المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة المسح على الخفين وما أشبههما] - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - كتاب الطهارة

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ)

- ‌مَسْأَلَةٌ:" خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا تَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِمَائِعٍ غَير الماءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ كَانَ جَارِيًا لم ينجسه شيء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مقدار القلتين]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذا طَبَخَ فِي الْمَاءِ مَا لَيْسَ بِطَهُورٍ أَوْ خَالَطَهُ]

- ‌[مسألة إذا شَكَّ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ]

- ‌[مسألة إذا خَفِيَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنَ الثَّوْبِ أو غيره]

- ‌[مسألة إذا اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِطَاهِرٍ]

- ‌[مسألة إذا اشْتَبَهَتِ الثِّيَابُ الطَّاهِرَةُ بِالنَّجِسَةِ]

- ‌[مسألة نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ]

- ‌[مسألة يُجْزِئُ فِي سَائِرِ النَّجَاسَاتِ ثَلَاثٌ غسلات]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذا كانت النجاسة على الأرض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النضح في بَوْلِ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم المذي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يطهر من النجاسات بالمسح]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ المذي وَيَسِيرِ الدَّمِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مني الآدمي وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طاهر]

- ‌[بَابُ الْآنِيَةِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ لا يجوز اسْتِعْمَالُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي طَهَارَةٍ وَلَا غَيْرِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُضَبَّبِ بالذهب والفضة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اسْتِعْمَالُ سَائِرِ الْآنِيَةِ الطَّاهِرَةِ وَاتِّخَاذُهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اسْتِعْمَالُ أَوَانِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَثِيَابِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صُوفُ الْمَيْتَةِ وَشَعْرُهَا طَاهِرٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جِلْدِ المَيْتَة نجس دبغ أو لم يدبغ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَظْمُ الْمَيْتَة وقرنها وظفرها نجس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كُلُّ مَيْتَةٍ نَجِسَةٌ إِلَّا الْآدَمِيَّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ميتة حيوان الماء الذي لا يعيش الإ فيه طاهر]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ميتة مالا نفس له سائله طاهرة]

- ‌[بَابُ دُخُولِ الْخَلَاءِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ الذكر المسنون عند دخول الخلاء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الذكر المسنون عند الخروج من الخلاء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يقدم رجله اليسرى عند دخول الخلاء واليمنى عند الخروج]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لا يدخل الخلاء بشيء فيه اسم الله إلا من حاجة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَعْتَمِدُ فِي جُلُوسِهِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ البعد والتستر عند قضاء الحاجة في الفضاء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يرتاد لبوله مكانا رخوا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم استقبال الشمس والقمر عند قضاء الحاجة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الاستبراء من البول]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَمَسُّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَمَسَّحُ بِه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَسْتَجْمِرُ وِتْرًا ثُمَّ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يجزئ الاستجمار بشرطين]

- ‌[بَابُ الْوُضُوءِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ وجوب النية في العبادات]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التسمية في الوضوء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غسل الكفين قبل الوضوء ثلاثا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ المضمضة والاستنشاق في الوضوء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غسل الوجه ثلاثا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حدود الوجه طولا وعرضا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تخليل اللحية إذا كانت كثيفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غسل اليدين إلى المرفقين ويدخل المرفقان معهما]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كيفية مسح الرأس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غسل الرجلين إلى الكعبين وإدخال الكعبين في الغسل]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يستحب تخليل الأصابع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الذكر بعد الوضوء]

- ‌[مسألة المقدار المعين لمسح الرأس]

- ‌[مسألة وجوب الترتيب في الوضوء]

- ‌[مسألة الموالاة في الوضوء]

- ‌[مسألة الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ]

- ‌[مسألة غَسْلُ الْمَيَامِنِ قَبْلَ الْمَيَاسِرِ]

- ‌[مسألة الْغَسْلُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا]

- ‌[مسألة الاجتزاء بالغسل مرة مرة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يستحب السواك في جميع الأوقات]

- ‌[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ متى تبطل طهارة المسح على الخفين]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مدة المسح لمن مسح مسافرا ثم أقام أو مسح مقيما ثم سافر]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الاستدلال بإجزاء المسح على العمامة عن المسح على الرأس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شَرْطِ الْمَسْحِ على العمامة والخف]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ المرأة في المسح على الخف والجبيرة كالرجل]

- ‌[بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلَيْن سَوَاءٌ كَانَ نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الخارج النجس من غير السبيلين إذا فحش]

