الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَالْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ الرَّجُلُ بِالْقُبُلِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا بَدَأَ بِالدُّبُرِ رُبَّمَا أَصَابَتْ نَجَاسَةُ الْقُبُلِ يَدَهُ، وَأَصَابَتْ دُبُرَهُ فِي حَالَةِ غَسْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ تَتَخَيَّرُ فِي (أَحَدِ) الْوَجْهَيْنِ لِتَوَازُنِهِمَا فِي حَقِّهَا، وَالثَّانِي تَبْدَأُ بِالدُّبُرِ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ أَفْحَشُ وَأَعْسَرُ إِزَالَةً فَتَبْدَأُ بِهَا؛ لِئَلَّا يَنْجُسَ الْقُبُلُ بِهَا، وَقَدْ طَهُرَ، وَالثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ فِيهِ سَوَاءٌ إِلَّا أَنَّ الْبِكْرَ يَخْرُجُ بَوْلُهَا فَوْقَ الْفَرْجِ وَالْعُذْرَةِ تَمْنَعُ نُزُولَ الْبَوْلِ إِلَيْهِ. وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَيُمْكِنُ نُزُولُ الْبَوْلِ فِي فَرْجِهَا، وَالْمَنْصُوصُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَطْهِيرُ بَاطِنِ فَرْجِهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ كَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ.
وَالْآخَرُ يَجِبُ، فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ نُزُولُ شَيْءٍ مِنَ الْبَوْلِ إِلَيْهِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَإِنْ تَحَقَّقْنَا فَهَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَعَدَّتِ الْمَخْرَجَ أَوْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْحَجَرِ لِلْمَشَقَّةِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ مُعْتَادٌ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا إِجْزَاءُ الْحَجَرِ.
[مَسْأَلَةٌ يجزئ الاستجمار بشرطين]
مَسْأَلَةٌ:
" وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ أَجْزَأَهُ إِذَا لَمْ تَتَعَدَّ النَّجَاسَةُ مَوْضِعَ الْحَاجَةِ ".
أَمَّا إِذَا لَمْ تَتَعَدَّ النَّجَاسَةُ مَوْضِعَ الْحَاجَةِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ الِاسْتِجْمَارُ إِذَا أَنْقَى وَأَكْمَلَ الْعَدَدَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ مَا يُسْتَنْجَى مِنْهُ مِنَ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالدَّمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا يُجْزِي بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا الِاتِّقَاءُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ أَلَّا يَبْقَى فِي الْمَحَلِّ شَيْءٌ يُزِيلُهُ الْحَجَرُ، وَالثَّانِي ثَلَاثُ مَسْحَاتٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ، وَلِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فَعَلَّقَ الْإِجْزَاءَ بِهَا، وَنَهَى عَمَّا دُونَهَا، وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْأُمَّةِ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَحْجَارِ يُجْزِئُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَأَمَّا إِذَا تَعَدَّتْ مَوْضِعَ الْحَاجَةِ فَلَا يُجْزِئُهُ إِلَّا الْمَاءُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَجِبَ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ، وَإِنَّمَا رُخِّصَ فِي الِاسْتِجْمَارِ لِتَكْرَارِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَخْرَجِ وَمَشَقَّةِ إِيجَابِ الْغَسْلِ، فَإِذَا تَعَدَّتْ عَنِ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ خَرَجَتْ عَنْ حَدِّ الرُّخْصَةِ فَوَجَبَ غَسْلُهَا كَنَجَاسَةِ سَائِرِ الْبَدَنِ، وَحَدُّ ذَلِكَ أَنْ يَنْتَشِرَ الْغَائِطُ (إِلَى نِصْفِ بَاطِنِ الْأَلْيَةِ فَأَكْثَرَ وَيَنْتَشِرُ الْبَوْلُ إِلَى نِصْفِ الْحَشَفَةِ فَأَكْثَرَ) فَأَمَّا .....
