الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ. فَأَمَّا التَّرْتِيبُ عَنِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: يَجِبُ فِيهِ التَّرْتِيبُ هُنَا اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ، «وَلِأَنَّ عَمَّارًا لَمَّا تَمَعَّكَ لَمْ يُؤْمَرْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: (إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ)» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي لَفْظٍ («ثُمَّ مَسَحَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبَتِهَا ثُمَّ بِهِمَا وَجْهَهُ») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
[مَسْأَلَةٌ شروط التيمم]
مَسْأَلَةٌ:
" وَلَهُ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُهَا: الْعَجْزُ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِعَدَمِهِ أَوْ خَوْفِ الضَّرَرِ بِاسْتِعْمَالِهِ لِمَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ أَوْ خَوْفِ الْعَطَشِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ رَفِيقِهِ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فِي طَلَبِهِ أَوْ إِعْوَازِهِ إِلَّا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ ".
فِي هَذَا الْكَلَامِ فُصُولٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ التَّيَمُّمَ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ، إِمَّا لِعَدَمِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَإِمَّا لِضَرَرٍ بِاسْتِعْمَالِهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]، فَذَكَرَ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ الْعَادِمَ، فَهُمَا أَغْلَبُ الْأَعْذَارِ وَأُلْحِقَ الْمُسَافِرُ وَالْمَحْبُوسُ فِي مِصْرٍ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ عَدِمَ الْمَاءَ، وَالْمَرِيضَ مِثْلَ الْمَجْدُورِ وَالْمَجْرُوحِ مِمَّنْ يَتَضَرَّرُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَنْ يَخَافُ الْبَرْدَ، وَأَمَّا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لَكِنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ إِلَّا بِضَرَرٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، كَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ سَبُعٌ أَوْ حَرِيقٌ أَوْ فُسَّاقٌ فَقَدْ أُلْحِقَ بِالْمَرِيضِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ
لِلْمَاءِ وَإِنَّمَا يَخَافُ الضَّرَرَ، وَرُبَّمَا أُلْحِقَ بِالْعَادِمِ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الضَّرَرَ بِنَفْسِ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِنَّمَا يَخَافُ التَّضَرُّرَ فِي تَحْصِيلِهِ، فَصَارَ كَالْعَادِمِ عَنْ تَحْصِيلِهِ لَا عَنِ اسْتِعْمَالِهِ، وَهَذَا أَحْسَنُ، فَأَمَّا مَنْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ وَهُوَ وَاجِدٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، سَوَاءٌ خَشِيَ فَوْتَ الْوَقْتِ لِلصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَخْشَهُ إِذَا كَانَ فِي الْحَضَرِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ، وَلِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ فِعْلُهَا بِشُرُوطِهَا، إِلَّا الْجَنَازَةَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ، وَجَاءَ الْإِذْنُ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَلِأَنَّهُ تَيَمُّمٌ لِمَا يَكْثُرُ وَيُخَافُ فَوْتُهُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ رَدَّ الْمُسْلِمِ (عَلَيْهِ) كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ أَبِي جُهَيْمٍ، وَحَدِيثِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ. وَالْأُخْرَى لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا كَغَيْرِهَا وَهِيَ الْمَنْصُورَةُ.
وَأَمَّا الْعِيدُ فَلَا يَتَيَمَّمُ لِلْعِيدِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّأَهُّبُ لَهُ قَبْلَ الذَّهَابِ.
وَأَمَّا مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ كَرَدِّ السَّلَامِ وَنَحْوِهِ إِذَا خَشِيَ فَوْتَهُ إِنْ تَوَضَّأَ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ.
الْفَصْلُ الثَّانِي:
أَنَّ الْعَاجِزَ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِعَدَمِهِ قِسْمَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يَعْدَمُ فِيهِ الْمَاءَ كَثِيرًا وَهُوَ السَّفَرُ.
وَالثَّانِي: مَا يَنْدُرُ فِيهِ عُدْمُ الْمَاءِ. فَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَيَتَيَمَّمُ فِي قَصِيرِ السَّفَرِ وَطَوِيلِهِ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6].
