المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة الحيض يمنع عشرة أشياء] - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - كتاب الطهارة

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ)

- ‌مَسْأَلَةٌ:" خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا تَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِمَائِعٍ غَير الماءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ كَانَ جَارِيًا لم ينجسه شيء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مقدار القلتين]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذا طَبَخَ فِي الْمَاءِ مَا لَيْسَ بِطَهُورٍ أَوْ خَالَطَهُ]

- ‌[مسألة إذا شَكَّ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ]

- ‌[مسألة إذا خَفِيَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنَ الثَّوْبِ أو غيره]

- ‌[مسألة إذا اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِطَاهِرٍ]

- ‌[مسألة إذا اشْتَبَهَتِ الثِّيَابُ الطَّاهِرَةُ بِالنَّجِسَةِ]

- ‌[مسألة نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ]

- ‌[مسألة يُجْزِئُ فِي سَائِرِ النَّجَاسَاتِ ثَلَاثٌ غسلات]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذا كانت النجاسة على الأرض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النضح في بَوْلِ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم المذي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يطهر من النجاسات بالمسح]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ المذي وَيَسِيرِ الدَّمِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مني الآدمي وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طاهر]

- ‌[بَابُ الْآنِيَةِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ لا يجوز اسْتِعْمَالُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي طَهَارَةٍ وَلَا غَيْرِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُضَبَّبِ بالذهب والفضة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اسْتِعْمَالُ سَائِرِ الْآنِيَةِ الطَّاهِرَةِ وَاتِّخَاذُهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اسْتِعْمَالُ أَوَانِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَثِيَابِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صُوفُ الْمَيْتَةِ وَشَعْرُهَا طَاهِرٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جِلْدِ المَيْتَة نجس دبغ أو لم يدبغ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَظْمُ الْمَيْتَة وقرنها وظفرها نجس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كُلُّ مَيْتَةٍ نَجِسَةٌ إِلَّا الْآدَمِيَّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ميتة حيوان الماء الذي لا يعيش الإ فيه طاهر]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ميتة مالا نفس له سائله طاهرة]

- ‌[بَابُ دُخُولِ الْخَلَاءِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ الذكر المسنون عند دخول الخلاء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الذكر المسنون عند الخروج من الخلاء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يقدم رجله اليسرى عند دخول الخلاء واليمنى عند الخروج]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لا يدخل الخلاء بشيء فيه اسم الله إلا من حاجة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَعْتَمِدُ فِي جُلُوسِهِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ البعد والتستر عند قضاء الحاجة في الفضاء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يرتاد لبوله مكانا رخوا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم استقبال الشمس والقمر عند قضاء الحاجة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الاستبراء من البول]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَمَسُّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَمَسَّحُ بِه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَسْتَجْمِرُ وِتْرًا ثُمَّ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يجزئ الاستجمار بشرطين]

- ‌[بَابُ الْوُضُوءِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ وجوب النية في العبادات]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التسمية في الوضوء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غسل الكفين قبل الوضوء ثلاثا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ المضمضة والاستنشاق في الوضوء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غسل الوجه ثلاثا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حدود الوجه طولا وعرضا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تخليل اللحية إذا كانت كثيفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غسل اليدين إلى المرفقين ويدخل المرفقان معهما]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كيفية مسح الرأس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غسل الرجلين إلى الكعبين وإدخال الكعبين في الغسل]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يستحب تخليل الأصابع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الذكر بعد الوضوء]

- ‌[مسألة المقدار المعين لمسح الرأس]

- ‌[مسألة وجوب الترتيب في الوضوء]

- ‌[مسألة الموالاة في الوضوء]

- ‌[مسألة الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ]

- ‌[مسألة غَسْلُ الْمَيَامِنِ قَبْلَ الْمَيَاسِرِ]

- ‌[مسألة الْغَسْلُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا]

- ‌[مسألة الاجتزاء بالغسل مرة مرة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يستحب السواك في جميع الأوقات]

- ‌[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ متى تبطل طهارة المسح على الخفين]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مدة المسح لمن مسح مسافرا ثم أقام أو مسح مقيما ثم سافر]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الاستدلال بإجزاء المسح على العمامة عن المسح على الرأس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شَرْطِ الْمَسْحِ على العمامة والخف]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ المرأة في المسح على الخف والجبيرة كالرجل]

- ‌[بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلَيْن سَوَاءٌ كَانَ نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الخارج النجس من غير السبيلين إذا فحش]

- ‌[مَسْأَلَةٌ زَوَالُ الْعَقْلِ إِلَّا النَّوْمَ الْيَسِيرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَمْسُ الذَّكَرِ بِيَدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسُّ ذَكَرِ غَيْرِهِ كَمَسِّ ذَكَرِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَمْسُ الْمَرْأَةِ بِشَهْوَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَة الرِّدَّةُ عَنِ الْإِسْلَامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَكْلُ لَحْمِ الْإِبِلِ]

