الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعْلَمُ قَدْرَ الزَّمَانِ إِلَّا بِمُضِيِّهِ، وَحِينَئِذٍ يَفُوتُ الْمَقْصُودُ، فَكَيْفَ تُكَلَّفُهُ، وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ ثَانِيًا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ لِقِيَامِ الْحَدَثِ مَعَهُ، وَهِيَ لَا تُنْسَبُ فِي ذَلِكَ إِلَى تَفْرِيطٍ، ثُمَّ تَقْدِيرُ الزَّمَانِ بِفِعْلٍ قَلِيلٍ لِلْوَاحِدِ، إِنَّمَا يُعْلَمُ بِحَزْرٍ وَفَرْضٍ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ آرَاءِ النَّاسِ، وَمَوَاقِيتُ الْعِبَادَاتِ حُدُودٌ لِلَّهِ لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهَا، فَكَيْفَ يُفَوَّضُ إِلَى النَّاسِ.
[مَسْأَلَةٌ إِذَا اسْتَمَرَّ بالمستحاضة الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الْآخَرِ]
مَسْأَلَةٌ
" فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً، فَحَيْضُهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً، وَلَهَا تَمْيِيزٌ - وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ دَمِهَا أَسْوَدَ ثَخِينًا، وَبَعْضُهُ رَقِيقًا أَحْمَرَ - فَحَيْضُهَا زَمَنُ الْأَسْوَدِ الثَّخِينِ ".
أَمَّا إِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا عَادَةٌ مَحْفُوظَةٌ يُعْلَمُ قَدْرُهَا وَوَقْتُهَا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ رَجَعَتْ إِلَى عَادَتِهَا فَجَلَسَتْ قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهَا حَيْضَتُهَا، سَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ فِي جَمِيعِهَا أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ، أَوْ بَعْضُهُ أَسْوَدَ، وَبَعْضُهُ أَحْمَرَ، فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً أَوْ نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ إِلَى التَّمْيِيزِ، فَإِنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ ثَخِينٌ مُنْتِنٌ مُحْتَدِمٌ، وَدَمَ الْمُسْتَحَاضَةِ أَحْمَرُ رَقِيقٌ أَوْ أَصْفَرُ، فَتَجْلِسُ زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ إِذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَلَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّهِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَى التَّمْيِيزِ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ بِأَنْ كَانَ الدَّمُ كُلُّهُ أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ، وَزَادَ الْأَسْوَدُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ أَوْ نَقَصَ عَنْ أَقَلِّهِ، رُدَّتْ إِلَى الْعَادَةِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، فَإِنْ كَانَ زَمَنَ الْعَادَةِ كُلُّهُ أَسْوَدَ،
وَمَا سِوَاهُ أَحْمَرُ، عَمِلَتْ بِذَلِكَ بِلَا شُبْهَةٍ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ قَالَتْ:«يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: " إِنَّمَا ذَلِكَ دَمُ عِرْقٍ، وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ.
وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي، فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ، فَيُرْجَعُ إِلَى صِفَتِهِ عِنْدَ الْإِشْكَالِ كَالْمَنِيِّ الْمُشْتَبِهِ بِالْمَذْيِ، وَكَانَ أَوْلَى مِنَ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ فِي تَمَيُّزِ الدَّمِ حَاضِرَةٌ، وَالْعَادَةُ عَلَامَةٌ مُنْقَضِيَةٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ أُمَّ حَبِيبٍ بِنْتَ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَكَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّمَ، قَالَ لَهَا:" «امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي» "، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنِ الْقَاسِمِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ، فَقَالَ:" «تَجْلِسُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلُ الْعَصْرَ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، وَتُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلُ الْعِشَاءَ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا وَتَغْتَسِلُ لِلْفَجْرِ» " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. «وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا
اسْتَفْتَتْ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَةٍ تُهْرَاقُ الدَّمَ، فَقَالَ:" لِتَنْظُرْ قَدْرَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ فَتَدَعُ الصَّلَاةَ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَلْتَسْتَثْفِرْ ثُمَّ تُصَلِّي» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِامْرَأَةٍ فَسَدَ حَيْضُهَا وَاهْرِيقَتْ دَمًا لَا تَدْرِي مَا تُصَلِّي، قَالَتْ: " فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَهَا فَلْتَنْتَظِرْ قَدْرَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، ثُمَّ لْتَدَعِ الصَّلَاةَ فِيهِنَّ وَتُقَدِّرُهُنَّ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُحْسِنُ طُهْرَهَا ثُمَّ لْتَسْتَثْفِرْ ثُمَّ تُصَلِّي» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ طَبِيعَةٌ ثَابِتَةٌ، فَوَجَبَ الرَّدُّ إِلَيْهَا عِنْدَ التَّغَيُّرِ لِتَمْيِيزِ دَمِ الْجِبِلَّةِ مِنْ دَمِ الْفَسَادِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ مَرَضٌ وَفَسَادٌ، وَالْفَاسِدُ هُوَ مَا خَرَجَ مِنْ عَادَةِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ، وَلِهَذَا يُسْتَدَلُّ عَلَى سَقَمِ الْأَعْضَاءِ بِخُرُوجِهَا عَنْ عَادَتِهَا، وَقَدَّمْنَا الْعَادَةَ عَلَى التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفْتَى بِهِ فِي قَضَايَا مُتَعَدِّدَةٍ، وَلَوْ كَانَ الْعَمَلُ بِالتَّمْيِيزِ مُقَدَّمًا لَبَدَأَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ عَنْ حَالِ دَمِهَا، وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ يُوجِبُ عَدَمَ الْجَوَابِ لِجَمِيعِ صُوَرِ السُّؤَالِ، وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِنَّ مُمَيِّزَةٌ، وَلِأَنَّ الدَّمَ الْمَوْجُودَ فِي الْعِدَّةِ هُوَ حَيْضٌ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ بِكُلِّ حَالٍ، فَكَذَلِكَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ؛ بِخِلَافِ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، وَلِأَنَّ الدَّمَ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ حَادِثٌ مَعَ الِاسْتِحَاضَةِ، فَكَانَ اسْتِحَاضَةً، كَمَا زَادَ عَلَى أَكْثَرِ الدَّمِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا حَدَثَ وَهُنَاكَ سَبَبٌ صَالِحٌ لَهُ أُضِيفَ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ الدَّمَ الْأَسْوَدَ إِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنَ الْعَادَةِ فَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي زَمَنِ الْعَادَةِ حَيْضٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ حَيْضٌ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اسْتِحَاضَةً، وَلِأَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَنَا أَنَّ الدَّمَ إِذَا تَغَيَّرَ أَوَّلَ مَرَّةٍ عَنْ حَالِهِ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ فَيَصِيرَ عَادَةً فِي الْمُبْتَدَأَةِ وَالْمُعْتَادَةِ؛ مَعَ أَنَّهُ صَالِحٌ لَا يَكُونُ حَيْضًا، فَلَأَنْ يُعْمَلَ بِالْعَادَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ
مَعَ الِاسْتِحَاضَةِ أَوْلَى، وَأَمَّا حَدِيثُ فَاطِمَةَ فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ:" لَا، إِنَّ ذَلِكَ دَمُ عِرْقٍ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَقَدْ رَدَّهَا تَارَةً إِلَى التَّمْيِيزِ، وَتَارَةً إِلَى الْعَادَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْعَادَةِ أَوَّلًا فَلَمْ يَقْطَعْهَا، فَأَمَرَهَا بِالتَّمْيِيزِ، كَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:" إِنَّهَا نَسِيَتْ أَيَّامَهَا ". وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْعَادَةِ الَّتِي يُرْجَعُ إِلَيْهَا، وَأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِثَلَاثٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ، فَإِذَا رَأَتْ دَمًا أَسُودَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَمَا فِيهِ دَمٌ أَحْمَرُ مُتَّصِلٌ، وَهِيَ مُبْتَدَأَةٌ أَوْ نَاسِيَةٌ، ثُمَّ صَارَ دَمًا مُبْهَمًا - فَإِنَّهَا تَجْلِسُ زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، وَلَكِنْ هَلْ تُقَدَّمُ هَذِهِ الْعَادَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَعْدَمَا أَثْبَتْنَا التَّمْيِيزَ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، مِثْلَ أَنْ تَرَى فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ خَمْسَةً: أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ وَثَلَاثَةً أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ، فَقِيلَ: حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ قَدْرَ عَادَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَسْوَدَ يَمْنَعُ الْأَحْمَرَ قَبْلَهُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ أَصْلُ هَذِهِ الْعَادَةِ، فَيَكُونُ أَقْوَى مِنْهَا، وَقِيلَ: حَيْضُهَا مِنَ الْأَحْمَرِ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ زَمَانَ الْعَادَةِ، وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعَادَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّمْيِيزِ.
