الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَسْلِهِمَا عِنْدَ إِرَادَةِ كُلِّ وُضُوءٍ، إِلَّا أَنَّهُ مُوَكَّدٌ هُنَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَنْ يُرِيدُ الْوُضُوءَ أَوْ يَعُمُّهُ وَغَيْرَهُ بِحَيْثُ يَغْسِلُ عِنْدَ الْوَضْعِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَائِعَاتِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
[مَسْأَلَةٌ المضمضة والاستنشاق في الوضوء]
مَسْأَلَةٌ:
" ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ ".
لِأَنَّ الَّذِينَ وَصَفُوا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرُوا ذَلِكَ فِيهِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ بِيَمِينِهِ وَيَسْتَنْثِرَ بِشِمَالِهِ وَأَنْ يُقَدِّمَهُمَا عَلَى ظَاهِرِ الْوَجْهِ؛ لِلسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ الْبَاطِنِ أَوْلَى؛ لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْهُ أَذًى بَعْدَ غَسْلِ الظَّاهِرِ فَيُلَوِّثُهُ، وَأَنْ يُقَدِّمَ الْمَضْمَضَةَ لِلسُّنَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْفَمَ أَشْرَفُ وَأَحَقُّ بِالتَّطْهِيرِ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْبَاطِنِ، وَقَوْلُهُ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا أَيِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَفْصِلَ كُلَّ وَاحِدٍ بِمَاءٍ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " «أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ» " وَفِي لَفْظٍ " «تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَفِي لَفْظٍ " «تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمَا وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ مِنْ أَحَادِيثِ الْفَصْلِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا يَحْصُلُ مَعَهُ الْإِسْبَاغُ مَعَ الرِّفْقِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ؛ ثُمَّ إِنْ شَاءَ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ الثَّلَاثَ بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُسْبِغَ بِهَا وَإِنْ شَاءَ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ جَاءَ بِهِمَا، وَإِنْ فَعَلَ الْمَضْمَضَةَ بِمَاءٍ وَالِاسْتِنْشَاقَ بِمَاءٍ
جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ إِمَّا بِغَرْفَتَيْنِ أَوْ سِتِّ غَرَفَاتٍ، وَإِذَا جَمَعَهُمَا بِمَاءٍ وَاحِدٍ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فَصَلَهُمَا بِمَاءَيْنِ فِي سِتِّ غَرَفَاتٍ كَمُلَ، وَصِفَتُهُ الْمَضْمَضَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الِاسْتِنْشَاقُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ فَرَّقَهُمَا بِغَرْفَتَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يَتَمَضْمَضُ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ كَمَا لَوْ جَمَعَهُمَا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكْمُلَ الْمَضْمَضَةُ فِي السِّتِّ وَفِي الْأُخْرَى يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ إِلْحَاقًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِجِنْسِهِ). وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ «عَنْ عَلِيٍّ " أَنَّهُ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا ثُمَّ اسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِكَفٍّ كَفٍّ، وَقَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ طَهُورُ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» "
فَصْلٌ:
وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَاجِبَانِ فِي الطَّهَارَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ وَحْدَهُ هُوَ الْوَاجِبُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْثِرْ» "، وَفِي لَفْظٍ " «فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ يَسْتَنْثِرْ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ " «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ» ". وَقَالَ لِلَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ:" «وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» " فَأَمَرَ بِالْمُبَالَغَةِ وَالِاسْتِنْثَارِ الْمُسْتَلْزِمَيْنِ لِلِاسْتِنْشَاقِ.
قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصِّفَةِ، بَقِيَ أَصْلُ الْفِعْلِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَمْ يَرِدْ مِثْلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ فِي الْمَضْمَضَةِ؛ وَلِأَنَّ طَرَفَ الْأَنْفِ لَا يَزَالُ مَفْتُوحًا لَيْسَ لَهُ سَاتِرٌ بِخِلَافِ الْفَمِ، وَلِهَذَا أُمِرَ الْقَائِمُ مِنْ نَوْمِهِ بِالِاسْتِنْشَاقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَضْمَضَةَ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُمَا يَجِبَانِ فِي الْكُبْرَى دُونَ الصُّغْرَى؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ مَبْنَاهُ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ جَمِيعِ مَا يُمْكِنُ مِنَ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ بِدَلِيلِ بَاطِنِ الشُّعُورِ الْكَثِيفَةِ مِنَ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ غَسْلُ مَا اسْتَتَرَ كَبَاطِنِ اللِّحْيَةِ.
وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِنْشَاقُ وَحْدَهُ فِي الْوُضُوءِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ النَّصُّ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى أَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ مُطْلَقًا، وَفَسَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِفِعْلِهِ وَتَعْلِيمِهِ فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ فِي كُلِّ وُضُوءٍ تَوَضَّأَهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ أَخَلَّ بِهِ أَبَدًا مَعَ اقْتِصَارِهِ عَلَى أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ حِينَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: هَذَا صِفَةُ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ، وَهَذَا أَقْصَى حَدٍّ فِي اقْتِصَارِ الْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِعْلَهُ إِذَا خَرَجَ امْتِثَالًا لِأَمْرٍ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ ذَلِكَ الْأَمْرِ فِي اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ.
وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَأَخَلَّ بِهِ وَلَوْ مَرَّةً لِيُبَيِّنَ جَوَازَ التَّرْكِ كَمَا تَرَكَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمَّا تَوَضَّأَ قَالَ: هَذَا صِفَةُ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَتَمَضْمَضْ» " وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ» ". وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنَ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ» " رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَدْ رَوَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مُسْنَدَيْنِ وَمُرْسَلَيْنِ، وَالْمُرْسَلُ إِذَا أُرْسِلَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَوْ عَضَّدَهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ صَارَ حُجَّةً وِفَاقًا وَهُوَ كَذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْفَمَ وَالْأَنْفَ فِي الْوَجْهِ، وَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الظَّاهِرِ، وَتَخْصِيصُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الِاسْتِنْشَاقَ بِالْأَمْرِ؛ لَا لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالتَّطْهِيرِ مِنَ الْفَمِ، كَيْفَ وَالْفَمُ أَشْرَفُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَتَغَيُّرُهُ بِالْخُلُوفِ أَكْثَرُ، لَكِنْ يُشْبِهُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ الْفَمَ لَمَّا شُرِعَ لَهُ التَّطْهِيرُ بِالسِّوَاكِ وَأَوْكَدَ أَمْرَهُ وَكَانَ غَسْلُهُ بَعْدَ الطَّعَامِ مَشْرُوعًا
وَقَبْلَ الطَّعَامِ عَلَى قَوْلٍ، عُلِمَ اعْتِنَاءُ الشَّارِعِ بِتَطْهِيرِهِ بِخِلَافِ الْأَنْفِ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ لِبَيَانِ حُكْمِهِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يُهْمَلَ إِذَا لَمْ يُشْرَعْ غَسْلُهُ إِلَّا فِي الْوُضُوءِ وَعِنْدَ الِانْتِبَاهِ.
فَصْلٌ:
وَهَلْ تُسَمَّى الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فَرْضًا عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَنْصُوصَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ عَنْهُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِنَاءً عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّ الْفَرْضَ مَا يَثْبُتُ بِكِتَابِ اللَّهِ دُونَ مَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِالسُّنَّةِ، أَوْ مَا يَثْبُتُ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ دُونَ مَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْعُمُومِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَرُبَّمَا قِيلَ: مَا لَمْ يَسْقُطْ فِي عَمْدٍ وَلَا سَهْوٍ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُمَا عَنْ غَسْلِ ظَاهِرِ الْوَجْهِ، وَيَجِبُ تَقْدِيمُهُمَا عَلَى غَسْلِ الْيَدِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْوَجْهِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُمَا كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُمَا عَنْ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا؛ لِمَا رَوَى الْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ:«أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ " فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَهُمَا