الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «إِذَا تَوَضَّأْتُمْ فَلَا تَنْفُضُوا أَيْدِيَكُمْ» ". وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا يُكْرَهُ كَالتَّنْشِيفِ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَيُبَاحُ مُعَاوَنَتُهُ فِي الْوُضُوءِ بِاسْتِقَاءِ الْمَاءِ وَحَمْلِهِ وَصَبِّهِ عَلَيْهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَلِيَ هُوَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَأَمَّا إِنِ اسْتَنَابَ غَيْرَهُ فِي فِعْلِ الْوُضُوءِ بِأَنْ نَوَى وَغَسَلَ الْغَيْرُ أَعْضَاءَهُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ وَيُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ نَوَى وَوَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ وَأُنْبُوبٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ يستحب السواك في جميع الأوقات]
مَسْأَلَةٌ:
" وَيُسَنُّ السِّوَاكُ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ وَعِنْدَ الصَّلَاةِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "«لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» "، وَيُسْتَحَبُّ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ إِلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ ".
أَمَّا اسْتِحْبَابُهُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، فَلِمَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. وَذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا؛ وَلِأَنَّ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ مَظِنَّةُ مَا يُطَهَّرُ الْفَمُ مِنْهُ مِنْ إِدَامٍ وَأَكْلٍ، وَمَا يُطَهَّرُ لَهُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ الْعِبَادِ، وَلِذَلِكَ اسْتُحِبَّ مُطْلَقًا وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ لِسَبَبَيْنِ أَحَدُهُمَا عِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ بِمَأْكُولٍ أَوْ خُلُوِّهِ مِنَ الطَّعَامِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ اللَّيْلِ، لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. يَعْنِي يَغْسِلُهُ وَيُدَلِّكَ. وَفِي لَفْظٍ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِالسِّوَاكِ إِذَا قُمْنَا مِنَ اللَّيْلِ؛ وَلِأَنَّ بِالنَّوْمِ يَنْطَبِقُ فَمُهُ فَيَحْتَبِسُ فِيهِ الْبُخَارُ الْمُتَصَاعِدُ مِنْ مَعِدَتِهِ فَيُغَيِّرُهُ.
وَكَذَلِكَ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَقَدْ قِيلَ «لِعَائِشَةَ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " «كَانَ لَا يَرْقُدُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، فَيَسْتَيْقِظُ إِلَّا تَسَوَّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَأَمَّا إِذَا تَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ أَوِ اصْفَرَّ لَوْنُ الْأَسْنَانِ مِنْ مَطْعُومٍ أَوْ خُلُوٍّ مِنَ الطَّعَامِ أَوْ غَيْرِ
ذَلِكَ فَلِمَا رَوَى تَمَّامُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ: أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَتَى فَقَالَ: " «مَا لِي أَرَاكُمْ تَأْتُونِي قُلْحًا، اسْتَاكُوا» " رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَلِأَنَّ السِّوَاكَ إِنَّمَا شُرِعَ لِتَطْيِيبِ الْفَمِ وَتَطْهِيرِهِ وَتَنْظِيفِهِ؛ فَإِذَا تَغَيَّرَ فَقَدْ تَحَقَّقَ السَّبَبُ الْمُقْتَضِي لَهُ فَكَانَ أَوْلَى مِنْهُ عِنْدَ النَّوْمِ.
وَالسَّبَبُ الثَّانِي: إِذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «فَضْلُ الصَّلَاةِ بِالسِّوَاكِ عَلَى الصَّلَاةِ بِغَيْرِ السِّوَاكِ سَبْعُونَ صَلَاةً» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّلَ تَرْكَ الْأَمْرِ بِالْمَشَقَّةِ فَلَوْ كَانَ أَمْرَ إِيجَابٍ لَحَصَلَتِ الْمَشَقَّةُ فِي وُجُوبِهِ، وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ.
لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ - الْغَسِيلِ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمِرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ فَلَمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ " أُمِرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَوُضِعَ عَنْهُ الْوُضُوءُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالتَّوَضُّؤِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ؛ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَوْضُوعَ وُجُوبُهُ، وَالسِّوَاكَ بَدَلٌ عَنْهُ فَيَكُونُ وَاجِبًا، وَالثَّانِي: لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ لِمَا رَوَى وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "«أُمِرْتُ بِالسِّوَاكِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيَّ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَهَذَا مَعْنَى تَفْضِيلِهِ عَلَى التَّحْدِيدِ وَهُوَ مَزِيَّةُ الْأَمْرِ حَتَّى كَادَ يَصِيرُ مَفْرُوضًا، وَهَذَا الْوَجْهُ أَشْبَهُ، فَإِنَّ الْأَصْلَ مُشَارَكَةُ أُمَّتِهِ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ. وَإِنَّمَا اسْتُحِبَّ لِلْمُصَلِّي لِأَنَّ الْقَائِمَ إِلَى الصَّلَاةِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَدْعُوهُ فَاسْتُحِبَّ لَهُ تَطْهِيرُ الْفَمِ؛ لِأَنَّهُ مَجْرَى الْقُرْآنِ؛ وَلِئَلَّا يُؤْذِيَ الْمَلَائِكَةَ وَالْآدَمِيِّينَ بِرِيحِ فَمِهِ؛ وَلِأَنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ قَارِئٍ وَذَاكِرٍ وَدَاعٍ، كَمَا يُسْتَحَبُّ لَهُمُ الْوُضُوءُ، وَأَوْكَدُ وَقَدْ جَاءَ:" «طَهِّرُوا أَفْوَاهَكُمْ بِالسِّوَاكِ فَإِنَّهَا مَجَارِي الْقُرْآنِ» " وَكَذَلِكَ السِّوَاكُ عِنْدَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ وَبِالْمَضْمَضَةِ تَكْمُلُ نَظَافَةُ الْفَمِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، قَالَ: وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ جَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَأَمَّا الصَّائِمُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيُكْرَهُ لَهُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى لَا
يُكْرَهُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مِنْ خَيْرِ خِصَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ:" «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.
وَلِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيِ النَّهَارِ فَأَشْبَهَ أَوَّلَهُ، وَالْأَوْلَى مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَخُلُوفُ الصَّوْمِ إِنَّمَا يَظْهَرُ غَالِبًا بَعْدَ الزَّوَالِ فَتُكْرَهُ إِزَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ؛ مُسْتَطَابٌ فِي الشَّرْعِ فَنُهِيَ عَنْ إِزَالَتِهِ كَدَمِ الشَّهِيدِ، وَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ إِنَّمَا يَكُونُ خُلُوفُهُ مِنْ أَثَرِ النَّوْمِ أَوِ الْأَكْلِ بِاللَّيْلِ، فَلَمْ تُكْرَهْ إِزَالَتُهُ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا جَاءَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ السِّوَاكُ عُودًا لَيِّنًا يُطَيِّبُ الْفَمَ وَلَا يَضُرُّهُ، وَلَا يَتَفَتَّتُ فِيهِ كَالْأَرَاكِ وَالزَّيْتُونِ وَالْعُرْجُونِ.
وَيُكْرَهُ بِعُودِ الرَّيْحَانِ وَالرُّمَّانِ وَالْآسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ الْفَمَ، يُقَالُ: إِنَّ الرُّمَّانَ يَضُرُّ لَحْمَ الْفَمِ، وَيُهَيِّجُ الدَّمَ، وَعُودُ الرَّيْحَانِ يُحَرِّكُ عَرَقَ الْجُذَامِ، فَأَمَّا الْيَابِسُ فَيَجْرَحُ، وَأَمَّا الرَّطْبُ فَيَتَفَتَّتُ، وَأَمَّا النَّدِّيُّ فَيُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ، وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ إِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَا يَغْسِلُهُ ; لِأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «يُعْطِينِي السِّوَاكَ لِأَغْسِلَهُ فَأَبْدَأُ بِهِ فَأَسْتَاكُ ثُمَّ أَغْسِلُهُ وَأَدْفَعُهُ إِلَيْهِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَسَوَّكَ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: «دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ فِيهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْطَانِيهِ فَقَصَمْتُهُ ثُمَّ مَضَغْتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " فَاسْتَنَّ بِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَإِنِ اسْتَاكَ بِأُصْبُعِهِ أَوْ بِخِرْقَةٍ فَقِيلَ لَا يُصِيبُ السُّنَّةَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ مَعَ غَلَبَةِ وُجُودِهِ وَتَيَسُّرِهِ، وَقِيلَ: يُصِيبُ مِنَ السُّنَّةِ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ مِنَ الْإِنْقَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُنَظِّفُ الْفَمَ وَيُزِيلُ تَغَيُّرَهُ أَوْ تَجَفُّفَهُ كَالْعُودِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ الْأُصْبُعُ مَعَ الْمَاءِ فِي الْمَضْمَضَةِ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا فَأَدْخَلَ بَعْضَ أَصَابِعِهِ فِي فِيهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ. وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ رَغَّبْتَنَا فِي السِّوَاكِ فَهَلْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: " أَصَابِعُكَ سِوَاكٌ عِنْدَ وُضُوئِكَ، أَمِرَّهَا عَلَى أَسْنَانِكَ إِنَّهُ لَا عَمَلَ
لِمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ وَلَا أَجْرَ لِمَنْ لَا حِسْبَةَ لَهُ». رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْبُحْتُرِيِّ الرَّزَّازُ. وَسَمِعَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَجُلًا يَقُولُ لَمْ أَتَسَوَّكْ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ:" لَوْ أَمْرَرْتَ أُصْبُعَكَ عَلَى أَسْنَانِكَ فِي وُضُوئِكَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ السِّوَاكِ ". رَوَاهُ حَرْبٌ فِي مَسَائِلِهِ.
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْتَاكَ عَلَى عَرْضِ الْأَسْنَانِ؛ لِمَا رَوَى عَطَاءٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا اسْتَكْتُمُ اسْتَاكُوا عَرْضًا وَإِذَا شَرِبْتُمْ فَاشْرَبُوا مَصًّا» ". رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَكْثَمَ
قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «يَسْتَاكُ عَرْضًا وَيَشْرَبُ مَصًّا وَيَقُولُ هَذَا أَهْنَأُ وَأَمْرَأَ» ". رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ فِي الْغَيْلَانِيَّاتِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الشَّوْصُ دَلْكُ الْأَسْنَانِ عَرْضًا بِالسِّوَاكِ وَنَحْوِهِ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِيَاكَ عَلَى طُولِ الْأَسْنَانِ مِنْ طَرَفِهَا إِلَى عَمُودِهَا رُبَّمَا آذَى اللِّثَةَ وَأَفْسَدَ الْعَمُودَ وَيُسْتَحَبُّ الِاسْتِيَاكُ عَلَى لِسَانِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى قَالَ: «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَيْتُهُ يَسْتَاكُ عَلَى لِسَانِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ فِي سِوَاكِهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " «كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَامُنُ فِي طَهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» " وَأَنْ يَسْتَاكَ بِالْيَدِ الْيُسْرَى نَصَّ عَلَيْهِ
لِأَنَّهُ إِمَاطَةُ أَذًى يُفْعَلُ بِإِحْدَى الْيَدَيْنِ فَكَانَ بِالْيُسْرَى كِالِاسْتِنْجَاءِ مَعَ اسْتِحْبَابِ الِابْتِدَاءِ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ فِيهِ.
فَصْلٌ:
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتَحِلَ وِتْرًا؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: («إِذَا اكْتَحَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْتَحِلْ وِتْرًا») رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِي لَفْظٍ:(«مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا، فَلَا حَرَجَ») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْإِيتَارُ أَنْ يَكْتَحِلَ فِي كُلِّ عَيْنٍ مَرَّةً وَاحِدَةً، أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَجْعَلَ فِي الْعَيْنِ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا فِي الْيُمْنَى ثِنْتَيْنِ وَفِي الْيُسْرَى وَاحِدَةً، أَوْ فِي الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَفِي الْيُسْرَى ثِنْتَيْنِ؛ لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:(«أَنَّهُ كَانَ يَكْتَحِلُ فِي الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَفِي الْيُسْرَى ثِنْتَيْنِ بِالْإِثْمِدِ»).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:(«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اكْتَحَلَ يَجْعَلُ فِي الْيُمْنَى ثَلَاثَةَ مَرَاوِدَ، وَفِي الْيُسْرَى مِرْوَدَيْنِ») وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: («أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ لَهُ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ مِنْهَا كُلَّ لَيْلَةٍ ثَلَاثَةً فِي هَذِهِ، وَثَلَاثَةً فِي هَذِهِ») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهَذَا أَشْهَرُ وَأَثْبَتُ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ فِي النَّفْعِ وَالزِّينَةِ، وَيُسْتَحَبُّ الِاكْتِحَالُ بِالْإِثْمِدِ عِنْدَ النَّوْمِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: («خَيْرُ
أَكْحَالِكُمُ الْإِثْمِدُ عِنْدَ النَّوْمِ يُنْبِتُ الشَّعْرَ وَيَجْلُو الْبَصَرَ») رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
فَصْلٌ:
وَيُسْتَحَبُّ التَّرَجُّلُ غِبًّا، وَهُوَ تَسْرِيحُ الشَّعْرِ وَدَهْنُهُ، وَكَذَلِكَ " دَهْنُ الْبَدَنِ " لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:(«أَنَّهُ يَدَّهِنُ غِبًّا») رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ، وَقَالَ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ:(«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ شَمَطَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ، فَكَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ، وَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ تَبَيَّنَ، وَكَانَ كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ:(«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قَالَ أَحْمَدُ: "مَعْنَاهُ يَدَّهِنُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا" وَالْقَصْدُ أَنْ يَكُونَ ادِّهَانُهُ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ مُتَوَسِّطًا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ حَتَّى لَوِ احْتَاجَ إِلَى مُدَاوَمَتِهِ لِكَثْرَةِ شَعْرِهِ وَقُحُولِ بَدَنِهِ جَازَ، لَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ جُمَّةٌ ضَخْمَةٌ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم («فَأَمَرَهُ أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهَا وَأَنْ يَتَرَجَّلَ كُلَّ يَوْمٍ») رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(«مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ:(«رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: أَمَا يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ؟!») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
وَاتِّخَاذُ الشَّعْرِ أَفْضَلُ مِنْ إِزَالَتِهِ بِحَلْقٍ أَوْ قَطْعٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: قَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُمَّةٌ، وَقَالَ: عَشَرَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُمْ جُمَمٌ وَعَشَرَةٌ لَهُمْ شَعْرٌ، وَيُسَنُّ فَرْقُهُ مِنْ مُؤَخَّرِهِ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سَدْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رَءُوسَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ («وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ وَيُعْجِبُهُ مُوَافَقَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ فَسَدَلَ نَاصِيَتَهُ ثُمَّ
فَرَقَ بَعْدُ») مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ فِي الْفِطْرَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي بِالنَّاصِيَةِ جَمِيعَ الشَّعْرِ.
وَفِي شُرُوطِ عُمَرَ عَلَى النَّصَارَى أَلَّا يَفْرُقُوا نَوَاصِيَهُمْ؛ لِئَلَّا يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا طَالَ مِنْهُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْرُ الشَّعْرِ كَشَعْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنْ قَصُرَ فَإِلَى أُذُنَيْهِ وَإِنْ طَالَ فَإِلَى مَنْكِبَيْهِ، وَإِنْ طَوَّلَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ جَازَ، وَتَقْصِيرُهُ أَفْضَلُ، وَكَذَلِكَ إِنْ قَصَّرَهُ بِمِقْرَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ:(«كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوْقَ الْوَفْرَةِ وَدُونَ الْجُمَّةِ») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْوَفْرَةُ الشَّعْرُ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ، وَالْجُمَّةُ مَا بَلَغَ الْمَنْكِبَيْنِ.
وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم («كَانَ يَضْرِبُ شَعْرٌ مَنْكِبَيْهِ - وَفِي رِوَايَةٍ - بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ») مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ:(«إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَعَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: («نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيْمٌ الْأَسَدِيُّ لَوْلَا طُولُ جُمَّتِهِ وَإِرْسَالُ إِزَارِهِ فَبَلَغَ
ذَلِكَ خُرَيْمًا فَعَجَّلَ فَأَخَذَ شَفْرَةً فَقَطَعَ بِهَا شَعْرَهُ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ، وَرَفَعَ إِزَارَهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلِي شَعْرٌ طَوِيلٌ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: («ذُبَابٌ ذُبَابٌ قَالَ فَرَجَعْتُ فَجَزَزْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: لَمْ أَعْنِكَ، وَهَذَا أَحْسَنُ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.
وَهَلْ يُكْرَهُ حَلْقُ الشَّعْرِ فِي غَيْرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَحَدُهُمَا: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْخَوَارِجِ: («سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ»)، وَقَالَ عُمَرُ لِصُبَيْعٍ التَّمِيمِيِّ الَّذِي كَانَ يَسْأَلُ عَنِ الْمُتَشَابِهَاتِ: لَوْ وَجَدْتُكَ مَحْلُوقًا لَضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الَّذِي يَحْلِقُ رَأْسَهُ فِي الْمِصْرِ شَيْطَانٌ، قَالَ أَحْمَدُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ، وَالثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ.
لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: («أَنَّهُ رَأَى صَبِيًّا قَدْ حَلَقَ بَعْضَ رَأْسِهِ وَتَرَكَ بَعْضَهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: احْلِقُوهُ كُلَّهُ أَوْ ذَرُوهُ كُلَّهُ») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم («أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثَلَاثًا أَنْ يَأْتِيَهُمْ ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدِ الْيَوْمِ، ادْعُوا إِلَيَّ بَنِي أَخِي، قَالَ: فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: ادْعُوا إِلَيَّ الْحَلَّاقَ قَالَ: فَجِيءَ بِالْحَلَّاقِ فَحَلَقَ رُءُوسَنَا») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اسْتِئْصَالُهُ بِالْمَقَارِيضِ فَكَذَلِكَ حَلْقُهُ.
وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنَ الْكَرَاهَةِ فَهُوَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَنْ يَعْتَقِدُهُ قُرْبَةً وَشِعَارَ الصَّالِحِينَ، وَهَكَذَا كَانَتِ الْخَوَارِجُ، فَأَمَّا إِنْ حَلَقَهُ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ وَإِنْ تَرَكَهُ أَفْضَلُ فَلَا، فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُكْرَهُ لَهَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَيُكْرَهُ حَلْقُ الْقَفَا لِمَنْ لَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ، وَمَنْ تَشَبَّهُ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ، فَأَمَّا عِنْدَ الْحِجَامَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا بَأْسَ، وَالْقَزَعُ مَكْرُوهٌ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: («نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقَزَعِ») مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ دُونَ بَعْضٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَزَعِ السَّحَابِ وَهُوَ الْمُتَفَرِّقُ مِنْهُ.
فَصْلٌ:
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْمِرْآةِ لِيَتَجَنَّبَ مَا يُشِينُهُ وَيُصْلِحَ مَا يَنْبَغِي إِصْلَاحُهُ. وَرُوِيَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: («كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَافِرُ بِالْمُشْطِ وَالْمِرْآةِ وَالدُّهْنِ وَالسِّوَاكِ وَالْكُحْلِ») رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَطَيَّبَ لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: («حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَفِي لَفْظٍ لِلنِّسَائِيِّ:(«حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»).
وَأَنْ يَتَبَخَّرَ لِمَا رَوَى نَافِعٌ قَالَ: («كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَجْمِرُ بِالْأَلُوَّةِ غَيْرَ مُطَرَّاةٍ وَبِكَافُورٍ يَطْرَحُهُ مَعَ الْأَلُوَّةِ ثُمَّ
قَالَ: هَكَذَا كَانَ يَسْتَجْمِرُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»، وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ مِنَ الطِّيبِ مَا خَفِيَ لَوْنُهُ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(«خَيْرُ طِيبِ الرَّجُلِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَخَيْرُ طِيبِ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ») رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
فَصْلٌ:
فِي خِصَالِ الْفِطْرَةِ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم («خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الِاسْتِحْدَادُ وَالْخِتَانُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ») رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: («عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِفَاضُ الْمَاءِ يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ، قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ: («خَمْسٌ كُلُّهَا فِي الرَّأْسِ وَذَكَرَ مِنْهَا الْفَرْقَ») وَجَمِيعُ هَذِهِ الْخِصَالِ مَقْصُودُهَا النَّظَافَةُ وَالطَّهَارَةُ وَإِزَالَةُ مَا يَجْمَعُ الْوَسَخَ وَالدَّرَنَ مِنَ الشُّعُورِ وَالْأَظْفَارِ وَالْجِلْدِ.
وَأَمَّا قَصُّ الشَّارِبِ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: («مَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَارِبَهُ فَلَيْسَ مِنَّا») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: («جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: («خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ») مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ:" «كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ» "، وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِقَبْضَةٍ حَتَّى يَبْدُوَ الْإِطَارُ وَهُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ، وَكُلَّمَا أُخِذَ فَوْقَ ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ حَلْقُهُ؛ لِأَنَّ فِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(«انْهَكُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى»).
قَالَ الْبُخَارِيُّ " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى مَوْضِعِ الْحَلْقِ " وَرَوَى حَرْبٌ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنَ عُمَرَ وَأَبَا أُسَيْدٍ
يَجُزُّونَ شَوَارِبَهُمْ أَخَا الْحَلْقِ، وَأَمَّا إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ وَلَوْ أَخْذَ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ لَمْ يُكْرَهْ، نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ أَخْذُ مَا تَطَايَرَ مِنْهَا.
وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم («كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا») رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، فَأَمَّا حَلْقُهَا فَمِثْلُ حَلْقِ الْمَرْأَةِ رَأْسَهَا وَأَشَدُّ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمُثْلَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ، وَيُكْرَهُ نَتْفُ الشَّيْبِ وَإِزَالَتُهُ بِمِنْقَاشٍ وَنَحْوِهِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:(«نَهَى عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ») رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ: («لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ
فَإِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً»).
فَأَمَّا خِضَابُهُ بِالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ فَسُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: («إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ») رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهِبٍ: «دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ " فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ مَخْضُوبٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ مَوْهِبٍ «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَرَتْهُ شَعْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحْمَرَ» ، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: («إِنَّ أَحْسَنَ مَا غَيَّرْتُمْ بِهِ هَذَا الشَّيْبَ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ») رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم («كَانَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَيُكْرَهُ الْخِضَابُ بِالسَّوَادِ؛ لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«جِيءَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَأَنَّ رَأْسَهُ ثُغَامَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَلْيُغَيِّرْهُ بِشَيْءٍ وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ)» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ؛ وَلِأَنَّ التَّسْوِيدَ يُشْبِهُ تَكَوُّنَ الْخِلْقَةِ وَذَلِكَ تَزْوِيرٌ وَتَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ، فَيُكْرَهُ كَمَا كُرِهَ وَصْلُ الشَّعْرِ وَالنَّمْصُ وَالتَّفَلُّجُ.
وَأَمَّا الِاسْتِحْدَادُ فَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيدِ فِي إِزَالَةِ شَعْرِ الْعَانَةِ وَلَوْ قَصَّهُ أَوْ نَتَفَهُ أَوْ تَنَوَّرَ جَازَ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ، وَالْأَفْضَلُ فِي الْإِبِطِ أَنْ يَنْتِفَهُ وَلَوْ حَلَقَهُ أَوْ قَصَّهُ أَوْ نَوَّرَهُ جَازَ أَيْضًا، وَلَوْ نَوَّرَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ شِعْرِ السَّاقَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ جَازَ أَيْضًا، نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اطَّلَى بَدَأَ
بِعَوْرَتِهِ فَطَلَاهَا بِالنُّورَةِ وَسَائِرَ جَسَدِهِ أَهْلُهُ»، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَفِيهِ مَقَالٌ لَكِنْ لَا يُنَوِّرُ عَوْرَتَهُ إِلَّا هُوَ أَوْ مَنْ يَحِلُّ لَهُ مَسُّهَا مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّسَائِيُّ: " ضَرَبْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ نُورَةً وَنَوَّرْتُهُ بِهَا فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى عَانَتِهِ نَوَّرَهَا هُوَ " وَقَالَ نَافِعٌ: " كُنْتُ أَطْلِي ابْنَ عُمَرَ فَإِذَا بَلَغَ عَوْرَتَهُ نَوَّرَهَا هُوَ بِيَدِهِ " رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَتَرْكُ التَّنُّورِ أَفْضَلُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ:" هُوَ مِمَّا أَحْدَثُوا مِنَ النَّعِيمِ " وَأَمَّا قَصُّ الْأَظْفَارِ فَمِنَ السُّنَّةِ لِإِزَالَةِ فُحْشِهَا وَدَفْعِ مَا يَجْتَمِعُ تَحْتَهَا مِنْ وَسَخِ الْأَرْفَاغِ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:(«مَا لِي لَا أَهِمُ وَرُفْغُ أَحَدِكُمْ بَيْنَ ظُفْرِهِ وَأُنْمُلَتِهِ») إِلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي الِاقْتِصَادُ فِي قَصِّهَا وَأَلَّا يَحِيفَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثٍ ذَكَرَهُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ:(«أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَّا نُحْفِيَ مِنَ الْأَظْفَارِ فِي الْجِهَادِ») وَقَالَ عُمَرُ: " وَفِّرُوا الْأَظْفَارَ فِي أَرْضِ
الْعَدُوِّ فَإِنَّهُ سِلَاحٌ " قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُلَّ الْحَبْلَ أَوِ الشَّيْءَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَظْفَارٌ لَمْ يَسْتَطِعْ، وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:(«مَنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ مُخَالِفًا لَمْ يَرَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدًا») وَفَسَّرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُصَّ الْخِنْصَرَ مِنَ الْيُمْنَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْإِبْهَامَ ثُمَّ الْبِنْصِرَ ثُمَّ السَّبَّاحَةَ وَيَقُصَّ الْيُسْرَى الْإِبْهَامَ ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْخِنْصَرَ ثُمَّ السَّبَّاحَةَ ثُمَّ الْبِنْصِرَ، وَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ رَجَاءٍ فَسَّرَهُ كَذَلِكَ، وَجَاءَ فِيهِ لَوْنٌ آخَرُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى عَنْ وَكِيعٍ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: («يَا عَائِشَةُ إِذَا أَنْتِ قَلَّمْتِ أَظْفَارَكِ فَابْدَئِي بِالْوُسْطَى ثُمَّ الْخِنْصَرِ ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ السَّبَّابَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْغِنَى») هَذِهِ الصِّفَةُ لَا تُخَالِفُ الْأُولَى إِلَّا فِي الِابْتِدَاءِ بِالْوُسْطَى قَبْلَ الْخِنْصَرِ، وَمَبْنَى ذَلِكَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالْأَيْمَنِ فَالْأَيْمَنِ مِنْ كُلِّ يَدٍ مَعَ الْمُخَالَفَةِ، وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ رُءُوسِ الْأَنَامِلِ بَعْدَ قَصِّ الْأَظْفَارِ لِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْوَسَخِ؛ وَلِأَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّ حَكَّ الْجَسَدِ بِهَا قَبْلَ الْغَسْلِ يَضُرُّهُ.
