الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَضَرِ وَلَمْ يَمْسَحْ حَتَّى سَافَرَ فَإِنَّمَا أَبَحْنَا لَهُ أَنْ يَمْسَحَ مَسْحَ مُسَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلُهَا فِي الْحَضَرِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَمْ يُفْعَلْ شَيْءٌ مِنْهَا وَلَا وَجَبَتْ فِي الْحَضَرِ، وَإِنَّمَا وُجِدَ وَقْتُ جَوَازِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَلَى صَبِيٍّ مُقِيمٍ فَبَلَغَ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ سَفَرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَسْحَ جَمِيعَهُ إِذَا وَقَعَ فِي السَّفَرِ تَحَقَّقَ فِي حَقِّهِ جَمِيعُ مَشَقَّةِ السَّفَرِ بِخِلَافِ مَا إِذَا وُجِدَ بَعْضُهُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ بَعْضُ الْمَشَقَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا شُكَّ فِي أَوَّلِ مُدَّةِ الْمَسْحِ بُنِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ وُجُوبُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَلَوْ شَكَّ الْمُسَافِرُ هَلِ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ فِي الْحَضَرِ أَوِ السَّفَرِ بَنَى عَلَى مَسْحِ حَاضِرٍ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُ عَلَى الْيَقِينِ، كَمَا لَوْ شَكَّ الْمُقِيمُ هَلِ ابْتَدَأَ الْمُدَّةَ فِي الْحَضَرِ أَوِ السَّفَرِ فَلَوْ مَسَحَ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ أَنْشَأَ الْمَسْحَ فِي السَّفَرِ أَعَادَ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَمَا لَوْ صَلَّى إِلَى بَعْضِ الْجِهَاتِ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا جِهَةُ الْقِبْلَةِ، أَوْ صَلَّى قُرَيْبَ الزَّوَالِ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ بَعْدَ الزَّوَالِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا مَسَحَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ بَنَى عَلَى مَسْحِ مُسَافِرٍ فَكَذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ مَسْحَهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَكِنَّهُ يَحْسِبُ الْمُدَّةَ مِنْ حِينِ احْتِمَالِ الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ أَوْ مِنْ حِينِ احْتِمَالِ الْمَسْحِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ طَاهِرٍ لَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ شَكَّ فِي الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يَبْنِي حُكْمَ الْمُدَّةِ عَلَى أَوَّلِ أَوْقَاتِ الشَّكِّ، وَيَبْنِي بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ الَّتِي لَبِسَ عَلَيْهَا، وَشَكَّ فِي زَوَالِهَا عَلَى الصِّحَّةِ أَخْذًا بِالْيَقِينِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُكْمَيْنِ.
[مَسْأَلَةٌ الاستدلال بإجزاء المسح على العمامة عن المسح على الرأس]
مَسْأَلَةٌ:
" وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ ذَوَائِبَ سَاتِرَةٍ لِجَمِيعِ الرَّأْسِ إِلَّا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ "
لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَنَّهُ يُجْزِئُ
عَنْ مَسْحِ مَا وَازَنَهُ مِنَ الرَّأْسِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَالَ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: " «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ وَتَمَّمَ الْمَسْحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَعِمَامَتِهِ، فَنَقُولُ: الْمُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ اسْتِحْبَابٌ، وَكَذَلِكَ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «لَا يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ إِلَّا أَنْ يَمْسَحَ بِرَأْسِهِ مَعَ الْعِمَامَةِ» ".
قُلْنَا: لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ إِنَّمَا سَقَطَ بِمَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ اسْتِيعَابَ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ وَاجِبٌ.
الثَّانِي: مَا رَوَى ثَوْبَانُ قَالَ: " «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ شَكَوْا مَا أَصَابَهُمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْعَصَائِبُ: الْعَمَائِمُ، وَالتَّسَاخِينُ: الْخِفَافُ، فَلَوْ كَانَ بَعْضُ الرَّأْسِ هُوَ الْمَمْسُوحَ، وَالْفَرْضُ قَدْ سَقَطَ لَمْ يَكُنْ إِلَى الْأَمْرِ بِالْعَصَائِبِ حَاجَةٌ لِقَوْمٍ شَكَوُا الْبَرْدَ وَخَافُوا الْبَرْدَ أَنْ يَلْحَقَ رُءُوسَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِمَسْحِ الْعَصَائِبِ مُطْلَقًا، كَمَا أَمَرَهُمْ بِالْخِفَافِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ مَعَ ذَلِكَ بِمَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَنَهُ بِمَسْحِ الْخُفِّ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ نَقَلُوا أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ فَهِمُوا مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ مَا فَهِمُوا مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنَّ لِبَاسَ الْعُضْوِ ثَابِتٌ عَنْهُ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّالَنْجِيُّ: رُوِيَ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ.
وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: " مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ " وَلَوْ كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَجُودُهُ كَعَدَمِهِ فِي حُصُولِ الْإِجْزَاءِ بِهِ، وَأَنَّ الْفَرْضَ إِنَّمَا هُوَ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ لَمْ يَكُنْ فِي حِكَايَةِ هَذَا عَنِ الصَّحَابَةِ فَائِدَةٌ، وَلَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: مَذْهَبُهُمْ جَوَازُ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرُوا مَسْحَ بَعْضِ الرَّأْسِ أَصْلًا فَكَيْفَ يُنْسَبُ إِلَيْهِمْ مَا لَمْ يَقُولُوهُ، وَلَاسْتَحَالَ قَوْلُ عُمَرَ: مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ.
فَإِنَّ الْمُخَالِفَ يَقُولُ: إِنَّمَا طَهَّرَهُ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ.
الْخَامِسُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَبْدَ الْعَزِيزِ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ رُدَيْحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ «عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: " غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَنَا أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ فِي السَّفَرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» .
وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: عُمَرُ بْنُ رُدَيْحٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ.
وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «يُمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ ثَلَاثًا فِي السَّفَرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» ".
وَأَحَادِيثُ شَهْرٍ حِسَانٌ، وَالتَّوْقِيتُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْبَدَلِ وَاللِّبَاسِ وَالْحَائِلِ.
السَّادِسُ: إِنَّمَا نَقُولُ بِمُوجَبِ دَلِيلِهِمْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ إِذَا مَسَحَ مَا يَظْهَرُ مِنَ الرَّأْسِ عَادَةً كَمُقَدَّمِهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَكَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْعِمَامَةَ نَابَتْ عَنْ مَسْحِ مَا سَتَرَتْهُ فَبَقِيَ " الظَّاهِرُ " عَلَى الْأَصْلِ وَلَا يُقَالُ
فَفِي هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَسْحُ الْعِمَامَةِ مَعَ الرَّأْسِ مَشْرُوعٌ إِجْمَاعًا، مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ قِيَاسِ الرِّجْلِ إِمَّا اسْتِحْبَابًا أَوْ وُجُوبًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَتْرَ جَمِيعِ الرَّأْسِ غَيْرُ مُعْتَادٍ بِخِلَافِ سَتْرِ جَمِيعِ الْقَدَمِ.
فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ مَسْحَ بَعْضِ الرَّأْسِ بِدُونِ الْعِمَامَةِ هُوَ الْمُجْزِئُ؟ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَهِيَ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُ مَا يَظْهُرُ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ بِلَالٍ وَثَوْبَانَ أُمِرَ بِمَسْحِ الْخِمَارِ وَالْعَصَائِبِ وَلَمْ يُذْكَرْ شَيْءٌ آخَرُ، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ مَنْ حَكَى عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ لَمْ يَذْكُرُوا النَّاصِيَةَ إِلَّا الْمُغِيرَةَ فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ إِذْ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُدَاوَمَ عَلَيْهِ لَمَا أَغْفَلَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَلَا يَجِبُ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ مَعَ مَسْحِ الْعِمَامَةِ.