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ] [

- ‌الْأَغْسَالُ عَلَى قِسْمَيْنِ وَاجِبَةٌ وَمُسْتَحَبَّةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الموجب للغسل]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْوَاجِبُ فِيِ الغسل النِّيَّةُ وتعميم البدن مع المضمضة والاستنشاق]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يسَنُّ في الغسل التَّسْمِيَةُ وتُدَليِّكَ البَدَن]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لا يجب نَقْضُ الشَّعْرِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إذا روى أصوله]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إِذَا نَوَى بِغُسْلِهِ الطَّهَارَتَيْنِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ] [

- ‌تعريف التَّيَمُّمُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صفة التيمم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شروط التيمم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذا أَمْكَنَهُ اسْتِعْمَالُ الماء لبَعْضِ بَدَنِهِ والَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ] [

- ‌تعريف الحيض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الحيض يمنع عشرة أشياء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَقَلُّ الْحَيْضِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أكثر الحيض]

- ‌[مَسْأَلَة أَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَقَلُّ سِنٍّ الحيض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أكبر سِنٍّ الحيض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُبْتَدَأَةُ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ لِوَقْتٍ تَحِيضُ فِي مِثْلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذا جاوز الدم اليوم والليلة للمبتدأة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذا تكرر الدم ثلاثة أشهر بمعنى واحد]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إن عبر الدم أكثر من زمن الحيض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ على المستحاضة أن تغتسل عند آخر الحيض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ المستحاضة تغسل فرجها وتعصبه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تتوضأ المستحاضة لكل صلاة وتصلي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حُكْمُ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ بالنسبة للوضوء والصلاة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إِذَا اسْتَمَرَّ بالمستحاضة الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الْآخَرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مدة الحيض إِذَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا ولا تمييز]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الحامل لا تحيض]

- ‌[بَابُ النِّفَاسِ] [

- ‌تعريف النفاس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أكثر النفاس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لا حد لأقل النفاس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إِنْ عَادَ فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِفَاسٌ]

الفصل: ‌[مسألة الحيض يمنع عشرة أشياء]

[بَابُ الْحَيْضِ] [

‌تعريف الحيض]

الْحَيْضُ مَصْدَرُ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا: إِذَا جَرَى دَمُهَا، وَيُسَمَّى الدَّمُ حَيْضًا، وَهُوَ دَمُ خِلْقَةٍ وَجِبِلَّةٍ، وَكَتَبَ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ بِحِكْمَةِ غِذَاءِ الْوَلَدِ وَنَبَاتِهِ، فَالْوَلَدُ يُخْلَقُ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ثُمَّ يُغَذَّى فِي الرَّحِمِ بِدَمِ الطَّمْثِ، فَإِذَا وُلِدَ تَحَوَّلَ الدَّمُ لَبَنًا فَيَرْضَعُ مِنْهُ، فَإِذَا خَلَتِ الرَّحِمُ مِنْ وَلَدٍ اجْتَمَعَ الدَّمُ ثُمَّ خَرَجَ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِذَلِكَ وَصَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِبِرِّ الْأُمِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَبِبِرِّ الْأَبِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ أَحْكَامِ الْحَيْضِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[مَسْأَلَةٌ الحيض يمنع عشرة أشياء]

مَسْأَلَةٌ

" وَيَمْنَعُ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ: فِعْلَ الصَّلَاةِ وَوُجُوبَهَا وَفِعْلَ الصِّيَامِ، وَالطَّوَافَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ، وَاللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ وَالْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ وَسُنَّةَ الطَّلَاقِ وَالِاعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ، وَيُوجِبُ الْغُسْلَ وَالْبُلُوغَ وَالِاعْتِدَادَ بِهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ أُبِيحَ فِعْلُ الصِّيَامِ وَالطَّلَاقُ وَلَمْ يُبَحْ سَائِرُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ، وَيَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنَ الْحَائِضِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "«اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» ".

فِي هَذَا الْكَلَامِ فُصُولٌ، أَحَدُهَا: أَنَّ الْحَائِضَ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ وَلَا تَصُومَ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، فَإِذَا طَهُرَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ دُونَ

ص: 457

الصَّلَاةِ، وَهَذَا مِمَّا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ. وَقَدْ رَوَى الْجَمَاعَةُ «عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ، قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ لَهَا: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ، فَقَالَتْ: " كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» وَمَعْنَى قَوْلِهَا: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ، الْإِنْكَارُ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِ حَرُورَاءَ وَهِيَ مَكَانٌ يَنْتَسِبُ إِلَيْهِ الْخَوَارِجُ، وَإِنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ لِأَنَّ مِنَ الْخَوَارِجِ مَنْ كَانَ يَأْمُرُهَا بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ لِفَرْطِ تَعَمُّقِهِمْ فِي الدِّينِ حَتَّى مَرَقُوا مِنْهُ.