وَفِي حَدِيثِ الْفِطْرَةِ: غَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَالْبَرَاجِمُ الْعُقَدُ الَّتِي فِي ظُهُورِ الْأَصَابِعِ وَالرَّوَاجِبُ مَا بَيْنَهَا، وَمَعْنَاهُ غَسْلُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَتَّسِخُ وَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْوَسَخُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ الظُّفْرَ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:" «كَانَ يَأْخُذُ أَظْفَارَهُ وَشَارِبَهُ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ» " وَإِنْ تَرَكَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا؛ لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: " «وَقَّتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَلَّا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ.
وَيُسْتَحَبُّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:" مَنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ أُدْخِلَ فِي شِفَاءٍ وَأُخْرِجَ مِنْهُ دَاءٌ " وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ مَرْوَانَ فِي
حَدِيثٍ لَهُ: مَنْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ لَمْ يَمُتْ بِالْمَاءِ الْأَصْفَرِ " وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ كُلَّ جُمْعَةٍ " وَذَكَرَ غَيْرُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، ثُمَّ قَالَ:(«يَا عَلِيُّ، قَصُّ الظُّفُرِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَالْغُسْلُ وَاللِّبَاسُ وَالطِّيبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»).
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: («يُصْبِحُ الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَإِذَا صَلَّى حَلَّ فَإِذَا مَكَثَ فِي الْجَامِعِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعَصْرَ مَعَ إِمَامِهِ كَانَ كَمَنْ أَتَى بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى نَتَأَهَّبُ لِلْجُمْعَةِ؟ قَالَ: يَوْمَ الْخَمِيسِ») رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ مَا أَزَالَ مِنْ شِعْرِهِ وَظُفْرِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَحَكَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
لِمَا «رَوَتْ مِيلُ بِنْتُ مِشْرَحٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهَا رَأَتْ أَبَاهَا مِشْرَحًا " يُقَلِّمُ أَظْفَارُهُ ثُمَّ يَجْمَعُهَا وَيَدْفِنُهَا وَيُخْبِرُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ ذَلِكَ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَالْخَلَّالُ وَابْنُ بَطَّةَ، وَرَوَى حَرْبٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: («ادْفِنُوا شُعُورَكُمْ وَأَظْفَارَكُمْ وَدِمَاءَكُمْ لَا تَلْعَبُ بِهَا سَحَرَةُ بَنِي آدَمَ») وَعَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّهَا قَلَّمَتْ أَظْفَارَهَا فَدَفَنَتْهَا " وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ حَلَقَ رَأْسَهُ فَأَمَرَ بِدَفْنِ شَعْرِهِ " وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَالَ: («أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِدَفْنِ الدَّمِ وَالشَّعْرِ»).
وَأَمَّا الْخِتَانُ فَوَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ فِي الْمَنْصُوصِ الْمَعْرُوفِ مِنَ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، وَالْخِتَانُ مِنْ مِلَّتِهِ لِمَا
رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: («اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ مَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَنَةً وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ») مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: ضَمَّنَ مِلَّتَهُ سَائِرَ خِصَالِ الْفِطْرَةِ وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي نَسَقٍ وَاحِدٍ، قُلْنَا: إِزَالَةُ الشُّعُورِ وَالْأَظْفَارِ الْقَصْدُ بِهَا إِزَالَةُ مَا يَجْتَمِعُ بِسَبَبِهَا مِنَ الْعَرَقِ وَالْوَسَخِ وَالدَّرَنِ، وَإِزَالَةُ الْأَوْسَاخِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَكَذَلِكَ مَا قُصِدَتْ بِهِ.