فَصْلٌ
وَالْعَادَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُتَّفِقَةٍ وَمُخْتَلِفَةٍ، فَالْمُتَّفِقَةُ: أَنْ يَكُونَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ كُلِّ شَهْرٍ، فَيُعْمَلُ بِهَا، وَأَمَّا الْمُخْتَلِفَةُ فَعَلَى قِسْمَيْنِ: مَضْبُوطَةٍ وَغَيْرِ مَضْبُوطَةٍ، فَالْمَضْبُوطَةُ إِنْ كَانَتْ عَلَى تَرْتِيبٍ، مِثْلَ أَنْ تَحِيضَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةً، وَفِي الثَّانِي أَرْبَعَةً، وَفِي الثَّالِثِ خَمْسَةً، ثُمَّ تَحِيضُ ثَلَاثَةً ثُمَّ أَرْبَعَةً ثُمَّ خَمْسَةً، فَإِذَا اسْتُحِيضَتْ قَعَدَتْ هَكَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ، فَتَجْلِسُ فِي شَهْرِ
الِاسْتِحَاضَةِ بِقَدْرِ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ تَبْنِي عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ شَهْرَ الِاسْتِحَاضَةِ جَلَسَتِ الْيَقِينَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، وَاغْتَسَلَتْ عَقِيبَهَا غُسْلًا وَاحِدًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الثَّانِي: تَجْلِسُ أَكْثَرَهُ لِأَنَّ هَذِهِ مُتَحَيِّرَةٌ، فَتَجْلِسُ أَغْلَبَ عَادَاتِ النِّسَاءِ، أَوْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فِي رِوَايَةٍ، لَكِنَّ هُنَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا بِيَقِينٍ، وَلَا يَلْزَمُهَا إِلَّا غُسْلٌ وَاحِدٌ كَالْمُتَمَيِّزَةِ.
وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ شَيْئًا مَضْبُوطًا مُعْتَادًا عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبٍ، مِثْلَ أَنْ تَحِيضَ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ خَمْسَةً، وَفِي الثَّانِي ثَلَاثَةً، وَفِي الثَّالِثِ أَرْبَعَةً، وَتُسَمَّى الْعَادَةَ الدَّائِرَةَ. وَأَمَّا الَّتِي لَيْسَتْ مَضْبُوطَةً، مِثْلَ أَنْ تَحِيضَ تَارَةً ثَلَاثَةً، وَتَارَةً خَمْسَةً، وَتَارَةً أَرْبَعَةً، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا يَتَّسِقُ عَلَى نِظَامٍ - فَإِنَّهَا تَجْلِسُ الْأَقَلَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَةٌ بِيَقِينٍ، وَالزَّائِدُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَلَوْ نَقَصَتْ عَادَتُهَا، كَمَنْ عَادَتُهَا عَشَرَةٌ فَرَأَتْ سَبْعَةً وَطَهُرَتْ، فَإِنَّهَا طَاهِرٌ، فَإِذَا اسْتُحِيضَتْ فِي الشَّهْرِ الْآخَرِ جَلَسَتِ السَّبْعَةَ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْعَادَةُ الْقَرِيبَةُ، وَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ طُهْرٌ مُتَيَقَّنٌ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَعْقُبُهُ شَهْرُ الِاسْتِحَاضَةِ، فَلَمْ يَكُنْ حَيْضًا كَمَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ.