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «أَلَيْسَتْ إِحْدَاكُنَّ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ " «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ» " وَالصَّوْمُ وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهَا حِينَ الْحَيْضِ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْمُسَافِرِ، وَكُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ الْعِبَادَةُ قَضَاءً فَإِنَّهَا وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا يَجِبُّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُهَا قَضَاءً لَكِنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهَا فِيمَا بَعْدُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا، فَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا صَحَّ الصَّوْمُ فِي الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَذْهَبِ كَمَا يَصِحُّ صَوْمُ الْجُنُبِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ لِلصَّوْمِ وَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا لَكِنْ تَجِبُ فِي ذِمَّتِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ قَادِرَةً عَلَى فِعْلِهَا.

ص: 458

الْفَصْلُ الثَّانِي:

أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ. لِمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا لَمَّا حَاضَتْ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ: " اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ إِلَّا أَنَّكِ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ " حَتَّى تَغْتَسِلِي ".

«وَلَمَّا قَالَتْ: إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ قَدْ حَاضَتْ، قَالَ: " أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ " قَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ، قَالَ: " فَلَا، إِذَنْ» فَلَوْ كَانَ طَوَافُهَا " جَائِزًا " لَمْ تَحْبِسْهُمْ وَلِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَالْحَائِضُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ. وَلِأَنَّ الطَّوَافَ لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْحَائِضُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَلْبَثَ فِي الْمَسْجِدِ، تَوَضَّأَتْ أَوْ لَمْ تَتَوَضَّأْ، فَإِنْ خَالَفَتْ وَطَافَتْ لَمْ يَجُزْ لَهَا الطَّوَافُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى تَجْبُرُهُ بِدَمٍ وَيُجْزِؤُهَا مَعَ التَّحْرِيمِ، كَمَا يَجْبُرُ بِالدَّمِ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَفَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْمَحْظُورَاتِ مَعَ التَّحْرِيمِ وَالْإِثْمِ.

ص: 459

الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَاللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ حَدَثَهَا كَحَدَثِ الْجُنُبِ وَأَغْلَظَ، لِقِيَامِ سَبَبِ الْحَدَثِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ وَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ أَحْسَنَ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ كَالْجُنُبِ، وَلَهَا الْعُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ دَمُهَا جَارِيًا فَإِنَّهَا تَتَلَجَّمُ لِتَأْمَنَ مِنْ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ: لَا تَدْخُلُهُ إِلَّا لِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ دُونَ وَضْعِ شَيْءٍ فِيهِ، لِلْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَحَادِيثُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ، وَأَمَّا اللُّبْثُ فِيهِ بِالْوُضُوءِ فَيَجُوزُ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا، وَأَمَّا قَبْلُ فَلَا يَجُوزُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهَا لَا تَصِحُّ " وَسَبَبُ " الْحَدَثِ قَائِمٌ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهَا الْوُضُوءُ لِنَوْمٍ أَوْ أَكْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

ص: 460

الْفَصْلُ الرَّابِعُ:

أَنَّهُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي الْفَرْجِ، فَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ مِثْلَ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَالْمَحِيضُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِمَكَانِ الْحَيْضِ كَالْقُبُلِ وَالْمَنْبَتِ، فَيَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِمَكَانِ الْحَيْضِ وَهُوَ الْفَرْجُ، أَوْ هُوَ الْحَيْضُ وَهُوَ الدَّمُ نَفْسُهُ لِقَوْلِهِ:" أَذًى " أَوْ نَفْسُ خُرُوجِ الدَّمِ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَصْدَرِ كَقَوْلِهِ: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] فَقَوْلُهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: {فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] يَحْتَمِلُ مَكَانَ الْحَيْضِ وَيَحْتَمِلُ زَمَانَهُ وَحَالَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَمَكَانُ الْمَحِيضِ هُوَ الْفَرْجُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي زَمَنِ الْمَحِيضِ، فَهَذَا الِاعْتِزَالُ يَحْتَمِلُ اعْتِزَالَهُنَّ مُطْلَقًا كَاعْتِزَالِ الْمُحْرِمَةِ وَالصَّائِمَةِ.

وَيَحْتَمِلُ اعْتِزَالَ مَا يُرَادُ مِنْهُنَّ فِي الْغَالِبِ وَهُوَ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ لِوُجُوهٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَالَ: {هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فَذَكَرَ الْحُكْمَ بَعْدَ الْوَصْفِ بِحَرْفِ الْفَاءِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ هُوَ الْعِلَّةُ لَا سِيَّمَا وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْحُكْمِ كَقَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ بِاعْتِزَالِهِنَّ مِنَ الْإِيذَاءِ إِضْرَارًا أَوْ تَنْجِيسًا وَهَذَا مَخْصُوصٌ بِالْفَرْجِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلِّ سَبَبِهِ.