وَسَوَاءٌ كَانَ السَّفَرُ إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى أَوْ أَرْضٍ مِنْ أَعْمَالِ مِصْرِهِ كَالْحَرَّاثِ وَالْحَصَّادِ وَالْحَطَّابِ وَأَشْبَاهِهِمْ، إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَا مَاءَ مَعَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إِلَى الْمِصْرِ إِلَّا بِتَفْوِيتِ حَاجَتِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ يُعِيدُ؛ لِأَنَّهُ فِي عَمَلِ مِصْرِهِ بِخِلَافِ مَنْ كَانَ فِي عَمَلِ قَرْيَةٍ أُخْرَى، وَسَوَاءٌ أَمْكَنَهُ حَمْلُ الْمَاءِ لِوُضُوئِهِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْدَادَ لِلْوُضُوءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ لَا يَجِبُ، وَعَنْهُ إِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ حَمْلُ الْمَاءِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ حَمْلُ مَاءٍ لِوُضُوئِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَسَوَاءٌ كَانَ سَفَرَ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ لِأَنَّهُ عَزِيمَةٌ، وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ بَلْ يَجِبُ حَضَرًا وَسَفَرًا، وَيُخَرَّجُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ مِنْ حَيْثُ عَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، عَزِيمَةٌ مِنْ حَيْثُ وُجُوبِ فِعْلِ الصَّلَاةِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْعَزِيمَةِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ الْمُتَبَقِّي بِسَبَبِ الرُّخْصَةِ، وَهَذَا يُشْبُهُ مَا إِذَا عَدِمَ الْمَاءَ بَعْدَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ عَدِمَهُ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ.
الثَّانِي: كَالْمَحْبُوسِ فِي الْمَصْرِ وَأَهْلِ بَلَدٍ قَطَعَ الْمَاءَ عَدُوُّهُمْ، فَهَذَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، وَعَنْهُ: لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ أَوْ يُسَافِرَ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَذِنَ فِي التَّيَمُّمِ لِلْمُسَافِرِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(«الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسُّهُ بَشَرَتَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَلِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ فَأَشْبَهَ الْمُسَافِرَ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْدَمُ غَالِبًا فِيهِ، وَالْمَنْطُوقُ إِذَا خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومٌ مُرَادٌ.
وَإِذَا صَلَّى لَمْ يُعِدْ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَمَنْ قَالَ: يُعِيدُ فِي الْأَعْذَارِ النَّادِرَةِ مِثْلَ عُدْمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَمَنْ خَشِيَ الْبَرْدَ فَتَيَمَّمَ، قَالَ: يُعِيدُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَعَادَ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ فِيمَا يَكْثُرُ وَيَشُقُّ كَمَا قُلْنَا: إِنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصَّوْمَ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمَفْعُولَةَ عَلَى وَجْهِ الْخَلَلِ غَيْرُ مُبَرِّئَةٍ لِلذِّمَّةِ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا فُعِلَتْ إِقَامَةً لِوَظِيفَةِ الْوَقْتِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا خَاطَبَ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ يَفْعَلُهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَالشَّرْطُ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ سَاقِطٌ بِالْعَجْزِ، وَفِي قَوْلِهِ:(«الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ») وَقَوْلِهِ: («التُّرَابُ كَافِيكَ») دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمَاءِ مُطْلَقًا.
