الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ إذا طَبَخَ فِي الْمَاءِ مَا لَيْسَ بِطَهُورٍ أَوْ خَالَطَهُ]
مَسْأَلَةٌ:
" وَإِنْ طَبَخَ فِي الْمَاءِ مَا لَيْسَ بِطَهُورٍ أَوْ خَالَطَهُ فَغَلَبَ عَلَى اسْمِهِ أَوِ اسْتَعْمَلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ سَلَبَ طَهُورِيَّتَهُ "
أَمَّا إِذَا طَبَخَ فِيهِ كَمَاءِ الْبَاقِلَّى الْمَغْلِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ صَارَ أُدْمًا وَمَرَقَةً لَيْسَ بِمَاءٍ حَقِيقَةً وَلَا اسْمًا. وَأَمَّا إِذَا خَالَطَهُ فَغَلَبَ عَلَى اسْمِهِ إِمَّا بِأَنْ سَلَبَ الْمَاءَ رِقَّتَهُ وَجَرَيَانَهُ فَتَصِيرُ صِبْغًا وَحِبْرًا إِنْ كَانَ كَثِيفًا أَوْ تَكُونُ أَجْزَاؤُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ إِنْ كَانَ لَطِيفًا حَتَّى يُقَالَ: حَلَّ فِيهِ مَاءٌ أَوْ مَاءُ وَرْدٍ فِيهِ مَاءٌ، فَهَذَا لَمْ تُنْفَ فِيهِ حَقِيقَةً وَلَا اسْمًا. وَإِنْ غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ سَلَبَهُ التَّطْهِيرَ أَيْضًا فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى هُوَ بَاقٍ عَلَى تَطْهِيرِهِ وَكَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ إِنْ غَيَّرَ صِفَاتِهِ الثَّلَاثَ فِي أَشْهَرِ الطَّرِيقَيْنِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ طَهُورٌ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُطَلَقَ هَكَذَا حَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ، وَحَكَى السَّامِرِيُّ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إِذَا عُدِمَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ فَقَطْ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَعَلَى الْأُولَى فِي التَّغَيُّرِ الْيَسِيرِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا
أَنَّهُ كَالْكَثِيرِ، وَالثَّانِي فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّائِحَةِ وَغَيْرِهَا، وَالثَّالِثُ الْعَفْوُ عَنْهُ مُطْلَقًا وَهُوَ أَصَحُّ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا إِنْ تَغَيَّرَ بِمَا لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ كَالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِالطُّحْلُبِ وَوَرَقِ الْأَشْجَارِ الْمُنْجَابَةِ فِيهِ وَمَا يَحْمِلُهُ الْمَدُّ مِنَ الْغُثَاءِ وَمَا يَنْبُتُ فِيهِ وَكَذَلِكَ إِنْ تَغَيَّرَ بِطُولِ مُكْثِهِ وَكَذَلِكَ مَا تَغَيَّرَ بِمَجَارِيهِ كَالْقَارِ وَالنِّفْطِ لِأَنَّ هَذَا التَّغَيُّرَ لَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ وَهُوَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ ابْتِدَاءً، فَأَشْبَهَ التَّغَيُّرَ الَّذِي خَلَقَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى لَوْ طُرِحَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَمْدًا سَلَبَتْهُ التَّطْهِيرَ إِلَّا الْمِلْحُ الْمُنْعَقِدُ مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ مَاءٌ فَهُوَ كَذَوْبِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَفِي التُّرَابِ وَجْهَانِ لِكَوْنِهِ طَهُورًا فِي الْجُمْلَةِ.
