الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ، فَتَعَلَّقَتْ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ كَطَهَارَةِ الْجُنُبِ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ غَسْلُ حَشَفَةِ الْأَقْلَفِ الْمُنْفَتِقِ إِذَا أَمْكَنَ تَشْمِيرُ الْقَلَفَةِ، كَمَا يَجِبُ تَطْهِيرُهَا مِنَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَتِقِ، فَأَمَّا بَاطِنُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، فَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ جَنَابَةٍ وَلَا نَجَاسَةٍ. وَأَقَرَّ النَّصَّ عَلَى ظَاهِرِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْبَاطِنِ فَأَشْبَهَ الْحُلْقُومَ، وَكَذَلِكَ ثَبَتَ الْفِطْرُ بِحُصُولِ الْحَشَفَةِ فِيهِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَجِبُ غَسْلُهُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ كَحَشَفَةِ الْأَقْلَفِ، وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى مَا عَمُقَ مِنْ فَرْجِهَا بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إِلَيْهِ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ، وَإِذَا كَانَ عَلَى يَدَيْهِ أَوْ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ نَجَاسَةٌ، ارْتَفَعَ الْحَدَثُ قَبْلَ زَوَالِهَا عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ، فَكَذَلِكَ أَثَّرَ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، فَأَشْبَهَ تَغَيُّرُهُ بِالطَّاهِرَاتِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ إِلَّا مَعَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْمَاءِ قَدْ لَاقَى النَّجَاسَةَ وَانْفَصَلَ نَجِسًا، فَلَا يَكُونُ رَافِعًا لِلْحَدَثِ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ.
[مَسْأَلَةٌ يسَنُّ في الغسل التَّسْمِيَةُ وتُدَليِّكَ البَدَن]
مَسْأَلَةٌ
" وَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ، وَأَنْ يُدَلِّكَ بَدَنَهُ بِيَدَيْهِ، وَيَفْعَلَ كَمَا رَوَتْ مَيْمُونَةُ قَالَتْ: "«سَتَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَبَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْحَائِطِ أَوِ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى بَدَنِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ» ".
أَمَّا التَّسْمِيَةُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: هِيَ كَالتَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى مَا مَضَى. وَأَمَّا دَلْكُ الْبَدَنِ فِي الْغُسْلِ وَدَلْكُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِيهِ " فَيَجِبُ " إِذَا لَمْ يَعْلَمْ
وُصُولَ الطَّهُورِ إِلَى مَحَلِّهِ بِدُونِهِ مِثْلَ بَاطِنِ الشُّعُورِ الْكَثِيفَةِ، وَإِنْ وَصَلَ الطَّهُورُ بِدُونِهَا فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ يُدَلِّكُ» ". وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِ الْحَيْضِ، قَالَ: " تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَهَا فَتَطْهُرُ، فَتُحْسِنُ الطَّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتُدَلِّكُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطْهُرُ بِهَا " قَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ تَطْهُرِينَ بِهَا " فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: تَتَّبِعِينَ بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ: " تَأْخُذُ مَاءً فَتَطْهُرُ فَتُحْسِنُ الطَّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتُدَلِّكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَلِأَنَّ بِالتَّدْلِيكِ يَحْصُلُ الْإِنْقَاءُ وَيُتَيَقَّنُ التَّعْمِيمُ الْوَاجِبُ، فَشُرِعَ، كَتَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَا يَجِبِ الدَّلْكُ وَإِمْرَارُ الْيَدِ فِي الْغُسْلِ بِخِلَافِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِقَوْلِهِ: فِي حَدِيثِ أَمِّ سَلَمَةَ: " «إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» ". وَكَذَلِكَ ذَكَرَ " لَا سِيَّمَا " إِفَاضَةَ الْمَاءِ عَلَى سَائِرِ الْجَسَدِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الدَّلْكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الشَّعْرِ لِأَنَّهُ بِهِ يَحْصُلُ وُصُولُ الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ.
وَقَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: تَذَاكَرْنَا غُسْلَ الْجَنَابَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " «أَمَّا أَنَا فَآخُذُ مِلْءَ كَفِّي ثَلَاثًا، فَأَصُبُّ عَلَى رَأْسِي، ثُمَّ أُفِيضُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِي» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَلَوْ كَانَ الدَّلْكُ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ؛ لِيَتَبَيَّنَ الْوَاجِبُ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَهُوَ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: " «وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ» ".
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ وَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ حَثَى عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: " «كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ بِغَسْلِ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا» " وَلِلْبُخَارِيِّ: " «يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعْرَهُ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» ".
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْغُسْلَ قِسْمَانِ: كَامِلٌ وَمُجْزِئٌ، فَالْمُجْزِئُ هُوَ مَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْكَامِلُ فَهُوَ اغْتِسَالُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ خَصْلَةً:
أَوَّلُهَا: النِّيَّةُ.
وَثَانِيهَا: التَّسْمِيَةُ.
وَثَالِثُهَا: أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ يَدَيْهِ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَأَوْكَدَ؛ لِأَنَّ هُنَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْهُمَا بِذَلِكَ.
