الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ الخارج النجس من غير السبيلين إذا فحش]
مَسْأَلَةٌ:
" وَالْخَارِجُ النَّجِسُ مِنْ غَيْرِهِمَا إِذَا فَحُشَ "
أَمَّا النَّجَاسَةُ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَهِيَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: الْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ فَتَنْقُضُ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَسَوَاءٌ خَرَجَ مِنْ تَحْتِ الْمَعِدَةِ أَوْ مِنْ فَوْقِ الْمَعِدَةِ، وَسَوَاءٌ اسْتَدَّ الْمَخْرَجُ أَوْ لَمْ يَسْتَدَّ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ لِعُمُومِ حَدِيثِ صَفْوَانَ " «وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ» " وَلِأَنَّ السَّبِيلَ إِنَّمَا يَغْلُظُ حُكْمُهُ لِكَوْنِهِ مَخْرَجَهُمَا الْمُعْتَادَ فَإِذَا تَغَلَّظَ حُكْمُهُ بِسَبَبِهِمَا فَلِأَنْ يَتَغَلَّظَ حُكْمُ أَنْفُسِهِمَا أَوْلَى وَأَحْرَى، وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِخُرُوجِ الرِّيحِ مِنْ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ وَقَدْ خُرِّجَ وَجْهٌ إِنَّمَا يُنْقَضُ فِيمَا إِذَا اسْتَدَّ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ وَانْفَتَحَ غَيْرُهُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الِاسْتِجْمَارِ فِيهِ، وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الرِّيحَ تَسْتَصْحِبُ جُزْءًا مِنَ النَّجَاسَةِ بِأَنْ يَنْتَقِضَ مُطْلَقًا.
الْقِسْمُ الثَّانِي: سَائِرُ النَّجَاسَاتِ مِنَ الدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ وَالْقَيْءِ وَالدُّودِ فَيَنْقُضُ فَاحِشُهَا بِغَيْرِ اخْتِلَافٍ بِالْمَذْهَبِ؛ لِمَا رَوَى مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " قَاءَ فَتَوَضَّأَ» فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: صَدَقَ، أَنَا صَبَبْتُ وَضُوءَهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ:" هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ " وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَدِ اضْطَرَبُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ:" حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ يُجَوِّدُهُ ".
وَقِيلَ لَهُ حَدِيثُ ثَوْبَانَ ثَبَتَ عِنْدَكَ؟ قَالَ: " نَعَمْ " وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ
عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: («إِذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَوْ قَلَسَ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ يَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ») رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَلَفْظُهُ:" «مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلْسٌ أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ يَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ» "، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، إِلَّا أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ مُرْسَلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَأَيَّدَهُ عَمَلُ الصَّحَابَةِ، وَرُوِيَ مُسْنَدًا مَا يُوَافِقُهُ وَهَذَا يُصَيِّرُهُ حُجَّةً عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْمُرْسَلِ الْمُجَرَّدِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ:" كَانَ عُمَرُ يَتَوَضَّأُ مِنَ الرُّعَافِ ".
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْقُولٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي قَضَايَا مُتَفَرِّقَةٍ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ خِلَافُهُ، حَكَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْوُضُوءِ مِنَ الرُّعَافِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ.
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ وَجَدَ رُعَافًا أَوْ مَذْيًا أَوْ قَيْئًا انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى " وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ نَجِسٌ مِنَ الْبَدَنِ فَجَازَ أَنْ يَنْقُضَ الْوُضُوءَ كَالْخَارِجِ مِنَ السَّبِيلِ، وَلَا الْحِجَامَةُ سَبَبٌ يُشْرَعُ مِنْهُ الْغُسْلُ فَوَجَبَ الْوُضُوءُ مِنْهُ كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَدَلِيلُ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَمَّا الْيَسِيرُ مِنْ هَذِهِ النَّجَاسَاتِ فَالْمَشْهُورُ فِي نَصِّهِ وَمَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ، حَتَّى إِنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَجْعَلُهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّ يَسِيرَهَا كَكَثِيرِهَا، وَحَكَاهَا الْخَلَّالُ فِي الْقَلْسِ كَذَلِكَ وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْقَيْءِ وَالدُّودِ، بِخِلَافِ الدَّمِ لِأَنَّ الدَّمَ إِنَّمَا حُرِّمَ الْمَسْفُوحُ مِنْهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَقَدْ عُفِيَ عَنِ الْيَسِيرِ مِنْهُ، وَذَلِكَ لِمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَنْصَرِفُ مِنْ قَلِيلِ الدَّمِ وَكَثِيرِهِ ".
وَلِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ فَنَقَضَتْ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى " بَزَقَ دَمًا فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ " وَ " عَصَرَ ابْنُ عُمَرَ بَثْرَةً فَجَرَى دَمٌ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ " ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " أَنَّهُ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أَنْفِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهَا دَمٌ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ ".
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى فَامْتَخَطَ فَخَرَجَ مَعَ مُخَاطِهِ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَ " لَا بَأْسَ يُتِمُّ صَلَاتَهُ " ذَكَرَهُ أَحْمَدُ.
وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " فِي الدَّمِ إِذَا كَانَ فَاحِشًا أَعَادَ " وَقَالَ: " الدَّمُ إِذَا كَانَ قَلِيلًا لَا أَرَى فِيهِ الْوُضُوءَ " لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصُوا فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إِزَالَةُ " عَيْنِ " هَذِهِ النَّجَاسَةِ فَأَنْ لَا يَجِبَ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ بِسَبَبِهَا أَوْلَى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا مَحَلٌّ مُعْتَادٌ وَلَا يُسْتَعَدُّ لَهَا وَالِابْتِلَاءُ بِهَا كَثِيرٌ، فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِهَا فِي طَهَارَتَيِ الْحَدَثِ وَالْخُبْثِ بِخِلَافِ نَجَاسَةِ السَّبِيلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدُّ الْكَثِيرِ فِي مَسَائِلِ الْعَفْوِ، فَأَمَّا الْخَارِجُ الطَّاهِرُ مِنَ الْبَدَنِ كَالْجُشَاءِ وَالنُّخَامَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا وُضُوءَ فِيهِ.