الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَانْصَرف وَلم يعْهَد لأحد وَإِنَّمَا العبيد كَانُوا يقدمُونَ من شاؤوا ويؤخرون من شاؤوا وَكَانَ الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله يَحْكِي ذَلِك عِنْدَمَا يعرض لَهُ ذكر أَوْلَاده هُوَ وَالله أعلم
بَقِيَّة أَخْبَار الْمولى إِسْمَاعِيل رحمه الله ومآثره وَسيرَته
قَالَ اليفرني فِي النزهة لم يزل أَمِير الْمُؤمنِينَ إِسْمَاعِيل رحمه الله فِي مقارعة أعدائه إِلَى أَن دوخ بِلَاد الْمغرب كلهَا وَاسْتولى على سهلها ووعرها وَاسْتولى على تخوم السودَان وانْتهى مِنْهَا إِلَى مَا وَرَاء النّيل وانتشرت دولته فِي عمائرها وَبلغ من ذَلِك مَا لم يبلغهُ الْمَنْصُور السَّعْدِيّ وامتدت مَمْلَكَته فِي جِهَة الشرق إِلَى بسكرة من بِلَاد الجريد ونواحي تلمسان وَالله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته اه وَقَالَ فِي الْبُسْتَان كَانَ للْمولى إِسْمَاعِيل من الْوَلَد على مَا تَوَاتر بِهِ الْخَبَر خَمْسمِائَة ولد ذكر وَمن الْبَنَات مثل ذَلِك أَو قريب مِنْهُ قَالَ وَالَّذِي عقب من أَوْلَاده على مَا رَأَيْنَاهُ عيَانًا فِي دفتر السُّلْطَان الْمولى مُحَمَّد بن عبد الله إِذْ كَانَ يصلهم فِي كل سنة وَكَانَ يَبْعَثنِي لتفرقة الصِّلَة عَلَيْهِم بسجلماسة مائَة دَار وَخمْس دور كلهَا لأولاده لصلبه وَأما الَّذين لم يعقبوا أَو عقبوا وأنقطع نسلهم فليسوا فِي الدفتر وَأما الحفدة والأسباط فَكَانَ عَددهمْ فِي أَيَّام السُّلْطَان الْمولى مُحَمَّد بن عبد الله ألفا وَخَمْسمِائة وَسِتِّينَ وَقد زادوا الْيَوْم فِي دولة السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان بن مُحَمَّد وَلم يزل يصلهم إِلَى الْآن على مَا فِي دفتر وَالِده وَمن زَاد يُزَاد لَهُ قَالَ وَأما مَا أدركناه من أَوْلَاد الْمولى إِسْمَاعِيل لصلبه فِي دولة السُّلْطَان الْمولى مُحَمَّد فثمانية وَعِشْرُونَ رجلا نعرفهم بِالِاسْمِ وَالْعين وَمن بَنَاته لصلبه مثل ذَلِك قد أنزلهن السُّلْطَان بقصر حمو بن بكة ورتب لَهُنَّ الْمُؤْنَة وَالْكِسْوَة والصلة فِي كل سنة وَأنزل مَعَهُنَّ الحوافد اللَّاتِي لَا أَزوَاج لَهُنَّ وكل وَاحِدَة من هَذِه الدّور الْمِائَة
وَالْخمس الَّتِي بسجلماسة لوَاحِد من أَوْلَاد صلبه لِأَنَّهُ كَانَ رحمه الله إِذا رأى أحدا من أَوْلَاده الَّذين لم يرد إقامتهم مَعَه بالمغرب قد بلغ أرْسلهُ إِلَى سجلماسة وَبني لَهُ بهَا قصرا أَو دَارا وَأَعْطَاهُ نخلا وأرضا للحراسة والفلاحة ومماليك يقومُونَ لَهُ بِخِدْمَة أَصله وحراثة أرضه فِي الشتَاء والصيف وَيُعْطِي كل وَاحِد من ذَلِك على قدر مرتبته عِنْده ومنزلة أمه مِنْهُ فتناسلت أَوْلَادهم ونمت فروعهم ووفر الله جمعهم وَحفظ نظامهم وَكَانَ رحمه الله سديد النّظر فِي نقل أَوْلَاده بأمهاتهم من مكناسة إِلَى تافيلالت مَعَ بني عمهم من الْأَشْرَاف ليتدربوا على معيشتها الَّتِي تدوم لَهُم فَكَانَ ذَلِك صونا لَهُم من نكبات الدَّهْر وفضيحة الْخَصَاصَة بعد مَوته وَزَوَال النِّعْمَة وانزواء رِدَاء الْملك السَّاتِر لَهُم بَين الْعَامَّة فنجحوا وأفلحوا بِخِلَاف إخْوَانهمْ الَّذين ربوا بمكناسة واستمروا بهَا إِلَى أَن توفّي والدهم وألفوا عوائدهم ومرنوا على شهواتهم فَإِنَّهُم لم ينم لَهُم نسل كإخوانهم الَّذين بالصحراء هَذَا مَا يتَعَلَّق بِنَسْل السُّلْطَان الْمولى إِسْمَاعِيل
وَأما مبانيه بقلعة مكناسة وقصوره ومساجده ومدارسه وبساتينه فشيء فَوق الْمَعْهُود بِحَيْثُ تعجز عَنهُ الدول الْقَدِيمَة والحادثة من الْفرس واليونان وَالروم وَالْعرب وَالتّرْك فَلَا يلْحق ضخامة مصانعه مَا شيده الأكاسرة بِالْمَدَائِنِ وَلَا الفراعنة بِمصْر وَلَا مُلُوك الرّوم برومة والقسطنطينية وَلَا اليونان بأنطاكية والإسكندرية وَلَا مُلُوك الْإِسْلَام ودولة الْعِظَام كبني أُميَّة بِدِمَشْق وَبني الْعَبَّاس بِبَغْدَاد والعبيديين بإفريقيا ومصر والمرابطين والموحدين وَبني مرين والسعديين بالمغرب وَمَا بديع الْمَنْصُور بقصر من قصوره وَلَا بُسْتَان المسرة بِأحد بساتينه فقد كَانَ عِنْده بجنان حمرية مائَة ألف قعدة من شجر الزَّيْتُون وحبسه كُله على الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَمَرَّتْ عَلَيْهِ بعد وَفَاته العصور وَأَيَّام الفترة والفتن وَالنَّاس يحتطبونه فَلم يظْهر فِيهِ أثر من ذَلِك وَلما بُويِعَ السُّلْطَان الْمولى مُحَمَّد بن عبد الله أَحْيَاهُ وأجرى المَاء إِلَيْهِ وَأمر بإحصاء مَا بَقِي من شَجَرَة فوجدوه سِتِّينَ ألفا فَكَانَ رحمه الله يبْعَث بِثمن غَلَّته إِلَى الْحَرَمَيْنِ تنفيذا لمراد جده وَكَذَا ابْنه الْمولى سُلَيْمَان رَحمَه الله