وَثَانِيهَا: أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ اعْتِزَالَ جَمِيعِ بَدَنِهَا لَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ، كَمَا فَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ الْمُسْتَفِيضَةُ فَانْتَفَتِ الْحَقِيقَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى

ص: 461

الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَهُوَ الْمَجَازُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ اعْتِزَالُ الْمَوْضِعِ الْمَقْصُودِ فِي الْغَالِبِ وَهُوَ الْفَرْجُ لِأَنَّهُ يُكَنَّى عَنِ اعْتِزَالِهِ بِاعْتِزَالِ الْمَرْأَةِ كَثِيرًا، كَمَا يُكَنَّى عَنْ مَسِّهِ بِالْمَسِّ وَالْإِفْضَاءِ مُطْلَقًا، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] بِقَوْلِهِ: " فَاعْتَزِلُوا نِكَاحَ فُرُوجِهِنَّ " رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ حَزْمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُمْ فِي تَفَاسِيرِهِمْ.

فَأَمَّا اعْتِزَالُ الْفَرْجِ وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَلَا هُوَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَلَا مَجَازُهُ.

وَثَالِثُهَا: أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ فَسَّرَتْ هَذَا الِاعْتِزَالَ بِأَنَّهُ تَرْكُ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، فَرَوَى أَنَسٌ " «أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» " وَفِي لَفْظٍ " إِلَّا الْجِمَاعَ " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ.

وَالْجِمَاعُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْإِيلَاجُ فِي الْفَرْجِ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ الْفَرْجِ فَلَيْسَ هُوَ كَالْجِمَاعِ وَلَا نِكَاحٍ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِهِ تَوَسُّعًا عِنْدَ التَّقْيِيدِ فَيُقَالُ: الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ؛ لِكَوْنِهِ بِالذَّكَرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجِمَاعِ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِيلَاجِ لَا سِيَّمَا الِاسْتِمْتَاعُ فِي الْفَرْجِ، فَمَا فَوْقَ السُّرَّةِ جَائِزٌ إِجْمَاعًا، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا شَيْئًا» " وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

ص: 462

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ " فَقَالَ: تَجَنَّبْ شِعَارَ الدَّمِ» " رَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ.

وَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ حُرِّمَ لِلْأَذَى فَاخْتَصَّ التَّحْرِيمُ بِمَحَلِّ الْأَذَى كَالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، وَلَا يُقَالُ: هَذَا يُخْشَى مِنْهُ مُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ؛ لِأَنَّ الْأَذَى الْقَائِمَ بِالْفَرْجِ يُنْفَرُ عَنْهُ كَمَا يُنْفَرُ عَنِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، وَلِذَلِكَ أُبِيحَ لَهُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ إِجْمَاعًا، ثُمَّ إِنَّهُ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا شَيْئًا كَمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِئَلَّا يُصِيبَهُ الْأَذَى، وَلَوْ رُوعِيَ هَذَا فَحَرُمَ جَمِيعُ بَدَنِهَا كَالْمُحْرِمَةِ وَالصَّائِمَةِ وَالْمُعْتَكِفَةِ، وَمَعَ هَذَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي الِاسْتِمْتَاعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْإِزَارِ لِأَنَّهُ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى اسْتِمْتَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَزْوَاجِهِ.

«قَالَتْ عَائِشَةُ: " كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَأْتَزِرَ بِإِزَارٍ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَلَى نَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ لَهُ " عَنِ " الْإِلْمَامِ بِالْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ بِخِلَافِ الدُّبُرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ، وَالْفَرْجُ الْمُبَاحُ يُغْنِي عَنِ الدُّبُرِ فَلَا يُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ الْقُرْبُ مِنْهُ ضَرُورِيٌّ وَهُنَا لَيْسَ هُنَاكَ فَرْجٌ مُبَاحٌ وَلَا ضَرُورَةٌ فَنَهَابُ الْإِلْمَامَ بِهِ عَلَى الْعَادَةِ السَّابِقَةِ أَوْ يُلَوِّثُهُ الدَّمُ، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ.

