الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَطْؤُهَا فِي هَذَا الدَّمِ، وَأَجَزْنَا وَطْءَ الْمُسْتَحَاضَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّمَ أَسْوَأُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مَشْكُوكًا فِيهِ، فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ فِيهِ كَمَا احْتِيطَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، وَلِهَذَا كَانَ صَوْمُهَا وَطَوَافُهَا وَاعْتِكَافُهَا هُنَا مَوْقُوفًا، وَفِي الْمُسْتَحَاضَةِ صَحِيحًا، وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: إِذَا أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ، فَإِنَّا نُتْبِعُهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ، وَإِنْ أَثْبَتْنَاهَا بِمَرَّتَيْنِ عَمِلَتْ بِهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي هَذَا، وَهُوَ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ كَأَقَلِّ الْحَيْضِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ أَوَّلِ زَمَنِهِ.
[مَسْأَلَةٌ إذا تكرر الدم ثلاثة أشهر بمعنى واحد]
مَسْأَلَةٌ
" فَإِذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثَةً بِمَعْنًى وَاحِدٍ صَارَ عَادَةً "
هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَصِيرُ عَادَةً بِتَكْرَارِ مَرَّتَيْنِ، فَتَبْنِي عَلَيْهِ الْمُبْتَدَأَةُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، عَلَى اخْتِلَافِ الطَّرِيقَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْعَوْدِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَدَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إِلَى عَادَتِهَا قَالَ:" «اجْلِسِي قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا» "، وَقَالَ:" اجْلِسِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ "، وَقَالَ:" لِتَنْظُرْ مَا كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ " وَحَيْضُهَا مُسْتَقِيمٌ " فَلْتَعْتَدِدْ " بِذَلِكَ، وَلَا يُقَالُ: كَانَتْ تَفْعَلُ كَذَا، إِلَّا لِمَا دَامَ وَتَكَرَّرَ، دُونَ مَا وُجِدَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ:" تَجْلِسُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا "، وَأَقَلُّ مَا تَكُونُ الْأَقْرَاءُ ثَلَاثَةً، وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ آخِرُ حَدِّ الْقِلَّةِ وَأَوَّلُ حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَلِهَذَا
قُدِّرَ بِهَا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ، مِثْلَ: خِيَارِ الْمُصَارَّةِ، وَخِيَارِ الْمَخْدُوعِ، وَمُدَّةِ الْهِجْرَةِ، وَالْإِحْدَادِ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ، وَإِقَامَةِ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُمُ:" الْعَادَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْعَوْدِ " إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ الشَّرْعُ هُوَ الَّذِي عَلَّقَ الْحُكْمَ بِاسْمِ الْعَادَةِ، وَالْعَادَةُ مِنْ أَلْفَاظِ الْفُقَهَاءِ. وَهَذَا كَمَا يَقُولُ بَعْضُهُمْ: أَقَلُّ أَسْمَاءِ الْجُمُوعِ اثْنَانِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الضَّمُّ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الِاثْنَيْنِ. وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا لَوْ كَانَ الْعَرَبُ سَمَّتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ جُمُوعًا، وَإِنَّمَا هَذِهِ تَسْمِيَةُ النُّحَاةِ، ثُمَّ لَوْ رَاعَيْنَا الِاشْتِقَاقَ فَإِنَّ الْعَادَةَ لَا تَحْصُلُ بِعَوْدِ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا عَوَدَةٌ، فَلَمَّا تَحَرَّكَتِ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا، وَهَذِهِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا بِتَكْرَارِ الْعَوْدِ، وَأَقَلُّ مَا يَتَكَرَّرُ فِيهِ الْعَوْدُ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ الْأُولَى، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ مُتَوَالِيَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً؛ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ سَبْعًا ثُمَّ سِتًّا ثُمَّ خَمْسًا فَإِنَّهَا تَجْلِسُ الْخَمْسَ، فَإِنْ حَاضَتْ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ سِتًّا صَارَتْ هِيَ الْعَادَةَ كَتَكَرُّرِهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ.
وَفِي الثَّانِي: لَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ إِلَّا بِتَوَالِي أَشْهُرِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ سِتًّا صَارَ الْيَوْمُ السَّادِسُ حَيْضًا مُبْتَدِئًا لَا مُعْتَادًا، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعَادَةَ إِذَا نَقَصَتْ فِي بَعْضِ الْأَشْهُرِ فَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ عَشْرًا فَحَاضَتْ فِي شَهْرٍ سَبْعًا ثُمَّ اسْتُحِيضَتْ فِي عَقِبِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَبْنِي عَلَى سَبْعٍ.