وَرَابِعُهَا: أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ وَيُدَلِّكَ يَدَهُ بَعْدَهُ لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُزِيلَ مَا بِهِ مِنْ أَذًى، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ عَلَى يَدَيْهِ نَجَاسَةٌ أَزَالَهَا قَبْلَ الِاغْتِسَالِ؛ لِئَلَّا تُمَاعَ بِالْمَاءِ، وَلِئَلَّا يَتَوَقَّفَ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ عَلَى زَوَالِهَا فِي الْمَشْهُورِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا أَخَّرَ غَسْلَ الْفَرْجِ، فَإِنْ مَسَّ انْتَقَضَ وُضُوؤُهُ، وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُ أَخَلَّ بِسُنَّةِ الدَّلْكِ، وَرُبَّمَا لَا يَتَيَقَّنُ وُصُولَ الْمَاءِ إِلَى مَغَابِنِهِ إِلَّا بِالدَّلْكِ، وَكَذَلِكَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إِعَادَةُ الْوُضُوءِ بَعْدَ الْغُسْلِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ مَسَّ ذَكَرَهُ.
وَخَامِسُهَا: أَنْ يَتَوَضَّأَ وَلَا يُكْمِلَ الِاغْتِسَالَ إِلَّا بِالْوُضُوءِ، سَوَاءٌ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ: " «أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ
غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: تَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغْسِلْ رَأْسَكَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفِضْ عَلَى رَأْسِكَ وَسَائِرِ جَسَدِكَ» ".
وَلِأَنَّهُ غُسْلٌ يُسَنُّ فِيهِ تَقْدِيمُ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ، وَهَذَا لِأَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ أَوْلَى بِالطَّهَارَةِ مِنْ غَيْرِهَا، بِدَلِيلِ وُجُوبِ تَطْهِيرِهَا فِي الطَّهَارَتَيْنِ، فَإِذَا فَاتَهَا التَّخْصِيصُ فَلَا أَقَلَّ مِنَ التَّقْدِيمِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ وُضُوءُ الْجُنُبِ مُؤَثِّرًا فِي نَوْمِهِ وَأَكْلِهِ وَجِمَاعِهِ وَجُلُوسِهِ فِي الْمَسْجِدِ.
وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءًا كَامِلًا كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، أَوْ يُؤَخِّرَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكْفِي إِفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ وَدَلْكُهُ مِنْ مَسْحِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْوُضُوءِ، وَلِذَلِكَ فِي الْغُسْلِ الْأَفْضَلُ صِفَةُ عَائِشَةَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَإِنِ احْتِيجَ إِلَى غَسْلِهِمَا ثَانِيًا لِكَوْنِهِ بِمُسْتَنْقَعٍ يَقِفُ الْمَاءُ فِيهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ كَذَلِكَ، وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ غَالِبِ فِعْلِهِ، وَمَيْمُونَةُ أَخْبَرَتْ عَنْ غُسْلٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ الْأَمْرَ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُمَا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَأَشْبَهَا الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ، وَلِأَنَّهُ غُسْلٌ تَقَدَّمَ فِيهِ الْوُضُوءُ جَمِيعُهُ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ. وَعَنْهُ أَنَّ صِفَةَ مَيْمُونَةَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ غُسَالَةَ الْبَدَنِ تَنْصَبُّ إِلَيْهَا فَتُنْدِيهِمَا وَتُلَوِّثُهُمَا، فَتُعُيِّنَ عَلَى غَسْلِهِمَا وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى إِعَادَتِهِ ثَانِيًا، وَيَكُونُ أَقَلَّ فِي إِرَاقَةِ الْمَاءِ، وَلِذَلِكَ بَدَأَ بِأَعَالِي الْبَدَنِ قَبْلَ أَسَافِلِهِ.
وَالثَّالِثَةُ: هُمَا سَوَاءٌ لِمَجِيءِ السُّنَّةِ بِهِمَا.
وَسَادِسُهَا: أَنْ يُخَلِّلَ أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِالْمَاءِ قَبْلَ إِفَاضَةِ الْمَاءِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنَقِّي الْبَشَرَةَ وَيَبُلُّ الشَّعْرَ بِمَاءٍ يَسِيرٍ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُعَالَجَةٍ.
وَسَابِعُهَا: أَنْ يُفِيضَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا؛ حَثْيَةً عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَحَثْيَةً عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، وَحَثْيَةً عَلَى الْوَسَطِ.
وَثَامِنُهَا: أَنْ يُفِيضَ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا، هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا قِيَاسًا عَلَى الرَّأْسِ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ.
وَتَاسِعُهَا: أَنْ يَبْدَأَ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَامُنُ فِي طَهُورِهِ.
وَعَاشِرُهَا: أَنْ يُدَلِّكَ بَدَنَهُ بِيَدَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَحَادِي عَشَرَهَا: أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ مَكَانِهِ فَيَغْسِلَ قَدَمَيْهِ كَمَا فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، وَإِذَا تَوَضَّأَ أَوَّلًا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَغْسِلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ، بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ إِلَّا فِي ضِمْنِ الْوُضُوءِ؛ وَلِذَلِكَ غَسْلُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ فَعَلَهُ إِلَّا فِي ضِمْنِ وُضُوئِهِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا: يَرْتَفِعُ الْحَدَثَانِ بِالِاغْتِسَالِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا: لَا بُدَّ مِنَ الْوُضُوءِ، فَكَذَلِكَ عَلَى مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَغَسْلَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ مَرَّةً فِي الْوُضُوءِ وَمَرَّةً فِي أَثْنَاءِ تَمَامِ الْغُسْلِ غَيْرُ وَاجِبٍ قَطْعًا، وَكَلَامُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا يَقْتَضِي إِيجَابَ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَجِّهًا فِي الْقِيَاسِ، بَلِ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ.