الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرفهم بالمغرب كَثِيرُونَ كالجوطيين من الحسينيين الإدريسيين وكشرفاء تافيلالت من الحسينيين أَيْضا المحمديين وكالصقليين والعراقيين وَكِلَاهُمَا من الحسينيين بِالْيَاءِ الساكنة بَين السِّين وَالنُّون فَإِن شرف جَمِيعهم لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان من أهل بِلَادهمْ وَمن يعرفهُمْ من غَيرهم اهـ
وَعَن شيخ الْجَمَاعَة الإِمَام أبي مُحَمَّد عبد الْقَادِر الفاسي رحمه الله أَنه قسم شرفاء الْمغرب بِحَسب الْقُوَّة والضعف إِلَى خَمْسَة أَقسَام وَمثل للقسم الأول الْمُتَّفق على صِحَّته بأصناف مِنْهُم هَؤُلَاءِ السَّادة السجلماسيون وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ اليوسي رحمه الله شرف السَّادة السجلماسيين مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ كَالشَّمْسِ الضاحية فِي رَابِعَة النَّهَار وَعَن الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الله بن معن الأندلسي أَنه كَانَ يَقُول مَا ولي الْمغرب بعد الأدارسة أصح نسبا من شرفاء تافيلالت
وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن شرف هَؤُلَاءِ السَّادة السجلماسيين مِمَّا لَا نزاع فِي صراحته وَلَا خلاف فِي صِحَّته عِنْد أهل الْمغرب قاطبة بِحَيْثُ جَاوز حد التَّوَاتُر بمرات رضي الله عنهم ونفعنا بهم وبأسلافهم امين
دُخُول الْمولى حسن بن قَاسم إِلَى الْمغرب واستيطانه بسجلماسة وَالسَّبَب فِي ذَلِك
قَالُوا إِن أصل سلف هَؤُلَاءِ السَّادة رضي الله عنهم من يَنْبع النّخل من أَرض الْحجاز قَالُوا وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قد أقطع جدهم عَليّ بن أبي طَالب أَرض يَنْبع فاستقرت ذُريَّته بِهِ وتناسلت إِلَى هَذَا الْعَهْد وَكَانَ أول من دخل مِنْهُم الْمغرب الْمولى حسن بن قَاسم فحكي عَن الْفَقِيه الْعَالم أبي عبد الله مُحَمَّد بن سعيد المرغيثي صَاحب الرجز الْمُسَمّى بالمقنع قَالَ أَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام الْمولى أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عَليّ بن طَاهِر الحسني أَن جده الدَّاخِل إِلَى الْمغرب هُوَ الْمولى حسن بن قَاسم قَالَ وَكَانَ دُخُوله
إِلَيْهِ فِي أَوَاخِر الْمِائَة السَّابِعَة وَكَانَ يَوْمئِذٍ من أَبنَاء السِّتين وَنَحْو ذَلِك وَتُوفِّي رحمه الله قبل انْقِضَاء الْمِائَة الْمَذْكُورَة اهـ