وَإِنْ تَغَيَّرَ بِطَاهِرٍ لَا يُخَالِطُهُ كَالْخَشَئبِ وَالْأَدْهَانِ وَقِطَعِ الْكَافُورِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَلَا أَثَرَ لِمَا غَيَّرَ الْمَاءَ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَدَنِ الْمُغْتَسِلِ زَعْفَرَانٌ أَوْ سِدْرٌ أَوْ خِطْمِيٌّ فَتَغَيَّرَ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِغَسْلِ الْمُحْرِمِ وَغَسْلِ ابْنَتِهِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَأَمَرَ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَلِأَنَّ هَذَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ فَهُوَ طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَا «رَوَى جَابِرٌ قَالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ، فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ» " وَلِأَنَّ بَدَنَ الْمُحْدِثِ طَاهِرٌ فَلَا يَنْجُسُ الْمَاءُ بِمُلَاقَاتِهِ كَسَائِرِ الطَّاهِرَاتِ، وَدَلِيلُ طَهَارَتِهِ مَا رَوَى الْجَمَاعَةُ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:" لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا جُنُبٌ فَانْسَلَلْتُ فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ: كُنْتُ جُنُبًا، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ» وَهُوَ مَعَ طَهَارَتِهِ غَيْرُ مُطَهِّرٍ فِي الْمَشْهُورِ أَيْضًا، لِمَا «رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ " قَالُوا يَا أَبَا
هُرَيْرَةَ، كَيْفَ يَفْعَلُ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَوْ كَانَ الْغُسْلُ فِيهِ يُجْزِئُ وَلَا يُغَيِّرُ الْمَاءَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ مَا زَالُوا تَضِيقُ بِهِمُ الْمِيَاهُ فِي أَسْفَارِهِمْ فَيَتَوَضَّئُونَ وَلَا يَجْمَعُونَ مِيَاهَ وُضُوئِهِمْ وَلَوْ كَانَتْ مُطَهِّرَةً لَجَمَعُوهَا، وَلِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لِإِزَالَةِ مَانِعٍ مِنَ الصَّلَاةِ فَانْتَقَلَ حُكْمُ الْمَنْعِ إِلَيْهِ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَمَا دَامَ الْمَاءُ يَجْرِي عَلَى بَدَنِ الْمُغْتَسِلِ وَعُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ عَلَى وَجْهِ الِاتِّصَالِ فَلَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ حَتَّى يَنْفَصِلَ.
فَإِنِ انْتَقَلَ مِنْ عُضْوٍ إِلَى عُضْوٍ لَا يَتَّصِلُ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَعْصِرَ الْجُنُبُ شَعْرَ رَأْسِهِ عَلَى لُمْعَةٍ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ يَمْسَحَ الْمُحْدِثُ رَأْسَهُ بِبَلِّ يَدِهِ بَعْدَ غَسْلِهَا فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، كَمَا لَوِ انْفَصَلَ إِلَى غَيْرِ مَحَلِّ التَّطْهِيرِ مِثْلُ أَنْ يَمْسَحَ رَأْسَهُ بِبَلٍّ يَأْخُذُهُ مِنْ لِحْيَتِهِ أَوْ يَعْصِرَ شَعْرَهُ فِي كَفِّهِ ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى اللُّمْعَةِ، وَفِي الْأُخْرَى لَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ. وَهُوَ أَصَحُّ لِمَا رَوَتِ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ وَضُوئِهِ فِي يَدَيْهِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «اغْتَسَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَنَابَةٍ فَلَمَّا خَرَجَ رَأَى لُمْعَةً عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَعَصَرَ شَعْرَهُ عَلَيْهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَلِأَنَّهُ مَا زَالَ يَتَنَقَّلُ فِي مَوَاضِعِ التَّطْهِيرِ فَأَشْبَهَ انْتِقَالَهُ إِلَى مَحَلٍّ مُتَّصِلٍ. وَإِنِ اغْتَمَسَ الْجُنُبُ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَلَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَهَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِانْفِصَالِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ أَوْ بِمُلَاقَاةِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ أَنْسَبُهُمَا بِكَلَامِهِ الْأَوَّلُ، وَصَارَ هُنَا مُسْتَعْمَلًا قَبْلَ انْفِصَالِ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِخِلَافِ مَا إِذَا اغْتَسَلَ لَا يَصِيرُ حَتَّى يَنْفَصِلَ، كَمَا أَنَّ الْمَاءَ إِذَا وَرَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ لَمْ يَنْجُسْ حَتَّى يَنْفَصِلَ، وَإِذَا وَرَدَتْ عَلَى قَلِيلِهِ نَجَّسَتْهُ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الِاغْتِسَالَ حَتَّى انْغَمَسَ كَانَ كَمَنْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَتَرْتَفِعُ الْجَنَابَةُ وَيَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا فِي وَجْهٍ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَرْتَفِعُ إِلَّا عَنْ أَوَّلِ جُزْءٍ مُنْفَصِلٍ. وَإِذَا غَمَسَ الْمُتَوَضِّئُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ وَلَمْ يَنْوِ غَسْلَهَا فِيهِ لَمْ يَصِرْ
مُسْتَعْمَلًا وَقِيلَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا كَمَا لَوِ اغْتَرَفَ بِهَا الْجُنُبُ بَعْدَ النِّيَّةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ لَمَّا تَوَضَّأَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اغْتَرَفَ بِيَدِهِ مِنَ الْإِنَاءِ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ، وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ يَتَوَضَّأُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ الْجُنُبُ فِي رِوَايَةٍ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى الْفَرْقُ لِلْعُسْرِ وَالْمَشَقَّةِ فِي الْوُضُوءِ، وَلِأَنَّ الْأَثَرَ جَاءَ فِيهِ: وَإِذَا كَانَ الِانْغِمَاسُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ كَالنَّجَاسَةِ وَأَوْلَى.