فَصْلٌ
فَإِنْ تَغَيَّرَتِ الْعَادَةُ بِتَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ أَوْ زِيَادَةٍ لَمْ تُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ فَتَرَى الْحَيْضَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا - لَمْ تَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ؛ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ، بَلْ يَكُونُ مَشْكُوكًا فِيهِ، تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَقْضِي الصَّوْمَ إِنْ تَكَرَّرَ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، فَإِنْ يَئِسَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَانْقَطَعَ حَيْضُهَا تَقْضِيهِ كَطُهْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، وَقِيلَ: تَقْضِيهِ كَصَوْمِ النِّفَاسِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا، وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فِي آخِرِ الْعَادَةِ إِنْ كَانَ فِي أَثَرِ الْعَادَةِ؛ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُبْتَدَأَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّمَ بِمَنْزِلَةِ مَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَوْلَى.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَيْضٌ مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، لِمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ:" إِنَّ نِسَاءَكُنَّ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ، فِيهَا الْكُرْسُفُ، فِيهِ الصُّفْرَةُ، فَتَقُولُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقُصَّةَ الْبَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ " فَاعْتَبَرَتْ حُصُولَ النَّقَاءِ الْخَالِصِ، وَلَمْ تَأْمُرْهُنَّ بِالْعَادَةِ. وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ قَالَتْ:" كُنَّا فِي حِجْرِ جَدَّتِي أَسْمَاءَ بَنَاتِ بِنْتِهَا، فَكَانَتْ إِحْدَانَا تَطْهُرُ مِنَ الْحَيْضَةِ، ثُمَّ لَعَلَّ الْحَيْضَةَ تُنَكِّسُهَا بِالصُّفْرَةِ فَتَأْمُرُنَا أَنْ نَعْتَزِلَ الصَّلَاةَ مَا رَأَيْنَاهَا حَتَّى لَا نَرَى إِلَّا الْبَيَاضَ خَالِصًا " رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الدَّمِ الْخَارِجِ أَنْ يَكُونَ دَمَ حَيْضٍ؛ لِأَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ دَمُ مَرَضٍ وَفَسَادٍ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى مَا يُرِيبُهَا بَعْدَ الطُّهْرِ: " إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ، أَوْ قَالَ: عُرُوقٌ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَتْ أَمُّ عَطِيَّةَ: " كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الطُّهْرِ الْمُعْتَادِ لَيْسَ بِحَيْضٍ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَادَةِ، فَلَمْ يَثْبُتْ حَتَّى يُمَيَّزَ بِالتَّكْرَارِ؛ كَالزَّائِدِ عَلَى الْعَادَةِ فِي حَقِّ الِاسْتِحَاضَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ ثَابِتَةٌ فِي ذِمَّتِهَا بِيَقِينٍ، وَخُرُوجُهُ عَلَى الْعَادَةِ يُورِثُ الشَّكَّ فِيهِ، فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ، فَأَمَّا إِنْ نَقَصَ عَنِ الْعَادَةِ فَإِنَّ الطُّهْرَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّاهِرَ لَا تَكُونُ حَائِضًا قَطُّ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ قَبْلَ كَمَالِ الْعَادَةِ طُهْرٌ
صَحِيحٌ إِذَا رَأَتِ النَّقَاءَ الْخَالِصَ، فَإِنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي الْعَادَةِ حَيْضٌ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:" إِذَا رَأَتْ بَعْدَ الْغُسْلِ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ ".