وَخبر ابْن طَاهِر هَذَا هُوَ أصح مَا ينْقل فِي كَيْفيَّة الدُّخُول وَوَقته وَذكر بَعضهم عَنهُ أَن دُخُوله كَانَ سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن هِلَال أَن دُخُوله كَانَ فِي أَوَائِل الدولة المرينية ذكر ذَلِك فِي منسكه فعلى هَذَا يكون دُخُوله فِي دولة السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق المريني وَقد أَشَرنَا إِلَى ذَلِك فِي مَحَله فِيمَا سلف وَقَالَ الْعَلامَة أَبُو سَالم العياشي فِي رحلته إِن الْمولى حسن بن قَاسم دخل الْمغرب فِي الْمِائَة السَّابِعَة وَكَانَ سكناهُ من يَنْبع النّخل بمدشر يعرف بمدشر بني إِبْرَاهِيم فَهَؤُلَاءِ كلهم اتَّفقُوا على أَن الدُّخُول كَانَ فِي الْمِائَة السَّابِعَة وَهُوَ الصَّحِيح الصَّوَاب إِن شَاءَ الله وَزعم بَعضهم أَن ذَلِك كَانَ فِي الْمِائَة السَّادِسَة وَهُوَ بعيد
وَاخْتلفُوا فِي السَّبَب الدَّاعِي إِلَى دُخُول هَذَا السَّيِّد إِلَى الْمغرب فَذكر صَاحب كتاب الْأَنْوَار السّنيَّة فِيمَا بسجلماسة من النِّسْبَة الحسنية أَن سَبَب دُخُوله أَن ركب الْحَاج المغربي كَانَ يتوارد على الْأَشْرَاف هُنَالك وَكَانَ شيخ الركب فِي بعض القدمات رجلا من أهل سجلماسة يظنّ أَنه السَّيِّد أَبُو إِبْرَاهِيم فَلَمَّا حج اجْتمع بِالْمَوْسِمِ بالسيد حسن الْمَذْكُور وَكَانَت سجلماسة وأعمالها يَوْمئِذٍ شاغرة من سُكْنى الْأَشْرَاف فَلم يزل أَبُو إِبْرَاهِيم يحسن للْمولى حسن موطن الْمغرب وَالسُّكْنَى بسجلماسة حَتَّى استماله فأجمع السّير مَعَ الركب وَقدم بِهِ أَبُو إِبْرَاهِيم فاستوطن ببلدهم سجلماسة وَقَالَ حافده الْمولى أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عَليّ بن طَاهِر فِيمَا قيد عَنهُ وَكَانَ الَّذين أَتَوا بِهِ من أهل سجلماسة أَوْلَاد البشير وَأَوْلَاد المنزاري وَأَوْلَاد المعتصم وَأَوْلَاد ابْن عَاقِلَة وصاهره مِنْهُم أَوْلَاد المنزاري اهـ
وَذكر صَاحب الأرجوزة أَن الشَّيْخ أَبَا إِبْرَاهِيم الَّذِي جَاءَ بِهِ من ذُرِّيَّة عمر بن الْخطاب رضي الله عنه وَقَالَ بَعضهم إِن أهل سجلماسة لم تكن
تصلح الثِّمَار ببلدهم فَذَهَبُوا إِلَى الْحجاز بِقصد أَن يَأْتُوا بِرَجُل من أهل الْبَيْت تبركا بِهِ فَأتوا بالمولى حسن الْمَذْكُور فحقق الله رجاءهم وَأصْلح ثمارهم حَتَّى عَادَتْ بِلَادهمْ هِيَ هجر الْمغرب وَقَالَ غَيره إِن سَبَب إتيانهم بِهِ أَن الْأَشْرَاف من آل إِدْرِيس رضي الله عنه كَانُوا قد تفَرقُوا بِبِلَاد الْمغرب وانتشر نظامهم وَاسْتولى عَلَيْهِم الْقَتْل وَالصغَار من أُمَرَاء مكناسة وَغَيرهم فَقل الشّرف بالمغرب وَأنْكرهُ كثير من أَهله حَقنا لدمائهم فَلَمَّا طلع نجم الدولة المرينية بالمغرب أكبروا الْأَشْرَاف وَرفعُوا أقدارهم واحترموهم وَلم يكن بِبَلَد سجلماسة أحد من آل الْبَيْت الْكَرِيم فأجمع رَأْي كبرائهم وأعيانهم أَن يَأْتُوا بِمن يتبركون بِهِ من أهل ذَلِك النّسَب الشريف فَقيل إِن الذَّهَب يطْلب من معدنه والياقوت يجلب من موطنه إِن بِلَاد الْحجاز هِيَ مقرّ الْأَشْرَاف وَلذَلِك الْجَوْهَر النفيس من أجل الأصداف فَذَهَبُوا إِلَى الْحجاز وجاؤوا بالمولى حسن على مَا ذكرنَا فأشرقت شمس الْبَيْت النَّبَوِيّ على سجلماسة وأضاءت أرجاؤها وظللتها من الشَّجَرَة الطّيبَة ظلالها وأفياؤها حَتَّى قيل إِن مَقْبرَة أهل سجلماسة هِيَ بَقِيع الْمغرب وكفاها هَذَا شرفا وفخرا ومزية وذخرا وَذكر بَعضهم أَن أهل سجلماسة لما طلبُوا من الْمولى قَاسم بن مُحَمَّد أَن يبْعَث مَعَهم أحد أَوْلَاده وَكَانَ يَوْمئِذٍ أكبر شرفاء الْحجاز ديانَة ووجاهة اختبر من أَوْلَاده من يصلح لذَلِك وَكَانَ لَهُ على مَا قيل ثَمَانِيَة من الْوَلَد فَكَانَ يسْأَل الْوَاحِد مِنْهُم بعد الْوَاحِد وَيَقُول لَهُ من فعل مَعَك الْخَيْر فَمَا تفعل مَعَه أَنْت فَيَقُول الْخَيْر وَمن فعل مَعَك الشَّرّ فَيَقُول الشَّرّ فَيَقُول اجْلِسْ إِلَى أَن انْتهى إِلَى الْمولى حسن الدَّاخِل فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لإخوته فَقَالَ من فعل معي الشَّرّ أفعل مَعَه الْخَيْر قَالَ فَيَعُود ذَلِك بِالشَّرِّ قَالَ فأعود لَهُ بِالْخَيرِ إِلَى أَن يغلب خيري على شَره فَاسْتَنَارَ وَجه الْمولى قَاسم وداخلته أريحية هاشمية ودعا لَهُ بِالْبركَةِ فِيهِ وَفِي عقبه فَأجَاب الله دَعوته
وَكَانَ الْمولى حسن الدَّاخِل رجلا صَالحا ناسكا لَهُ مُشَاركَة فِي الْعُلُوم خُصُوصا علم الْبَيَان فَإِنَّهُ كَانَت لَهُ فِيهِ الْيَد الطُّولى وَلما اسْتَقر بسجلماسة
الْعلمَاء مثل قَاضِي الْجَمَاعَة بمكناسة السَّيِّد سعيد العميري وقاضي الْجَمَاعَة بفاس السَّيِّد عبد الْقَادِر أبي خريص وَشَيخ الْجَمَاعَة بهَا السَّيِّد مُحَمَّد بن قَاسم جسوس وَالْإِمَام الْمُحَقق حَامِل لِوَاء الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول الشَّيْخ أبي حَفْص عمر الفاسي وَابْن عَمه السَّيِّد أبي مَدين الفاسي وَهُوَ الَّذِي تولى كِتَابَة الْبيعَة بِيَدِهِ وَإِمَام جَامع الشرفاء بفاس الْأُسْتَاذ الْمولى عبد الرَّحْمَن المنجرة وَالشَّيْخ الْعَلامَة السَّيِّد التاودي ابْن سَوْدَة المري وَإِمَام الْمَسْجِد الْكَبِير بفاس الْجَدِيد السَّيِّد عبد الله السُّوسِي وَالْإِمَام الْحَافِظ السَّيِّد أبي الْعَلَاء إِدْرِيس الْعِرَاقِيّ وَغَيرهم مِمَّن لَا يُحْصى كَثْرَة
وَقَوله فِي قَاضِي مكناسة السَّيِّد سعيد العميري صَوَابه ابْنه أَبُو الْقَاسِم العميري
وَوصل الْخَبَر بِمَوْت السُّلْطَان الْمولى عبد الله إِلَى ابْنه سَيِّدي مُحَمَّد وَهُوَ بمراكش فَأَقَامَ مأتمه وازدحم على بيعَته أهل مراكش وقبائل الْحَوْز والدير وقدمت عَلَيْهِ وُفُود السوس وحاحة بهداياهم ثمَّ قدم عَلَيْهِ العبيد والودايا وَأهل فاس من الْعلمَاء والأشراف وَسَائِر الْأَعْيَان وقبائل الْعَرَب والبربر وَالْجِبَال وَأهل الثغور كل ببيعته وهديته لم يتَخَلَّف عَنهُ أحد من أهل الْمغرب فَجَلَسَ للوفود إِلَى أَن فرغ من شَأْنهمْ وَأَجَازَهُمْ وَزَاد العبيد بِأَن أَعْطَاهُم خيلا كَثِيرَة وسلاحا كثيرا عرفُوا بهَا محلهم من الدولة وانقلبوا مسرورين مغتبطين