قَالَ صَاحب الْبُسْتَان وَلَقَد شاهدت الْكثير من آثَار الدول فَمَا رَأَيْت أثرا أعظم من آثاره وَلَا بِنَاء أضخم من بنائِهِ وَلَا أَكثر عددا من قصوره لِأَن هَؤُلَاءِ الدول كَانَ من اعتنى مِنْهُم بِأَمْر الْبناء غَايَة أمره أَن يَبْنِي قصرا ويتأنق فِي تشييده وتنجيده وَهَذَا السُّلْطَان لم يقْتَصر على قصر وَلَا على عشرَة وَلَا عشْرين بل جعل مباني الْعَالم كلهَا فِي بطن تِلْكَ القلعة المكناسية كَمَا قيل كل الصَّيْد فِي جَوف الفرأ هَذَا كَلَام صَاحب الْبُسْتَان رحمه الله ثمَّ قَالَ
وَكَانَ فِي سجونه من الْأُسَارَى خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا ونيفا كَانُوا يعْملُونَ فِي بِنَاء قصوره مِنْهُم الرخامون والنقاشون والنجارون والحدادون والمنجمون والمهندسون والأطباء وَلم تسمح نَفسه قطّ بِفِدَاء أَسِير
وَكَانَ فِي سجونه من أهل الجرائم كالقاتل والمحارب وَالسَّارِق نَحْو الثَّلَاثِينَ ألفا تظل فِي الْعَمَل مَعَ أسرى الْكفَّار ويبيتون فِي السجون والأهراء تَحت الأَرْض وَمن مَاتَ مِنْهُم دفن فِي الْبناء حَتَّى لم يبْق بالمغرب من أهل الْفساد عرق ينبض وَمِمَّا مدح بِهِ الْمولى إِسْمَاعِيل رحمه الله قَول الْفَقِيه الأديب أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْجُزُولِيّ من قصيدة لَهُ
(مولَايَ إِسْمَاعِيل يَا شمس الورى
…
يَا من جَمِيع الكائنات فدى لَهُ)
(مَا أَنْت إِلَّا سيف حق منتضى
…
الله من دون الْبَريَّة سَله)
(من لَا يرى لَك طَاعَة فَالله قد
…
أعماه عَن طرق الْهدى وأضله)
ولنذكر مَا سلف فِي هَذِه الْمدَّة من الْأَحْدَاث
فَفِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف توفّي الشَّيْخ أَبُو عبد الله سَيِّدي مُحَمَّد الْمفضل بن الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس أَحْمد المرسي ابْن الشَّيْخ الْأَكْبَر أبي عبد الله سَيِّدي مُحَمَّد الشَّرْقِي كَانَ رحمه الله صَالحا خيرا من فضلاء عصره حَافِظًا لِلْقُرْآنِ بالسبع قد اشْتهر قدره فِي النَّاس كثيرا وَكَانَ يفر من ذَلِك وَإِذا سَأَلَهُ أحد أَن يَتَّخِذهُ شَيخا يَقُول نَحن إخْوَة فِي الله وَالدِّرْهَم الْكَامِل ينْفق مِنْهُ أَخذ الْقرَاءَات عَن الْفَقِيه الْأُسْتَاذ أبي عبد الرَّحْمَن بن القَاضِي وَكتب لَهُ الْإِجَازَة بذلك وَكَانَ لَهُ نصيب من الْعُلُوم سوى الْقرَاءَات وانتسب فِي
الطَّرِيق للْوَلِيّ الصَّالح أبي عبد الله مُحَمَّد الحفيان الرتبي السجلماسي من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي عبيد الشَّرْقِي وَتخرج عَلَيْهِ نجباء من طلبة الْقرَاءَات وَكَانَ رحمه الله كثير الطَّعَام بزاوية جده أبي عبيد الشَّرْقِي ثمَّ انْتقل الى نَاحيَة سلا فسكن بأحوازها وَبَقِي هُنَالك إِلَى أَن مَاتَ فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور فَحمل إِلَى الْمَدِينَة الْمَذْكُورَة وَدفن بطالعتها قرب الْمَسْجِد الْأَعْظَم وقبره الْيَوْم مزارة عَظِيمَة وَكَانَ لَهُ كَلَام كثير على طَرِيق العروبي الملحون خَاطب بِهِ الرئيس مُحَمَّد الْحَاج الدلائي حِين مشت الوشاة بَينهمَا فَوَقَعت من أجل ذَلِك بَينهمَا مكاتبات ومعاتبات رحمهمَا الله
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف توفّي الشَّيْخ الرباني أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم ابْن احْمَد بن عبد الله بن حُسَيْن المصلوحي دَفِين تامصلوحت من أَعمال مراكش وَقد تقدم التَّنْبِيه على وَفَاة جده أبي مُحَمَّد عبد الله بن حُسَيْن الْمَذْكُور وَكَانَت لَهُ شهرة عَظِيمَة وَكَانَ ابْتِدَاء أمره أَنه تلمذ لَهُ طَائِفَة من الْفُقَرَاء بمراكش وَاجْتمعَ عَلَيْهِ نَاس فَأنْكر ذَلِك السُّلْطَان زَيْدَانَ بن الْمَنْصُور وَأمر بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فَخرج إِلَى قَبيلَة سكتانة حَيْثُ ضريحه الْيَوْم فاستقر بهَا إِلَى أَن توفّي وَكَانَ يَقُول لَا يأتينا إِلَّا من أَمنه الله لِأَن مقامنا هَذَا مقَام إِبْرَاهِيم وَمن دخله كَانَ آمنا وَكَانَ يَقُول دَارنَا دَار سر لَا دَار علم وَكَانَ إِذا دخل شهر الْمحرم ترك حلق الشّعْر والزينة فَإِذا ليم على ذَلِك قَالَ مَا فعلنَا هَذَا الا امتعاضا لقتل الْحُسَيْن رضي الله عنه وأسفا على مَا وَقع بِهِ وَكَانَ يعْمل السماع ويجتمع أَصْحَابه على الحضرة على الْكَيْفِيَّة الْمَعْهُودَة وَرُبمَا تواجد فَدخل مَعَهم وَكَانَت لَهُ مُشَاركَة فِي الْعُلُوم أَخذ عَن الشَّيْخ المنجور وَأبي مُحَمَّد بن طَاهِر الحسني وَأبي مهْدي السكتاني وَغَيرهم وَتُوفِّي فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم عَن سنّ عالية يُقَال أناف على الْمِائَة وبنيت عَلَيْهِ قبَّة حافلة وقبره الْيَوْم مزارة عَظِيمَة
وَفِي أَوَاخِر سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف مَعَ السّنة الَّتِي بعْدهَا حدثت مجاعَة عَظِيمَة بالمغرب لَا سِيمَا فاس وأعمالها أكل النَّاس فِيهَا الْجِيَف وَالدَّوَاب والآدمي وخلت الدّور وعطلت الْمَسَاجِد ثمَّ تدارك الله عباده بِلُطْفِهِ
وَفِي سنة خمس وَسبعين وَألف فِي عَاشر رَمَضَان مِنْهَا وَقعت زَلْزَلَة عَظِيمَة بفاس وَغَيرهَا من بِلَاد الْمغرب قَالَ الْفَقِيه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْهَادِي الشريف السجلماسي وَقعت الزلزلة فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَنحن بِمَجْلِس البُخَارِيّ عِنْد شيخ الْجَمَاعَة الإِمَام أبي مُحَمَّد عبد الْقَادِر الفاسي رحمه الله فَقَامَ كل من بِالْمَجْلِسِ حَتَّى الشَّيْخ ظنا منا أَن السّقف يسْقط علينا لِأَن خشبه صوتت وَخرج سرعَان النَّاس يَلْتَمِسُونَ الْخَبَر فَأخْبر بهَا كل من كَانَ رَاقِدًا أَو جَالِسا حَتَّى النَّائِم انتبه وَمن كَانَ مَاشِيا لم يشْعر بهَا فَسئلَ الشَّيْخ عَن ذَلِك وَهل هُوَ كَمَا تزْعم الْعَامَّة من أَن الثور الَّذِي عَلَيْهِ الدُّنْيَا أَو الْحُوت يَتَحَرَّك فَأجَاب بِأَن ذَلِك بَاطِل لَا أصل لَهُ وتلا قَوْله تَعَالَى {وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا تخويفا} الاسراء 59 وَقَالَ أَيْضا ذكر بعض الْحُكَمَاء أَن ذَلِك يَقع فِي اختناق الرّيح فِي جَوف الأَرْض
وَفِي يَوْم الأثنين الثَّامِن وَالْعِشْرين من رَجَب سنة سبع وَسبعين وَألف توفّي البهلول المتبرك بِهِ سَيِّدي قَاسم بن أَحْمد بوعسرية الْمَعْرُوف بِابْن اللوشة دَفِين ضفة وَادي أرضم من بِلَاد آزغار وَلم يتَزَوَّج قطّ فَلم يكن لَهُ عقب هَكَذَا فِي نشر المثاني وَلَعَلَّه تَصْحِيف وَالصَّوَاب مَا يَأْتِي من أَنه توفّي سنة سبع وَتِسْعين بمثناة بمهملتين وَالله أعلم
وَفِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف توفّي شيخ السّنة وَإِمَام الطَّرِيقَة أَبُو عبد الله سَيِّدي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن نَاصِر بن عَمْرو الدرعي ثمَّ الأغلاني الشهير بِابْن نَاصِر نِسْبَة إِلَى جده الْمَذْكُور فِي النّسَب قَالَ تِلْمِيذه الشَّيْخ أَبُو عَليّ اليوسي فِي فهرسته كَانَ الشَّيْخ رضي الله عنه مشاركا فِي فنون من الْعلم كالفقه والعربية وَالْكَلَام وَالتَّفْسِير والْحَدِيث والتصوف عابدا ناسكا ورعا زاهدا عَارِفًا قَائِما بالطريقة شاربا من عين الْحَقِيقَة وَكَانَ رضي الله عنه مَعَ إكبابه على عُلُوم الْقَوْم وانتهاجه مَنْهَج الطَّرِيقَة لَا يخل بِعلم الظَّاهِر تدريسا وتأليفا وتقييدا وضبطا فنفع الله بِهِ الْفَرِيقَيْنِ وَصَحبه النَّاس شرقا وغربا فَانْتَفع بِهِ الْخلق قَائِما بالتعليم والتربية للمريدين بقوله وَفعله والترقية بهمته عَن همة عالية وَحَالَة مرضية وَعلم