فَصْلٌ
أَمَّا التَّمْيِيزُ فَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَزِيدَ الدَّمُ الْأَسْوَدُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَلَا يَنْقُصَ عَنْ أَقَلِّهِ، وَأَنْ لَا يَنْقُصَ الْأَحْمَرُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنِ اخْتِلَافِ لَوْنِ الدَّمِ، فَتَكُونُ أَقْرَاؤُهُ هُوَ الْحَيْضَ، وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةً، فَإِذَا رَأَتْ خَمْسَةً أَسْوَدَ وَخَمْسَةً أَحْمَرَ وَخَمْسَةً أَصْفَرَ، فَالْأَسْوَدُ هُوَ الْحَيْضُ، وَالْأَحْمَرُ وَالْأَصْفَرُ اسْتِحَاضَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرُّجُوعِ إِلَى التَّمْيِيزِ تَكَرُّرُهُ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، بَلْ نَصُّهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي الْآخَرِ: لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِهِ كَالْعَادَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمَا، لَا سِيَّمَا إِذَا قَدَّمْنَا الْعَادَةَ عَلَيْهِ، فَلَوْ رَأَتِ الْمُبْتَدَأَةُ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةً أَسْوَدَ، وَالْبَاقِي أَحْمَرُ، فَالْحَيْضُ أَيَّامُ الدَّمِ الْأَسْوَدِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، لَكِنَّ أَوَّلَ مَرَّةٍ تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً؛ لِأَنَّ اسْتِحَاضَتَهَا لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً، ثُمَّ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي تَجْلِسُ الدَّمَ الْأَسْوَدَ كُلَّهُ، وَتَقْضِي مَا فَعَلَتْهُ فِي مُدَّةِ الدَّمِ الْأَسْوَدِ أَوَّلَ مَرَّةٍ مِنْ صِيَامٍ وَطَوَافٍ وَاعْتِكَافٍ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ تَكَرَّرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ صَارَ عَادَةً، فَتَجْلِسُ الْخَمْسَةَ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ أَوِ الثَّالِثِ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ دَمُهَا أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ؛ لِأَنَّهُ زَمَنُ عَادَةٍ، فَيُقَدَّمُ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَلَوْ رَأَتِ الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ، وَلَمْ يَجْرِ الْأَسْوَدُ أَكَثَرَ الْحَيْضِ، فَحَيْضُهَا زَمَنُ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، وَلَا يَضُرُّهُ تَقَدُّمُ الْأَحْمَرِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَضُرُّ زَمَنَ الْعَادَةِ تَقَدُّمُ دَمٍ آخَرَ عَلَيْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا أَنَّ التَّمْيِيزَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى تَكْرَارٍ، وَإِنْ قُلْنَا: يَفْتَقِرُ إِلَى تَكْرَارٍ فَإِنَّهَا تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ ثَلَاثَةً، وَإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ،
فَقِيلَ: تَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْأَحْمَرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا تَمْيِيزٌ صَحِيحٌ، فَكَانَتْ كَمَنِ اتَّفَقَ لَوْنُ دَمِهَا، وَقِيلَ: تَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ تَكَوُّنَ دَمِ الْحَيْضِ، وَلَوْ كَانَ الْأَحْمَرُ الْمُتَقَدِّمُ أَكْثَرَ مِنَ الطُّهْرِ الْكَامِلِ بِقَدْرِ حَيْضَةٍ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَبَاقِي الشَّهْرِ أَسْوَدُ - فَعَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: تَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَالثَّانِي: تَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَتَحِيضُ الْأَسْوَدَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا حَيْضَتَيْنِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَلَا تَحِيضُ عَلَى هَذَا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ حُيِّضَتْ غَالِبَ الْحَيْضِ وَنَحْوَهُ لَنَقَصَ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَهُوَ يَفْتَقِرُ بِحَيْضِهَا مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى تَكَرُّرِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الْأَحْمَرُ مَعَ الْأَسْوَدِ أَكْثَرَ مِنْ شَهَرٍ، فَقِيلَ: لَيْسَ لَهَا تَمْيِيزٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً وَطُهْرًا، فَإِذَا خَالَفَ التَّمْيِيزُ الْغَالِبَ ضَعُفَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَمْيِيزٌ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ كَانَ زَمَنُهُ أَكْثَرَ مِنْ غَالَبِ الْحَيْضِ.
