وَكم أسرى وَكم قَتْلَى بِأَرْض
…
وَكم جرحى دِمَاؤُهُمْ تَفُور)
(تمر بهَا الطُّيُور فتنتقيها
…
وَبَات الذِّئْب وَهُوَ لَهَا شكور)
(وأضحى النَّاس كلهم نشاوى
…
على طرب وَمَا شربت خمور)
(فبشراكم بِهَذَا الْفَتْح نور
…
وبشراكم بِمَا من الغفور)
(بِهِ زَادَت مآثركم علوا
…
وَقد عظمت بِهِ لكم الأجور)
(أَلا يَا معشر الْكفَّار هَذَا
…
يبددكم وَلَيْسَ لَهُ فتور)
(أَلا يَا أهل سبتة قد أَتَاكُم
…
بِسيف الله سُلْطَان وقور)
(إِذا مَا جَاءَ سبتة فِي عشي
…
تناديه إِذا كَانَ البكور)
(ووهران تنادي كل يَوْم
…
مَتى يَأْتِي الإِمَام مَتى يزور)
(مَتى يَأْتِي ويفتحها سَرِيعا
…
وَيلْحق أَهلهَا مِنْهُ ثبور)
(فيهزمهم ويقتلهم وَيَسْبِي
…
وَسيف الْحق فِي يَده ينور)
(أيا مولَايَ قُم وانهض وشمر
…
لأندلس فَأَنت لَهَا الْأَمِير)
(وجاهدهم وحاربهم وَفرق
…
جموعهم فربكم النصير)
(وَلَا يمْنَع بِفضل الله مِنْهَا
…
كَمَا قد قيل بر أَو بحور)
(لِسَان الْحَال ينشد كل يَوْم
…
وَمعنى الْحَال تفهمه الصُّدُور)
(بقرطبة تنَال الْمجد طرا
…
وَيَأْتِي الْعِزّ وَالْملك الْكَبِير)
(وذلكم بعون الله سهل
…
وَمن بركاتكم أَمر يسير)
(أيا مولَايَ إِسْمَاعِيل هَذَا
…
عبيدكم الضَّعِيف المستجير)
(يناديكم بناديكم وَيَدْعُو
…
دُعَاء لَا تعييه الدهور)
(فيارب الْبَريَّة ياإلهي
…
وَيَا رَحْمَن يَا نعم المجير)
(أثب هَذَا الْأَمِير بِكُل خير
…
وَلَا تجْعَل تِجَارَته تبور)
(وأبق الْملك فِيهِ وَفِي بنيه
…
وَلَو كرهت زيود أَو عمور)
(وَنحن رعية نرجو هناء
…
وبالسلطان تنتظم الْأُمُور)
(عَلَيْكُم من عبيدكم سَلام
…
مدى الدُّنْيَا يضمخه العبير)
(يعم جنابكم مَا قَالَ صب
…
أَلا أبشر فَهَذَا الْفَتْح نور)
وَقَالَ فِي ذَلِك الْفَقِيه الْعَالم الْوَرع الشيهر أَبُو مُحَمَّد عبد السَّلَام بن حمدون جسوس رحمه الله
(رفعت منَازِل سبتة أقوالها
…
تَشْكُو إِلَيْكُم بِالَّذِي قد هالها)
(مَعَ بادس وبريجة فتعطفوا
…
وتنبهوا كي تسمعوا تساءلها)
(يَابْنَ النَّبِي الْهَاشِمِي مُحَمَّد
…
قل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا لَهَا)
(فَلَقَد قضيتم للعرائش حَاجَة
…
مَعَ طنجة فاقضوا لذِي آمالها)
(عَار عَلَيْكُم أَن تكون أسيرة
…
بجواركم وجنودكم تغزى لَهَا)
(إِن لم تَكُونُوا آخذين بثأرها
…
من ذَا يفك من الوثاق حبالها)
(لَا تسمعن من جَاهِل ومثبط
…
وَمصْعَب من جَهله أحوالها)
(إِن الَّذين تقدمُوا قد جاهدوا
…
بنفوسهم وبمالهم أَمْثَالهَا)
(فتملكوا أملاكها وديارها
…
وتقسموا أموالها ورجالها)
(فَابْعَثْ لَهَا أهل الشجَاعَة عَاجلا
…
حَتَّى تراهم نازلين جبالها)
(وأمدهم بمؤونة ومعونة
…
كَيْفَمَا تقطع بالعدا أوصالها)
(وارفع لهَذَا الغرب رَأْسا إِنَّه
…
فِي الضعْف مَا دَامَ العدا أنزالها)
(أبقاك رَبِّي للخلافة عدَّة
…
تقفو الشَّرِيعَة مؤثرا أفعالها)
(وَاقْبَلْ هَدِيَّة من أَتَى بنصيحة
…
يَبْغِي الثَّوَاب وَلَا تقل من قَالَهَا)
وَقَالَ فِي ذَلِك الشريف الأديب أَبُو مُحَمَّد عبد السَّلَام بن الطّيب القادري