- ‌[مَسْأَلَةٌ زَوَالُ الْعَقْلِ إِلَّا النَّوْمَ الْيَسِيرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَمْسُ الذَّكَرِ بِيَدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسُّ ذَكَرِ غَيْرِهِ كَمَسِّ ذَكَرِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَمْسُ الْمَرْأَةِ بِشَهْوَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَة الرِّدَّةُ عَنِ الْإِسْلَامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَكْلُ لَحْمِ الْإِبِلِ]

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ] [

- ‌الْأَغْسَالُ عَلَى قِسْمَيْنِ وَاجِبَةٌ وَمُسْتَحَبَّةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الموجب للغسل]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْوَاجِبُ فِيِ الغسل النِّيَّةُ وتعميم البدن مع المضمضة والاستنشاق]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يسَنُّ في الغسل التَّسْمِيَةُ وتُدَليِّكَ البَدَن]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لا يجب نَقْضُ الشَّعْرِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إذا روى أصوله]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إِذَا نَوَى بِغُسْلِهِ الطَّهَارَتَيْنِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ] [

- ‌تعريف التَّيَمُّمُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صفة التيمم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شروط التيمم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذا أَمْكَنَهُ اسْتِعْمَالُ الماء لبَعْضِ بَدَنِهِ والَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ] [

- ‌تعريف الحيض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الحيض يمنع عشرة أشياء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَقَلُّ الْحَيْضِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أكثر الحيض]

- ‌[مَسْأَلَة أَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَقَلُّ سِنٍّ الحيض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أكبر سِنٍّ الحيض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُبْتَدَأَةُ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ لِوَقْتٍ تَحِيضُ فِي مِثْلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذا جاوز الدم اليوم والليلة للمبتدأة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذا تكرر الدم ثلاثة أشهر بمعنى واحد]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إن عبر الدم أكثر من زمن الحيض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ على المستحاضة أن تغتسل عند آخر الحيض]

- ‌[مَسْأَلَةٌ المستحاضة تغسل فرجها وتعصبه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تتوضأ المستحاضة لكل صلاة وتصلي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حُكْمُ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ بالنسبة للوضوء والصلاة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إِذَا اسْتَمَرَّ بالمستحاضة الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الْآخَرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مدة الحيض إِذَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا ولا تمييز]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الحامل لا تحيض]

- ‌[بَابُ النِّفَاسِ] [

- ‌تعريف النفاس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أكثر النفاس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لا حد لأقل النفاس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إِنْ عَادَ فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِفَاسٌ]

الفصل: ‌مسألة المسح على الخفين وما أشبههما]

[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] [

‌مَسْأَلَةٌ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا]

مَسْأَلَةٌ:

" يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِنَ الْجَوَارِبِ الصَّفِيقَةِ الَّتِي تَثْبُتُ فِي الْقَدَمَيْنِ وَالْجَرَامِيقِ الَّتِي تُجَاوِزُ الْكَعْبَيْنِ فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ وَثَلَاثًا لِلْمُسَافِرِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: («يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَالْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً») ".

هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ فُصُولٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ فِي الْوُضُوءِ لِلسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ الْمُتَلَقَّاةِ بِالْقَبُولِ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بِالنَّصْبِ خِطَابٌ لِمَنْ رِجْلُهُ فِي غَيْرِ الْخُفَّيْنِ الْمَشْرُوطَيْنِ، وَقِرَاءَةُ الْخَفْضِ خِطَابٌ لِلَابِسِي الْخِفَافِ أَوْ يَكُونُ الْمَسْحُ عَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ يَجْمَعُ الْمَسْحَ عَلَى الرِّجْلِ مَعَ الْحَائِلِ وَعَدَمِهِ، أَوْ تَكُونُ كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ فِي غَيْرِ اللَّابِسِينَ، وَعُلِمَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالسُّنَّةِ، وَهِيَ مَا رُوِيَ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّهُ «بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقِيلَ لَهُ: تَفْعَلُ هَذَا؟ قَالَ: " نَعَمْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» " قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ؛ لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

ص: 248

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ قَالَ: «مَا أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ وَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ بَعْدَ مَا أَسْلَمْتُ» .

قَالَ أَحْمَدُ: " سَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ نَفْسًا يَرْوُونَ الْمَسْحَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَرْوُونَ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ".