فَصْلٌ:
وَلَا يَكُونُ عَادِمًا حَتَّى يَطْلُبَ الْمَاءَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فِي رَحْلِهِ وَرُفْقَتِهِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ، وَعَنْهُ لَا يَجِبُ طَلَبُهُ إِلَّا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُهُ أَوْ رَأَى أَمَارَاتِ
وَجُودِهِ بِأَنْ يَرَى خُضْرَةً أَوْ حُفْرَةً أَوْ رَكْبًا أَوْ طَيْرًا يَتَسَاقَطُ عَلَى مَكَانٍ؛ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ فَجَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ كَمَا لَوْ طَلَبَ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ طَلَبِ الْمَاءِ وَلَا أَمَارَةَ تُزِيلُ حُكْمَ الْأَصْلِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ كَاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ الطَّلَبُ إِذَا رَجَا وُجُودَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنْ لَا مَاءَ فَلَا يَجِبُ الطَّلَبُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] وَلَا يَنْفِي عَنْهُ الْوُجُودَ إِلَّا بَعْدَ سَابِقَةِ الطَّلَبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَقَوْلِهِ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِهِ، فَلَمْ يَجُزْ إِلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ كَالصِّيَامِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنِ الرَّقَبَةِ وَعَنِ الْهَدْيِ وَعَنِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ، وَالْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنِ النَّصِّ، وَالْمَيِّتِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنِ الْمُذَكَّى، وَلِأَنَّ الْبَدَلَ فِي مِثْلِ هَذَا إِنَّمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا تُسْتَيْقَنُ الضَّرُورَةُ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَصِفَتُهُ أَنْ يُفَتِّشَ عَلَى الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ، وَيَسْأَلَ رُفْقَتَهُ عَنْ مَوَارِدِهِ أَوْ عَنْ مَا مَعَهُمْ لِيَبِيعُوهُ أَوْ يَبْذُلُوهُ.
قَالَ الْقَاضِي: سَوَاءٌ قَالُوا: لَوْ سَأَلْتَنَا أَعْطَيْنَاكَ أَوْ مَنَعْنَاكَ، وَفِي إِلْزَامِهِ سُؤَالَهُمُ الْبَدَلَ نَظَرٌ، وَيَسْعَى أَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ إِلَى حَيْثُ جَرَتْ عَادَةُ السُّفَّارِ بِالسَّعْيِ إِلَيْهِ لِطَلَبِ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى، هَكَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي طَلَبِهِ وَعُدُولُهُ عَنْ طَرِيقِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَقْدِيرِ مَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْمَشْيِ تَوْقِيفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمِيلُ بِأَوْلَى مِنَ الْمِيلَيْنِ، وَاحْتَجَّ إِسْحَاقُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ (لَمْ يَكُنْ يَعْدِلُ إِلَى الْمَاءِ وَهُوَ مِنْهُ غَلْوَةً أَوْ غَلْوَتَيْنِ).
وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ أَحْمَدَ وَقَدْ قِيلَ لَهُ: وَعَلَى كَمْ يُطْلَبُ الْمَاءُ؟ فَقَالَ: " إِنْ لَمْ
يَصْرِفْهُ عَنْ وَجْهِهِ نَرَاهُ الْمِيلَ وَالْمِيلَيْنِ، وَإِنِ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ الْمِيلَانِ وَالثَّلَاثَةُ فَلَا يَطْلُبُهُ ".
وَهَذَا فِي السَّائِرِ، فَأَمَّا النَّازِلُ فَلَا تَرَدُّدَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي طَلَبِهِ، وَإِذَا رَأَى بَشَرًا أَوْ حَائِطًا قَصَدَ ذَلِكَ وَطَلَبَ الْمَاءَ عِنْدَهُ، فَإِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ حِينَئِذٍ ظَهَرَ عَجْزُهُ.
قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا: وَلَا يُعْتَدُّ بِطَلَبِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ، بَلْ يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ الطَّلَبِ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ فَلَا يَصِحُّ فِي وَقْتٍ لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةِ مُخَاطَبٌ بِقَوْلِهِ:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الطَّمَعِ بِحُصُولِ الْمَاءِ فَأَمَّا مَعَ الْيَأْسِ فَلَا، وَإِذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَأَرَاقَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَاقَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ مَرَّ بِمَاءٍ فِي الْوَقْتِ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرْجُو وُجُودَ مَاءٍ آخَرَ، فَقَدْ عَصَى بِذَلِكَ، فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَيُعِيدُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَلَا يُعِيدُ فِي الْآخَرِ كَمَا لَوْ كُسِرَ سَاقُهُ فَعَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ، أَوْ حُرِقَ ثَوْبُهُ فَصَارَ عَارِيًا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ بَاعَهُ، لَمْ يَصِحَّ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ صَرْفُهُ فِي الطَّهَارَةِ، وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ، وَإِذَا نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ، وَكَذَلِكَ إِنْ جَهِلَهُ بِمَوْضِعٍ يُنْسَبُ فِيهِ إِلَى التَّفْرِيطِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِهِ بِئْرٌ أَعْلَامُهُ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِعْلِيٌّ يَتَقَدَّمُ الصَّلَاةَ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْيَانِ كَالسُّتْرَةِ، فَلِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ وَاجِبٌ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْيَانِ كَمَا لَوْ نَسِيَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ أَوِ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ وَلَمْ يَشْعُرْ، وَهَذَا لِأَنَّ النِّسْيَانَ وَالْجَهْلَ إِذَا كَانَ عَنْ تَفْرِيطٍ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَلِهَذَا يُقَالُ: لَا تَنْسَ، وَإِنْ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ أَوْ أَضَلَّ بِئْرًا كَانَ يَعْرِفُهَا ثُمَّ وَجَدَهَا، فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُعِيدُ، وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي ضَلَالِ الْبِئْرِ؛ لِأَنَّ مَكَانَهَا وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَعَ عَبْدِهِ أَوْ وَضَعَهُ فِي رَحْلِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ، أَعَادَ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ:
إِذَا كَانَ وَاجِدُ الْمَاءِ يَخَافُ إِنِ اسْتَعْمَلَهُ أَنْ يَعْطَشَ هُوَ أَوْ أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِهِ أَوْ بَهَائِمِهِ أَوْ بَهَائِمِ رُفْقَتِهِ الْمُحْتَرَمَةِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: " عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَتَيَمَّمُونَ وَيَحْبِسُونَ الْمَاءَ لِشِفَاهِهِمْ ".
فَأَمَّا الْبَهَائِمُ الَّتِي يُشْرَعُ قَتْلُهَا كَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَالْبَهِيمِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، فَلَا يُحْبَسُ لَهَا الْمَاءُ ثُمَّ إِنْ كَانَ هُوَ الْعَطْشَانَ أَوْ يَخَافُ الْعَطَشَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بَهَائِمِهِ أَوْ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَجَبَ تَقْدِيمُ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ الْوَاجِبَةِ، فَتُقَدَّمُ عَلَى الْعِبَادَاتِ، كَمَا تُقَدَّمُ نَفَقَةُ النَّفْسِ وَالْأَقَارِبِ الْمُتَعَيِّنَةُ عَلَى الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ الْعَطْشَانُ رُفْقَتَهَ أَوْ بَهَائِمَهُ، فَالْأَفْضَلُ حَبْسُ الْمَاءِ لَهُمْ، وَهُوَ وَاجِبٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا، وَفِي الْآخَرِ: لَا يَجِبُ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ:" إِذَا كَانَ مَعَهُ إِدَاوَةٌ فِيهَا مَاءٌ فَرَأَى عِطَاشًا فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَسْقِيَهُمْ وَيَتَيَمَّمَ ".
وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ (إِلَّا) إِنْ خِيفَ عَلَيْهِمُ التَّلَفُ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ أَحْمَدَ وَأَبِي بَكْرٍ عَلَى عَطَشٍ لَا يُخَافُ مَعَهُ التَّلَفُ، وَقِيلَ: إِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِيمَا إِذَا خِيفَ أَنْ يَعْطَشُوا، فَأَمَّا الْعَطَشُ الْحَاضِرُ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ سَقْيِهِمْ لَهُ وَجْهًا وَاحِدًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْعَطْشَانَ أَوْ
لِخَوْفِ عَطَشِ رَفِيقِهِ الْمُزَامِلِ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقَافِلَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ وَهِيَ لَا تَخْتَلِفُ بِالْمُرَافَقَةِ وَعَدَمِهَا، وَكَذَلِكَ الْبَهَائِمُ الْمُبَاحَةُ الْمُحْتَرَمَةُ فَإِنَّ فِي سَاقِيهَا أَجْرًا وَثَوَابًا، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءَانِ نَجِسٌ وَطَاهِرٌ وَ (هُوَ) عَطْشَانٌ شَرِبَ الطَّاهِرَ وَتَيَمَّمَ، وَلَمْ يَشْرَبِ النَّجِسَ. فَإِنْ خَافَ الْعَطَشَ فَهَلْ يَتَوَضَّأُ بِالطَّاهِرِ وَيَحْبِسُ النَّجِسَ، أَوْ يَتَيَمَّمُ وَيَحْبِسُ الطَّاهِرَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
الْفَصْلُ الرَّابِعُ: إِذَا كَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فِي طَلَبِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ عَدُوٌّ أَوْ سَبُعٌ يَخَافُ أَنَّهُ إِنْ طَلَبَهُ انْقَطَعَ عَنْ رُفْقَتِهِ أَوْ ضَيَاعَ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ شُرُودَ دَوَابِّهِ، جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ إِذَا كَانَ لِلْخَوْفِ سَبَبٌ مَظْنُونٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَهُ، " فَأَمَّا إِنْ كَانَ جُنُبًا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ "" وَلَوْ " رَأَى سَوَادًا فَظَنَّهُ عَدُوًّا أَوْ سَبُعًا فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ تَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ، فَلَا إِعَادَةَ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ، بِخِلَافِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَإِنْ لَمْ (يَرَ) شَيْئًا وَقَدْ دَلَّهُ عَلَى الْمَاءِ ثِقَةٌ لَزِمَهُ طَلَبُهُ، قَوْلًا وَاحِدًا، كَمَا لَوْ تَيَقَّنَهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ غَلَّبَ هُنَا الظَّنُّ وُجُودَهُ، ثُمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَكَانُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا أَوْ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَأَمَّا أَنْ يُمْكِنَهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَالصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ، أَوْ يَخَافَ إِنْ طَلَبَهُ أَنْ يَفُوتَ الْوَقْتُ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ قَرِيبًا وَيُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ بِهِ فِي الْوَقْتِ لَزِمَهُ قَصْدُهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَخْشَى إِنْ طَلَبَهُ يَفُوتُ الْوَقْتُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ طَلَبُهُ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ حَتَّى تَفُوتَ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا لَا يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ بِهِ فِي الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَلَا مَشَقَّةٍ كَثِيرَةٍ بِأَنْ يَكُونَ فِي طَرِيقِهِ أَوْ مَقْصِدِهِ، وَجَبَ قَصْدُهُ أَيْضًا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَأْدِيَةِ فَرْضِهِ بِالْمَاءِ فِي الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَأَشْبَهَ الْقَرِيبَ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ قَصْدُهُ وَلَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ بَلْ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، لِمَا احْتَجَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ تَيَمَّمَ عَلَى رَأْسِ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ فَصَلَّى الْعَصْرَ فَقَدِمَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ ".
وَعَنْهُ أَيْضًا " أَنَّهُ تَيَمَّمَ بِمِرْبَدِ النَّعَمِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ " رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا أَيْضًا، وَلِأَنَّهُ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ تَأْخِيرُهَا، وَطَرْدُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي آخِرِهِ، أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَسَبِ حَالِهِ، وَلِأَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ قَائِمٌ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ بِهِ وَإِنْ تَيَقَّنَ زَوَالَهُ فِي (الْحَالِ) كَالْقَصْرِ فِي سَفَرٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْدَمُ مِنْهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا يَخَافُ فَوْتَ الْوَقْتِ إِنْ قَصَدَهُ أَوْ تَشَاغَلَ بِالْوُضُوءِ، أَوْ كَانَ الْوَارِدُونَ عَلَيْهِ كَثِيرًا لَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ النَّوْبَةُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، أَوْ كَانَ فِي بِئْرٍ إِنِ اشْتَغَلَ بِالِاسْتِقَاءِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ الْوَقْتُ - تَيَمَّمَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ كَانَ هُوَ التَّيَمُّمَ وَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ بِهِ فِي الْوَقْتِ فَاسْتَمَرَّ حُكْمُ الْعَدَمِ فِي حَقِّهِ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ الْوُضُوءُ فِي الْوَقْتِ لَا أَثَرَ لَهُ لِأَنَّ الْوَقْتَ لِلصَّلَاةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَشْتَغِلُ بِأَسْبَابِ الْوُضُوءِ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَضَرِ، وَإِذَا خَشِيَ دُخُولَ وَقْتِ الضَّرُورَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ خَشِيَ خُرُوجَ الْوَقْتِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إِلَيْهِ إِلَّا لِعُذْرٍ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْوُضُوءُ فِي الْوَقْتِ فَأَخَّرَ ذَلِكَ عَمْدًا حَتَّى خَشِيَ الْفَوَاتَ فَهُوَ كَالْحَاضِرِ لِأَنَّ فَرْضَهُ كَانَ هُوَ الْوُضُوءَ، وَهَلْ حَدُّ الْقَرِيبِ
الَّذِي يَجِبُ قَصْدُ مِائِهِ مَا يَتَرَدَّدُ الْمُسَافِرُ إِلَيْهِ لِلرَّعْيِ أَوْ لِلِاحْتِكَارِ عَادَةً، أَوِ الْفَرْسَخُ فَمَا دُونَهُ كَالْجُمُعَةِ، أَوِ الْمِيلُ فَمَا دُونَهُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.
الْفَصْلُ الْخَامِسُ:
إِذَا أَعْوَزَهُ إِلَّا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا بُذِلَ لَهُ الْمَاءُ لِطَهَارَتِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَلَا مِنَّةَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ فِي عُرْفِ النَّاسِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا بُذِلَ لَهُ ثَمَنُ الْمَاءِ أَوْ بُذِلَتْ لَهُ الِاسْتِطَاعَةُ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ذَا ثَمَنٍ فِي الْمَفَاوِزِ وَأَوْقَاتِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَنْ يَحْتَاجُهُ لِلشُّرْبِ؛ إِذْ لَا بُدَّ لَهُ فِي الشُّرْبِ، فَأَمَّا لِلطَّهَارَةِ فَلَا ضَرُورَةَ بِأَحَدٍ إِلَيْهِ لِقِيَامِ التُّرَابِ مَقَامَهُ، وَلِذَلِكَ إِذَا وَجَدَ مَنْ يَبِيعُهُ إِيَّاهُ بِثَمَنٍ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ أَوْ مِثْلِهَا فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ وَوَجَدَ ثَمَنَهُ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي نَفَقَتِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ السُّتْرَةِ لِلصَّلَاةِ وَالرَّقَبَةِ لِلْكَفَّارَةِ وَالْهَدْيِ لِلتَّمَتُّعِ، وَكَذَلِكَ إِنْ زِيدَ عَلَى مَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ بِمِثْلِهِ زِيَادَةً يَسِيرهً لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ، فَإِنْ كَانَتْ تُجْحِفُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَذَكَرَهَا الْقَاضِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ كَثِيرًا إِذَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِمَالِهِ، كَمَا يَجِبُ بَذْلُ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى " إِلَّا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ " فَإِنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الْمُجْحِفُ وَالَّذِي يَزِيدُ عَلَى غَبَنِ الْعَادَةِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي شِرَاءِ الْهَدْيِ وَالرَّقَبَةِ وَالسُّتْرَةِ وَآلَاتِ الْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا يَجِبُ صَرْفُهُ فِي الْعِبَادَاتِ، فَإِنْ وَجَدَ الثَّمَنَ فِي بَلَدِهِ وَوَجَدَ مَنْ يَبِيعُهُ فِي الذِّمَّةِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ عِنْدَ الْقَاضِي، كَمَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ لِذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ كَالْمُتَمَتِّعِ إِذَا عُدِمَ الْهَدْيُ فِي مَوْضِعِهِ دُونَ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْوَقْتِ بِخِلَافِ الْمُكَفِّرِ.
