الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للصلح الَّذِي كَانَ انْعَقَد بَينه وَبَين السُّلْطَان مصطفى العثماني كَمَا مر
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَمِائَة وَألف فِيهَا غزا السُّلْطَان بِلَاد الشرق وَحَارب التّرْك بهَا لانتقاض الصُّلْح الَّذِي كَانَ بَينه وَبينهمْ بِسَبَب غارات الْمولى زَيْدَانَ الْمُتَقَدّمَة وَلما قفل السُّلْطَان من وَجهه هَذِه هلك من جنده أثْنَاء الطَّرِيق عدد كَبِير من الْعَطش فَمن أهل فاس بالخصوص أَرْبَعُونَ نفسا سوى من هلك من غَيرهم وَفِي هَذِه السّنة قتل الْقَائِد عبد الْخَالِق بن عبد الله الروسي صَاحب فاس عبدا من عبيد دَار السُّلْطَان دخل عَلَيْهِ بِغَيْر إِذْنه فَقتله فَبعث السُّلْطَان وَلَده الْمولى حفيدا من مكناسة إِلَى فاس ليَأْتِيه بِهِ فاستشفع إِلَيْهِ عبد الْخَالِق بالعلماء والأشراف فَلم يُقَيِّدهُ الْمولى حفيد وَذهب بِهِ مسرحا فَلَمَّا دخل على السُّلْطَان بمكناسة عَفا عَنهُ وَرجع إِلَى فاس سالما
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَة وَألف فِيهَا استدعى السُّلْطَان عبد الْخَالِق الروسي من فاس فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ قَتله وَبعث ابْنه الْمولى زَيْدَانَ إِلَى فاس وَبعث مَعَه حمدون بن عبد الله الروسي واليا عَلَيْهَا بَدَلا من أَخِيه الْمَقْتُول وَالله أعلم
تنَازع أَوْلَاد السُّلْطَان وثورة الْمولى مُحَمَّد الْعَالم مِنْهُم بالسوس ومقتله
لما دخلت سنة أَربع عشرَة وَمِائَة وَألف وصل الْمولى عبد الْملك بن السُّلْطَان صَاحب درعة إِلَى ضريح الْمولى إِدْرِيس الْأَكْبَر بزرهون مهزوما لاستيلاء أَخِيه الْمولى أبي النَّصْر على درعة وتغلبه على تِلْكَ النواحي فَبعث السُّلْطَان وَلَده الْمولى الشريف إِلَى درعة واليا عَلَيْهَا فثار الْمولى مُحَمَّد الْعَالم بِبِلَاد السوس ودعا لنَفسِهِ وزحف إِلَى مراكش فحاصرها فِي رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَفِي الْعشْرين من شَوَّال اقتحمها عنْوَة بِالسَّيْفِ فَقتل
وَنهب وَلما اتَّصل خَبره بالسلطان بعث وَلَده الْمولى زَيْدَانَ فِي العساكر لقتاله فَقدم مراكش فصادف الْمولى مُحَمَّدًا قد خرج عَنْهَا وَعَاد إِلَى تارودانت وَلما احتل الْمولى زَيْدَانَ بمراكش عاثت عساكره فِيهَا ثمَّ تبع أَخَاهُ الْمولى مُحَمَّدًا الْعَالم إِلَى السوس فَنزل على تارودانت واتصلت الْحَرْب بَينهمَا إِلَى أَن دخلت سنة خمس عشرَة وَمِائَة وَألف وفيهَا قدم الْمولى حفيد حَضْرَة فاس الْجَدِيد ووظف على أهل فاس مغرما ثقيلا وَجَاء الزعيم واليا عَلَيْهَا ثمَّ عزل وَولى مَكَانَهُ أَبُو عَليّ الروسي فَقتل أُنَاسًا وصلبهم وَفِي متم شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة مَاتَ الْمولى حفيد بفاس الْجَدِيد هَذَا كُله وَالْحَرب قَائِمَة بَين الْمولى زَيْدَانَ وَالْمولى مُحَمَّد الْعَالم
ثمَّ دخلت سنة سِتّ عشرَة وَمِائَة وَألف فَفِي ثَالِث صفر مِنْهَا ورد أَمر السُّلْطَان على فاس بِأَن تُعْطى كل عتبَة عظم سرج وَلَا يحرر من ذَلِك أحد كَائِنا من كَانَ
وَفِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من صفر الْمَذْكُور ورد الْخَبَر باستيلاء الْمولى زَيْدَانَ على تارودانت وَقَبضه على أَخِيه الْمولى مُحَمَّد الْعَالم بعد محاربته لَهُ ثَلَاث سِنِين هلك فِيهَا أُمَم وقواد ورؤساء وأعيان يطول ذكرهم وَلما دَخلهَا الْمولى زَيْدَانَ عنْوَة قتل جَمِيع من بهَا حَتَّى النِّسَاء وَالصبيان هَكَذَا فِي الْبُسْتَان وَفِي رَابِع ربيع الأول من السّنة وصل الْمولى مُحَمَّد الْعَالم مَقْبُوضا عَلَيْهِ إِلَى وَادي بهت فَبعث السُّلْطَان من قطع يَده وَرجله من خلاف بعقبة بهت وَلما وصل إِلَى مكناسة خَامِس عشر الشَّهْر الْمَذْكُور هلك رحمه الله
قَالَ أَبُو عبد الله أكنسوس لما توفّي الْمولى مُحَمَّد الْعَالم صلى عَلَيْهِ القَاضِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ بردلة فنقم عَلَيْهِ ذَلِك بعض الحسدة وأوغر قلب السُّلْطَان عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ إِنَّه يبغضك وَلَوْلَا شدَّة بغضه لَك مَا نَازع إِلَى الصَّلَاة على عَدوك الَّذِي ثار عَلَيْك ورام نزع الْملك من يدك فَكتب السُّلْطَان إِلَى القَاضِي بردلة يتهدده ويوبخه فَأَجَابَهُ القَاضِي بِأَن صلَاته نظيرة صَلَاة الْحسن الْبَصْرِيّ على الْحجَّاج بن يُوسُف فَلَمَّا ليم على ذَلِك قَالَ استحييت من الله تَعَالَى أَن أستعظم ذَنْب الْحجَّاج فِي جنب كرم الله الغفور الرَّحِيم
على أنني مَا صليت عَلَيْهِ بِغَيْر إِذن بل خرج الْإِذْن من الدَّار المولوية وَبلغ ذَلِك مبلغ الشُّهْرَة الَّتِي لم يبْق مَعهَا شكّ وَذَلِكَ على لِسَان مترجم ينْسب الْأَمر إِلَى الْجَانِب المولوي فَلَا افتيات بعد ذَلِك بل الْوَاجِب هُوَ الْقيام بذلك وَلَو بِغَيْر إِذن إجلالا وتعظيما لجَانب مَوْلَانَا نَصره الله وَلما قَالَ صلى الله عليه وسلم لعَلي بن أبي طَالب رضي الله عنه فِي قَضِيَّة الحديبيه امح لَفْظَة رَسُول الله قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه وَالله لَا أمحوه أبدا فتعارض وجوب امْتِثَال أَمر الرَّسُول بالمحو وَوُجُوب الإجلال لمقامه الأرفع فرجح رضي الله عنه وجوب الإجلال ثمَّ الصَّحِيح أَن الْحُدُود كَفَّارَات فَفِي الصَّحِيح عَن عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه وَمن أصَاب من ذَلِك شَيْئا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ اه بِاخْتِصَار
قَالَ أكنسوس وَكَانَت هَذِه الْقَضِيَّة من الْفِتَن الْعَظِيمَة بالمغرب عَمت أهل الْقطر السُّوسِي وخصت أَعْيَان غَيرهم من الْعلمَاء الَّذين كَانُوا يخالطون الْمولى مُحَمَّد الْعَالم لَوْلَا لطف الله تَعَالَى فَإِن الشَّيْخ أَبَا عبد الله المسناوي الدلائي كَانَ من أخص النَّاس بالمولى مُحَمَّد فوشى بِهِ إِلَى السُّلْطَان وَقيل لَهُ إِنَّه من شدَّة اتِّصَاله بِهِ لَا يغيب عَنهُ عزمه على الْقيام عَلَيْك فَهُوَ إِذا مُوَافق لَهُ على ذَلِك فبادر بعض أَصْحَاب السُّلْطَان مِمَّن كَانَ يجنح للمسناوي بالاعتذار عَنهُ بِأَنَّهُ كَانَ ينهاه عَن الْقيام وَأنْشد للمسناوي فِي ذَلِك