فَصْلٌ

وَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ حَتَّى تَغْتَسِلَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] أَيْ: حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهَا {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] أَيِ:

ص: 463

اغْتَسَلَتْ بِالْمَاءِ، وَهَكَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ " أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ " وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقْرَؤُونَ " حَتَّى يَطَّهَّرْنَ " بِالتَّشْدِيدِ، وَكُلُّهُمْ يَقْرَؤُونَ الْحَرْفَ الثَّانِي " {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] " وَالتَّطَهُّرُ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَكَلَّفُهُ وَيَرُومُ تَحْصِيلَهُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الِاغْتِسَالِ، فَأَمَّا انْقِطَاعُ الدَّمِ فَلَا صُنْعَ لَهَا فِيهِ وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] فُهِمَ مِنْهُ الِاغْتِسَالُ، فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى قِرَاءَةِ الْأَكْثَرِينَ يَنْتَهِي النَّهْيُ عَنِ الْقِرَاءَتَيْنِ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ هُنَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا لِأَنَّهَا بِحَرْفِ (حَتَّى) فَإِذَا تَمَّ انْقِطَاعُ الدَّمِ فَقَدِ انْتَهَتِ الْغَايَةُ، قُلْنَا: قَبْلَ الِانْقِطَاعِ النَّهْيُ عَنِ الْقُرْبَانِ الْمُطْلَقِ، فَلَا يُبَاحُ بِحَالٍ، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ زَالَ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ الْمُطْلَقُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ حِينَئِذٍ مُبَاحَةً إِنِ اغْتَسَلَتْ، حَرَامًا إِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ، وَيُبَيِّنُ هَذَا الشَّرْطَ قَوْلُهُ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْأَكْثَرِ أَكْثَرُ فَائِدَةً وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] وَأَيْضًا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَنَّ الْمُطَلِّقَ أَحَقُّ بِزَوْجَتِهِ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، فَإِذَا كَانَ حَدَثُ الْحَيْضُ مُوجِبَ بَقَاءِ الْعِدَّةِ فَلَأَنْ يَقْتَضِيَ بَقَاءَ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ أَوْلَى وَأَحْرَى، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَتْ، فَإِنْ وَجَدَتِ الْمَاءَ عَادَ التَّحْرِيمُ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا.

ص: 464

فَصْلٌ: وَإِذَا وَطِئَ الْحَائِضَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا تَجِبُ بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى، حَمْلًا لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الِاضْطِرَابِ، فَإِنَّهُ وَطْءٌ حَرَامٌ لَا لِأَجْلِ عِبَادَةٍ فَلَمْ يُوجِبْ كَفَّارَةً كَالزِّنَا وَالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، وَوَجْهُ الْأُولَى مَا رَوَى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ:" يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ» ". قَالَ: " أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ:

" مَا أَحْسَنَ حَدِيثَ عَبْدِ الْحَمِيدِ فِيهِ " قِيلَ لَهُ: فَتَذْهَبُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: " نَعَمْ " وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ ": هَذِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غِشْيَانِ الْحَائِضِ ".

وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ مِقْسَمٍ، وَلِأَنَّهُ وَطِئَ فَرْجًا يَمْلِكُهُ حَرُمَ لِعَارِضٍ فَجَازَ أَنْ يُوجِبَ الْكَفَّارَةَ كَالْوَطْءِ فِي الصِّيَامِ

ص: 465

وَالْإِحْرَامِ وَطَرْدُهُ الِاعْتِكَافُ، إِنْ قُلْنَا بِهِ، وَإِلَّا قُلْنَا: حَرُمَ لِسَبَبٍ عَارِضٍ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مَاحِيَةٌ لِلذَّنْبِ وَزَاجِرَةٌ عَنْهُ فَلَا تُشْرَعُ فِي الْكَبَائِرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهُ، كَالزِّنَا وَالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُكَفَّرَ، وَالدَّاعِي إِلَيْهِ أَقْوَى مِنْ أَنْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّحْرِيمُ عَارِضًا فَرُبَّمَا دَعَتِ النَّفْسُ إِلَى الْعَادَةِ، فَشُرِعَتِ الْكَفَّارَةُ مَاحِيَةً لِلذَّنْبِ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ، وَزَاجِرَةً عَنْ مُعَاوَدَتِهِ، وَلِهَذَا أَغْنَى وُجُوبُهَا عَنِ التَّعْزِيرِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَيُشْرَعُ التَّعْزِيرُ فِيمَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَبِهَذَا أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ فِي وَطْءِ رَمَضَانَ وَالْإِحْرَامِ، وَلَمْ تَكُنِ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ إِفْسَادَ الْعِبَادَةِ فَقَطْ لِأَنَّا نُوجِبُهَا فِي الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ وَالصَّوْمِ الْفَاسِدِ فِي رَمَضَانَ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْأَصْلِ زَجْرًا وَمَحْوًا وَجَبْرًا وَلَا شَيْءَ فِي الْفَرْعِ يُجْبَرُ، فَلِهَذَا خَفَّتْ.

فَصْلٌ

وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّكْفِيرِ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ، وَعَنْهُ إِنْ كَانَ فِي إِقْبَالِ الدَّمِ فَدِينَارٌ وَإِنْ كَانَ فِي إِدْبَارِهِ فَنِصْفُ دِينَارٍ، حَمْلًا لِلتَّقْسِيمِ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه «عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي يَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ:" إِنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ وَإِنْ كَانَ صُفْرَةً فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِذَا وَطِئَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فِي الْمَنْصُوصِ مِنَ

ص: 466

الْوَجْهَيْنِ إِذْ لَا نَصَّ فِيهِ وَحُرْمَتُهُ أَخَفُّ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: فِيهِ الْكَفَّارَةُ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمِ.