فَصْلٌ
وَالْأَحْمَرُ كَالْأَسْوَدِ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ مِثْلُهُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ السَّوَادُ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ، فَلَا تَكُونُ بَالِغَةً بِالْأَحْمَرِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" «دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ» "، وَلِأَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ لَا عَادَةَ لَهَا، فَيَكُونُ السَّوَادُ دَلِيلَ الْحَيْضَةِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ الْأَحْمَرَ إِذَا جَاءَ فِي الْعَادَةِ بَدَلَ الْأَسْوَدِ كَانَ حَيْضًا، فَإِذَا لَمْ يُخَالِفْ صِفَةً مُتَقَدِّمَةً فَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ، بِخِلَافِ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ، فَإِنَّهُ لَا تَجِيءُ الْحَيْضَةُ مِنْهَا وَحْدَهَا قَطُّ، فَأَمَّا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فَهِيَ فِي زَمَنِ الْعَادَةِ حَيْضٌ يَتَقَدَّمُهَا حُمْرَةٌ وَسَوَادٌ أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمُهَا، وَفِيمَا خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ لَيْسَتْ بِحَيْضٍ، تَكَرَّرَتْ مِنْهَا أَوْ لَمْ تَتَكَرَّرْ، بَلْ يَكْفِي فِيهَا الْوُضُوءُ،
وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إِنْ تَكَرَّرَتْ كَانَتْ حَيْضًا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّهَا بِالتَّكَرُّرِ تَصِيرُ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ مَا تَرَاهُ بَعْدَ الطُّهْرِ، فَإِنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ لَوْ كَانَ دَمًا، وَلِأَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ مِنْ أَلْوَانِ الدَّمِ، فَأَشْبَهَ السَّوَادَ وَالْحُمْرَةَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ فِي الَّتِي تَرَى مَا يُرِيبُهَا بَعْدَ الطُّهْرِ:" «إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ أَوْ عُرُوقٌ» "، وَقَالَتْ أَمُّ عَطِيَّةَ:" كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُدَ:" بَعْدَ الطُّهْرِ "، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ قَبْلَ الطُّهْرِ حَيْضٌ.
كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ: " إِنَّ نِسَاءَكُنَّ يُرْسِلْنَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الشَّيْءُ مِنَ الصُّفْرَةِ إِلَيْهَا، فَتَقُولُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقُصَّةَ الْبَيْضَاءَ "، قَالَ أَحْمَدُ:" الْقُصَّةُ شَيْءٌ يَتْبَعُ الْحَيْضَةَ أَبْيَضُ، لَا يَكُونُ فِيهِ صُفْرَةٌ وَلَا كُدْرَةٌ "، وَقَالَ أَيْضًا:" تُدْخِلُ الْقُطْنَةَ، فَتَخْرُجُ عَلَيْهَا نُقْطَةٌ بَيْضَاءُ تَكُونُ عَلَى أَثَرِ الدَّمِ، هِيَ عَلَامَةُ الطُّهْرِ " وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " الْقُصَّةُ الْبَيْضَاءُ: إِذَا اسْتُدْخِلَتِ الْقُطْنَةُ فَخَرَجَتْ بَيْضَاءَ لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ " وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ.
وَالْقُصَّةُ بِضَمِّ الْقَافِ: الْقُطْنَةُ الَّتِي تَحْشُوهَا الْمَرْأَةُ، فَإِذَا خَرَجَتْ بَيْضَاءَ لَا تَغَيُّرَ عَلَيْهَا فَهِيَ الْقُصَّةُ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " فِي الصُّفْرَةِ