الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مَا صدر من السُّلْطَان الْمولى المستضيء من العسف وَالِاضْطِرَاب
لما اسْتَقر السُّلْطَان الْمولى المستضيء بمكناسة كَانَ أول مَا بَدَأَ بِهِ أَن بعث بأَخيه الْمولى مُحَمَّد بن عريبة مُقَيّدا إِلَى فاس وَمِنْهَا إِلَى سجلماسة فسجن بهَا وَبعث بقائده السَّيِّد عبد الْمجِيد المشامري وَالشَّيْخ أبي زيد عبد الرَّحْمَن الشَّامي يسجنان بفاس الْجَدِيد ونهبت دَار المشامري وصودر إِلَى أَن مَاتَ تَحت الْعَذَاب وَمثل بِهِ ثمَّ بعث السُّلْطَان كِتَابه إِلَى أهل فاس وَلَكِن رسم أَن يقْرَأ بفاس الْجَدِيد ويحضر أَعْيَان أهل فاس لاستماعه فارتابوا وتغيبوا وَلم يحضر مِنْهُم الا نَحْو الْعشْرين فَقبض عَلَيْهِم وسجنوا هُنَالك ثمَّ وظف عَلَيْهِم مَال ثقيل لم يقومُوا بِهِ
وافتقرت الدولة فِي أَيَّام هَذَا السُّلْطَان وَاحْتَاجَ إِلَى المَال ليقطع عَنهُ لِسَان العبيد فَأخذ فِي الْبَحْث عَمَّا فِي المخازن الإسماعيلية الَّتِي لم يلْتَفت إِلَيْهَا الْمُلُوك قبله فَوَقع على خزين من الْحَدِيد فاستخرجه وَبَاعه وَوَقع على الخزين الْكَبِير وَفِيه آلَاف من قناطير الكبريت فَبَاعَهَا أَيْضا وَوجد شَيْئا كثيرا من ملح البارود والشب والبقام وَغير ذَلِك مِمَّا كَانَ يجلب إِلَى الحضرة من غَنَائِم أَجنَاس الفرنج فَبَاعَ ذَلِك كُله ثمَّ اقتلع شراجب الْقبَّة الشطرنجية وَكَانَت من نُحَاس مَذْهَب واقتلع الدرابيز الَّتِي عَن يَمِينهَا وشمالها من الْحَدِيد الْمُنْتَخب من بَاب الرخام إِلَى قصر الْمولى يُوسُف وَدفعهَا لأهل الذِّمَّة وألزمهم أَدَاء ثمنهَا فأجحف بهم ثمَّ أنزل المدافع النحاسية الَّتِي كَانَت بأبراج الحضرة فَكَسرهَا وضربها فُلُوسًا فَمَا أغْنى ذَلِك شَيْئا وَقتل فِي هَذِه الْمدَّة نيفا وَثَمَانِينَ رجلا من عرب بني حسن وسلط الْعَذَاب على مساجين أهل فاس ليغرموا المَال فغرموا مَا قدرُوا عَلَيْهِ ثمَّ أَمر بِالْقَبْضِ على تجار أهل فاس ليشتروا أصُول مساجينهم فعذبوا إِلَى أَن أَدّوا بعض المَال وعجزوا وَأفْتى الْعلمَاء أَن هَذَا البيع الْوَاقِع فِي هَذِه الْأُصُول صَحِيح تَقْدِيمًا لخلاص الْأَنْفس على الْأَمْوَال
ثمَّ قبض هَذَا السُّلْطَان على شرِيف من الْأَشْرَاف الْعِرَاقِيّين من أهل حومة كرنيز اتهمه بِأَن الْحرَّة خناثى بنت بكار استودعته مَالا فَضرب وامتحن ثمَّ ولى على فاس الْمولى أَبَا حَفْص عمر الْمدنِي وَكَانَ رَفِيقه وجليسه فاستناب الْمولى أَبُو حَفْص على فاس رجلا يُقَال لَهُ ابْن زيان الْأَعْوَر وَتقدم إِلَيْهِ فِي مصادرة أَشْرَاف فاس واستصفاء أَمْوَالهم فامتثل ابْن زيان أمره وَمَا قصر وَكَانَ الْحَامِل لأبي حَفْص على هَذَا أَن دَاره بفاس كَانَت قد نهبت أَيَّام الْمولى مُحَمَّد بن عريبة وَلم يُنكر ذَلِك أحد من أهل فاس فحقدها أَبُو حَفْص عَلَيْهِم إِلَى أَن أدالته الْأَيَّام مِنْهُم فِي هَذِه الْمرة فَفعل ابْن زيان مَا فعل فَأمر السُّلْطَان الْمولى المستضيء بِالْقَبْضِ على ابْن زيان وَأَن يُطَاف بِهِ على حمَار والسياط فِي ظَهره وَهُوَ يَقُول هَذَا جَزَاء من يُؤْذِي الْأَشْرَاف فطيف بِهِ ثمَّ أزيل رَأسه وعلق على بَاب المحروق هَذَا والأشراف لَا زَالُوا فِي الْعَذَاب ثمَّ أَمر بمساجين أهل فاس فحملوا إِلَيْهِ فِي السلَاسِل والأغلال ثمَّ قتلوا بِبَاب القصبة عَن آخِرهم وَأمر بِإِخْرَاج ولد مامي من الْحرم الإدريسي فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ قَتله وأسرف الْمولى المستضيء فِي الْقَتْل والعسف وَأَرَادَ أَن يتشبه بأَخيه الْمولى عبد الله الَّذِي جرد السَّيْف وَبسط الْكَفّ فَغطّى سخاؤه عَيبه وهيهات فقد كَانَ الْمولى المستضيء مسيكا مهزوم الرَّايَة على مَا قيل تغمدنا الله وإياه وَالْمُسْلِمين بِالرَّحْمَةِ وَالْعَفو والغفران ثمَّ قتل الْقَائِد غانما الحاجي ووالي مكناسة الْقَائِد سعدون وَسِتَّة من أَوْلَاد الزياتي أَصْحَاب السجْن
ثمَّ إِن السُّلْطَان الْمولى عبد الله أغرى البربر الَّذين كَانَ مُقيما فيهم بشن الغارات على الودايا والعيث فِي طرقاتهم فَفَعَلُوا وانقطعت السبل وَتعذر المعاش وَكَانَ الْمولى زين العابدين بن إِسْمَاعِيل مَحْبُوسًا عِنْد أَخِيه السُّلْطَان الْمولى المستضيء فَأمر بِإِخْرَاجِهِ وإحضاره بَين يَدَيْهِ فأحضر وَضرب ضرب التّلف وَبعث بِهِ مُقَيّدا إِلَى تافيلالت ليسجن مَعَ بعض أَشْرَافهَا فَبعث العبيد جمَاعَة مِنْهُم فانتزعوه من يَد حامليه وبعثوا بِهِ إِلَى الْقَائِد أبي الْعَبَّاس أَحْمد الكعيدي ببني يازغة وتقدموا إِلَيْهِ فِي الاحتفاظ بِهِ والاعتناء بِشَأْنِهِ