وَلِأَنَّهُمَا مِنَ الْأَصْلِ تَبَعًا، وَقَدِ انْتَقَلَ الْفَرْضُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ يَسْقُطُ فِي التَّيَمُّمِ وَجَاءَ طُهُورُهُ فِي الْقُرْآنِ بِلَفْظِ الْمَسْحِ فَشُرِعَ الْمَسْحُ عَلَى لِبَاسِهِ كَالرِّجْلَيْنِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ المَسْحَ إِلَى الْمَسْحِ أَقْرَبُ مِنَ الْمَسْحِ إِلَى الْغَسْلِ؛ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ مَسْتُورٌ بِلِبَاسِهِ وَاسْتِيعَابُهُ يَشُقُّ؛ وَلِأَنَّ الْعِمَامَةَ مَحَلٌّ لِتَكْمِيلِ وَظِيفَةِ الْمَسْحِ فَكَانَتْ مَحَلًّا لِلْمَسْحِ الْمُجْزِئِ، كَجَوَانِبِ الرَّأْسِ وَعَكْسُهُ مَسْحُ بَاطِنِ الْخُفِّ.
وَفِي مَسْحِ الْمَرْأَةِ عَلَى مِقْنَعَتِهَا وَهِيَ خِمَارُهَا الْمُدَارُ تَحْتَ حَلْقِهَا رِوَايَتَانِ.
إِحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ نُصُوصَ الرُّخَصِ إِنَّمَا تَنَاوَلَتِ الرَّجُلَ بِيَقِينٍ، وَالْمَرْأَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا؛ وَلِأَنَّهَا مَلْبُوسٌ عَلَى رَأْسِ الْمَرْأَةِ فَهُوَ كَالْوِقَايَةِ.
وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ، وَهِيَ أَظْهَرُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: " «امْسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ
وَالْخِمَارِ» " وَالنِّسَاءُ يَدْخُلْنَ فِي الْخِطَابِ الْمَذْكُورِ تَبَعًا لِلرِّجَالِ كَمَا دَخَلْنَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهَا كَانَتْ تَمْسَحُ عَلَى الْخِمَارِ " فَلَوْلَا أَنَّهَا عَلِمَتْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَصًّا أَوْ دَلَالَةً لَمَا عَمِلَتْهُ، وَهِيَ أَفْهَمُ لِمُرَادِهِ؛ وَلِأَنَّ الرَّأْسَ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْمَسْحُ عَلَى لِبَاسِهِ فَجَازَ لِلْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ؛ وَلِأَنَّهُ لِبَاسٌ يُبَاحُ عَلَى الرَّأْسِ يَشُقُّ نَزْعُهُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ عِمَامَةَ الرَّجُلِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ خِمَارَهَا يَسْتُرُ أَكْثَرَ مِنْ عِمَامَةِ الرَّجُلِ وَيَشُقُّ خَلْعُهُ أَكْثَرَ وَحَاجَتُهَا إِلَيْهِ أَشَدُّ مِنَ الْخُفَّيْنِ.