صَحِيح وبصيرة ونورانية مَعَ التَّمَكُّن والرسوخ فَكَانَ إِذا تكلم انتقش كَلَامه فِي الْقلب وَإِذا وعظ وضع الهناء مَوَاضِع النقب ثمَّ أَطَالَ الشَّيْخ اليوسي فِي تَرْجَمته وَذكر لَهُ كرامات عديدة وَقد أفْصح عَن حَاله وَوَصفه فِي قصيدته الدالية الْمَشْهُورَة الْمَوْضُوعَة فِي مدحه وأتى فِيهَا من الإجلال لهَذَا الشَّيْخ والتعظيم بِمَا كَانَ سَبَب ربحه وَلِهَذَا الشَّيْخ شُيُوخ وَأَتْبَاع معروفون فِي كتب الْأَئِمَّة الَّذين تعرضوا لبَيَان ذَلِك وطريقته الْمُتَّصِلَة برَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَعْرُوفَة أَيْضا وَكَانَ وَالِده سَيِّدي مُحَمَّد بن أَحْمد من أكَابِر الْأَوْلِيَاء كثير الأوراد لَا يفتر لِسَانه عَن الْأَذْكَار حَسْبَمَا نَقله غير وَاحِد وَالله تَعَالَى أعلم
قَالَ مُؤَلفه عفى الله عَنهُ وَهَذَا الشَّيْخ هُوَ جدنا وَإِلَيْهِ ننتسب فَأَنا أَحْمد بن خَالِد بن حَمَّاد بن مُحَمَّد الْكَبِير بن أَحْمد بن مُحَمَّد الصَّغِير بِفَتْح الْمِيم ابْن مُحَمَّد بن نَاصِر الشَّيْخ الْمَذْكُور نفعنا الله بِهِ وأفاض علينا من مدده ومدد أَمْثَاله وأسلافنا ينتسبون بعد الشَّيْخ الْمَذْكُور إِلَى سيدنَا جَعْفَر ابْن أبي طَالب رضي الله عنه وَلست الْآن من ذَلِك على تَحْقِيق ولعلنا نحققه فِي مَوضِع آخر إِن شَاءَ الله
وَفِي حُدُود التسعين وَألف كَانَ انحباس الْمَطَر والغلاء قَالَ الشريف أَبُو عبد الله مُحَمَّد الطّيب القادري فِي الأزهار الندية أَن الْقَمْح قد بلغ فِي هَذِه الْمدَّة إِلَى أَرْبَعِينَ أُوقِيَّة للمد بِسَبَب تَأَخّر الْمَطَر وَالْمدّ صَاع وَنصف وَصلى النَّاس صَلَاة الاسْتِسْقَاء فَأول إِمَام خطب فِيهَا القَاضِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ بردلة وكررها ثَلَاث مَرَّات فَنزل مطر يسير لم يكف ثمَّ أُعِيدَت الصَّلَاة رَابِعَة فَكَانَ الْخَطِيب فِيهَا الْفَقِيه أَبُو عبد الله مُحَمَّد البوعناني ثمَّ أُعِيدَت خَامِسَة والخطيب القَاضِي بردلة ثمَّ أُعِيدَت سادسة والخطيب أَبُو عبد الله مُحَمَّد المرابط الدلائي وفيهَا بلغ الْقَمْح سِتِّينَ أُوقِيَّة وَهُوَ غلاء لم يسمع بِمثلِهِ ثمَّ أُعِيدَت الصَّلَاة سابعة والخطيب أَبُو عبد الله البوعناني ثمَّ أُعِيدَت ثامنة والخطيب الشَّيْخ الْوَلِيّ الزَّاهِد أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ الفشتالي وَفِي عَشِيَّة غده نزل الْمَطَر مَعَ رعد وبرق ففرح الْمُسلمُونَ وَأَكْثرُوا من حمد الله
تَعَالَى ثمَّ أُعِيدَت الصَّلَاة تاسعة والخطيب القَاضِي بردلة وَخرج يَوْمئِذٍ فِي جملَة النَّاس شيخ الْإِسْلَام وبركة الْأمة الإِمَام أَبُو مُحَمَّد سَيِّدي عبد الْقَادِر الفاسي رَاكِبًا على حمَار جاعلا الْأَشْرَاف من أهل الْبَيْت الطَّاهِر أَمَامه مستشفعا بهم إِلَى الله تَعَالَى فَنزل عِنْد الرُّجُوع مطر قَلِيل وَمن الْغَد نزل الْمَطَر الغزير الْكَافِي النافع فانحطت الأسعار وَنزل الْقَمْح إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ أُوقِيَّة بَعْدَمَا كررت الصَّلَاة تسع مَرَّات وَكَانَت الصَّلَاة التَّاسِعَة يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس الْمحرم فاتح سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَألف
وَفِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف فِي لَيْلَة الْجُمُعَة الثَّانِي عشر من شعْبَان مِنْهَا توفّي الشَّيْخ الْمولى أَبُو مُحَمَّد عبد الله الشريف الوزاني الشهير وَكَانَ عمره يَوْم توفّي خمْسا وَثَمَانِينَ سنة وَتُوفِّي وَلَده الشَّيْخ الْمولى أَبُو عبد الله مُحَمَّد وَقت الْعشَاء لَيْلَة الْجُمُعَة الثَّامِن وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة عشْرين وَمِائَة وَألف وعمره يَوْمئِذٍ ثَمَانُون سنة وَتُوفِّي ابْنه الشَّيْخ القطب الْمولى التهامي ابْن مُحَمَّد طُلُوع شمس يَوْم الِاثْنَيْنِ فاتح الْمحرم من سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة وَألف وعمره سِتّ وَسِتُّونَ سنة وَتُوفِّي الشَّيْخ مولَايَ الطّيب ابْن مُحَمَّد يَوْم