وَلَوْ جُمِعَ حَتَّى بَلَغَ قُلَّتَيْنِ كَانَ كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ النَّجِسِ إِذَا جُمِعَ إِلَى مِثْلِهِ حَتَّى بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَا يَصِيرُ طَهُورًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ فَهُوَ طَهُورٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَانِعًا، وَفِي الْأُخْرَى هُوَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي طَهَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَأَشْبَهَ الْأَوَّلَ، وَعَلَى هَذَا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ وَطْءَ الذِّمِّيَّةِ لَا يَجُوزُ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنَ الْحَيْضِ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَاغْتَسَلَتْ كَانَ ذَلِكَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمَانِعَ، وَقِيلَ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ.
وَإِذَا غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلًا عَنِ الْمَسْحِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ: فَأَمَّا فَضْلُ الطَّهُورِ وَهُوَ مَا تَبَقَّى فِي الْإِنَاءِ فَهُوَ طَهُورٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَطَهِّرُ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، لِمَا رَوَى
ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَحْفَةٍ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا فَقَالَ: " إِنَّ الْمَاءَ لَا يُجْنِبُ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. لَكِنْ إِذَا خَلَتْ بِالطَّهَارَةِ مِنْهُ امْرَأَةٌ لَمْ يَجُزْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِهِ فِي وُضُوءٍ وَلَا غُسْلٍ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ.
لِمَا رَوَى الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ» ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ أَحْمَدُ: " أَكْثَرُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ إِذَا خَلَتْ بِالْمَاءِ فَلَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ " وَيُحْمَلُ تَوَضُّؤُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِفَضْلِ وَضُوءِ مَيْمُونَةَ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَخْلُ بِهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَإِنْ تَعَارَضَا فَحَدِيثُ الْمَنْعِ أَوْلَى لِأَنَّهُ حَاضِرٌ وَلِأَنَّهُ نَاقِلٌ عَنِ الْأَصْلِ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنَ الْمُبْقِي عَلَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحِلُّ فَالْحَظْرُ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْحِلُّ بَعْدَهُ لَزِمَ الْبُعْدُ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْحِلُّ قَبْلَ الْحَظْرِ لَزِمَ مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَالْخَلْوَةُ لَا يُشَارِكُهَا الرَّجُلُ سَوَاءٌ شَاهَدَهَا أَوْ لَمْ يُشَاهِدْهَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ خُصِّصَ مِنْهُ حَالُ الْمُشَارَكَةِ «لِقَوْلِ عَائِشَةَ: " كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ تَخْتَلِفُ
أَيْدِينَا فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ:" اغْتَسِلَا جَمِيعًا هِيَ هَكَذَا وَأَنْتَ هَكَذَا فَإِذَا خَلَتْ بِهِ فَلَا تَقْرَبْهُ ". وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَلَّا تُشَاهَدَ عِنْدَ الطَّهَارَةِ وَهِيَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ.
وَمَتَى شَاهَدَتْهَا امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ أَوْ كَافِرٌ فَهُوَ كَالرَّجُلِ عِنْدَ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ كَخَلْوَةِ النِّكَاحِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَصُّ بِهِ بِخِلَافِ خَلْوَةِ النِّكَاحِ، وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِفَضْلِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ أَوْ يَعُمُّ طَهَارَتَيِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَكَذَلِكَ هَلْ لِلرَّجُلِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْخَبَثِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَفِيمَا خَلَتْ بِهِ الْكَافِرَةُ وَجْهَانِ. فَأَمَّا مَا خَلَا بِهِ خُنْثَى مُشْكِلٌ فَلَا
بَأْسَ بِهِ. وَلَا يُؤَثِّرُ التَّطْهِيرُ مِنَ الْمَاءِ الْكَثِيرِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.
