الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفَاة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى الرشيد رحمه الله
كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى الرشيد رحمه الله فِي هَذِه الْمدَّة مُقيما بمراكش كَمَا قُلْنَا إِلَى أَن كَانَ عيد الْأَضْحَى من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف فَلَمَّا كَانَ ثَانِي يَوْم النَّحْر وَهُوَ يَوْم الْخَمِيس ركب فرسا لَهُ وأجراه فجمح بِهِ فِي بُسْتَان المسرة وَلم يملك عنانه فَأَصَابَهُ فرع شَجَرَة نارنج فهشم رَأسه وَقيل دخل فِي أُذُنه وَكَانَت فِيهِ منيته رحمه الله وَدفن بمراكش بالقصبة مِنْهَا ثمَّ نقل إِلَى ضريح الشَّيْخ أبي الْحسن عَليّ بن حرزهم بفاس لوَصِيَّة مِنْهُ بذلك وَمَات رحمه الله وسنه اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ سنة لِأَنَّهُ ولد سنة أَرْبَعِينَ وَألف ورثاه بَعضهم بقوله
(وَمَا شج ذَات الْغُصْن رَأس إمامنا
…
لسوء لَهُ خدن الْمحبَّة جَاحد)
(وَلكنه قد غَار من لين قده
…
وَإِن من الْأَشْجَار مَا هُوَ حَاسِد)
قلت لَا يخفى أَن مثل هَذَا الشّعْر لَا يحسن أَن تمدح بِهِ الْمُلُوك فَإِنَّهُ بالغزل أشبه مِنْهُ بالرثاء وَكَانَ قد وَقع بَين الْمولى الرشيد رحمه الله وَبَين شيخ الْوَقْت الإِمَام أبي عبد الله مُحَمَّد بن نَاصِر الدرعي رضي الله عنه مكاتبات توعده أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي بَعْضهَا فَمَاتَ عقب ذَلِك وَكفى الشَّيْخ الْمَذْكُور أمره
وَمن مآثره رحمه الله أَنه لما مر فِي بعض حركاته بالموضع الْمَعْرُوف بالشط من بِلَاد الظهراء أَمر بِحَفر آبار شَتَّى فَهِيَ الْآن تدعى بآبار السُّلْطَان إِضَافَة لَهُ يَسْتَقِي مِنْهَا ركب الحجيج فِي ذَهَابه وإيابه فَهِيَ إِن شَاءَ الله فِي ميزَان حَسَنَاته وَكَانَ رحمه الله محبا فِي جَانب الْعلمَاء مؤثرا لأغراضهم مُولَعا بمجالستهم محسنا إِلَيْهِم حَيْثُ مَا كَانُوا
وَمن نوادره مَعَهم مَا حُكيَ أَن الْعَلامَة أَبَا عبد الله مُحَمَّد المرابط بن مُحَمَّد بن أبي بكر الدلائي حضر يَوْمًا بِمَجْلِس السُّلْطَان الْمَذْكُور وَذَلِكَ بعد
الْإِيقَاع بزاويتهم وتغريبهم إِلَى فاس فَأَنْشد السُّلْطَان معرضًا بالفقيه الْمَذْكُور قَول أبي الطّيب المتنبي
(وَمن نكد الدُّنْيَا على الْحر أَن يرى
…
عدوا لَهُ مَا من صداقته بُد)
ففهم أَبُو عبد الله المرابط إِشَارَته فَقَالَ أيد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن من سَعَادَة الْمَرْء أَن يكون خَصمه عَاقِلا فَاسْتحْسن الْحَاضِرُونَ حسن بديهته ولطف منزعه
وَمن تواضع الْمولى الرشيد رحمه الله مَعَ أهل الْعلم مَا حَكَاهُ صَاحب الْجَيْش من أَنه بعث إِلَى بعض عُلَمَاء عصره ليقْرَأ مَعَه بعض الْكتب فَامْتنعَ ذَلِك الْعَالم وَقَالَ كَمَا قَالَ الإِمَام مَالك رضي الله عنه الْعلم يُؤْتى وَلَا يَأْتِي قَالَ فَكَانَ الْمولى الرشيد رحمه الله يتَرَدَّد لمنزل ذَلِك الْعَالم للْقِرَاءَة عَلَيْهِ وَقد ذكر صَاحب نشر المثاني أَنه كَانَ يحضر مجْلِس الشَّيْخ اليوسي بالقرويين اهـ وَهَذِه لعمري منقبة فخيمة ومأثره جسيمة فرحم الله تِلْكَ الهمم الَّتِي كَانَت تعرف للْعلم حَقه وتقدر قدره قَالُوا وَكَانَ رحمه الله جوادا سخيا رَحل النَّاس إِلَيْهِ من الْمشرق فَمَا دونه وقصده بعض طلبة ثغر الجزائر فامتدحه ببيتين وهما
(فاض بَحر الْفُرَات فِي كل قطر
…
من ندى راحتيك عذبا فراتا)
(غرق النَّاس فِيهِ وَالْتمس الْفقر
…
خلاصا فَلم يجده فماتا)
فوصله بِأَلفَيْنِ وَخمسين دِينَارا
قَالَ اليفرني وشأوه رحمه الله فِي السخاء لَا يلْحق والحكايات عَنهُ بذلك شهيرة وَفِي أَيَّامه كثر الْعلم واعتز أَهله وَظَهَرت عَلَيْهِم أبهته وَكَانَت أَيَّامه أَيَّام سُكُون ودعة ورخاء عَظِيم حَتَّى قيل إِنَّه فِي الْيَوْم الَّذِي بُويِعَ فِيهِ بفاس كَانَ الْقَمْح فِي أول النَّهَار بِخمْس أَوَاقٍ للمد وَصَارَ فِي آخِره بِنصْف أُوقِيَّة فتيمن النَّاس بولايته وأغتبطوا بهَا وَالله تَعَالَى أعلم