ص: 249

الْفَصْلٌ الثَّانِي

إِنَّهُ جَائِزٌ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَعَلَى كُلِّ مَا أَشْبَهَهُمَا مِنَ الْجَوَارِبِ وَالْجَرَامِيقِ سَوَاءٌ لُبِسَ ذَلِكَ عَلَى مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَا لَا يُمْسَحُ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَسْتُرَ مَحَلَّ الْغَرَضِ وَهُوَ الْقَدَمُ إِلَى مَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَثْبُتَ فِي الْقَدَمِ بِنَفْسِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُمْكِنَ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ.

لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَنْ بِلَالٍ " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمُوقُ " الَّذِي يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ " وَالْمُوقُ إِنَّمَا يُلْبَسُ غَالِبًا فَوْقَ الْخُفِّ، وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَلِأَنَّ مَا يُلْبَسُ فِي الرِّجْلِ إِذَا كَانَ الْمَحَلُّ الْفَرْضُ يُمْشَى فِيهِ عَادَةً فَقَدْ شَارَكَ الْخُفَّ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أُبِيحَ لَهُ الْمَسْحُ فَيُشَارِكُهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُقْطَعُ بِهِ الْمَنَازِلُ وَالْقِفَارُ أَوْ لَا، وَلِهَذَا يُمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ مِنْ جِلْدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ

ص: 250

نَعْلٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِيهِ عَادَةً هُوَ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إِلَى لُبْسِهِ وَسَتْرِهِ لِمَحَلِّ الْغَرَضِ لِيَنْتَقِلَ الْغَرَضُ إِلَيْهِ، فَإِذَا حَصَلَا تَعَيَّنَ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَيْهِ.

وَلِذَلِكَ كَانَ الْمَسْحُ عَلَى ذَلِكَ مُنْتَشِرًا فِي الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ، قَالَ أَحْمَدُ:" يُذْكَرُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَنْ سَبْعَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ " وَجَوْرَبُ الْخِرَقِ كَجَوْرَبِ الصُّوفِ إِذَا كَانَ صَفِيقًا حَيْثُ يُمْشَى فِي مِثْلِهِ عَادَةً، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يَتَخَرَّقُ فِي الْيَوْمَيْنِ أَوِ الثَّلَاثَةِ أَوْ لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُمْسَحْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي مِثْلِهِ لَا يُمْشَى فِيهِ عَادَةً وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الْمَسْحِ عَلَيْهِ.

وَإِذَا ثَبَتَ الْجَوْرَبَانِ بِنَعْلَيْنِ يُمْسَحُ عَلَيْهِمَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يُذْكَرُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيُمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبِ وَعَلَى سُيُورِ النَّعْلِ الَّتِي عَلَى ظَاهِرِ الْقَدَمِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا يُمْسَحُ أَسْفَلُهُ وَعَقِبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْمَسْحِّ فِي

ص: 251

الْخُفِّ، فَإِنْ مَسَحَ الْجَوْرَبَ وَحْدَهُ أَوِ النَّعْلَ وَحْدَهُ، فَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا جَاءَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ خَاصَّةً، وَقِيلَ: يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُمَا أُجْرِيَا مَجْرَى جَوْرَبٍ مُنَعَّلٍ.

فَأَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ أَوِ الْوَاسِعِ الَّذِي يُرَى مِنْهُ بَعْضُ الْقَدَمِ أَوِ الْخَفِيفِ الَّذِي يَصِفُ الْقَدَمَ أَوِ الْقَصِيرِ الَّذِي هُوَ دُونَ الْكَعْبَيْنِ؛ لِأَنَّ الرِّجْلَ مَتَى بَدَتْ هِيَ أَوْ بَعْضُهَا كَانَ الظَّاهِرُ (مِنْهَا حُكْمُهُ) الْغَسْلُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ لَا يَجُوزُ فَيَتَعَيَّنُ غَسْلُ الْجَمِيعِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْمَخْرُوقِ الَّذِي يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ " جَائِزٌ "؛ لِأَنَّ خِفَافَ الْقَوْمِ لَمْ تَكُنْ تَخْلُو مِنْ مِثْلِ هَذَا، وَلَمْ تُقَيَّدِ الرُّخْصَةُ بِالسَّاتِرِ دُونَ غَيْرِهِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ فِيهِ خَرْقٌ يَنْضَمُّ عَلَى الرِّجْلِ، وَلَا تَبْدُو مِنْهُ الْقَدَمُ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَدَمَ مَسْتُورٌ بِالْخُفِّ.

وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِنَفْسِهِ إِمَّا لِسَعَةٍ فِيهِ أَوْ شَرَجٍ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُجْزِئُهُ مَسْحُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ شَدَّهُ أَوْ شَرَّجَهُ لِأَنَّهُ كَاللِّفَافَةِ.