فَأَمَّا فَضْلُ طَهُورِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: تُمْنَعُ مِنْهُ. وَلَا بَأْسَ بِشُرْبِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَيُكْرَهُ فِي الْأُخْرَى إِذَا خَلَتْ بِهِ.
فَأَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْحَدَثِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إِلَّا مَا غَمَسَ الْقَائِمُ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ يَدَهُ فِيهِ قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا فَفِي بَقَاءِ طَهُورِيَّتِهِ رِوَايَتَانِ فَإِنْ قُلْنَا يُؤَثِّرُ فَسَوَاءٌ غَمَسَهَا قَبْلَ نِيَّةِ غَسْلِهَا أَوْ بَعْدَهُ فِي الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: لَا يُؤَثِّرُ إِلَّا بَعْدَ نِيَّةِ غَسْلِهَا، وَقِيلَ: بَعْدَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ نَوَى غَسْلَهَا أَوْ لَمْ يَنْوِهْ. وَحَدُّ هَذِهِ الْيَدِ إِلَى الْكُوعِ. وَفِي غَمْسِ الْيَسِيرِ كَالْأُصْبُعِ وَالْأُصْبُعَيْنِ وَجْهَانِ وَفِي غَمْسِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الطَّهَارَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَجْهَانِ، وَلَا يُؤَثِّرُ الْغَمْسُ فِي الْكَثِيرِ - نَصَّ عَلَيْهِ - بَلْ يَصِحُّ وُضُوؤُهُ فِيهِ وَيُجْزِئُ عَنْ غَسْلِهِمَا
وَكَذَلِكَ مَا لَوْ وَقَفَ تَحْتَ أُنْبُوبٍ أَوْ مِيزَابٍ فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْقُلِ الْمَاءَ بِيَدِهِ. فَأَمَّا إِذَا نَقَلَهُ بِيَدِهِ أَوْ صَبَّهُ فِيهِمَا مِنَ الْإِنَاءِ صَبًّا وَتَوَضَّأَ قَبْلَ غَسْلِهِمَا فَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ غَسْلِهِمَا وَيَصِحُّ وُضُوؤُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ هَذَا الْمَاءِ فِيمَا تُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْمِيَاهُ الطَّاهِرَةُ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَفِي الْآخَرِ يُرَاقُ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ إِلَّا هَذَا الْمَاءَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ تَوَضَّأَ بِهِ وَتَيَمَّمَ، وَالْمُنْفَصِلُ مِنَ الْيَدِ الْمَغْسُولَةِ كَالْمُغْتَسَلِ بِهِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ إِنْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ وَإِلَّا فَكَالْمُسْتَحَبِّ.
فَصْلٌ:
وَلَا يُكْرَهُ الْمُسَخَّنُ بِالشَّمْسِ فِي الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ، وَقَالَ التَّمِيمِيُّ وَحَفِيدُهُ رِزْقُ اللَّهِ: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: " لَا تَغْتَسِلُوا بِالْمُشَمَّسِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ " وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ النَّاسَ مَا زَالُوا يَسْتَعْمِلُونَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنْ
أَحَدًا بَرِصَ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ صَحَّ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ مَا قُصِدَ بِتَشْمِيسِهِ وَمَا لَمْ يُقْصَدْ، وَالْأَثَرُ إِنْ صَحَّ فَلَعَلَّ عُمَرَ بَلَغَهُ ذَلِكَ فَنَهَى عَنْهُ كَمَا «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَأْبِيرِ النَّخْلِ وَقَالَ:" مَا أَرَاهُ يُغْنِي شَيْئًا» "، ثُمَّ قَالَ:" «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» " لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْعَادَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُسَخَّنُ بِالنَّارِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَدِيدَ الْحَرَارَةِ يَمْنَعُ إِسْبَاغَ الْوُضُوءِ.
لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ بِالْأُزُرِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقُودُ نَجِسًا فَيُكْرَهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ وُصُولِ بَعْضِ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ إِلَى الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ حَصِينٌ كُرِهَ أَيْضًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ سُخُونَتَهُ إِنَّمَا كَانَتْ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ. وَإِيقَادُهَا هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ مُحَرَّمٌ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَفِي كَرَاهَةِ الِاغْتِسَالِ وَالتَّوَضُّؤِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ رِوَايَتَانِ، وَأَمَّا إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ فَتُكْرَهُ قَوْلًا وَاحِدًا.