مَجِيء السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله عقب الْبيعَة من مراكش إِلَى فاس وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك
لما فرغ أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى مُحَمَّد رحمه الله من أَمر الْوُفُود أَخذ فِي الاستعداد للنهوض إِلَى الغرب فَخرج من مراكش فِي عَسْكَر الْحَوْز ووجوهة حَتَّى انْتهى إِلَى مكناسة فَدخل دَار الْملك بهَا وَفرق على العبيد الْخَيل وَالسِّلَاح وَالْمَال وَكَانُوا على غَايَة من سوء الْحَال والاستكانة لغَلَبَة البربر إِذْ كَانُوا يتخطفون أَوْلَادهم من البحائر والجنات ويبيعونهم فِي
قبائلهم كَمَا قُلْنَا فجبر الله صدعهم بِولَايَة هَذَا السُّلْطَان الْجَلِيل
ثمَّ لما قضى إربه من مكناسة ارتحل إِلَى فاس وَلما نزل فِي عساكره بالصفصافة خرج لملاقاته الودايا وَأهل فاس فهش للنَّاس وألان جَانِبه لَهُم وَاخْتَلَطَ بهم فَكَانُوا يطوفون بِهِ ويقبلون أَطْرَافه وَلَا يمنعهُم أحد وَفرق المَال وَالْكِسْوَة وَالسِّلَاح فِي الودايا وَعبيد السلوقية وَأعْطى الْفُقَهَاء والأشراف وطلبة الْعلم وَأهل الْمدَارِس والمكتبيين وَالْأَئِمَّة والمؤذنين والفقراء وَالْمَسَاكِين وأزاح علل الْجَمِيع وَلم يحرم أحدا وَلما حضرت الْجُمُعَة جَاءَ من الْمحلة فِي تَرْتِيب حسن وزي عَجِيب فَخرج أهل البلدين لرُؤْيَته وامتلأت الأَرْض من العساكر والنظارة وَدخل فاسا الْجَدِيد فصلى بِهِ الْجُمُعَة ثمَّ جلس لفقهاء الْوَقْت وَسَأَلَ عَنْهُم وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى عرفهم ثمَّ خرج إِلَى تربة وَالِده فزارها وَأمر بتفريق الصَّدقَات عِنْدهَا وترتيب الْقُرَّاء بهَا ثمَّ دخل إِلَى دَار الْحرم فَوقف على من بهَا من أخواته وعزاهن فِي مصاب والدهن وَطيب نفوسهن ثمَّ رَجَعَ عَشِيَّة النَّهَار إِلَى الْمحلة فَبَاتَ بهَا وَمن الْغَد جَاءَ إِلَى دَار الدبيبغ فَدَخلَهَا ووقف على متخلف وَالِده من مَال وأثاث وَسلَاح وخيل إِلَى أَن عاينه وأحصاه وَأبقى ذَلِك بيد من كَانَ بِيَدِهِ من أَصْحَاب وَالِده وأوصاهم بالاحتفاظ بِهِ بعد أَن جعل الْجَمِيع إِلَى نظر الْحَاجِب أبي مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب اليموري وعامل أَصْحَاب أَبِيه بالجميل وخفض لَهُم الْجنَاح وألان لَهُم القَوْل ووصلهم بِمَال اقتسموه فِيمَا بَينهم ثمَّ بعد ذَلِك حَاز مِنْهُم مَا كَانَ بِأَيْدِيهِم من مَال وَالِده فَكَانَ أَكْثَره ذَهَبا من ذَلِك ألف خرج وَتَسْمِيَة المغاربة السماط من الْجلد الفيلالي بأقفالها فِي كل وَاحِد ألفا دِينَار بالتثنية من ضربه وَكَانَت تكون على سروج خيله فِي السّفر فَإِذا نزل الْجَيْش وَضربت الأخبية رَفعهَا الموكلون بهَا كل وَاحِد اسْمه وعينه إِلَى الْقبَّة السُّلْطَانِيَّة وَعند الرحيل كَذَلِك تدفع لَهُم بالإحصاء وَالتَّقْيِيد وَمن ذَلِك مائَة رحى من الذَّهَب الْخَالِص كقرص الشمع فِي كل رحى وزن أَرْبَعَة آلَاف ريال وَكَانَت تكون مَحْمُولَة على البغال فِي أعدالها مغطاة بالقطائف الْمُسَمَّاة عِنْد المغاربة بالحنابل مشدودا عَلَيْهَا بالحبال أَربع أرحاء فِي كل