وَأَمَّا قُلْفَةُ الذَّكَرِ فَالْمَقْصُودُ بِقَطْعِهَا التَّطْهِيرُ مِنَ النَّجَاسَةِ الَّتِي تَحْتَقِنُ فِيهَا، وَنَجَاسَةُ الْبَوْلِ تَجِبُ إِزَالَتُهَا وَعَامَّةُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهَا، فَلِذَلِكَ وَجَبَ إِزَالَةُ مَا يُوجِبُ احْتِقَانَهَا وَاجْتِمَاعَهَا، يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْطُوعَ هُنَا مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَكَذَلِكَ يُحْشَرُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرْلًا، فَلَوْلَا أَنَّ إِزَالَتَهَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ لَمَا تَكَلَّفَ قَطْعَهُ بِخِلَافِ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ؛ وَلِأَنَّ الْبَوْلَ الْمُحْتَقِنَ فِي الْقُلْفَةِ نَجَاسَةٌ شُرِعَ زَوَالُهَا، فَكَانَ وَاجِبًا كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " الْأَقْلَفُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ " وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: أَنَّ خَفْضَهَا
وَاجِبٌ كَالرَّجُلِ، وَالثَّانِيَةُ: لَاَ يَجِبُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ خِتَانِ الرَّجُلِ مَظِنَّةُ احْتِقَانِ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:(«الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرَّجُلِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ») رَوَاهُ أَحْمَدُ يَعْنِي بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَةُ الْمَخْتُونِ، فَأَمَّا إِنْ خُشِيَ عَلَيْهِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بَلْ يُمْنَعُ مِنْهُ.
وَإِنَّمَا يَجِبُ الْخِتَانُ إِذَا وَجَبَتِ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا شُرِّعَ لِذَلِكَ، وَالْخِتَانُ قَبْلَ ذَلِكَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَبْلَ التَّمْيِيزِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْدِهِ فِي الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَطُهْرَةٌ فَتَقْدِيمُهَا أَحْرَزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصًا مِنْ مَسِّ الْعَوْرَةِ وَنَظَرِهَا، فَإِنَّ عَوْرَةَ الصَّغِيرِ لَا حُكْمَ لَهَا؛ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ مَسُّهَا وَتَقْبِيلُهَا كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم («يُقَبِّلُ زَبِيبَةَ الْحَسَنِ») وَقِيلَ: التَّأْخِيرُ إِلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ أَوْلَى؛ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ " أَنَا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ، قَالَ: وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ " يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَتَّى يُقَارِبَ الْإِدْرَاكَ مِثْلَ تَرَاهَقَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ
" تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ مَخْتُونٌ ".
وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تَخْتَتِنَ الْجَارِيَةُ قَبْلَ سَبْعِ سِنِينَ، وَلَا يُكْرَهُ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَقَبْلَهَا فِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ، فَكُرِهَ التَّشَبُّهُ بِهِمْ، وَالْأُخْرَى: لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ فَاطِمَةَ كَانْتَ " تَخْتِنُ وَلَدَهَا يَوْمَ السَّابِعِ " وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ وَغَيْرِهِ " أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَتَنَ ابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَخَتَنَ ابْنَهُ إِسْحَاقَ لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ ".
وَيُؤْخَذُ فِي خِتَانِ الرَّجُلِ جِلْدَةُ الْحَشَفَةِ وَإِنْ أُخِذَ أَكْثَرُهَا جَازَ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُسْتَحَبُّ أَلَّا يَجْتَذَّ خَافِضُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِخَتَّانَةٍ:" أَبْقِي مِنْهُ شَيْئًا إِذَا خَفَضْتِ " وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ («أَمَرَ خَتَّانَةً تَخْتِنُ فَقَالَ: إِذَا خَتَنْتِ فَلَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ لِلْبَعْلِ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَتْ مَيْمُونَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِخَتَّانَةٍ: " إِذَا خَفَضْتِ فَأَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي فَإِنَّهُ أَسْرَعُ لِلزَّوْجِ وَأَحْظَى لَهَا عِنْدَ زَوْجِهَا " رَوَاهُ حَرْبٌ فِي مَسَائِلِهِ.