الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمحلة إِلَى الصَّحرَاء وَرجع السُّلْطَان إِلَى مكناسة فَدَخلَهَا فِي أواسط شَوَّال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف
وَفِي هَذِه الْأَيَّام ولي قَضَاء فاس الْفَقِيه الْوَرع أَبَا عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ بردلة بعد عزل القَاضِي أبي عبد الله المجاصي وَولي مظالمها وجبايتها عبد الله الروسي وَولي مواريثها أَبَاهُ حمدون وَأمر بقتل أهل تطاوين الَّذين كَانُوا بسجن فاس وهم عشرُون فَضربت أَعْنَاقهم وَرفعت على الأسوار ثمَّ جِيءَ بالمولى الحران من الصَّحرَاء مُقَيّدا مغلولا فَلَمَّا قابله من عَلَيْهِ وَأطْلقهُ وَأَعْطَاهُ خيلا وأقطعه مداشر بالصحراء يتعيش بهَا وسرحه إِلَى حَال سَبيله
عود الْكَلَام إِلَى بِنَاء حَضْرَة مكناسة الزَّيْتُون
وَاسْتمرّ السُّلْطَان الْمولى إِسْمَاعِيل رحمه الله بمكناسة قَائِما على بِنَاء حضرتها بِنَفسِهِ وَكلما أكمل قصرا أسس غَيره وَلما ضَاقَ مَسْجِد القصبة بِالنَّاسِ أسس الْجَامِع الْأَخْضَر أعظم مِنْهُ وَجعل لَهُ بَابَيْنِ بَابا إِلَى القصبة وبابا إِلَى الْمَدِينَة وَجعل رحمه الله لهَذِهِ القصبة عشْرين بَابا عَادِية فِي غَايَة السعَة والارتفاع مقبوة من أَعْلَاهَا وَفَوق كل بَاب مِنْهَا برج عَظِيم عَلَيْهِ من المدافع النحاسية الْعَظِيمَة الأجرام والمهاريس الحربية الهائلة الأشكال مَا يقْضِي مِنْهُ الْعجب وَجعل فِي هَذِه القصبة بركَة عَظِيمَة تسير فِيهَا الْفلك والزوارق المتخذة للنزهة والأنبساط وَجعل بهَا هريا عَظِيما لاختزان الطَّعَام من قَمح وَغَيره مقبو القنانيط يسع زرع أهل الْمغرب وَجعل بجواره سواقي للْمَاء فِي غَايَة المعمق مقبوا عَلَيْهَا وَجعل فِي أَعْلَاهَا برجا عَظِيما مستدير الشكل لوضع المدافع الموجهة إِلَى كل جِهَة وَجعل بهَا إصطبلا عَظِيما لربط خيله وبغاله مسيرَة فَرسَخ فِي مثله مسقف الجوانب بالبرشلة على أساطين وأقواس عَظِيمَة فِي كل قَوس مربط فرس وَبَين الْفرس وَالْفرس عشرُون شبْرًا يُقَال إِنَّه كَانَ مربوطا بِهَذَا الإصطبل اثْنَي عشر ألف فرس مَعَ كل فرس سائس من
الْمُسلمين وخادم من أسرى النَّصَارَى يتَوَلَّى خدمته وَفِي هَذَا الإصطبل سانية من المَاء دَائِرَة عَلَيْهِ مقبوة الظّهْر وأمام كل فرس مِنْهَا ثقب كالمعدة لشربه وَفِي وسط هَذَا الإصطبل قباب معدة لوضع سروج الْخَيل على أشكال مُخْتَلفَة وَفِيه أَيْضا هري عَظِيم مربع الشكل مقبو الْأَعْلَى على أساطين عَظِيمَة وأقواس هائلة لوضع سلَاح الفرسان أَصْحَاب الْخَيل وَينفذ إِلَيْهِ الضَّوْء من شبابيك فِي جوانبه الْأَرْبَعَة كل شباك ينيف وَزنه على قِنْطَار من حَدِيد وَفَوق هَذَا الهري من أَعْلَاهُ قصر يُقَال لَهُ الْمَنْصُور وَلَا يقصر ارتفاعه من مائَة ذِرَاع خَمْسُونَ فِي الْأَسْفَل وَخَمْسُونَ فِي الْأَعْلَى وَفِيه عشرُون قبَّة فِي كل قبَّة طاق عَلَيْهِ شباك من حَدِيد يشرف مِنْهُ أهل الْقبَّة على بسيط مكناسة من الْجَبَل إِلَى الْجَبَل وكل قبَّة مسقفة بالبرشلة والقرمود وَغير ذَلِك ثمَّ أَربع قباب مِنْهَا متقابلة سَعَة كل وَاحِدَة مِنْهَا سَبْعُونَ شبْرًا فِي مثلهَا وَبَاقِي الْعشْرين أَرْبَعُونَ ويجاور هَذَا الإصطبل بُسْتَان على قدر طوله فِيهِ من شجر الزَّيْتُون وأنواع الْفَوَاكِه كل غَرِيب طوله فَرسَخ وَعرضه ميلان ويتخلل هَذِه الْقُصُور الَّتِي فِي دَاخل القلعة بشوارع مستطيلة متسعة وأبواب عَظِيمَة فاصلة بَين كل نَاحيَة وَبَين الْأُخْرَى ورحاب عَظِيمَة مربعة معدة لعمارة المشور فِي كل جَانب إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا يُحِيط بِهِ الْوَصْف
قَالَ صَاحب الْبُسْتَان وَقد شاهدنا آثَار الأقدمين بالمشرق وَالْمغْرب وبلاد التّرْك وَالروم فَمَا رَأينَا مثل ذَلِك فِي دولهم وَلَا شَاهَدْنَاهُ فِي آثَارهم بل لَو اجْتمعت آثَار دوَل مُلُوك الْإِسْلَام لرجح بهَا مَا بناه السُّلْطَان الْأَعْظَم الْمولى إِسْمَاعِيل رحمه الله فِي قلعة مكناسة دَار ملكه وَلم تزل تِلْكَ البناءات على طول الدَّهْر قَائِمَة كالجبال لم تخلفها عواصف الرِّيَاح وَلَا كَثْرَة الأمطار والثلوج وَلَا آفَات الزلازل الَّتِي تخرب المباني الْعِظَام والهياكل الجسام قَالَ وَمن يَوْم مَاتَ الْمولى إِسْمَاعِيل والملوك من بنيه وحفدته يخربون تِلْكَ الْقُصُور على قدر وسعهم وبحسب طاقتهم ويبنون بأنقاضها من خشب وزليج