عَدْلَيْنِ فالمجموع خمس وَعِشْرُونَ بغلة تسير أَمَامه فَإِذا نزل الْجَيْش رفعت إِلَى الْقبَّة السُّلْطَانِيَّة كَالَّذي قبلهَا
وَكَانَ السُّلْطَان الْمولى عبد الله رحمه الله يرى ذَلِك من الحزم حَيْثُ يحمل مَاله مَعَه أَيْنَمَا سَار لَا يُفَارِقهُ وَمِمَّا وجده سَيِّدي مُحَمَّد من مَال وَالِده أَيْضا ثَلَاثمِائَة ألف ريال إِلَّا خَمْسَة عشر ألفا وَوجد نَحْو الْعشْرين ألفا من الموزونات الدقيقة من ضرب سكته هَذَا مَا خَلفه رحمه الله من المَال الصَّامِت وَكَانَ يكون على يَد الْقَائِد علال بن مَسْعُود من وصفانه فحاز ذَلِك كُله أَمِير الْمُؤمنِينَ سَيِّدي مُحَمَّد وَنَقله إِلَى محلته ووكل بِهِ وزعته وَتقدم إِلَى أَصْحَابه بِأَن يعاملوا أَصْحَاب أَبِيه بالتوقير والاحترام ونظمهم فِي سلك خدمته فَمن ظَهرت نجابته أدناه وَمن لَا عِبْرَة بِهِ أقصاه
ثمَّ وَفد عَلَيْهِ بفاس عَامَّة قبائل الغرب وازدلفوا اليه بالهدايا والتحف فَأكْرم كلا بِمَا يُنَاسِبه وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أمره سهل الْحجاب رَفِيقًا لم يعْزل أحدا من قواد الْقَبَائِل وعمال الحواضر الَّذين كَانُوا فِي دولة أَبِيه فِي حكم الاستبداد بل أبقى مَا كَانَ وَلم ينكب أحدا إِلَّا بعد الِاسْتِبْرَاء والاختبار غير أَن أهل تطاوين كَانَ قائدهم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عمر الوقاش منحرفا عَنهُ أَيَّام خِلَافَته بمراكش فَكَانَ إِذا كتب اليه بِأَمْر نبذه وَرَاء ظَهره وَرُبمَا قَالَ للرسول الْمَرْأَة لَا تتَزَوَّج برجلَيْن أَو كلَاما يشبه هَذَا يَعْنِي أَنه مجبور لطاعة السُّلْطَان الْمولى عبد الله
فَلَمَّا بُويِعَ السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد وَقدم حَضْرَة فاس انقبض عَنهُ الوقاش الْمَذْكُور وعاذ بضريح الشَّيْخ عبد السَّلَام بن مشيش بِمَالِه وَولده خوفًا على نَفسه من السُّلْطَان لسوء مَا قدم ثمَّ قدم عَلَيْهِ أهل تطاوين طائعين متنصلين من فعل عاملهم الْمَذْكُور ومخبرين بِشَأْنِهِ فولى السُّلْطَان عَلَيْهِم الْفَقِيه أَبَا مُحَمَّد عبد الْكَرِيم بن زاكور أحد كِتَابه كَانَ بَعثه من مراكش إِلَى العرائش واليا عَلَيْهَا فَلَمَّا وَفد عَلَيْهِ أهل تطاوين ولاه عَلَيْهِم لكَونه حضريا مثلهم وَأقَام السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رحمه الله بفاس شَهْرَيْن وَعَاد إِلَى مكناسة وَالله أعلم