الْأَحَد وَقت طُلُوع الْفجْر ثامن عشر ربيع الثَّانِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف وعمره نَيف وَثَمَانُونَ سنة وَتُوفِّي ابْنه الشَّيْخ مولَايَ أَحْمد ضحوة يَوْم السبت الثَّامِن عشر من صفر سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة وَألف وَتُوفِّي ابْنه الشَّيْخ مولَايَ عَليّ بن أَحْمد يَوْم الثُّلَاثَاء آخر يَوْم من ربيع الأول سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَتُوفِّي ابْنه الشَّيْخ سَيِّدي الْحَاج الْعَرَبِيّ بن عَليّ يَوْم الْأَرْبَعَاء فاتح سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف وَقد أَتَيْنَا بوفاة هَؤُلَاءِ السَّادة الوازانيين مَجْمُوعَة هُنَا لما فِي ذَلِك من الْمُنَاسبَة والتقريب ويتصل نسبهم بالمولى يملح بن مشيش أخي الْمولى عبد السَّلَام بن مشيش ثمَّ بالمولى إِدْرِيس بن إِدْرِيس رضي الله عنهم وأماتنا على محبتهم وحشرنا فِي زمرتهم
وَفِي سنة تسعين وَألف وَقع الوباء الْعَظِيم بالمغرب فَكَانَ عبيد السُّلْطَان يردون الواردين من الْآفَاق على مكناسة الزَّيْتُون كَمَا مر
وَفِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَألف بعد ظهر الْأَرْبَعَاء الثَّامِن من رَمَضَان مِنْهَا توفّي شيخ الْجَمَاعَة بفاس وَالْمغْرب الإِمَام الْكَبِير الْعَالم الشهير الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الْقَادِر بن عَليّ بن يُوسُف الفاسي وَلَا يحْتَاج مثله رضي الله عنه إِلَى تَعْرِيف فَإِن مآثره أشهر من قفا نبك قَالُوا وَمَعَ غزارة علمه وانتفاع أهل المغارب الثَّلَاثَة بِهِ لم ينضد لجمع كتاب مَخْصُوص وَلَا شرح متن من الْمُتُون وَإِنَّمَا كَانَت تصدر عَنهُ أجوبة يسْأَل عَنْهَا فيجيب ويجيد وَجَمعهَا بعض أَصْحَابه فَجَاءَت فِي مُجَلد
وَفِي سنة خمس وَتِسْعين وَألف توفّي الْوَلِيّ الصَّالح أَبُو مُحَمَّد عبد الله العوني دَفِين سلا من أَصْحَاب الشَّيْخ سَيِّدي مُحَمَّد الْمفضل
وَفِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف توفّي الشَّيْخ الْعَلامَة المشارك أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَادِر الفاسي صَاحب نظم عمل فاس والأفنوم فِي مبادىء الْعُلُوم وَغَيرهمَا من التآليف الحسان
وَفِي سنة سبع وَتِسْعين وَألف توفّي الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى ذُو الْأَحْوَال الربانية والمواهب العرفانية أَبُو الْقَاسِم بن أَحْمد الوشة السفياني الْمَعْرُوف بِأبي عسرية لِأَنَّهُ كَانَ يعْمل بِشمَالِهِ أَكثر من يَمِينه كَانَ من المولهين فِي ذَات الله تَعَالَى وَمن أهل الْأَحْوَال والشطحات يُقَال إِنَّه حمل وَهُوَ صبي إِلَى الشَّيْخ أبي عبيد الشَّرْقِي فبرك عَلَيْهِ ودعا بِقرب من مَاء فصبت عَلَيْهِ وَقَالَ لَوْلَا أَنا بردنا هَذَا الصَّبِي لأحرقته الْأَنْوَار وَلذَا كَانَ يَهْتِف بِأبي عبيد كثيرا وينادي باسمه وينسب جَمِيع مَا يظْهر على يَده لَهُ
وَفِي سنة إِحْدَى مائَة وَألف أَمر السُّلْطَان النَّاس بِأَن لَا يلبسوا النِّعَال السود وَلَا يلبسهَا إِلَّا الْيَهُود وَتقدم التَّنْبِيه على ذَلِك عقب فتح العرائش
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَة وَألف توفّي الشَّيْخ الإِمَام على الْأَعْلَام أخر عُلَمَاء الْمغرب على الْإِطْلَاق الَّذِي وَقع على علمه وصلاحه الِاتِّفَاق أَبُو عَليّ الْحسن بن مَسْعُود اليوسي نِسْبَة إِلَى آيت يوسي قَبيلَة من برابر ملوية وَأَصله اليوسي كَانَ رضي الله عنه غزالي وقته علما وتحقيقا وزهدا وورعا قَالَ فِي
فهرسته كَانَت قراءتي كلهَا أَو جلها فتحا ربانيا وَرزقت وَللَّه الْحَمد قريحة وقادة فَكنت بِأَدْنَى سَماع يَنْفَعنِي الله فقد أسمع بعض الْكتاب فَيفتح الله عَليّ فِي جَمِيعه فتحا ظَاهرا وأبلغ فِيهِ مَا لم يبلغهُ من سمعته مِنْهُ وَرب كتاب لم أسمعهُ أصلا غير أَن سَماع الْبَعْض فِي كل فن صَار مبدأ لِلْفَتْحِ وتتميما لحكمة الله فِي سنة الْأَخْذ عَن الْمَشَايِخ وَلَا تستوحش مِمَّا ذَكرْنَاهُ ظنا مِنْك أَن الرِّبْح أبدا يكون على قدر رَأس المَال كلا فقد يبلغ الدِّرْهَم الْوَاحِد ألف مِثْقَال وَمَا ذَلِك على الله بعزيز
