الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مائَة فَارس من عبيده بعيالهم
وَلما انْتهى إِلَى فاس أنزل بقصبة الْخَمِيس الَّتِي بنى سورها الْمولى الرشيد خَمْسمِائَة من الْخَيل بعيالهم من شراقة الْعَرَب والبربر الَّذين قدمُوا مَعَ الْمولى الرشيد رحمه الله حَسْبَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ
ثمَّ أَمر رحمه الله بِبِنَاء قلعة بالمهدومة وَأُخْرَى بالجديدة من أَعمال مكناسة وَأنزل بِكُل وَاحِدَة مائَة من خيل العبيد بعيالهم لحراسة الطرقات وَبِكُل قلعة فندق لمبيت القوافل وَأَبْنَاء السَّبِيل ثمَّ دخل السُّلْطَان رحمه الله حَضرته مؤيدا منصورا وَذَلِكَ فِي خَامِس شعْبَان سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَألف
فتح المهدية ومحاربة ابْن مُحرز بالسوس وَمَا تخَلّل ذَلِك
قد تقدم لنا مَا كَانَ من اسْتِيلَاء جنس الإصبنيول على المعمورة الْمُسَمَّاة بالمهدية فِي حُدُود الْعشْرين بعد الْألف وَمَا كَانَ بَينهم وَبَين أبي عبد الله العياشي وَأهل سلا من الحروب واستمروا بهَا إِلَى أَن كَانَت سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف فافتتحها جَيش السُّلْطَان الْمولى إِسْمَاعِيل رحمه الله
قَالَ فِي النزهة وَمن محَاسِن الدولة الإسماعيلية تنقية الْمغرب من نَجَاسَة الْكفْر ورد كيد الْعَدو عَنهُ قَالَ وَقد فتح السُّلْطَان الْمولى إِسْمَاعِيل عدَّة مدن من يَد النَّصَارَى كَانَت من مفاسد الْمغرب وَلم يهنأ للْمُسلمين مَعَهم قَرَار من ذَلِك المعمورة فَإِنَّهُ رحمه الله قد افتتحها عنْوَة بعد أَن حاصرها مُدَّة وَكَانَ فتحهَا يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر ربيع الثَّانِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف وَأسر بهَا نَحْو الثلاثمائة من الْكفَّار اهـ وَقَالَ فِي نشر المثاني كَانَ فتح المهدية عنْوَة عِنْد صَلَاة الْجُمُعَة خَامِس عشر ربيع الثَّانِي من السّنة قيل بِقِتَال وَقيل بِدُونِ قتال وَإِنَّمَا أخذت بِقطع المَاء عَنْهَا وَجِيء بالنصارى الَّذين كَانُوا بهَا أُسَارَى وَلم يصب أحد من الْمُسلمين
وَقَالَ فِي الْبُسْتَان وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف ورد الْخَبَر على
السُّلْطَان إِسْمَاعِيل بِأَن ابْن أَخِيه الْمولى أَحْمد بن مُحرز الَّذِي بالسوس قد استولى على بِلَاد آيت زَيْنَب وقويت شوكته فَأمر السُّلْطَان رحمه الله بتفريق الرَّاتِب وتجهيز العساكر إِلَيْهِ من فاس وتوجهت فِي ثامن ربيع الأول من السّنة ثمَّ بلغه أَن الْعَسْكَر المحاصر للمهدية قد أشرف على فتحهَا وتوقفوا على حُضُوره فَنَهَضَ رحمه الله إِلَيْهِم حَتَّى حضر الْفَتْح وَأخرج رَئِيس النَّصَارَى فَأَمنهُ وَأمن أَصْحَابه وَكَانُوا ثَلَاثمِائَة وَسِتَّة أنفس وَأما الْغَنِيمَة فقد أحرزها المجاهدون من أهل الفحص والريف الَّذين كَانُوا مرابطين عَلَيْهَا مَعَ الْقَائِد عمر بن حدو البطوئي وَرجع السُّلْطَان إِلَى مكناسة بعد أَن أنزل بالمهدية طَائِفَة من عبيد السوس لعمارتها وسد فرجتها وَحضر هَذَا الْفَتْح جمَاعَة من متطوعة أهل سلا مِنْهُم الْوَلِيّ الصَّالح أَبُو الْعَبَّاس سَيِّدي أَحْمد حجي من صلحائها الْمَشْهُورين بهَا وَاعْلَم أَن السُّور العادي الَّذِي الْيَوْم بالمهدية هُوَ من بِنَاء البرتغال أَيَّام استيلائهم عَلَيْهَا فِي دولة الوطاسيين كَمَا مر
