الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَنَحْوِهَا أَجْزَأَهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ فِي الْآيَةِ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ الْيَدَ وَغَيْرَهَا كَمَا يَتَنَاوَلُ يَدَ الْغَيْرِ.
وَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ الْمَبْلُولَةَ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَارٍ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي الْمَشْهُورِ، وَكَذَلِكَ الْخِرْقَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَسْحًا بِخِلَافِ غَمْسِ (الْعُضْوِ) فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى غَسْلًا، وَإِنْ مَسَحَ الرَّأْسَ بِإِصْبَعٍ أَوْ إِصْبَعَيْنِ أَجْزَأَهُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَلَلَ الْبَاقِيَ عَلَى الْأُصْبُعِ لَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ، وَإِنَّمَا الْمُسْتَعْمَلُ مَا انْتَقَلَ إِلَى الرَّأْسِ وَإِذَا غَسَلَ رَأْسَهُ أَوْ خُفَّهُ وَأَمَرَّ يَدَهُ عَلَيْهِ أَجْزَأَ ; لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُمِرَّ يَدَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِمْرَارَ بَعْضُ الْمَسْحِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ وَفِي الْأُخْرَى يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنَ الْمَسْحِ.
وَلَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ أَوْ مَطَرٍ لِيَقْصِدَ الطَّهَارَةَ أَجْزَأَ إِنْ أَمَرَّ يَدَهُ وَإِنْ لَمْ يُمِرَّهَا وَلَمْ يَجْرِ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، فَإِنْ جَرَى فَعَلَى رِوَايَتِي الْغَسْلِ، وَلَوْ أَصَابَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، ثُمَّ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ ; لِأَنَّ الْمَاءَ الْوَاقِعَ بِغَيْرِ قَصْدٍ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ، فَإِذَا مَسَحَ بِهِ كَانَ كَمَا لَوْ نَقَلَهُ بِيَدِهِ، وَفِي الْأُخْرَى لَا يُجْزِئُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ نَقْلَ الطَّهُورِ إِلَى مَحَلِّهِ.
[مسألة وجوب الترتيب في الوضوء]
مَسْأَلَةٌ:
" وَتَرْتِيبُ الْوُضُوءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا "
ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْأَعْضَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَاجِبٌ فَإِنْ
نَكَّسَهَا أَوْ غَسَلَهَا جَمِيعًا بِاغْتِمَاسٍ أَوْ يُوَضِّئُهُ أَرْبَعَةٌ لَمْ يُجْزِئْهُ. فَأَمَّا مَا كَانَ مَخْرَجُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَاحِدًا كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إِذَا قَدَّمَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ كَتَقْدِيمِ ظَاهِرِ الْوَجْهِ عَلَى بَاطِنِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَتَقْدِيمِ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى فَإِنَّهُ جَائِزٌ. وَقَدْ حَكَى أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ مَأْخُوذٌ مِنْ نَصِّهِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ عَنْ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَأَبَى ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَخَصُّوا ذَلِكَ بِمَوْرِدِ نَصِّهِ فَرْقًا بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَغَيْرِهِمَا حَيْثُ صَرَّحَ هُوَ بِالتَّفْرِقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَهَذَا أَصَحُّ، وَلَيْسَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ؛ لِاعْتِقَادِنَا أَنَّ الْوَاوَ تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، فَإِنَّ نَصَّهُ وَمَذْهَبَهُ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَاهُ لِدَلِيلٍ آخَرَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَدْخَلَ مَمْسُوحًا بَيْنَ مَغْسُولَيْنِ، وَقَطَعَ النَّظِيرَ عَنْ نَظِيرِهِ، أَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ فَظَاهِرٌ مَعَ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَادَ الْأَمْرُ إِلَى (الْغَسْلِ) وَعَلَى قِرَاءَةِ الْخَفْضِ أَوْكَدُ ; لِأَنَّهُ مَعَ تَأْخِيرِ الرِّجْلَيْنِ أَدْخَلَهُمَا فِي خَبَرِ الْمَسْحِ مُرَادٌ بِهِ غَسْلُهُمَا مَعَ إِمْكَانِ تَقْدِيمِهِمَا.
وَالْكَلَامُ الْعَرَبِيُّ الْجَزْلُ لَا يُقْطَعُ فِيهِ النَّظِيرُ عَنِ النَّظِيرِ، وَيُفْصَلُ بَيْنَ الْأَمْثَالِ بِأَجْنَبِيٍّ إِلَّا لِفَائِدَةٍ، وَلَا فَائِدَةَ هُنَا إِلَّا التَّرْتِيبُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الرَّجُلُ أَكْرَمْتُ زَيْدًا، وَأَهَنْتُ عَمْرًا وَأَكْرَمْتُ بَكْرًا وَلَمْ يَقْصِدْ فَائِدَةً مِثْلَ التَّرْتِيبِ وَنَحْوِهِ لَعُدَّ عَيًّا وَلُكْنَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَائِدَةُ اسْتِحْبَابَ التَّرْتِيبِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا ذُكِرَ فِيهَا الْوَاجِبَاتُ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ لَمْ يُذْكَرُ فِيهَا تَرْتِيبُ الْيُسْرَى
وَالْيُمْنَى، وَأَيْضًا مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ أَنَّا وَجَدْنَا الْمَأْمُورَاتِ الْمَعْطُوفَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ مَا كَانَ مِنْهَا مُرْتَبِطًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَجَبَ فِيهِ التَّرْتِيبُ كَقَوْلِهِ:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77].
وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] وَمَا لَمْ يَكُنْ مُرْتَبِطًا لَمْ يَجِبْ فِيهِ التَّرْتِيبُ كَقَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60]{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَآيَةُ الْوُضُوءِ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّرْتِيبَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا مِنْ جِهَةِ الِابْتِدَاءِ، وَفِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قَطُّ إِلَّا مُرَتَّبًا فَيَكُونُ تَفْسِيرًا لِلْآيَةِ لَا سِيَّمَا وَلَوْ كَانَ التَّنْكِيسُ جَائِزًا لَفَعَلَهُ وَلَوْ مَرَّةً لِيُبَيِّنَ الْجَوَازَ.
وَرَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا طَافَ وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ خَرَجَ وَقَالَ: " «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» " هَذَا لَفْظُ النَّسَائِيِّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ عَامًّا وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ خَاصًّا فَيَكُونُ حُجَّةً مِنْ
جِهَةَ الْعُمُومِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَاصًّا فَإِنَّمَا وَجَبَ الِابْتِدَاءُ بِالصَّفَا لِأَنَّ اللَّهَ بَدَأَ بِهِ فِي خَبَرِهِ، فَلِأَنْ يَجِبَ الِابْتِدَاءُ بِالْوَجْهِ الَّذِي بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فِي أَمْرِهِ أَوْلَى؛ فَعَلَى هَذَا إِذَا نَكَّسَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ قَبْلَ وَجْهِهِ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ وَلَمْ يَصِرِ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا.
وَإِنْ نَوَى الْمُحْدِثُ وَانْغَمَسَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ رَاكِدٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ عَنِ الْعُضْوِ حَتَّى يَنْفَصِلَ عَنْهُ الْمَاءُ، فَإِذَا أَخْرَجَ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَاءِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا مُرَاعَاةَ لِلتَّرْتِيبِ فِي الِانْفِصَالِ.
وَالثَّانِي: يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ قَبْلَ انْفِصَالِ الْمَاءِ فَإِذَا مَكَثَ فِي الْمَاءِ قَدْرَ مَا يَسَعُ التَّرْتِيبَ وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ مَكَثَ بِقَدْرِ غَسْلَ رِجْلَيْهِ أَوْ قُلْنَا يُجْزِئُ الْغَسْلُ عَنِ الْمَسْحِ أَجْزَأَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَفِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا فَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُ جَرْيَاتٍ أَجْزَأَهُ إِنْ مَسَحَ رَأْسَهُ إِنْ قُلْنَا: الْغَسْلُ يُجْزِئُ عَنِ الْمَسْحِ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ قِيلَ يُجْزِئُهُ جَرْيَةٌ وَاحِدَةٌ لَكِنَّ عَلَيْهِ مَسْحَ رَأْسِهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ لَا يُجْزِئُ عَنِ الْمَسْحِ فَلَمْ تَصِحَّ طَهَارَةُ الرَّأْسِ وَلَا الرِّجْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا بَعْدَهُ مَأْخُوذًا مِنْ نَصِّهِ فِي رَجُلٍ أَرَادَ الْوُضُوءَ فَاغْتَمَسَ فِي الْمَاءِ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَاءِ فَعَلَيْهِ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنَّمَا حَصَلَتْ بِانْفِصَالِ الْعُضْوِ عَنِ الْمَاءِ.
كَمَا تَحَصَّلَتْ فِي الْمَاءِ الْجَارِي بِانْفِصَالِ الْمَاءِ عَنِ الْعُضْوِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى مَثَلِ ذَلِكَ فِي طَهَارَةِ الْجُنُبِ، وَيَسْقُطُ تَرْتِيبُ الْوُضُوءِ عَنِ الْجُنُبِ تَبَعًا لِلْغُسْلِ؛ إِذْ قُلْنَا يُجْزِئُ عَنْهُ الْغُسْلُ كَمَا سَقَطَ فِعْلُهُ حَتَّى لَوِ اغْتَسَلَ إِلَّا أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّرْتِيبُ فِيهَا لِبَقَاءِ حُكْمِ الْجَنَابَةِ فِيهَا، وَلَوْ غَسَلَ بَعْضَهَا عَنْهَا ثُمَّ أَحْدَثَ لَزِمَهُ التَّرْتِيبُ فِيمَا غَسَلَهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي بَاقِيهَا.