وَكَانَ مُعظم قِرَاءَته بالزاوية الدلائية لم يزل مُقيما بهَا عاكفا على بَث الْعلم ونشره إِلَى أَن استولى عَلَيْهَا الْمولى الرشيد بن الشريف فنقله إِلَى فاس فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ خرج إِلَى الْبَادِيَة فاستوطن بقبيلته إِلَى أَن مَاتَ رحمه الله وَكَانَ رضي الله عنه متضلعا من الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية حَتَّى قَالَ فِي تأليفه الْمُسَمّى بالْقَوْل الْفَصْل فِي الْفرق بَين الْخَاصَّة والفصل أَنه بلغ دَرَجَة الشَّيْخ سعد الدّين التَّفْتَازَانِيّ وَالسَّيِّد الْجِرْجَانِيّ وأضرابهما وَسَأَلَهُ يَوْمًا سَائل بِمَجْلِس درسه فَقَالَ لَهُ اسْمَع مَا لَا تسمعه من إِنْسَان وَلَا تَجدهُ محررا فِي ديوَان وَلَا ترَاهُ مسطرا ببنان وَإِنَّمَا هُوَ من مواهب الرَّحْمَن وَلما دخل مراكش تصدر بهَا لإقراء علم التَّفْسِير بِجَامِع الْأَشْرَاف فَمَكثَ فِي تَفْسِير الْفَاتِحَة قَرِيبا من ثَلَاثَة أشهر وَهُوَ يُبْدِي كل يَوْم أسلوبا غَرِيبا وتحقيقا عجيبا فَعجب النَّاس من غزارة مادته مَعَ أَنه رُبمَا بَات فِي ضريح بعض الْأَوْلِيَاء وَالنَّاس مَعَه فَلَا يطالع كتابا وَلَا يُرَاجع مؤلفا فَإِذا أصبح وَجلسَ على الْكُرْسِيّ أطلق لِسَانه بِمَا يبهر الْعُقُول وَكَانَ الشّعْر عِنْده أسهل من النَّفس وشعره كُله حكم وأمثال كشعر الْعَرَب القدماء وقصيدته الدالية فِي شَيْخه ابْن نَاصِر دَالَّة على امتداد بَاعه ورسوخ قدمه فِي المعارف الْفُنُون وَللَّه در الإِمَام أبي سَالم العياشي إِذْ قَالَ
(من فَاتَهُ الْحسن الْبَصْرِيّ يَصْحَبهُ
…
فليصحب الْحسن اليوسي يَكْفِيهِ)
وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ آخر الْعلمَاء الراسخين بل خَاتِمَة الفحول من الرِّجَال الْمُحَقِّقين حَتَّى كَانَ بعض الشُّيُوخ يَقُول هُوَ المجدد على رَأس هَذِه الْمِائَة
لما اجْتمع فِيهِ من الْعلم وَالْعَمَل بِحَيْثُ صَار إِمَام وقته وعابد زَمَانه رحمه الله وَرَضي عَنهُ
وَفِي سنة ثَلَاث وَمِائَة وَألف فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء السَّابِع من شهر ربيع الأول مِنْهَا توفّي الْوَلِيّ الصَّالح أَبُو الْعَبَّاس سَيِّدي أَحْمد حجي قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس سَيِّدي أَحْمد بن عبد الْقَادِر التستاوتي فِي حَقه مَا نَصه رجل خير صَالح وَلَقَد اجْتمعت بِهِ بمكناسة سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف فَمَا رَأَيْت مِنْهُ إِلَّا خيرا اه وَلما توفّي خَلفه وَلَده ووارث سره وضجيعه فِي قَبره الْوَلِيّ الصَّالح سَيِّدي أَبُو مُحَمَّد عبد الله حجي الْمَعْرُوف بالجزار وضريحهما مزارة شهيرة بسلا
وَفِي سنة تسع أَو عشر وَمِائَة وَألف توفّي الْفَقِيه الْعدْل النوازلي الفارض الحاسب أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِأبي شَعْرَة السلاوي وَدفن قريب ضريح الشَّيْخ ابْن عَاشر رضي الله عنه
وَفِي سنة خمس عشرَة وَمِائَة وَألف توفّي الإِمَام الْفَقِيه الأديب النَّاظِم الناثر أَبُو الْقَاسِم بن الْحُسَيْن الغريسي ثمَّ السلاوي الْمَعْرُوف بِأبي زَائِدَة وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الأولى من السّنة وَدفن قرب ضريح الشَّيْخ ابْن عَاشر رضي الله عنه
وَفِي سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة وَألف فِي ضحى يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّامِن وَالْعِشْرين من الْمحرم مِنْهَا كسفت الشَّمْس كسوفا كليا وَسمي ذَلِك الْعَام عَام الظليماء
وَفِي سنة تسع عشرَة وَمِائَة وَألف توفّي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْهمام ذُو التصانيف المفيدة فِي كل فن الْحجَّة المتبرك بِهِ حَيا وَمَيتًا أَبُو سرحان سَيِّدي مَسْعُود جموع الفاسي ثمَّ السلاوي وَذَلِكَ يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع جُمَادَى الأولى من السّنة وَدفن بزاوية الشَّيْخ سَيِّدي أَحْمد حجي دَاخل مَدِينَة سلا