الْفَصْلُ السَّادِسُ:
إِذَا كَانَ مَرِيضًا مِثْلَ الْمَجْذُورِ وَالْجَرِيحِ وَغَيْرِهِمَا، وَخَافَ إِنِ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ تَضَرَّرَ، انْتَقَلَ إِلَى التَّيَمُّمِ لِلْآيَةِ وَلِحَدِيثِ صَاحِبِ الشَّجَّةِ. وَالْخَوْفُ الْمُبِيحُ أَنْ يَخْشَى التَّلَفَ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَجُوزُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ.
وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَتَى خَشِيَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ بِالْأَلَمِ وَنَحْوِهِ، أَوْ تَبَاطُؤَ الْبُرْءِ إِنِ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ، جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ، وَتَرْكُ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَالطِّيبُ لِلنَّاسِي وَالْحَلْقُ فِي الْإِحْرَامِ، فَجَازَ لَهُ تَرْكُ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ وَأَوْلَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرِيضَ مَتَى زَادَتْ صِفَتُهُ أَوْ مُدَّتُهُ كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بِمَنْزِلَةِ مَرَضٍ مُبْتَدِئٍ، وَلَا تَجِبُ عِبَادَةٌ يَخَافُ مِنْهَا الْمَرِيضُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمَخُوفُ هُوَ التَّلَفَ كَفَى فِيهِ الظَّنُّ كَمَا قُلْنَا فِي السَّبُعِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ خِيفَ الْمَرَضُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ تَضَرُّرُهُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، إِمَّا بِقَوْلِ الطَّبِيبِ أَوْ نَحْوِهِ، فَأَمَّا مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ أَوْ يُمْكِنُ تَلَافِيهِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ الْمَرَضُ لَا يَضُرُّهُ كَالصُّدَاعِ وَالْحُمَّى الَّتِي يُسْتَعْمَلُ لَهَا الْمَاءُ (الْبَارِدُ) أَوِ الْحَارُّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْبَارِدِ أَوِ الْحَارِّ كَانَ كَالصَّحِيحِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنِ الْحَرَكَةِ إِلَى الْمَاءِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يُنَاوِلُهُ فَهُوَ كَالْعَادِمِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْحَضَرِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْ يُنَاوِلُهُ فِي الْوَقْتِ فَهُوَ وَاجِدُهُ، وَهُنَا بَدَلٌ عَنِ الْمَتْرُوكِ غَسْلُهُ " وَهِيَ " أَشْيَاءُ مُتَرَتِّبَةٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ مِنْ أَعْضَائِهِ مَعَ التَّيَمُّمِ " لِكُلِّ " صَلَاةٍ
لِتَحْصُلَ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ فِي غَسْلِ الْمَوْضِعِ الْجَرِيحِ فَكَذَلِكَ فِي بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ، هَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ، كَالْوَاجِدِ، وَكَذَلِكَ إِنْ خَشِيَ خُرُوجَ الْوَقْتِ قَبْلَ مَجِيءِ الْمَنَازِلِ فِي الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: يَنْتَظِرُ فِي الْمَنَازِلِ وَإِنْ خَرَجَ.
