الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مسألة الموالاة في الوضوء]
مَسْأَلَةٌ:
" وَأَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشِفَ الَّذِي قَبْلَهُ ".
هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ.
وَرَوَى عَنْهُ حَنْبَلٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْغُسْلِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمُوَالَاةَ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ وُضُوؤُهُ "؛ وَلِأَنَّ مَا جَازَ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ عَلَى أَبْعَاضِهِ جَازَ تَفْرِيقُ أَفْعَالِهِ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْحُدُودِ؛ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ فَأَشْبَهَتِ الْغُسْلَ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِمَا رَوَى خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ كَقَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ " فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَقَالَ أَحْمَدُ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَرَأَى عُمَرُ فِي قَدَمِ رَجُلٍ مِثْلَ مَوْضِعِ الْفِلْسِ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ " فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ "، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. أَمَّا الزَّكَاةُ فَلَا يَرْتَبِطُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؛ وَالْحَجُّ عِبَادَاتٌ تَتَعَلَّقُ بِأَمْكِنَةٍ وَأَزْمِنَةٍ، وَيَحْتَاجُ كُلُّ فِعْلٍ مِنْهُ إِلَى نِيَّةٍ، (وَالْحَجُّ) لَا يَنْقُصُ بَعْدَ وُقُوعِهِ. أَمَّا الْغُسْلُ فَإِنَّمَا لَمْ تُشْتَرَطِ الْمُوَالَاةُ فِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمِيَاهِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم " «أَنَّهُ رَأَى لُمْعَةً بَعْدَ غُسْلِهِ فَعَصَرَ شَعْرَهُ عَلَيْهَا» ".
وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنِّي اغْتَسَلْتُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَصَلَّيْتُ الْفَجْرَ ثُمَّ أَصْبَحْتُ فَرَأَيْتُ قَدْرَ مَوْضِعِ الظُّفْرِ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَوْ كُنْتَ مَسَحْتَ عَلَيْهِ بِيَدِكَ أَجْزَأَكَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " «أَمَرَ الْجُنُبَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» " وَكَذَلِكَ الْأَكْلُ، وَالْمُجَامِعُ ثَانِيًا، وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَحَدَّثُونَ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا تَوَضَّئُوا وَهُمْ جُنُبٌ، وَلَوْلَا أَنَّ الْجَنَابَةَ تَنْقُصُ بِالْوُضُوءِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ فَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا تَنْقُصُ إِذَا صَحَّ تَبْعِيضُهَا، وَإِذَا صَحَّ تَبْعِيضُهَا صَحَّ تَفْرِيقُهَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَبْعِيضُهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بَلْ لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْ عُضْوٍ حَتَّى يَرْتَفِعَ عَنْ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَنْ نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ وَصَلَّى أَنَّهُ يَنْصَرِفُ " فَيُمَضْمِضُ وَيَسْتَنْشِقُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ ". رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ.
وَلِأَنَّ الْمُوَالَاةَ تَابِعَةٌ لِلتَّرْتِيبِ، وَالتَّرْتِيبُ إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ عُضْوَيْنِ، وَبَدَنُ الْجُنُبِ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ؛ وَلِأَنَّ تَفْرِيقَ الْغُسْلِ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ كَثِيرًا فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَصْلَحَ لِلْبَدِينِ، وَقَدْ يَنْسَى فِيهِ مَوْضِعَ لُمْعَةٍ أَوْ لُمْعَتَيْنِ أَوْ بَاطِنَ شَعْرِهِ، وَفِي إِعَادَتِهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَالْوُضُوءُ يَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهِ وَتَخِفُّ مَؤُونَةُ الْإِعَادَةِ فَافْتَرَقَا؛ وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ يَتَعَدَّى حُكْمُهُ مَحَلَّهُ إِلَى سَائِرِ الْبَدَنِ؛ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا جُمْلَةَ الْغُسْلِ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ مَحَلَّهُ فَأَشْبَهَ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:" «إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً» ".
وَمَتَّى فَرَّقَ الْغُسْلَ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ يَسْتَأْنِفُهَا فِي تَمَامَهِ، وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ إِذَا أَخَّرْنَا تَفْرِيقَهُ ; لِأَنَّ النِّيَّةَ الْحُكْمِيَّةَ تَبْطُلُ بِطُولِ الْفَصْلِ كَمَا تَبْطُلُ بِطُولِ الْفَصْلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ، وَلَا تَسْقُطُ الْمُوَالَاةُ بِالنِّسْيَانِ، فَلَوْ نَسِيَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ مِنْ قَدَمِهِ وَطَالَ الْفَصْلُ، أَعَادَ الْوُضُوءَ إِذَا ذَكَرَهُ، وَكَذَلِكَ الْجَاهِلُ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ كَانَ جَاهِلًا وَلَمْ يَعْذُرْهُ بِذَلِكَ، وَحَدُّ الْمُوَالَاةِ أَنْ يَغْسِلَ الْعُضْوَ الثَّانِيَ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ الْمَاءُ عَنِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الزَّمَنِ الْمُعْتَدِلِ أَوْ مِقْدَارِهِ مِنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ.
فَلَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ حَتَّى نَشَفَتْ رُطُوبَةُ الْأَوَّلِ أَوْ أَخَّرَ غَسْلَ آخِرِهِ حَتَّى نَشِفَ أَوَّلُهُ اسْتَأْنَفَ فَإِنَّ الْأَوَّلَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الثَّانِي وَقَبْلَ فَرَاغِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِسُنَّةٍ مِنْ تَخْلِيلٍ أَوْ تَكْرَارٍ أَوْ إِسْبَاغٍ أَوْ إِزَالَةِ شَكٍّ لَمْ يُعَدَّ تَفْرِيقًا كَمَا لَوْ طَوَّلَ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا كَانَ فِي عِلَاجِ الْوُضُوءِ فَلَا بَأْسَ " وَإِنْ كَانَ لِعَبَثٍ أَوْ سَرَفٍ أَوْ زِيَادَةٍ عَلَى الثَّلَاثِ قَطَعَ الْمُوَالَاةَ كَمَا لَوْ كَانَ لِتَرْكٍ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ لِوَسْوَسَةٍ فِي الْأَقْوَى، وَإِنْ كَانَ لِإِزَالَةِ وَسَخٍ فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الطَّهَارَةِ شَرْعًا وَعَنْهُ أَنَّ التَّفْرِيقَ الْمُبْطِلَ مَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ تَفْرِيقًا.