الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالشَّطْرُ: النِّصْفُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّصْفَ هُوَ مُنْتَهَى نُقْصَانِ دِينِهِنَّ إِذْ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ بَيَانِ نَقْصِ دِينِهِنَّ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ لَذَكَرَ إِمَّا الْغَالِبَ أَوِ الْأَقَلَّ، وَهَذَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إِذْ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَذَكَرَهُ " لِأَنَّهُ " الْغَايَةُ فِي نَقْصِ الدِّينِ، فَإِنْ قِيلَ بَلِ اعْتَبِرِ الْغَالِبَ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الْأَعْمَارِ مِنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، فَقَرِيبُ الرُّبُعِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَمَا بَقِيَ تَرْكُ الصَّلَاةِ نَحْوَ رُبُعِهِ، فَيَسْلَمُ النِّصْفُ، قُلْنَا: مَا تَرَكَتْ مِنَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْبُلُوغِ يَشْتَرِكْنَ فِيهِ هُنَّ وَالرِّجَالُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَدَّ مِنْ نَقْصِ دِينِهِنَّ، وَأَمَّا قَبْلَ الْبُلُوغِ لَيْسَ الْإِنْسَانُ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ أَصْلًا فَلَا يُوصَفُ مَنْعُهُ مِنَ الصَّلَاةِ بِنَقْصِ دِينٍ.
[مَسْأَلَة أَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ]
مَسْأَلَةٌ
" وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ "
أَمَّا أَكْثُرُ الطُّهْرِ فَلَا حَدَّ لَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ تَطْهُرُ الشَّهْرَ وَالسَّنَةَ كَمَا أَنَّ مِنْهُنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ أَبَدًا، وَأَمَّا أَقَلُّهُ فَثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ لِمَا سَبَقَ، وَسَلَكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا طَرِيقَهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ عِدَّةَ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فِي مُقَابَلَةِ الْقُرُوءِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ عِدَّةٌ مِنَ الْحَيْضِ، كُلُّ شَهْرٍ مُقَابِلُ قُرْءٍ، أَوْ لَا
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابِلِهِ أَقَلُّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّهُمَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا فِي مُقَابَلَةِ أَكْثَرِهَا أَوْ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ لَا غَايَةَ لَهُ فَبَقِيَ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ أَقَلِّ الطُّهْرِ وَأَكْثَرِ الْحَيْضِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ: أَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَأَكْثَرُ الْحَيْضِ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ وَهُوَ عَلَى مَا تَعْرِفُ الْمَرْأَةُ مِنْ عَادَتِهَا، وَإِنْ كَانَتِ اثْنَي عَشَرَ يَوْمًا أَوْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَقَّتُ فِي ذَلِكَ فَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ كَأَكْثَرِ الطُّهْرِ، وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه " أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَيْهِ قَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ طَهُرَتْ عِنْدَ كُلِّ قُرْءٍ وَصَلَّتْ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ: قُلْ فِيهَا، فَقَالَ شُرَيْحٌ: " إِنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بَاطِنَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ وَأَمَانَتُهُ، شَهِدَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ " ثَلَاثًا " وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: قَالُونَ: " مَعْنَاهُ بِالرُّومِيَّةِ جَيِّدٌ.
وَذَكَرَ إِسْحَاقُ عَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ كَذَلِكَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَلَا يُمْكِنُ فِي شَهْرٍ ثَلَاثُ حِيَضٍ إِلَّا بِأَنْ تَكُونَ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرًا كَامِلًا، فَيَثْبُتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرٌ صَحِيحٌ فَاصِلٌ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، وَمَا دُونُ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ تَوْقِيفٌ وَلَا عَادَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ نَجْعَلَ الدَّمَ الْمَوْجُودَ فِي طَرَفِهِ حَيْضَتَيْنِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، بِخِلَافِ مَا إِذَا جَعَلْنَاهُ حَيْضَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَالتَّغَايُرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.