(مهلا فَإِن لكل شَيْء غَايَة
…
والدهر يعكس حِيلَة الْمُحْتَال)
(فالبدر لَيْسَ يلوح سَاطِع نوره
…
وَالشَّمْس فاهرة السنا فِي الْحَال)
(فَإِذا تَوَارَتْ بالحجاب فَعِنْدَ ذَا
…
يَبْدُو بَدو تعزز وجمال)
فَوَقع ذَلِك من السُّلْطَان وَتحقّق بَرَاءَة الشَّيْخ رحم الله الْجَمِيع قَالَ أكنسوس وَقَوْلنَا عَمت أهل الْقطر السُّوسِي لِأَن ظُهُوره التَّام إِنَّمَا كَانَ هُنَالك وَلِأَن جلّ من ينتسب إِلَى الْعلم وَالصَّلَاح مِنْهُم كَانُوا مَعَه موافقين لَهُ ومؤيدين فعله اه قَالَ فِي نشر المثاني كَانَ الْمولى مُحَمَّد الْعَالم ماهرا فِي فنون شَتَّى كالنحو وَالْبَيَان والمنطق وَالْكَلَام وَالْأُصُول وَكَانَ ينفعل للشعر وتأخذه
أريحية الْأَدَب وَكتب لَهُ أَخُوهُ مولَايَ الشريف فِي صدر كتاب بعث بِهِ إِلَيْهِ مَا خَاطب بِهِ سيف الدولة بن حمدَان أَخَاهُ نَاصِر الدولة
(رضيت لَك الْعليا وَإِن كنت أَهلهَا
…
وَقلت لَهُم بيني وَبَين أخي فرق)
(أما كنت ترْضى أَن أكون مُصَليا
…
إِذا كنت أرْضى أَن يكون لَك السَّبق)
فاقترح الْمولى مُحَمَّد على الشَّيْخ أبي عبد الله المسناوي أَن يَنُوب عَنهُ فِي الْجَواب لِأَنَّهُ كَانَ فِي جملَة الوافدين عَلَيْهِ حِينَئِذٍ فَقَالَ رحمه الله
(بلَى قد رضيت أَن تكون مجليا
…
وَيَتْلُو نداكم فِي الْعلَا من لَهُ السَّبق)
(وَمَالِي لَا أرْضى لَك الْمجد كُله
…
وَأَنت شَقِيق النَّفس إِن عرف الْحق)
(وَلَكِن ذَوُو الضغن انتحوا ذَات بَيْننَا
…
فغادرنا إفسادهم وَبهَا رفق)
وَفِي هَذَا التَّارِيخ أَعنِي سنة سبع عشرَة وَمِائَة وَألف انتزع النجليز جبل طَارق من يَد الإصبنيول حاصره ثَلَاثَة أَيَّام برا وبحرا فِي جند يسير فملكه لاشتغال الإصبنيول يَوْمئِذٍ عَنهُ بِأَمْر الْفِتْنَة الَّتِي حدثت فِي ملكه وَلما ملكه النجليز عظم ذَلِك على أَجنَاس الفرنج خُصُوصا الإصبنيول والفرنسيس وَرَأَوا أَن النجليز قد ملك عَلَيْهِم بَاب أوروبا وَلذَا حاصروه مرَارًا فَلم يحصلوا مِنْهُ على طائل وَاسْتمرّ فِي يَده إِلَى الْآن
وَلما دخلت سنة تسع عشرَة وَمِائَة وَألف ورد الْخَبَر بِمَوْت الْمولى زَيْدَانَ ابْن السُّلْطَان بتارودانت وَحمل فِي تَابُوت إِلَى مكناسة فَدفن لَيْلًا إِلَى جَانب أَخِيه الْمولى مُحَمَّد الْعَالم
وَفِي هَذِه السّنة أَمر السُّلْطَان بهدم قصر البديع الَّذِي بناه الْمَنْصُور السَّعْدِيّ بقصبة مراكش وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ قَالَ اليفرني فِي النزهة وَمن الْعَجَائِب أَنه لم يبْق بلد من بِلَاد الْمغرب إِلَّا ودخله شَيْء من أنقاض البديع اه
ثمَّ دخلت سنة عشْرين وَمِائَة وَألف فِيهَا افْتتح التّرْك مَدِينَة وهران وَكَانَت بيد الإصبنيول مُدَّة فَردهَا الله على الْمُسلمين يَوْمئِذٍ وفيهَا أَمر السُّلْطَان بِقِرَاءَة حَدِيث الْإِنْصَات يَوْم الْجُمُعَة عِنْد خُرُوج الْخَطِيب وجلوسه على الْمِنْبَر