وَفِي سنة عشْرين وَمِائَة وَألف توفّي الْوَلِيّ الصَّالح العابد الناصح أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الله معن الأندلسي نزيل المخفية من فاس حرسها الله
وَفِي هَذِه السّنة أَيْضا كَانَ إِحْدَاث قِرَاءَة المسمع الحَدِيث المتضمن لأمر النَّاس بالإنصاف وَقَوله أَنْصتُوا رحمكم الله ثَلَاثًا عِنْد خُرُوج الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة من الْمَقْصُورَة وجلوسه على الْمِنْبَر
وَفِي سنة أثنتين وَعشْرين وَمِائَة وَألف وَذَلِكَ وَقت عصر الثُّلَاثَاء الثَّانِي وَالْعِشْرين من صفر مِنْهَا توفّي الْوَلِيّ الصَّالح سَيِّدي أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن سَيِّدي أَحْمد حجي الْمَعْرُوف بالجزار وَدفن بِإِزَاءِ قبر أَبِيه كَمَا مر
وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْعشْرين من ربيع الثَّانِي من السّنة الْمَذْكُورَة توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْأمين الْحَاج مُحَمَّد الصبيحي السلاوي ورثاه الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس سَيِّدي أَحْمد بن عبد الْقَادِر التستاوتي بقوله
(جزعنا وَإِن كُنَّا على الْعلم أَنه
…
إِذا مَا أَرَادَ الله أمرا تعجلا)
(لفقد الإِمَام الْمُجْتَبى الْعَالم الرضي
…
الصبيح وَمن فِي وقته قد تنبلا)
(وَإِلَّا فمختار الْإِلَه اختيارنا
…
وَنَرْجُو لَهُ خيرا عميما مكملا)
ورثاه أَيْضا صديقه الملاطف الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَاشر الحافي السلاوي رحم الله الْجَمِيع
وَفِي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة وَألف لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فاتح رَجَب مِنْهَا توفّي الْوَلِيّ الصَّالح الْعَالم الْعَامِل الْعَارِف الشهير الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْقَادِر التستاوتي من كبار أَصْحَاب الشَّيْخ ابْن نَاصِر وَمن حفدة الشَّيْخ أبي عبد الله مُحَمَّد بن مبارك الزعري الْمُتَقَدّم الذّكر ومآثر هَذَا الشَّيْخ أشهر من أَن تذكر وزواياه عميمة النَّفْع وَالْبركَة بالمغرب وَكَانَت وَفَاته بمكناسة الزَّيْتُون وضريحه بهَا شهير عِنْد رَوْضَة الشَّيْخ سَيِّدي عبد الله بن حَامِد رضي الله عنهم ونفعنا بهم
وَفِي سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة وَألف فِي الثَّامِن عشر من ربيع الأول مِنْهَا توفّي الشَّيْخ الْقدْوَة الإِمَام السّني أَبُو الْعَبَّاس سَيِّدي أَحْمد بن مُحَمَّد بن نَاصِر الدرعي وَهُوَ ولد الشَّيْخ ابْن نَاصِر الْمُتَقَدّم وخليفته ووارث سره وفضله رضي الله عنه أشهر من أَن يُنَبه عَلَيْهِ وَمن ذَلِك مَا حَكَاهُ الشَّيْخ أَبُو عَليّ الْحسن بن
مُحَمَّد المعداني فِي كِتَابه الرَّوْض اليانع الفائح فِي مَنَاقِب الشَّيْخ أبي عبد الله الصَّالح قَالَ حدث بعض الْعلمَاء الأجلة أَنه لما دخل الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن نَاصِر الدرعي الْمَدِينَة المشرفة فِي حجَّته الْأَخِيرَة جلس تجاه الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة وَالنَّاس يزدحمون عَلَيْهِ لأخذ الْعَهْد وتلقين الأوراد وَهُوَ منبسط لذَلِك فَقلت فِي نَفسِي إِن هَذَا الرجل مغرور رَاض عَن نَفسه كَيفَ يتَصَدَّى فِي هَذَا الْمَكَان الَّذِي تخضع فِيهِ الْمُلُوك وَجَمِيع الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة وَإِذا طلعت الشَّمْس اختفى السراج قَالَ فكاشفني بِمَا فِي نَفسِي والتفت إِلَيّ وَقَالَ وَالله مَا جَلَست لما ترَوْنَ حَتَّى أَمرنِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمَا أذعنت لَهُ حَتَّى هددت بالسلب قَالَ فَسَقَطت على يَدَيْهِ أقبلها وَقلت لَهُ يَا سَيِّدي أَنا تائب إِلَى الله تَعَالَى فَدَعَا لي وانصرفت وَمِمَّا حَكَاهُ صَاحب الْكتاب الْمَذْكُور قَالَ حدث الرجل الصَّالح الْبركَة الْفَقِيه الناصح سَيِّدي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المجاصي قَالَ كَانَ السُّلْطَان الْمولى إِسْمَاعِيل بن الشريف رحمه الله قد استدعى الشَّيْخ سَيِّدي أَحْمد بن نَاصِر وَكَانَ بِهِ حنق عَظِيم عَلَيْهِ وعزم إِذا وصل إِلَيْهِ أَن يفعل بِهِ مَكْرُوها لَا تدرى حَقِيقَته غير أَن الْأَمر شَدِيد فجَاء إِلَى الشَّيْخ جمَاعَة من الْعلمَاء الْأَعْلَام واصحابه الملازمين لَهُ وَقد تخوفوا عَلَيْهِ وعَلى أنفسهم غَايَة فَكَلَّمُوا الشَّيْخ فِي ذَلِك واستفهموه ليعلموا مَا عِنْده من عَادَة الله تَعَالَى مَعَ أوليائه من النُّصْرَة لَهُم والذب عَنْهُم فَلم يسمعوا مِنْهُ كلمة ثمَّ راجعوه فِي ذَلِك حَتَّى هابوه وسكتوا عَنهُ وَقدم الشَّيْخ الْمَذْكُور على السُّلْطَان فَلَمَّا انْتهى إِلَى قَصَبَة آكراي قرب مكناسة الزَّيْتُون إِذا بِرَجُل مجاطي يُقَال لَهُ الْحَاج عَمْرو لقِيه هُنَالك فَلَمَّا رَآهُ الشَّيْخ نزل عَن فرسه ليسلم عَلَيْهِ فَقَالَ الشَّيْخ مَا الْخَبَر يَا وَلَدي فَقَالَ الرجل مَا الْخَبَر يَا سَيِّدي وَالله لَوَدِدْت أَن سَيِّدي لم يصل إِلَى هُنَا وَلم يخرج من دَاره يَعْنِي أَن الْأَمر عَظِيم فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ رضي الله عنه بِلِسَان الْعِنَايَة الربانية وَلَا مَا يشوش إِذا كَانَ فِي رقبتك شبر وَأَشَارَ بِيَدِهِ فاعمل فِيهَا ذِرَاعا وَمد ذراعه ففرح الْعلمَاء الَّذين مَعَه وكل من حضر بِتِلْكَ الْمقَالة وتيقنوا الْأَمْن على الشَّيْخ وعَلى أنفسهم لما يعلمُونَ من عَادَة الله الْكَرِيمَة مَعَه فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ فَإِن السُّلْطَان جَاءَ إِلَيْهِ
بِنَفسِهِ وَهُوَ فِي رَوْضَة الشَّيْخ أبي عُثْمَان سعيد بن أبي بكر وتلقاه بِالْقبُولِ والتعظيم والتبجيل والتكريم وَصَافحهُ بِيَدِهِ وَجلسَ مَعَه فِي دَاخل الْقبَّة سَاعَة وَلما خرج السُّلْطَان رحمه الله من عِنْده جعل يُنَادي بِلِسَانِهِ فِي أَصْحَابه وَيَقُول زوروا سَيِّدي أَحْمد بن نَاصِر يَا النَّاس زوروا سَيِّدي أَحْمد بن نَاصِر يَا النَّاس ويكررها من صميم قلبه قَالَ سَيِّدي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم فَلَمَّا انْصَرف السُّلْطَان من عِنْد الشَّيْخ رضي الله عنه جِئْت إِلَيْهِ وَقلت لَهُ يَا سَيِّدي إِنَّا نَخَاف أَن ينزلنا السُّلْطَان بضريح الشَّيْخ سَيِّدي عبد الرَّحْمَن المجذوب وَيطول بِنَا الْمقَام فَقَالَ لي لَا نبقى إِلَّا هُنَا وَبعد غَد ننصرف إِلَى بِلَادنَا إِن شَاءَ الله فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ بعد أَن جَاءَ الْأُمُور من السُّلْطَان يَأْمُرهُ بالنزول بضريح الشَّيْخ المجذوب فَقَالَ لَا أنزل إِلَّا هُنَا فَبَقيَ فِي مَوْضِعه ثمَّ بعث إِلَيْهِ السُّلْطَان يَأْمُرهُ بالتوجه إِلَى بِلَاده مُعظما مكرما اه
وَفِي سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة وَألف فِي لَيْلَة عيد الْفطر مِنْهَا توفّي الْفَقِيه الْعَالم القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن الْعَلامَة أبي الْحسن عَليّ المراكشي وَصلي عَلَيْهِ من الْغَد وَدفن بالموضع الْمُسَمّى بالعلو من رِبَاط الْفَتْح
وَفِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف فِي لَيْلَة الْأَحَد ثامن عشر الْمحرم مِنْهَا توفّي الشَّيْخ الصَّالح أَبُو عَليّ الْحسن بن عبد الله العايدي السجيري وَدفن بزاوية من حومة السويقة من سلا وَفرغ من بِنَاء قُبَّته فِي رَجَب من السّنة بعْدهَا
وَفِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشر رَجَب مِنْهَا توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة خَاتِمَة الْمُحَقِّقين وَآخر قُضَاة الْعدْل بفاس الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ بن أَحْمد بردلة الفاسي وَفِي التَّارِيخ الْمَذْكُور توفّي الشَّيْخ الْعَلامَة المتبرك بِهِ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن سُلَيْمَان ذُو التآليف العديدة فِي الْحساب وَغَيره بِحَضْرَة مراكش رحمه الله
وَفِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف كَانَت جَائِحَة الْجَرَاد بالعدوتين سلا ورباط الْفَتْح وأعمالهما وَخَلفه قمله السمي فِي لِسَان المغاربة بآمرد فَكَانَ