فَأَمَّا الْعِمَامَةُ لِلْمَرْأَةِ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فِيهِ تَشَبُّهٌ بِالرِّجَالِ، وَإِنْ فُرِضَتِ الْإِبَاحَةُ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ لِحَاجَةٍ، فَهِيَ حَالَةٌ نَادِرَةٌ، فَأَمَّا مَسْحُ الرَّجُلِ عَلَى الْقَلَانِسِ الْمُبَطَّنَاتِ الْكِبَارِ كَالنَّوْمِيَّاتِ الَّتِي تُتَّخَذُ لِلنَّوْمِ وَالدَّنِّيَّاتِ الَّتِي كَانَتِ الْقُضَاةُ تَلْبَسُهَا مُسْتَقْدَمًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ وَأَبَا مُوسَى وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَخَّصُوا فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ مُبَاحٌ مُعْتَادٌ لِلرَّأْسِ أَشْبَهَ الْعِمَامَةَ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَهَذَا إِذَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً تَحْتَ الذَّقْنِ كَالْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِبَاسٌ لَا يَشُقُّ نَزْعُهُ فَأَشْبَهَ الْقَلَنْسُوَةَ غَيْرَ الْمُبَطَّنَةِ؛ وَلِأَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِمَامَةِ، وَهَذِهِ لَا تُشْبِهُهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ تُلْحَقْ بِهَا
فَصْلٌ:
وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ أَنْ تَكُونَ سَاتِرَةً لِجَمِيعِ الرَّأْسِ إِلَّا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ مِثْلَ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ، فَإِنَّ هَذَا يُعْفَى عَنْهُ بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَائِمَ إِنَّمَا تُلْبَسُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، ثُمَّ هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ مُحَنَّكَةً فَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا؛ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا ذُؤَابَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ نَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى هَذَا لَا مَفْهُومَ لَهُ.
وَالْمُحَنَّكَةُ: هِيَ الَّتِي تُدَارُ تَحْتَ الْحَنَكِ مِنْهَا كَوْرَتَانِ، وَتُسَمَّى الْمُحَنَّكَةُ أَوِ الْمُلْتَحَاةُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ كَانَتْ عِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، فَانْصَرَفَ كَلَامُهُ وَكَلَامُ أَصْحَابِهِ إِلَيْهَا وَلَمْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ يُرْخُونَ الذَّوَائِبَ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ يَشُقُّ نَزْعُهَا فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا كَالْخُفِّ.
الثَّانِي: أَنْ لَا تَكُونَ مُحَنَّكَةً وَلَا ذَاتَ ذُؤَابَةٍ فَالْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا يُمْسَحُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا مَضَى وَلَا تُلْحَقُ بِهَا لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَا يَشُقُّ نَزْعُهَا كَنَزْعِ الْمُحَنَّكَةِ وَلَا تَسْتُرُ سَتْرَهَا فَأَشْبَهَتِ الطَّاقِيَّةَ وَالْكَلْتَةَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ " كَانَ أَبِي يَكْرَهُ أَنْ يَعْتَمَّ الرَّجُلُ بِالْعِمَامَةِ وَلَا يَجْعَلَهَا تَحْتَ حَلْقِهِ " وَقَالَ أَيْضًا: " يُكْرَهُ أَنْ لَا تَكُونَ تَحْتَ الْحَنَكِ
كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: إِنَّمَا يَتَعَمَّمُ مِثْلَ ذَلِكَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ " وَقَالَ أَيْضًا: " أُحِبُّ الرَّجُلَ إِذَا اعْتَمَّ أَنْ يَتَحَنَّكَ بِهَا وَلَا يَعْتَمَّ إِلَّا بِتَحْنِيكٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ ".
وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: " رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَعِمَامَتُهُ تَحْتَ ذَقْنِهِ وَيَكْرَهُ غَيْرَ ذَلِكَ ".
وَذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي آخِرِ الْغَرَائِبِ «عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّحَلِّي، وَنَهَى عَنِ الِاقْتِعَاطِ» " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: " أَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي لُبْسِ الْعَمَائِمِ إِذَا لَاثَهَا الْمُعْتَمُّ عَلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا تَحْتَ حَنَكِهِ قِيلَ: اقْتَعَطَهَا فَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَإِذَا أَدَارَهَا تَحْتَ الْحَنَكِ قِيلَ: تَلَحَّاهَا فَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ ".
وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ عَنْ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ قَالَ: رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَجُلًا يُصَلِّي وَقَدا اقْتَعَطَ بِعِمَامَتِهِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْعِمَامَةُ الْفَاسِقِيَّةُ ثُمَّ دَنَا مِنْهُ فَحَلَّ لَوْثًا مِنْ عِمَامَتِهِ فَحَنَّكَهُ بِهَا وَمَضَى.
وَرَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ طَاوُسٍ فِي الرَّجُلِ يَلْوِي الْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِهِ وَلَا يَجْعَلُهَا تَحْتَ ذَقْنِهِ، قَالَ:" تِلْكَ عِمَّةُ الشَّيْطَانِ ".
وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ أَبْصَرَ عَلَى رَجُلٍ عِمَامَةً قَدِ اعْتَمَّ بِهَا لَيْسَ تَحْتَ ذَقْنِهِ مِنْهَا شَيْءٌ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: مَا هَذِهِ الْفَاسِقِيَّةُ؟
وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ أَبْصَرَ عَلَى رَجُلٍ عِمَامَةً قَدِ اعْتَمَّ بِهَا لَيْسَ تَحْتَ ذَقْنِهِ مِنْهَا شَيْءٌ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: مَا هَذِهِ الْفَاسِقِيَّةُ؟ وَعَنْ عِمْرَانَ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: هَذِهِ الْأَعِمَّةُ الَّتِي لَا تَجْعَلُونَ تَحْتَ الْحَلْقِ مِنْهَا عِمَّةٌ قَوْمِ لُوطٍ يُقَالُ لَهَا الْأَبَّارِيَّةُ.
وَيَتَخَرَّجُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَيْهَا " كَالْقَلَنْسُوَةِ الْمُبَطَّنَةِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا فِي السَّتْرِ وَمَشَقَّةِ النَّزْعِ لَا تَنْقُصُ عَنْهَا " وَذَلِكَ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى الْعَمَائِمِ وَالْعَصَائِبِ الَّتِي جَاءَ الْإِذْنُ بِهَا.
وَأَمَّا " حُكْمُ " لُبْسِهَا فَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:" أَدْرَكْتُ أَبْنَاءَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَكَانُوا يَعْتَمُّونَ وَلَا يَجْعَلُونَهَا تَحْتَ الْحَنَكِ " لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ أَحْمَدَ الْكَرَاهِيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَنْكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ مَا أَدْرِي أَيُّ شَيْءٍ ذَلِكَ الْحَدِيثُ.
وَقَالَ أَيْضًا وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ: " مَا أَدْرِي مَا هُوَ"، وَقِيلَ لَهُ: تَعْرِفُ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا " وَرَدُّ أَحْمَدَ لَهُ؛ لِأَنَّ إِجْمَاعَ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ، قِيلَ لَهُ
سَمِعْتَ أَنْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ وَهْبٍ؟ فَقَالَ: " نَعَمْ وَهُوَ مَعْرُوفٌ، وَلَكِنَّ النَّاسَ عَلَى غَيْرِ الَّذِي رَوَوْا عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ ".
وَلِأَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَقَلَ عَنْهُمْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُمْ وَلَعَلَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا لَكِنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْ أَحْمَدَ فِيهَا لَفْظُ الْكَرَاهَةِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا كَرَاهَةٌ تَرْتَقِي إِلَى حَدِّ التَّحْرِيمِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَمْنَعُ التَّرْخِيصَ كَمَا قُلْنَا فِي سَفَرِ النُّزْهَةِ " أَنَّهُ يُبِيحُ الْقَصْرَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى مَا ذَكَرَ، فَلَا يُخْتَلَفُ بَيْنَ إِرْخَاءِ ذُؤَابَةٍ وَتَرْكِهِ وَمَعَ هَذَا فَيُقَالُ: مَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى الْمَسْحِ عَلَى ذَاتِ الذَّوَائِبِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ بِلَا حَنَكٍ فَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّ إِرْخَاءَ الذُّؤَابَةِ مِنَ السُّنَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ:" يَنْبَغِي أَنْ يُرْخِيَ خَلْفَهُ مِنْ عِمَامَتِهِ كَمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ " يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى مَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ نَافِعٍ " كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَعْتَمُّ وَيُرْخِيهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ ".
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: " أَخْبَرَنِي أَشْيَاخُنَا أَنَّهُمْ رَأَوْا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَمُّونَ وَيُرْخُونَهَا تَحْتَ أَكْتَافِهِمْ ".
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ اعْتَمَّ وَأَرْخَاهَا مِنْ خَلْفِهِ نَحْوَ ذِرَاعٍ " وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ قَالَ: " رَأَيْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عِمَامَةً سَوْدَاءَ قَدْ أَرْخَاهَا مِنْ خَلْفِهِ ".
وَقَدْ رَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَإِذَا هُوَ رَمِدٌ فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ وَأَرْخَى طَرَفَ الْعِمَامَةِ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ ثُمَّ قَالَ: سِرْ، فَسَارَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ» ".
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " «عَمَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ عِمَامَةً سَوْدَاءَ كَرَابِيسَ وَأَرْخَاهَا مِنْ خَلْفِهِ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ، وَقَالَ: هَكَذَا فَاعْتَمَّ فَإِنَّهُ أَعْرَفُ وَأَجْمَلُ» ".
فَإِذَا أَرْخَاهَا ذُؤَابَةً وَلَمْ يَتَحَنَّكْ فَقَدْ أَتَى بِبَعْضِ السُّنَّةِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الِاقْتِعَاطِ كَانَ لِئَلَّا يُتَشَبَّهَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَبِهَذَا يَحْصُلُ قَطْعُ التَّشَبُّهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَمَائِمِهِمْ، وَحَمَلُوا حَدِيثَ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْعَمَائِمَ كَانَتْ بِذَوَائِبَ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عُمُومَ النَّهْيِ يَشْمَلُهَا؛ وَلِأَنَّهَا لَا يَشُقُّ نَزْعُهَا.
وَيُشْتَرَطُ لِلْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ مَا يُشْتَرَطُ لِلْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مِنْ لُبْسِهَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، وَمِنَ اعْتِبَارِ الْوَقْتِ، وَإِذَا خَلَعَهَا بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا
انْكَشَفَ رَأْسُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا مِثْلَ أَنْ يَرْفَعَهَا بِقَدْرِ مَا يُدْخِلُ يَدَهُ كَحَكِّ رَأْسِهِ أَوْ لِمَسْحِهِ فِي الْوُضُوءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَفْحُشْ، وَلَوِ انْتَقَضَتْ فَكَذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُنْقَضَ بَعْضُهَا كَكَوْرٍ أَوْ كَوْرَيْنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: لَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّ الْعُضْوَ مَسْتُورٌ بِبَعْضِ الْمَمْسُوحِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ زَالَ ظَاهِرُ الْخُفِّ وَبَقِيَتْ بِطَانَتُهُ.
وَالثَّانِيَةُ: تَبْطُلُ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ؛ لِأَنَّهُ بِانْتِقَاضِ بَعْضِهَا يَنْتَقِضُ سَائِرُهَا، فَلَمْ تَبْقَ عَلَى حَالٍ تَثْبُتُ بِنَفْسِهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوِ انْفَتَقَ الْخُفُّ فَتْقًا لَا يَثْبُتُ فِي الرِّجْلِ مَعَهُ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ يَجُوزُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ فِي مَسْلَمَةِ الْخُفِّ يَحْتَاجُ هُنَا إِلَى مَسْحِ رَأْسِهِ وَغَسْلِ رِجْلَيْهِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ.
فَصْلٌ:
السُّنَّةُ أَنْ يَمْسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ دُونَ أَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ مُفَرَّجَةَ الْأَصَابِعِ عَلَى أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَجُرَّهَا إِلَى سَاقِهِ، وَلَوْ بَدَأَ بِأَسْفَلِ السَّاقِ قَبْلَ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ جَازَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: " السُّنَّةُ أَنْ يُمْسَحَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ؛ لِمَا رَوَى الْمُغْيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ "«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ» "، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ.
وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يُحَاذِي مَحَلَّ الْفَرْضِ فَأَشْبَهَ أَعْلَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتِيعَابٌ بِالْمَسْحِ فَكَانَ مَشْرُوعًا كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْعِمَامَةِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ.
«لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
«وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَذَاكَ الْحَدِيثُ قَالَ التِّرْمِذِيَّ: " هُوَ مَعْلُولٌ " وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ: " الصَّحِيحُ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ» " وَلِأَنَّ أَسْفَلَ الْخُفِّ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ فَكَذَلِكَ لِسُنَّتِهِ كَالسَّاقِ، وَقَدْ بَيَّنَ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ الرَّأْيَ وَإِنِ اقْتَضَى مَسْحَهُ؛ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْوَسَخِ وَالْأَذَى إِلَّا أَنَّ السُّنَّةَ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ، مَعَ أَنَّ رَأْيًا يُخَالِفُ السُّنَّةَ رَأْيٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ أَسْفَلَهُ مَظِنَّةُ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ وَكَثْرَةِ الْوَسَخِ فَيُفْضِي إِلَى تَلْوِيثِ الْيَدِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ؛ إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ إِزَالَةَ الْوَسَخِ عَنِ الْخُفِّ وَلِهَذَا لَا يُشْرَعُ
غَسْلُهُ بَلْ غَسْلُهُ كَغَسْلِ الرَّأْسِ؛ وَلِأَنَّ اسْتِيعَابَهُ بِالْمَسْحِ يُفْضِي إِلَى إِخْلَاقِهِ وَإِتْلَافِهِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ؛ وَذَلِكَ لَا يُشْرَعُ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِمَامَةِ فَإِنَّهُ لَا أَذَى هُنَاكَ وَلَا يُخَافُ بَلَلُهَا؛ لِأَنَّ مَوَاضِعَ الْمَسْحِ تَتَبَدَّلُ بِتَبَدُّلِ الْوِتَادِ، وَالصِّفَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا رَوَاهَا ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ قَالَ:«مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ وَهُوَ يَغْسِلُ خُفَّيْهِ فَقَالَ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ دَفَعَهُ (إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْمَسْحِ هَكَذَا مِنْ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إِلَى أَصْلِ السَّاقِ خُطَطًا بِالْأَصَابِعِ)» .
وَرَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ وَلَفْظُهُ " «إِنَّمَا لَمْ تُؤْمَرْ بِهَذَا فَأَرَاهُ وَقَالَ بِيَدِهِ مِنْ مُقَدَّمِ الْخُفِّ إِلَى السَّاقِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَصَابِعِ» " وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى مَسْحِ ظَهْرِ الْخُفِّ بِجَمِيعِ تِلْكَ الْيَدِ؛ بِخِلَافِ لَوْ بَدَأَ بِمَا يَلِي السَّاقَ فَإِنَّ بَعْضَ الْبَلَلِ يَذْهَبُ فِي السَّاقِ، وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْمَنِ وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ مَسَحَ أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ أَصَابِعِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ» " قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: " سُنَّةُ الْمَسْحِ هَكَذَا أَنْ يَمْسَحَ خُفَّيْهِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى لِلْيُمْنَى وَالْيُسْرَى لِلْيُسْرَى " قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: " كَيْفَ مَا فَعَلْتَ فَهُو جَائِزٌ بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ أَوْ
بِالْيَدَيْنِ وَلَا يُسَنُّ تِكْرَارُ الْمَسْحِ، وَلَا يُتْبَعُ مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ بِالْمَاءِ، وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ بِالْمَسْحِ لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ أَحْمَدُ: " الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ هُوَ مَسُّ أَعْلَاهُ خُطَطًا بِالْأَصَابِعِ " وَقَالَ: هُوَ أَثْبَتُ عِنْدَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَسَحَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ، وَمَسَحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه حَتَّى رَأَيْتُ آثَارَ أَصَابِعِهِ، وَكَذَلِكَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ وَالتِّكْرَارَ يُوهِيهِ وَيُخْلِقُهُ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، وَالْوَاجِبُ مَسْحُ أَكْثَرِهِ فَلَا يُجْزِئُ مَسْحُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ وَيُسَمَّى مَسْحًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَقَوْلُهُ: "«إِنَّمَا أُمِرْتُ هَكَذَا مِنْ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إِلَى أَصْلِ السَّاقِ» " وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْبَيَانِ لِلْمَسْحِ الْمُسْقِطِ لِفَرْضِ الْغَسْلِ.
وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ وَغَيْرِهِ " أَنَّهُ مَسَحَ بِكَفِّهِ " وَفِعْلُهُ هُوَ الْمُفَسِّرُ لِلْمَسْحِ الْمَفْرُوضِ، وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي مَسْحَ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ مَغْسُولٍ فَكَانَ كَالْجَبِيرَةِ وَعُضْوَيِ التَّيَمُّمِ لَكِنْ سَقَطَ أَسْفَلُهُ وَعَقِبُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فَبَقِيَ ظَاهِرُهُ، وَالْأَكْثَرُ يُقَامُ مَقَامَ الْجَمِيعِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ بِخِلَافِ الْأَقَلِّ، وَالْمَفْرُوضُ مَسْحُ أَكْثَرِ ظَهْرِ الْقَدَمِ، فَلَوْ مَسَحَ بَدَلَ ذَلِكَ أَسْفَلَهُ أَوْ عَقِبَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِمَا رَوَى
وَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ؛ وَلِأَنَّ عَلِيًّا بَيَّنَ أَنَّ السُّنَّةَ قَدَّمَتْ ظَهْرَ الْخُفِّ عَلَى أَسْفَلِهِ مُخَالِفَةً لِلرَّأْيِ الَّذِي يُوجِبُ تَقْدِيمَ أَسْفَلِهِ، فَمَتَى مَسَحَ أَسْفَلَهُ فَقَدْ وَافَقَ الرَّأْيَ الْفَاسِدَ؛ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ خَرَجَ امْتِثَالًا وَبَيَانًا لِسُنَّةِ الْمَسْحِ الْمَفْرُوضَةِ بَدَلًا عَنِ الْغَسْلِ، وَإِنْ مَسَحَ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ غَسَلَ بَدَلًا عَنِ الْمَسْحِ فَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ، وَأَمَّا الْعِمَامَةُ فَالسُّنَّةُ اسْتِيعَابُهَا، قَالَ أَحْمَدُ:" يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ كَمَا يَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهِ " وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ؛ لِأَنَّهُ حَائِلٌ شُرِعَ مَسْحُ جَمِيعِهِ فَوَجَبَ كَالْجَبِيرَةِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْبَدَلَ يَحْكِي الْمُبْدَلَ لَا سِيَّمَا الْمُبْدَلُ مِنَ الْجِنْسِ، كَقِرَاءَةِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ بَدَلًا عَنِ الْفَاتِحَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْجِنْسِ، كَالتَّسْبِيحِ عَنِ الْقُرْآنِ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِهِمْ بَلْ يُجْزِئُ أَكْثَرُهَا كَالْخُفِّ؛ لِمَا «رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَتَبَرَّزَ لِحَاجَةٍ ثُمَّ جَاءَ» فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَجَانِبَيْ عِمَامَتِهِ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ بَدَلٌ مَمْسُوحٌ رُخْصَةً فَلَمْ يَجِبِ اسْتِيعَابُهُ كَالْخُفِّ، وَإِنْ أَبَانَ الْبَدَلَ مِنْهُ هُنَاكَ غَسَلَ وَيَجِبُ اسْتِيعَابُهُ وِفَاقًا.