وَلِمَا رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ وَغَيْرُهُ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " «جَعَلَ فِي الْحَائِضِ تُصَابُ دِينَارًا، فَإِنْ أَصَابَهَا وَقَدْ أَدْبَرَ الدَّمُ عَنْهَا وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَنِصْفُ دِينَارٍ»، كُلُّ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمُعْتَمَدُ هِيَ الرِّوَايَةُ الْأُولَى لِصِحَّتِهَا. وَنِصْفُ الدِّينَارِ الزَّائِدُ إِذَا أَخْرَجَ دِينَارًا فَهُوَ مِنَ الْكَفَّارَةِ الْمُقَدَّرَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَإِنْ جَازَ تَرْكُهُ، بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ صَدَقَةٌ مَحْضَةٌ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ عَلَى جِهَةِ التَّكْفِيرِ فَهُوَ مُرَغَّبٌ فِيهِ لَيْسَ هُوَ مِنَ الْكَفَّارَةِ الْمُقَدَّرَةِ الْمَأْمُورِ لِقَوْلِهِ: "«الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ» " وَقَوْلِهِ: "«أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» ". وَقَوْلِ حُذَيْفَةَ " فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ " وَهَذَا كَمَا يُخَيَّرُ الْحَاجُّ بَيْنَ أَنْ يَبِيتَ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ بِمِنًى وَيَرْمِيَ الْجَمْرَةَ مِنَ الْغَدِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَكَمَنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، فَإِنْ أَخْرَجَ سُبُعَ بَدَنَةٍ جَازَ وَإِنْ أَخْرَجْ بَدَنَةً فَهُوَ هَدْيٌ أَيْضًا وَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَ

ص: 467

حِقَّةً جَازَ وَكَانَ الْجَمِيعُ زَكَاةً، وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ تَطَوُّعًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: 184]- يَعْنِي أَكْثَرَ مِنْ مِسْكِينٍ - {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: 184] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي وَجَبَتْ فِي مَالِهِ بِنْتُ مَخَاضٍ: " «ذَلِكَ الَّذِي عَلَيْكَ فَإِنْ تَطَوَّعْتَ بِخَيْرٍ مِنْهُ قَبِلْنَاهُ مِنْكَ وَآجَرَكَ اللَّهُ عَلَيْهِ» ". وَوَصَفَهُ بَعْضُهُمْ بِالْوُجُوبِ وَإِنْ جَازَ تَرْكُهُ كَمَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْوَاجِبِ الَّذِي لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ، مِثْلَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِذَا طَوَّلَهُ زِيَادَةً عَلَى مَا يُجْزِئُ. وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ بِاخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ وَهَذَا جَائِزٌ، كَمَا يَجِبُ إِتْمَامُ الْإِحْرَامِ إِذَا شَرَعَ فِيهِ، وَيَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ الْأَخْذُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إِذَا اخْتَارَ تَقْلِيدَ صَاحِبِهِ وَهَذَا لِأَنَّا نُخَيِّرُهُ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ أَوْ يَفْعَلَهُ عَلَى صِفَةِ الْوُجُوبِ كَمَا يُخَيَّرُ بَيْنَ تَرْكِ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْعَلَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فَتَكُونُ الصِّفَةُ وَاجِبَةً بِشَرْطِ فِعْلِ الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً إِذَا تَرَكَ الْأَصْلَ.

فَصْلٌ

وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ سَوَاءٌ كَانَ جَاهِلًا بِالْحَيْضِ وَبِالتَّحْرِيمِ أَوْ بِهِمَا، وَكَذَلِكَ النَّاسِي كَالْعَامِدِ فِي الْمَنْصُوصِ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ لَا يَجِبُ. قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ صُغْرَى فَلَمْ تَجِبْ مَعَ السَّهْوِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ، وَقَدْ رَوَى حَرْبٌ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه " أَتَى جَارِيَةً لَهُ فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ، فَكَذَّبَهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا حَائِضًا، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَبَا حَفْصٍ، تَصَدَّقْ بِنِصْفِ

ص: 468

دِينَارٍ». وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ أَوِ الصَّائِمَ إِذَا وَطِئَ نَاسِيًا وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ هُنَا فَإِنْ وَطِئَهَا طَاهِرًا فَحَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الْوَطْءِ، فَإِنِ اسْتَدَامَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ انْبَنَى عَلَى أَنَّ النَّزْعَ هَلْ هُوَ جِمَاعٌ؟ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِأَصْحَابِنَا، أَحَدُهُمَا: هُوَ جِمَاعٌ، فَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتَ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِنْ جَامَعْتُكِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا أَبَدًا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ النَّزْعُ فِي غَيْرِ مِلْكٍ، وَإِذَا طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُولِجٌ فَنَزَعَ فِي الْحَالِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي، فَعَلَى هَذَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ هُنَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْصُوصِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ مَعْذُورٌ وَالْمَعْذُورُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِي النَّزْعِ كَمَا تَلْزَمُهُ فِي الصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَيْسَ النَّزْعُ بِجِمَاعٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ هُنَا، كَمَا لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِالنَّزْعِ عِنْدَ أَبِي حَفْصٍ، وَلَا يَأْثَمُ بِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِوَطْءِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

وَتَجِبُ مِنَ الذَّهَبِ الْخَالِصِ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَسَوَاءٌ كَانَ تِبْرًا أَوْ مَضْرُوبًا، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ إِلَّا الْمَضْرُوبُ لِأَنَّ الدِّينَارَ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ خَاصَّةً، وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الدِّيَةِ، وَلَوْ كَانَ مَالُهُ دَنَانِيرَ فَأَخْرَجَ عَنْهَا مُكَسَّرًا لَزِمَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْفَضْلَ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا لِوَاحِدٍ وَجَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى عَدَدٍ فَأَشْبَهَتِ النَّذْرَ، وَإِخْرَاجُ الْقِيمَةِ هُنَا كَإِخْرَاجِهَا فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ، وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ عَنِ الدَّنَانِيرِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يُجْزِئْهُ هُنَاكَ كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ.

وَأَمَّا الْمَصْرِفُ فَهُوَ مَصْرِفُ الْكَفَّارَاتِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُمُ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَكُلُّ مَنْ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ بِخَاصَّةٍ كَابْنِ السَّبِيلِ وَالْغَارِمِ لِمَصْلَحَةِ

ص: 469

نَفْسِهِ وَالْمُكَاتِبِ، وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ هُمُ الْمَسَاكِينُ خَاصَّةً، وَكَذَلِكَ كُلُّ صَدَقَةٍ مُطْلَقَةٍ هَلْ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، إِحْدَاهُمَا: تَسْقُطُ وَاخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ لَيْسَ بِبَدَلٍ وَلَا لَهُ بَدَلٌ، فَأَشْبَهَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَالْمَالِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» " وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ، وَاخْتَارَهَا بَعْضُهُمْ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْإِحْرَامِ.

فَصْلٌ

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا إِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً، وَهِيَ الَّتِي أُضْجِعَتْ قَهْرًا أَوْ وُطِئَتْ وَهِيَ نَائِمَةٌ؛ إِذْ لَا فِعْلَ لَهَا، فَأَمَّا الْمُطَاوِعَةُ فَفِيهَا وَجْهَانِ، تَخْرِيجًا عَلَى الصَّوْمِ وَالْحَجِّ، لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ هُنَا هُوَ الْوُجُوبُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْجَمِيعِ، لَكِنَّ تَمْكِينَهَا مِنْ وَطْءِ الرَّجُلِ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ فِي الْحَدِّ فَفِي الْكَفَّارَةِ أَوْلَى، وَأَمَّا النَّائِمَةُ وَالَّتِي ضُرِبَتْ حَتَّى مَكَّنَتْ فَهَلْ تُلْحَقُ بِالْمُطَاوِعَةِ أَوِ الْمَغْلُوبَةِ عَلَى نَفْسِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ تَجِبَ عَلَى الْمُكْرَهَةِ أَيْضًا، وَيَتَحَمَّلُهَا الزَّوْجُ، أَوْ لَا يَتَحَمَّلُهَا كَمَا فِي الْحَجِّ وَالصِّيَامِ، فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى، وَقِيلَ: الْكَفَّارَةُ الْوَاحِدَةُ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا، وَيَجِبُ فِي وَطْءِ النُّفَسَاءِ مَا يَجِبُ فِي وَطْءِ الْحَائِضِ، نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مِثْلُهَا.

فَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الدَّمِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَيَنْبَغِي إِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيْضٌ كَالْمُبْتَدِأَةِ وَالْمُعْتَادَةِ وَالْمُنْتَقِلَةِ عَادَتُهَا أَوِ الْعَائِدِ دَمُهَا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، إِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ، وَإِلَّا كَانَ كَوَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَوَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ حَرَامٌ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِلَّا أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ؛ لِأَنَّهُ دَمُ أَذًى فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ، وَفِي الْأُخْرَى لَا يَحْرُمُ كَدَمِ الْقُرُوحِ وَالْجُرُوحِ فِي الْفَرْجِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ كَفَّارَةٌ.

