الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالُوا وَكَانَ الْمولى أَحْمد رحمه الله أشبه النَّاس بالأمين بن الرشيد العباسي فِي زيه ولهوه وإكبابه على شهواته وتضييع الحزم وَالْجد حَتَّى فَسدتْ الْأَحْوَال وتراكمت الْأَهْوَال وَذكر معاصروه أَنه لم يكن شهد حَربًا قطّ قبل خِلَافَته وَكَانَ مَعَ ذَلِك جوادا متلافا فآلت بِهِ الْأُمُور إِلَى مَا ذكرنَا وَللَّه الْأَمر من قبل وَمن بعد
الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى عبد الله بن إِسْمَاعِيل رحمه الله
كَانَ الْمولى عبد الله بن إِسْمَاعِيل وَهُوَ وَلَده الْحرَّة خناثي بنت بكر المغفري أَيَّام خلَافَة أَخِيه الْمولى أَحْمد منحاشا إِلَى أَخِيه الْمولى عبد الْملك وَمُقِيمًا مَعَه بِبِلَاد السوس فَلَمَّا خلع الْمولى أَحْمد وبويع الْمولى عبد الْملك وَقدم مكناسة قدم الْمولى عبد الله فِي ركابه وَاسْتمرّ مُقيما بهَا إِلَى أَن ثار العبيد بالمولى عبد الْملك وفر إِلَى الْحرم الإدريسي فَخرج الْمولى عبد الله من مكناسة إِلَى سجلماسة وَأقَام بداره بهَا إِلَى أَن توفّي السُّلْطَان الْمولى أَحْمد فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم فَاجْتمع أَعْيَان الدولة من العبيد والودايا وَسَائِر القواد والرؤساء وَاتَّفَقُوا على بيعَة الْمولى عبد الله بن إِسْمَاعِيل وَهُوَ يَوْمئِذٍ بسجلماسة فَنَادوا باسمه وأعلنوا بنصره فِي الْمحلة ومكناسة وبعثوا جَرِيدَة من الْخَيل لتأتي بِهِ وَكَتَبُوا مَعَ ذَلِك إِلَى أهل فاس يعزونهم عَمَّن هلك من إخْوَانهمْ أَيَّام الْحصار ويحضونهم على الْمُوَافقَة على بيعَة الْمولى عبد الله بن إِسْمَاعِيل
وَلما وصل الْكتاب إِلَى فاس قرىء على مِنْبَر جَامع الْقرَوِيين فَأَجَابُوا بالموافقة إِن حضر وَلما وصلت الْخَيل إِلَى الْمولى عبد الله وأعلموه بِمَا اتّفق عَلَيْهِ النَّاس فِي شَأْنه أقبل مسرعا حَتَّى نزل بِظَاهِر فاس بالموضع الْمُسَمّى بالمهراس فَخرج أَعْيَان فاس من الْعلمَاء والأشراف وَغَيرهم لملاقاته فَسَلمُوا عَلَيْهِ وَاسْتَبْشَرُوا بقدومه فسر بهم والآن لَهُم القَوْل وَوَعدهمْ بالجميل
وأعلمهم بِأَنَّهُ من الْغَد دخل لحضرتهم لزيارة الْمولى إِدْرِيس رضي الله عنه فَرَجَعُوا مسرورين مغتبطين وَمن الْغَد أخذُوا زينتهم ولبسوا أسلحتهم ونشروا أَلْوِيَتهم وَخَرجُوا لميعاده فَركب السُّلْطَان فرسه وَركب مَعَه خاصته وَأهل موكبه وَفِي جُمْلَتهمْ حمدون الروسي عَدو أهل فاس وَتقدم السُّلْطَان فَدخل على بَاب الْفتُوح وتوسط الْمَدِينَة فَرَأى بعض سماسرة الْفِتَن من أَوْلَاد ابْن يُوسُف حمدون الروسي وَكَانَ قد قتل أباهم حَسْبَمَا مر فصمدوا إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُمْ تنحى عَنْهُم قَلِيلا فتبعوه فَعلم أَنهم عزموا على اغتياله فركض فرسه إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ على قنطرة الرصيف وَأخْبرهُ خبر أَوْلَاد ابْن يُوسُف وَخص وَعم بالإرجاف فِي حق أهل فاس فَعدل السُّلْطَان عَن قَصده وَرجع على طَرِيق جَامع الْحُوت ثمَّ على جَزَاء ابْن عَامر وَخرج على بَاب الْحَدِيد إِلَى فاس الْجَدِيد وَلم يزر وَلم يعلم النَّاس مُوجب الرُّجُوع عَن الزِّيَارَة إِلَى أَن شاع الْخَبَر بذلك فَمشى عُلَمَاء فاس وأشرافها إِلَى السُّلْطَان وَرفعُوا إِلَيْهِ بيعتهم وَاعْتذر إِلَيْهِ بعض الْفُقَهَاء بِأَن مَا وَقع فِي جَانب حمدون إِنَّمَا هُوَ من بعض السُّفَهَاء فَأَعْرض السُّلْطَان عَن ذَلِك وصم عَن سَمَاعه
وَكَانَت الْبيعَة الَّتِي رَفعهَا أهل فاس من إنْشَاء الْفَقِيه الْعَالم الْوَجِيه أبي الْعَلَاء إِدْرِيس بن الْمهْدي المشاط الْمنَافِي نِسْبَة إِلَى عبد منَاف بن قصي وَهَذَا الْفَقِيه هُوَ الَّذِي كَانَ السُّلْطَان الْمولى إِسْمَاعِيل رحمه الله بَعثه قَاضِيا على تادلا مَعَ ابْنه الْمولى أَحْمد الذَّهَبِيّ حِين ولاه عَلَيْهَا كَمَا مر وَنَصهَا
الْحَمد لله الَّذِي جعل الْعدْل صلاحا للْملك والرعية والعباد كَمَا جعل الْجور هَلَاكًا للحرث والماشية والبلاد وسدد الْعَادِل بعنايته وَأعد للجائر مَا هُوَ مَعْلُوم لَهُ يَوْم الْمعَاد وَجعل المقسطين على مَنَابِر من نور يَوْم الْقِيَامَة كَمَا جعل القاسطين فِي الْعَذَاب والحسرات والأنكاد فأسعد الْمُلُوك يَوْم الْقِيَامَة من سلك مَعَ الرّعية سَبِيل السداد وَأصْلح مَا أظهره الجائر فِي الأَرْض من الْفساد نحمده أَن تفضل علينا بِإِمَام عَادل ونشكره إِن حكم فِينَا من لَا يصغي فِي الْحق لقَوْل عاذل فولى علينا الْخَلِيفَة من نسل الشَّفِيع يَوْم التناد
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَا يسْأَل عَمَّا يفعل يُؤْتى الْملك من يَشَاء وَينْزع الْملك مِمَّن يَشَاء فِي أَي وَقت شَاءَ وَأَرَادَ ونشهد أَن سيدنَا وَنَبِينَا ومولانا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الشَّفِيع فِي أمته يَوْم لَا ينفع الظَّالِمين معذرتهم وَلَا يقبل من القاسطين فدَاء بطريف وَلَا تلاد صلى الله عليه وسلم الَّذين أظهرُوا الشَّرِيعَة ومحوا الظُّلم محمو المداد أما بعد حمد الله الَّذِي أَمر بِطَاعَة أولي الْأَمر ووعد من نصر دينه بالظفر والنصر فَقَالَ عليه السلام وَمن مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقه بيعَة مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة وَفِي صَحِيح مُسلم عَنهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ من أَرَادَ أَن يفرق أَمر هَذِه الْأمة وَهُوَ جَمِيع فاضربوا عُنُقه بِالسَّيْفِ كَائِنا من كَانَ وَفِي صَحِيح مُسلم أَيْضا عَنهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ من أَتَاكُم وأمركم جَمِيع على رجل وَاحِد وَأَرَادَ أَن يفرق جماعتكم فَاقْتُلُوهُ وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من كره من أميره شَيْئا فليصبر فَإِن من خرج عَن السُّلْطَان شبْرًا مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة وَفِيه أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أَطَاعَنِي فقد أطَاع الله وَمن عَصَانِي فقد عصى الله وَمن أطَاع أَمِيري فقد أَطَاعَنِي وَمن عصى أَمِيري فقد عَصَانِي وَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه لِابْنِ عقبَة لَعَلَّك لَا تَلقانِي بعد الْيَوْم فَعَلَيْك بتقوى الله تَعَالَى والسمع وَالطَّاعَة للأمير وَإِن عبدا حَبَشِيًّا
وَاتفقَ أَئِمَّة الدّين على أَن نصب الإِمَام وَاجِب على الْمُسلمين وَإِن كَانَ من فروض الْكِفَايَة كَمَا أَن الْقيام بذلك من الْوَاجِبَات كَمَا دلّت عَلَيْهِ نُصُوص الْأَحَادِيث والآيات وَقَالَ الشَّاعِر
(لَا يصلح النَّاس فوضى لَا سراة لَهُم
…
وَلَا سراة إِذا جهالهم سادوا)
وَلما كَانَ من أَمر الله سُبْحَانَهُ مَا أَرَادَهُ وَقدره فَقبض إِلَيْهِ خَلِيفَته وأقبره دهش الْمُسلمُونَ وخافوا من توالي الشرور والفتن فتوجهوا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ فِي أَن يغمد عَنْهُم السيوف وطلبوا من فَضله الْمَعْهُود أَن يصرف عَنْهُم ضروب المحن والحتوف فَأجَاب الْكَرِيم الدَّعْوَات وَنَفس الهموم والكربات وَنشر
رَحمته وأزاح نقمته فَصَارَت الْقُلُوب ناعمة بعد بؤسها وَالْوُجُوه ضاحكة بعد عبوسها والشرور والفتن قد أَدْبَرت وأعلام الْأَمْن والعافية قد أَقبلت فوفق الله جيوش الْمُسلمين للأعمال المرضية والهمم لما فِيهِ صَلَاح الدُّنْيَا وَالدّين والراعي والرعية فَاقْتضى نظرهم السديد ورأيهم الْمُوفق الرشيد بيعَة من فِي أفق السَّعَادَة قد طلع وَظهر فِي سَمَاء الْمَعَالِي بدره وارتفع الإِمَام الْهمام الْعلوِي الْهَاشِمِي الْعدْل فِي الْأَحْكَام الْمَوْصُوف بِالْكَرمِ والشجاعة والشهامة والحزم والنجدة والزعامة المتواضع لله المتَوَكل فِي جَمِيع أُمُوره على الله أَمِير الْمُؤمنِينَ مَوْلَانَا عبد الله بن الشريف الْجَلِيل الْمَاجِد الْأَصِيل أَمِير الْمُؤمنِينَ مَوْلَانَا إِسْمَاعِيل ابْن مَوْلَانَا الشريف فَبَايعُوهُ أعزه الله على كتاب الله وَسنة الرَّسُول وَإِقَامَة الْعدْل الَّذِي هُوَ غَايَة المأمول بيعَة التزمتها الْقُلُوب والألسنة وسعت إِلَيْهَا الْأَقْدَام والرؤوس خاضعة مذعنة لَا يخرجُون لَهُ من طَاعَة ولاينحرفون عَن مهيع الْجَمَاعَة أشهدوا على أنفسهم عَالم الطويات المطلع على جَمِيع الخفيات قائلين إننا بايعناك وقلدناك لتسير فِينَا بِالْعَدْلِ والرفق وَالْوَفَاء والصدق وتحكم بَيْننَا بِالْحَقِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى لنَبيه فِي مُحكم وحيه {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ} ص 26 وَقَالَ تَعَالَى وَقَوله الْحق {وَمن أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فسيؤتيه أجرا عَظِيما} الْفَتْح 10 وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تكن للخائنين خصيما} النِّسَاء 105 وَهَذِه الرّعية تطلب من رَبهَا أَن يعين مَالِكهَا ويساعده ويقذف الرعب فِي قلب من يُرِيد أَن يعانده وَأَن يفتح عَلَيْهِ مَا عسر على غَيره ويمده بعزيز نَصره إِنَّه على مَا يَشَاء قدير وبالإجابة جدير وَبِيَدِهِ الْقُوَّة والحول نعم الْمولى وَنعم النصير شهد بذلك على نَفسه وَمن مَعَه العَبْد الْفَقِير المذنب الحقير ممليها وكاتبها إِدْرِيس بن الْمهْدي المشاط بِمحضر فلَان وَفُلَان وَجُمْهُور الْفُقَهَاء والأعيان فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع رَمَضَان سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف
ثمَّ سَافر السُّلْطَان فِي الْحِين إِلَى مكناسة كَمَا نذكرهُ