وَلما فرغ المجاهدون من أَمر المهدية ارتحلوا مَعَ أَمِيرهمْ عمر بن حدو فَأَصَابَهُ الوباء فَمَاتَ فِي الطَّرِيق وَتَوَلَّى رئاسة الْمُجَاهدين أَخُوهُ الْقَائِد أَحْمد بن حدو تقسمها هُوَ والقائد أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الله الريفي وَكَانَ أَوْلَاد الريفي هَؤُلَاءِ من الشُّهْرَة فِي الْجِهَاد والمكانة فِي الشجَاعَة ومكائد الْحَرْب بِمَنْزِلَة أَوْلَاد النقسيس وَأَوْلَاد أبي الليف وأضرابهم رحم الله الْجَمِيع
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف فِيهَا غزا السُّلْطَان بِلَاد الشرق فنهب بني عَامر وَرجع إِلَى مكناسة وَأمر بِإِخْرَاج أهل الذِّمَّة من الْمَدِينَة وَبنى لَهُم حارة خَارِجهَا بالموضع الْمَعْرُوف ببريمة وكلف أهل تافيلالت الَّذين بفاس بالرحيل إِلَى مكناسة وَالسُّكْنَى بحارة الْيَهُود الْقَدِيمَة الَّتِي أخليت فَلم يزل أهل تافيلالت يذهبون أَرْسَالًا ويسكنونها بالكراء حَتَّى ضَاقَتْ بهم
ثمَّ بلغه أَن التّرْك قد خَرجُوا بعسكرهم واستولوا على بني يزناسن وعَلى
دَار ابْن مشعل وَأَنَّهُمْ قد مدوا يَد الْوِفَاق إِلَى ابْن مُحرز وراسلوه وراسلهم وانبرم كَلَامهم مَعَه على حَرْب السُّلْطَان وبلغه مثل ذَلِك من نَائِبه بمراكش فَكتب إِلَيْهِ أَن يحْتَاط فِي حراسة مراكش وَيَأْخُذ بالحزم فِي ذَلِك وَيُقِيم فِي نحر ابْن مُحرز إِلَى أَن يرجع السُّلْطَان من غَزْو تلمسان ثمَّ خرج رحمه الله بالعساكر لمصادمة التّرْك فَوَجَدَهُمْ قد رجعُوا إِلَى بِلَادهمْ لما بَلغهُمْ من خُرُوج النَّصَارَى بشرشال فَسَارُوا إِلَيْهِم وفتكوا فيهم فتكة بكرا وردوهم على أَعْقَابهم صاغرين وَرجع السُّلْطَان رحمه الله من وجهته وَقد دخلت سنة أَربع وَتِسْعين وَألف فَسَار على تفئته إِلَى مراكش فأراح بهَا ثمَّ نَهَضَ مِنْهَا إِلَى السوس فَالتقى بِابْن أَخِيه الْمولى أَحْمد بن مُحرز فِي أَوَاخِر ربيع الثَّانِي من السّنة وَقَامَت الْحَرْب بَينهمَا على سَاق وَاسْتمرّ الْقِتَال نَحوا من خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا هلك فِيهَا من الْفَرِيقَيْنِ مَا لَا يُحْصى وَدخل ابْن مُحرز تارودانت فتحصن بهَا وَكَانَ الْوَقْت وَقت غلاء فَضَاقَ الْأَمر على أهل الْحَرَكَة فَجعلُوا يهربون وَكثر فيهم السجْن وَالضَّرْب وَالرَّدّ إِلَيْهَا فِي الْحِين ثمَّ كَانَ بَينهمَا حَرْب أُخْرَى هلك فِيهَا خلق كثير نَحْو أَلفَيْنِ وجرح السُّلْطَان وجرح ابْن مُحرز أَيْضا وَذَلِكَ فِي أواسط جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك إِلَى رَمَضَان من السّنة
قَالَ أَبُو عبد الله أكنسوس حَدثنِي بعض الثِّقَات أَن السُّلْطَان الْمولى إِسْمَاعِيل رحمه الله لما أعياه أَمر ابْن أَخِيه الْمَذْكُور أصبح ذَات يَوْم دهشا كئيبا فَقَالَ لوزيره الْفَقِيه أبي الْعَبَّاس اليحمدي إِنِّي رَأَيْت فِي هَذِه اللَّيْلَة رُؤْيا أحزنتني إِلَى الْغَايَة فَقَالَ وَمَا هِيَ يَا مَوْلَانَا وَعَسَى أَن تكون خيرا قَالَ رَأَيْت كَأَن هَذِه الْجنُود الَّتِي مَعنا مَا بَقِي مِنْهَا أحد وَلم يبْق إِلَّا أَنا وَأَنت مختفيين فِي غَار مظلم فَسجدَ الْوَزير اليحمدي شكرا لله تَعَالَى وَأطَال السُّجُود ثمَّ رفع رَأسه وَقَالَ أبشر يَا مَوْلَانَا فقد نصرنَا الله على هَذَا الرجل فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان وَمن أَيْن لَك ذَلِك فَقَالَ لَهُ من قَوْله تَعَالَى {ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن إِن الله مَعنا} التَّوْبَة 40