الْفَصْلُ السَّابِعُ:
إِذَا خَافَ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، لِمَا «رَوَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ: (احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ قُلْتُ: ذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَذَكَرُهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم احْتَلَمَ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ فَاسْتَفْتَى فَأُفْتِيَ أَنْ يَغْتَسِلَ، فَمَاتَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ؛ إِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ» رَوَاهُ حَرْبٌ، وَلِأَنَّهُ إِذَا خَافَ الْمَرَضَ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَهُوَ كَمَا لَوْ خَافَ زِيَادَتَهُ وَأَوْلَى، وَالْمَخُوفُ هُنَا إِمَّا التَّلَفُ وَإِمَّا الْمَرَضُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
فَأَمَّا نَفْيُ التَّأَلُّمِ بِالْبَرْدِ فَلَا أَثَرَ لَهُ؛ لِأَنَّ زَمَنَ ذَلِكَ يَسِيرٌ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ مِمَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَمَتَى أَمْكَنَهُ تَسْخِينُ الْمَاءِ وَاشْتِرَاؤُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوِ الدُّخُولُ إِلَى الْحَمَّامِ بِالْأُجْرَةِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى الْمَاءِ الْحَارِّ كَقُدْرَةِ الْمُسَافِرِ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَكَذَلِكَ إِنْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ يَبِيعُهُ أَوْ
يَكْرِيهِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَلَهُ مَا يُوَفِّيهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ زَمَنَ ذَلِكَ يَسِيرٌ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ تَطُولُ وَيُخَافُ تَلَفُ الْمَالِ وَبَقَاءُ الذِّمَّةِ مَشْغُولَةً، وَكَذَلِكَ إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ عُضْوًا عُضْوًا وَكُلَّمَا غَسَلَ شَيْئًا سَتَرَهُ، وَإِذَا صَلَّى " بِالتَّيَمُّمِ " لِخَشْيَةِ الْبَرْدِ فَلَا إِعَادَةَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
وَعَنْهُ يُعِيدُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَعَنْهُ يُعِيدُ فِي الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْحَضَرَ مُظِنَّةُ دَفْعِ الْبَرْدِ بِالْأَكْنَانِ وَالْمِيَاهِ الْفَاتِرَةِ، فَالنُّدْرَةُ فِيهِ مُحَقَّقَةٌ، بِخِلَافِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَكْثُرُ فِيهِ الْبَرْدُ خُصُوصًا فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ، وَحَدِيثَا عَمْرٍو وَابْنِ عَبَّاسٍ حُجَّةٌ عَلَى الْإِعَادَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعِدْ وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْإِعَادَةِ وَلَا لِأَحَدٍ صَلَّى خَلْفَهُ وَقَدْ أَقَرَّهُ عَلَى تَعْلِيلِهِ بِخَشْيَةِ الضَّرَرِ، وَهِيَ عِلَّةٌ تَجْمَعُ الْمُقِيمَ وَالْمُسَافِرَ، وَلِأَنَّهُ فَعَلَ الْعِبَادَةَ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعُذْرِ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ فِيمَا رَجَعَ إِلَى الْإِخْلَالِ بِصِفَاتِ الْعِبَادَةِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فِي الْحَيْضِ لِأَنَّ الْحَائِضَ تَرَكَتِ الصَّوْمَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ فَعَلُوا الْمَفْرُوضَ فِي الْوَقْتِ، فَإِذَا وَجَبَ قَضَاؤُهُ لَزِمَهُمْ فِعْلُ الْعِبَادَةِ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ يُقَاسُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ الْحَائِضَ يَجِبُ عَلَيْهَا صَوْمٌ وَاحِدٌ فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ، وَهَؤُلَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ مَعَ الْفَرِيضَةِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي، فَهُمْ بِقَضَاءِ الْحَائِضِ لِلصَّلَاةِ أَشْبَهُ، وَمَتَى أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ فَالثَّانِيَةُ فِي فَرْضِهِ، وَالْأُولَى نَافِلَةٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، كَالْمُعَادَةِ مَعَ إِمَامِ الْحَيِّ، فَإِنَّ الْفَرْضَ قَدْ سَقَطَ هُنَاكَ بِالْأُولَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ حُكْمُ الْأَوْلَى نَافِلَةً عِنْدَ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِالْإِعَادَةِ، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَرْضًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ لِاشْتِمَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَى نَوْعٍ مِنَ النَّقْصِ يَنْجَبِرُ بِالْأُخْرَى.