الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَكْثَرِ رِوَايَتَانِ أَيْضًا كَذَلِكَ، لَكِنَّ رِوَايَةَ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ هُنَا مُرَجَّحَةٌ لِأَنَّ عَوْدَ الدَّمِ فِي زَمَانِ الْعَادَةِ كَثِيرٌ بِخِلَافِ بُلُوغِ الْحَيْضِ أَكْثَرَ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ قَلِيلٌ، وَبِخِلَافِ النِّفَاسِ فَإِنَّ أَغْلَبَهُ أَكْثَرُهُ وَالْعَادَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِعَدَمِ انْتِظَامِهَا.
[مَسْأَلَةٌ إِنْ عَادَ فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِفَاسٌ]
مَسْأَلَةٌ
" فَإِنْ عَادَ فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِفَاسٌ أَيْضًا "
هَذَا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ فَكَانَ نِفَاسًا كَالْأَوَّلِ وَكَمَا لَوِ اتَّصَلَ، وَعَلَى هَذَا سَوَاءٌ حَصَلَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي طُهْرٌ كَامِلٌ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ، وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّانِي قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُ مَضْمُومٌ إِلَى الْأَوَّلِ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ عَلَيْهَا إِعَادَةُ مَا صَامَتْهُ وَطَافَتْهُ مِنَ الْفَرْضِ فِي الطُّهْرِ بَيْنَ الْمُدَّتَيْنِ، هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الطُّهْرَ فِي أَثْنَاءِ النِّفَاسِ لَيْسَ بِطُهْرٍ صَحِيحٍ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ، وَعَلَيْهِ تُبْنَى أَحْكَامُ الْمُلَفَّقَةِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ اخْتَارَهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّ هَذَا الدَّمَ دَمُ شَكٍّ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَارَضَ فِيهِ أَمَارَةُ النِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَوْجُودًا فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ يُوجِبُ كَوْنَهُ نِفَاسًا، وَكَوْنَهُ بَعْدَ طُهْرٍ صَحِيحٍ يُبْقِي ذَلِكَ، كَمَا لَوْ رَأَتْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ مَعَ الْوِلَادَةِ الَّتِي لَا دَمَ مَعَهَا، فَأَنَّهُ لَا يَكُونُ نِفَاسًا بَلْ إِمَّا حَيْضٌ إِنْ قَامَ دَلِيلُهُ وَإِلَّا اسْتِحَاضَةٌ، فَكَذَلِكَ احْتِيطَ فِيهِ لِلْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ وَقَضَاءِ الصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَالْإِمْسَاكِ عَنِ الْوَطْءِ، فَأَمَّا إِنْ بَلَغَ الثَّانِي أَقَلَّ الْحَيْضِ وَصَارَتْ مُدَّةَ الْحَيْضِ، فَهَذَا لَا يَكُونُ اسْتِحَاضَةً بَلْ هُوَ إِمَّا حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ وَحُكْمُهُمَا وَاحِدٌ فِي تَرْكِ الْعِبَادَاتِ وَقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ الْأَوَّلِ طُهْرٌ كَامِلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْكَامِلَ إِنَّمَا يُشْتَرَطُ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ، فَأَمَّا بَيْنَ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَلَا، كَمَا لَوْ رَأَتْ دَمًا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: إِنْ كَانَ الدَّمُ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ،
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ لِانْقِطَاعِ حُكْمِهِ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ مُدَّتِهِ، وَإِنْ بَلَغَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَهُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ لِأَنَّهُ صَالِحٌ لِلْحَيْضِ وَلَمْ يَتَكَرَّرْ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَالطُّهْرُ الْمُتَقَدِّمُ طُهْرٌ صَحِيحٌ لَا تَقْضِي مَا صَامَتْ فِيهِ كَالطُّهْرِ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنِ انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ فِي أَثْنَاءِ الْعَادَةِ ثُمَّ عَادَ - وَقُلْنَا أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّكْرَارِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ - فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ فِي الْعَادَةِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ بِحَيْضٍ حَتَّى يَتَكَرَّرَ؛ لِأَنَّهُ بِانْقِطَاعِهِ خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ، وَعَوْدُهُ فِيهَا يُشْبِهُ انْتِقَالَهُ عَنْ زَمَنِ الْعَادَةِ، وَحَيْضُ الْمُبْتَدَأَةِ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ فَإِنْ صَارَ عَادَةً قَضَتْ مَا صَامَتْ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ كَانَ دَمَ فَسَادٍ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّتْ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَادَةِ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ فَأَنَّهُ لَا يُرْجَى انْكِشَافُ أَمْرِهِ لِعَدَمِ الْعَادَةِ هُنَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَصْلٌ
وَالْوَلَدُ الَّذِي تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ النِّفَاسِ " هُوَ " مَا بُيِّنَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، مِثْلَ يَدٍ أَوْ أُصْبُعٍ، وَذَلِكَ إِذَا نَكَّسَ فِي الْخَلْقِ الرَّابِعِ، فَإِنْ أَلْقَتْ مُضْغَةً لَا تَخْطِيطَ فِيهَا أَوْ عَلَقَةً، فَلَيْسَ بِنِفَاسٍ، وَعَنْهُ أَنَّهُ نِفَاسٌ بِالْمُضْغَةِ دُونَ الْعَلَقَةِ وَخَرَّجُوا وَجْهًا أَنَّهُ نِفَاسٌ فِيهِمَا إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، عَلَى رِوَايَةِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ بِهِ، فَأَمَّا النُّطْفَةُ فَلَا أَثَرَ لَهَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَحَيْثُ قُلْنَا: لَيْسَ هُوَ نِفَاسًا يَكُونُ كَمَا لَوْ رَأَتْهُ غَيْرُ الْحَامِلِ، إِنْ صَادَفَ زَمَنَ الْعَادَةِ فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْهَا كَانَ مَشْكُوكًا فِيهِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً، وَبِكُلِّ حَالٍ فَإِذَا رَأَتْهُ عَلَى الطَّلْقِ أَمْسَكَتْ عَنِ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا تَضَعُ مَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ النِّفَاسِ ثُمَّ إِنْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْوَضْعِ أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ وَلَا هُوَ حَيْضٌ قَضَتْ مَا تَرَكَتْ مِنَ الْوَاجِبَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ دُفِنَ قَبْلَ الْكَشْفِ ثَبَتَ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّهُ نِفَاسٌ، كَمَا نَقُولُ فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ التَّحَرِّي.