الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مسألة المقدار المعين لمسح الرأس]
مَسْأَلَةٌ:
" الرَّأْسَ كُلَّهُ ".
هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُجْزِئُ مَسْحُ أَكْثَرِهِ؛ لِأَنَّ مَسْحَ جَمِيعِهِ فِيهِ مَشَقَّةٌ، وَقَدْ خُفِّفَ فِيهِ بِالْمَسْحِ وَبِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَكَذَلِكَ بِالْقَدْرِ، وَعَنْهُ قَدْرُ النَّاصِيَةِ لِمَا رَوَى أَنَسٌ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " «يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضِ الْعِمَامَةَ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَعَلَى هَذَا فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ قَدْرَ النَّاصِيَةِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَفِي الْآخَرِ تَتَعَيَّنُ النَّاصِيَةُ وَبِكُلِّ حَالٍ لَا يُجْزِئُ الْأُذُنَانِ.
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِقَوْلِهِ فَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ أَمَرَ بِمَسْحِ الرَّأْسِ كَمَا أَمَرَ بِمَسْحِ الْوَجْهِ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ، فَإِذَا أَوْجَبَ اسْتِيعَابَ الْوَجْهِ بِالتُّرَابِ فَاسْتِيعَابُ الرَّأْسِ بِالْمَاءِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الرَّأْسَ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ فَلَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا إِلَّا بِمَسْحِ جَمِيعِهِ، كَمَا لَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا إِلَّا بِغَسْلِ جَمِيعِ الْوَجْهِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «تَوَضَّأَ فَمَسَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ» ، وَفِعْلُهُ مُبَيِّنٌ لِلْآيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَهُوَ مَعَ الْعِمَامَةِ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَذَلِكَ جَائِزٌ.
وَادِّعَاءُ أَنَّ الْبَاءَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ تُفِيدُ التَّبْعِيضَ لَا أَصْلَ لَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ مَوْثُوقٌ بِهِ، وَالِاسْتِعْمَالُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ قَدْ أَنْكَرَهُ الْمُعْتَمَدُونَ مِنْ عُلَمَاءِ اللِّسَانِ، ثُمَّ إِنْ قِيلَ: إِنَّهَا تُفِيدُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فَهَذَا مَنْقُوضٌ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ، وَبُقُولِهِ:{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20]، وَقَرَأْتُ بِالْبَقَرَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَتَزَوَّجْتُ بِالْمَرْأَةِ، وَحَبَسْتُ صَدْرَهُ بِصَدْرِهِ، وَعَلِمْتُ بِهَذَا الْأَمْرِ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْكَلَامِ وَإِنِ ادَّعَى أَنَّهَا تُفِيدُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، فَذَلِكَ لَا مِنْ نَفْسِ الْبَاءِ بَلْ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ.
كَمَا قَدْ يُفَادُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الْبَاءِ، ثُمَّ مِنْ أَيْنَ عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَلَا فَرْقَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بَيْنَ قَوْلِكَ: أَخَذْتُ الزِّمَامَ وَأَخَذْتُ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] وَقَوْلُهُ " شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ " فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدِ التَّبْعِيضَ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ هُنَا وَإِنَّمَا
الشُّرْبُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- يُضْمَّنُ مَعْنَى الرِّيِّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ يُرْوَى بِهَا عِبَادُ اللَّهِ، ثُمَّ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَكْثَرُهَا يُقَالُ فِيهِ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ فَيَذْكُرُ اسْتِيعَابَ الْمَسْحِ مَعَ إِدْخَالِ الْبَاءِ.
قَالُوا: وَيُقَالُ مَسَحْتُ بِبَعْضِ رَأْسِي وَمَسَحْتُ بِجَمِيعِ رَأْسِي، وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّبْعِيضِ لَتَنَاقَضَ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لِأَنَّ مَعْنَاهَا إِلْصَاقُ الْفِعْلِ بِهِ، وَالْمَسْحُ هُوَ إِلْصَاقُ مَاسِحٍ بِمَمْسُوحٍ، وَيُضْمَّنُ مَعْنَى الْإِلْصَاقِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَلْصِقُوا بِرُؤُوسِكُمْ فَيُفْهَمُ أَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا مُلْصَقٌ بِالرَّأْسِ وَهُوَ الْمَاءُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قِيلَ: امْسَحُوا رُؤُوسَكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَاءِ ; لِأَنَّهُ يُقَالُ: مَسَحْتُ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَمَسَحْتُ الْحَجَرَ، وَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُلْصَقُ بِالْمَمْسُوحِ فِي غَيْرِ الْيَدِ.
وَلَرُبَّمَا تَوَهَّمَ أَنَّ مُجَرَّدَ مَسْحِ الرَّأْسِ بِالْيَدِ كَافٍ، وَلِهَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- دَخَلَتِ الْبَاءُ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ لِتُبَيِّنَ وُجُوبَ إِلْصَاقِ التُّرَابِ بِالْأَيْدِي وَالْوُجُوهِ، وَلَا يَجِبُ مَسْحُ الْأُذُنِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِيعَابِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ ; لِأَنَّهَا مِنْهُ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُضَافُ تَارَةً إِلَيْهِ وَتَارَةً إِلَى الْوَجْهِ، بِقَوْلِهِ: سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، وَفِي الْأُخْرَى يَجِبُ لِأَنَّهُمَا مِنَ الرَّأْسِ، وَبِكُلِّ حَالٍ لَا يَجِبُ مَسْحُ مَا اسْتَتَرَ بِالْغَضَارِيفِ كَمَا اسْتَتَرَ بِالشَّعْرِ مِنَ الرَّأْسِ.
وَإِذَا مَسَحَ بَشَرَةَ رَأْسِهِ مِنْ تَحْتِ الشَّعْرِ دُونَ أَعْلَى الشَّعْرِ لَمْ يُجْزِئْهُ كَمَا لَوْ غَسَلَ بَاطِنَ اللِّحْيَةِ دُونَ ظَاهِرِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَحَ الْمُسْتَرْسِلَ مَحْلُولًا أَوْ مَعْقُودًا عَلَى أَعْلَى الرَّأْسِ وَإِنْ قُلْنَا يُجْزِئُ مَسْحُ الْبَعْضِ، وَلَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ أَوْ طَيَّنَهُ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الرَّأْسَ وَلَا حَائِلَهُ الشَّرْعِيَّ، كَمَا لَوْ كَانَ الْخِضَابُ عَلَى يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَإِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ فِي التَّيَمُّمِ بِخِرْقَةٍ