ص: 470

الْفَصْلُ الْخَامِسُ:

أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ سُنَّةَ الطَّلَاقِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ كَانَ مُبْتَدِعًا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] يَعْنِي طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ «وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: " لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

وَلِأَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا حَائِضًا لَمْ تُحْسَبْ تَمَامًا الْحَيْضَةُ مِنَ الْقُرُوءِ فَتَتَرَبَّصُ بَعْدَ تِلْكَ الْحَيْضَةِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَفِي ذَلِكَ تَطْوِيلٌ لِلْعِدَّةِ وَذَلِكَ إِضْرَارٌ بِهَا، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْحَيْضَ مَظِنَّةُ الزُّهْدِ فِيهَا وَالتَّفْرِقَةِ عَنْهَا، فَرُبَّمَا يَعْقُبُهُ النَّدَمُ، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ كَانَ الطَّلَاقُ سُنَّةً، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِيهَا قَوْلَيْنِ، يَعْنِي رِوَايَتَيْنِ؛ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ بِدْعَةٌ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعُمَرَ:" «مُرْ عَبْدَ اللَّهِ فَلْيُرَاجِعْهَا فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا الْأُخْرَى فَلَا يَمَسُّهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ يُمْسِكُهَا فَلْيُمْسِكْهَا فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَفْسِيرُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَتُبَيِّنُ أَنَّ الْمَسِيسَ وَالطَّلَاقَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ، وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ الِاغْتِسَالِ فِي حُكْمِ الْحَيْضِ فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ

ص: 471

وَبَقَاءِ الْعِدَّةِ وَجَوَازِ الرَّجْعَةِ، فَكَذَلِكَ فِي تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ وَابْتِدَاءِ الْعِدَّةِ، وَطَرْدُ ذَلِكَ إِذَا قُلْنَا: إِنْ حِضْتِ حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ ظَاهِرُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ فِيهِ صَوْمُهَا وَتَجِبُ فِيهِ الصَّلَاةُ، فَأَشْبَهَ مَا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ.

الْفَصْلُ السَّادِسُ:

أَنَّهُ يَمْنَعُ الِاعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ إِذَا حَصَلَتِ الْفُرْقَةُ فِي الْحَيَاةِ وَيُوجِبُ الِاعْتِدَادَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] فَأَمَرَ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ إِنَّمَا هُوَ لِذَوَاتِ الْقُرُوءِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ} [الطلاق: 4]{وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] أَنَّ مَنْ لَيْسَتْ مِنَ الْآيِسَاتِ وَلَا مِنَ الصِّغَارِ تَعْتَدُّ بِسِوَى ذَلِكَ وَهُوَ الْحَيْضُ، فَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَعِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا سَوَاءٌ صَغِيرَةٌ أَوْ آيِسَةٌ أَوْ مِمَّنْ تَحِيضُ لِقَوْلِهِ:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 240] الْآيَةَ، فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ.

ص: 472

الْفَصْلُ السَّابِعُ:

أَنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" إِنَّمَا ذَاكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَمْرُهُ لِلْحَائِضِ بِالِاغْتِسَالِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَغَيْرِهِنَّ، وَلِأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى أَخْبَرَ أَنَّ الْحَائِضَ لَيْسَتْ بِطَاهِرٍ بِقَوْلِهِ:

{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222].

وَأَمَرَ بِالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ فِي سِيَاقِ آيَةِ الْوُضُوءِ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ صَلَاتَهَا قَبْلَ التَّطَهُّرِ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طَهُورٍ فَلَا تَصِحُّ، وَلِأَنَّ حَدَثَهَا أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِ الْجُنُبِ فَهِيَ بِالْغُسْلِ أَوْلَى، وَالْمُوجِبُ لَهُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا انْقِطَاعُ الدَّمِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ اغْتِسَالُهَا فَلَا يَكُونُ الْغُسْلُ وَاجِبًا، وَعِنْدَ بَعْضِهِمُ الْمُوجِبُ لَهُ خُرُوجُ الدَّمِ، وَانْقِطَاعُهُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ، كَمَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ بِخُرُوجِ الْخَارِجَاتِ قَبْلَ انْقِطَاعِهَا، وَإِنْ كَانَتِ الطَّهَارَةُ لَا تَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ انْقِطَاعِهَا، وَهَذَا أَقْيَسُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا غُسْلُ جَنَابَةٍ وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْجَنَابَةُ قَدْ أَصَابَتْهَا قَبْلَ الْحَيْضِ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الْجَنَابَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَفِيدُ بِذَلِكَ ارْتِفَاعَ حَدَثِ الْجَنَابَةِ الْوَاجِبِ قَبْلَ الْحَيْضِ، وَمَتَى اغْتَسَلَتْ صَحَّ وَارْتَفَعَ حَدَثُ الْجَنَابَةِ وَبَقِيَ حَدَثُ الْحَيْضِ.

ص: 473