قَالَ أَحْمَدُ " فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ بِغَيْرِ نَعْلٍ: إِذَا كَانَ يَمْشِي عَلَيْهِمَا وَيَثْبُتَانِ فِي رَجْلِهِ فَلَا بَأْسَ ".

وَقَالَ أَيْضًا: " إِذَا كَانَ يَمْشِي فِيهِ فَلَا يَنْثَنِي فَلَا بَأْسَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إِذَا انْثَنَى ظَهَرَ مَوْضِعُ الْوُضُوءِ ".

ص: 252

قَالُوا: هَذَا كَانَ الْقِيَاسَ فِي الْجَوْرَبَيْنِ مَعَ النَّعْلَيْنِ لَكِنْ خَالَفْنَاهُ لِلْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى لُبْسِ الْجَوْرَبَيْنِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَدِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يُلْبَسُ غَالِبًا (إِلَّا بِشَدِّهِ) وَقَدْ خَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجْهًا فِي اللِّفَافَةِ أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا إِذَا وَجَدَ مَشَقَّةً بِنَزْعِهَا فَالْخُفُّ وَالْجَوْرَبُ الَّذِي يَثْبُتُ بِالشَّدِّ أَوْلَى، وَهَذَا قِيَاسُ الْجَوْرَبَيْنِ إِذَا ثَبَتَا بِنَعْلَيْنِ فَإِنْ ثَبَتَ بِنَفْسِهِ لَكِنْ بِشَدِّهِ أَوْ شَرْجِهِ سَتْرُ الْقَدَمِ مَسَحَ عَلَيْهِ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ كَالسَّاتِرِ بِنَفْسِهِ، وَمَشَقَّةُ خَلْعِهِ أَظْهَرُ، وَفِي الْآخَرِ لَا يُجْزِئُهُ اخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَمْ يَكْفِ ثُبُوتُهُ بِالشَّدِّ وَالشَّرْجِ فَكَذَلِكَ سَتْرُهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ لَيْسَ هُوَ مَقْصُودَ اللُّبْسِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَاهُ؛ لِئَلَّا يَجِبَ غَسْلُ الْبَادِي بِخِلَافِ ثُبُوتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ سَتَرَ الْقَدَمَ بِانْضِمَامِ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ لَجَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْمَنْصُوصِ فَهَذَا أَوْلَى، وَسَوَاءٌ كَانَ الْخُفُّ مِنْ جُلُودٍ أَوْ لُبُودٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ زُجَاجٍ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي مَلْبُوسٍ مُعْتَادٍ كَمَا لَمْ يَجُزْ فِي اللَّفَائِفِ فَلَا يَجُوزُ فِي الْخَشَبِ وَالزُّجَاجِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ، وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ إِمَّا لِضِيقِهِ أَوْ ثِقَلِهِ أَوْ تَكَسُّرِهِ بِالْمَشْيِ أَوْ تَعَذُّرِهِ كَرَقِيقِ الْخَرَقِ أَوِ اللُّبُودِ لَمْ يَجُزْ مَسْحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ.

وَأَمَّا الْخُفُّ الْمُحَرَّمُ كَالْحَرِيرِ وَالْمَغْصُوبِ فَقِيلَ: هُوَ عَلَى رِوَايَتَيِ الصَّلَاةِ فِي

ص: 253

الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَلَا يُسْتَبَاحُ بِمَعْصِيَةٍ كَالْقَصْرِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَصَلَاةِ الْخَوْفِ فِي الْقِتَالِ الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَغْصُوبِ وَلَوْ لَبِسَ جِلْدًا نَجِسًا لِحَاجَةٍ كَبِلَادِ الثَّلْجِ الَّتِي يَخْشَى فِيهَا مِنْ سُقُوطِ أَصَابِعِهِ بِخَلْعِهِ أَجْزَأَهُ مَسْحُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.

لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ، وَإِنْ تَنَجَّسَ الْمَاءُ بِالْمُلَاقَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ كَمَا لَا يَمْنَعُ تَنَجُّسُهُ عَلَى بَدَنِ الْجُنُبِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَا يُجْزِئُهُ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِخَلْعِهِ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لُبْسُهُ هُنَا لِلضَّرُورَةِ فَأَشْبَهَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ خَلْعَ الْخُفِّ الطَّاهِرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَإِنَّ هَذِهِ حَالَةٌ نَادِرَةٌ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ فَرْضِهِ الْغَسْلَ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْهُ لِقُرُوحٍ أَوْ بَرْدٍ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَوْ كَانَ بِقَدَمِهِ أَوْ بِبَاطِنِ خُفِّهِ نَجَاسَةٌ لَا تُزَالُ إِلَّا بِنَزْعِهِ فَقَدْ قِيلَ هُوَ كَالْوُضُوءِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُمْكِنُ مَعَ هَذِهِ الطَّهَارَةِ غَالِبًا إِلَّا بِنَقْضِهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ لِطَهَارَتِهِ، وَيَسْتَفِيدُ بِذَلِكَ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَالصَّلَاةَ إِنْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ وَعَلَى فَرْجِهِ نَجَاسَةٌ مِنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ، فَإِنَّهَا لَمَّا أَوْجَبَتْ طَهَارَتَيْنِ جُعِلَتْ إِحْدَاهُمَا تَابِعَةً لِلْأُخْرَى.

وَمَنْ كَانَ لَابِسًا خُفًّا فَالْمَسْحُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَخْلَعَهُ وَيَغْسِلَ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ عَادَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ خَلَعَ وَغَسَلَ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ رَدًّا لِلرُّخْصَةِ وَتَشَبُّهًا لِأَهْلِ الْبِدَعِ فَيَكُونُ مَفْضُولًا.

وَالثَّانِيَةُ: الْمَسْحُ وَالْغَسْلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَأَمَّا

ص: 254

مَنْ لَا خُفَّ عَلَيْهِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ لِقَصْدِ الْمَسْحِ، كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ لِأَنْ يَقْصُرَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَسْحَ إِنَّمَا يَجُوزُ فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى دُونَ الْكُبْرَى، لِمَا رَوَى صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ الْمُرَادِيُّ قَالَ:" «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كُنَّا سَفَرًا - أَوْ مُسَافِرِينَ - أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى يَجِبُ فِيهَا غَسْلُ مَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَبَاطِنِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَمَا هُوَ مَسْتُورٌ بِغَيْرِ الْخِلْقَةِ أَوْلَى، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِيهِ غَسْلُ مَا اسْتَتَرَ بِنَفْسِ الْخِلْقَةِ فَجَازَ أَنْ يُشَبَّهَ بِهِ الْخُفُّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَتَكَرَّرُ بِخِلَافِ الْغُسْلِ؛ وَلِأَنَّ الْغُسْلَ يُشَبَّهُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ حَيْثُ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ مَحَلَّهُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ.

وَلِأَنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً، فَيَحْتَاجُ إِلَى بَلِّ الشَّعْرِ وَإِنْقَاءِ الْبَشَرِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُقِيمَ يَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً والْمُسَافِرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، فَإِذَا مَضَتِ الْمُدَّةُ بَطَلَ حُكْمُ الطَّهَارَةِ وَيَحْتَاجُ إِلَى لُبْسٍ ثَانٍ عَلَى طَهَارَةِ غُسْلٍ إِنْ أَحَبَّ الْمَسْحَ ثَانِيًا وَهَلُمَّ جَرَّا؛ سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ حَالُ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَغَيْرِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ.

ص: 255

وَعَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتْ: سَلْ عَلِيًّا فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنِّي كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ «النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ: " لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالسَّفَرُ الْمُعْتَبَرُ لِلْمُدَّةِ هُوَ السَّفَرُ الْمُبِيحُ لِلْقَصْرِ فِي قَدْرِهِ وَإِبَاحَتِهِ.

فَإِنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ كَانَ مُحَرَّمًا مَسَحَ كَالْمُقِيمِ، جَعْلًا لِوُجُودِ هَذَا السَّفَرِ كَعَدَمِهِ، وَقِيلَ فِي السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ لَا يَمْسَحُ أَصْلًا عُقُوبَةً لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ فِي الْأَصْلِ رُخْصَةٌ فَلَا يُعَانُ بِهِ عَلَى سَفَرِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الرُّخَصَ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ السَّفَرَ يَجُوزُ لِلْعَاصِي بِسَفَرٍ فِعْلُهَا كَالْفِطْرِ فِي الْمَرَضِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لَهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَأَوَّلُ الْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ بَعْدَ أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي أَشْهَرَ الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْأُخْرَى مِنْ حِينِ الْمَسْحِ بَعْدَ الْحَدَثِ إِلَي مِثْلِهِ؛ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ فَلَوْ كَانَ أَوَّلُهُ الْحَدَثَ لَكَانَ

ص: 256