وَالرِّمَّةُ بِأَنَّهُمَا طَعَامُ الْجِنِّ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَعُمُّ الْحِجَارَةَ وَغَيْرَهَا وَإِلَّا لَنُهِيَ النَّاسُ عَنْهَا سِوَى الْأَحْجَارِ عُمُومًا.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ طَاوُوسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْبَرَازَ فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ أَوْ ثَلَاثِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ لِيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي مَا يُؤْذِينِي وَأَمْسَكَ
عَلَيَّ مَا يَنْفَعُنِي» " وَهُوَ مُرْسَلٌ حَسَنٌ. الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ جَامِدًا؛ لِأَنَّ الْمَائِعَ إِنْ كَانَ مُطَهِّرًا فَذَلِكَ غَسْلٌ وَاسْتِنْجَاءٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَهِّرًا أَمَاعَ النَّجَاسَةَ وَنَشَرَهَا وَحِينَئِذٍ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا الْمَاءُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ انْتَشَرَتْ عَنِ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا فَلَا يَجُوزُ بِجِلْدِ مَيْتَةٍ وَلَا بِرَوْثٍ نَجِسٍ وَلَا عَظْمٍ نَجِسٍ وَلَا حَجَرٍ نَجِسٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالرَّوْثِ وَالْعَظْمِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَلْمَانَ وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَسَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ وَرُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَكْثَرُهَا؛ وَذَلِكَ يَعُمُّ الْعَظْمَ الطَّاهِرَ وَالنَّجِسَ، وَالرَّوْثَ الطَّاهِرَ وَالنَّجِسَ، أَمَّا الطَّاهِرُ فَقَدْ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ زَادُ إِخْوَانِنَا مِنَ الْجِنِّ؛ فَفِي النَّجِسِ مِنْهُ لَا عِلَّةَ لَهُ إِلَّا النَّجَاسَةُ (لَا) سِيَّمَا الرَّوْثَةُ وَكَسَائِرِ الرِّكْسِ وَالنَّجِسِ (وَهُمَا)
بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلَا يُقَالُ الْجَمِيعُ زَادُ الْجِنِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ " «إِنَّمَا زَادُهُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ» ".
وَلِأَنَّهُ إِذَا اسْتَجْمَرَ بِشَيْءٍ نَجِسٍ أَوْرَثَ الْمَحَلَّ نَجَاسَةً غَيْرَ نَجَاسَتِهِ، وَمَا سِوَى نَجَاسَتِهِ لَا يُجْزِئُ الِاسْتِجْمَارُ فِيهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ خَالَفَ وَاسْتَنْجَى بِالنَّجِسِ لَمْ يُجْزِئْهُ الِاسْتِجْمَارُ. ثَانِيًا: وَتَعَيَّنَ الْمَاءُ وَقِيلَ يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النَّجَاسَةَ مَائِعَةٌ لِنَجَاسَةِ الْمَحَلِّ، وَلَا يُقَالُ الْمَقْصُودُ الْإِنْقَاءُ وَقَدْ حَصَلَ لِأَنَّ الِاسْتِجْمَارَ رُخْصَةٌ فَلَا يُسْتَبَاحُ بِمُحَرَّمٍ، وَلِأَنَّ الْإِنْقَاءَ مِنْ نَجَاسَةِ الْمُسْتَنْجَى بِهِ غَيْرُ حَاصِلٍ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مُنْقِيًا؛ لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ هُوَ مَقْصُودُ الِاسْتِجْمَارِ فَلَا يُجْزِئُ بِزُجَاجٍ وَلَا فَحْمٍ رَخْوٍ وَلَا حَجَرٍ أَمْلَسَ. الرَّابِعُ: أَنْ (لَا) يَكُونَ مُحْتَرَمًا مِثْلَ الطَّعَامِ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ طَعَامُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَعَلَفُ دَوَابِّ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ.
لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ الْجِنَّ سَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ: " لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا زَادُ إِخْوَانِكُمْ» " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِدَاوَةً لِوُضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ قَالَ: " «ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ " فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِي حَتَّى وَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ مَعَهُ. فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ؟ فَقَالَ: " هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ، وَإِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ وَنِعْمَ الْجِنُّ فَسَأَلُونِي الزَّادَ فَدَعَوْتُ اللَّهَ لَهُمْ إِلَّا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلَا
بِرَوْثَةٍ إِلَّا وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَبَيَّنَ لَهُ صلى الله عليه وسلم مَا هُوَ طَعَامُ الْجِنِّ وَنَهَانَا عَنْهُ، وَتَبَرَّأَ مِمَّنْ يَسْتَنْجِئُ بِهِ فَبِمَا هُوَ طَعَامُنَا أَوْلَى، وَكَذَلِكَ مَا مَكْتُوبٌ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ شَيْءٌ مِنَ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ سَوَاءٌ كَانَ وَرَقًا، أَوْ حَجَرًا، أَوْ أَدِيمًا؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ عَلَفِ دَوَابِّ الْجِنِّ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِحَيَوَانٍ كَيَدِهِ، وَذَنَبِهِ، وَرِيشِهِ، وَصُوفِهِ، وَكَذَلِكَ يَدُ نَفْسِهِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَيَوَانُ الطَّاهِرُ، وَالنَّجِسُ الْآدَمِيُّ وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ مُحْتَرَمٌ فَأَشْبَهَ الْمَطْعُومَ، وَإِذَا كَانَ قَدْ نَهَى عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِعَلَفِ الدَّوَابِّ، فَالنَّهْيُ عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهَا أَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ رُخْصَةٌ، فَلَا يُبَاحُ بِمُحَرَّمٍ، كَالْقَصْرِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "«نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ أَوْ عَظْمٍ، وَقَالَ: إِنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ» "، وَقَالَ: إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، فَإِنِ اسْتَنْجَى بِهَا فَهَلْ يُجْزِئُهُ إِعَادَةُ الِاسْتِنْجَاءِ أَوْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ نُهِيَ عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ، وَقَدْ قُلْتُمْ: يُجْزِئُ قُلْنَا: الْيَدُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الِاسْتِنْجَاءِ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِغَيْرِهَا حَتَّى لَوِ اسْتَغْنَى عَنْهَا بِأَنْ يَقْعُدَ فِي مَاءٍ جَارٍ حَتَّى يَنْقَى الْمَحَلُّ حَصَلَتِ الطَّهَارَةُ، وَكَذَلِكَ لَوِ اسْتَنْجَى بِيَدِ أَجْنَبِيٍّ فَقَدْ أَثِمَ وَأَجْزَأَهُ، وَأَمَّا الْمُسْتَنْجَى بِهِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ كَالْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ، وَالتُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ، فَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِعَيْنِهِ كَانَ كَالْوُضُوءِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ، وَإِنْ كَانَ لِحَقِّ الْغَيْرِ كَانَ كَالْمُتَوَضِّئِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ أَوْ أَشَدَّ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ.
فَصْلٌ:
وَالِاسْتِنْجَاءُ وَاجِبٌ لِكُلِّ خَارِجٍ مِنَ السَّبِيلَيْنِ، فَلَوْ صَلَّى بِدُونِهِ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ:
" إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، سَوَاءٌ كَانَ الْخَارِجُ نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا رَطْبًا أَوْ يَابِسًا كَالرَّوْثِ، وَالْبَوْلِ، وَالدُّودِ، وَالْحَصَى وَالْمَذْيِ؛ وَلِأَنَّ خُرُوجَ الْخَارِجِ مِنْ هَذَا الْمَحَلِّ مَظِنَّةُ اسْتِصْحَابِ الرُّطُوبَةِ النَّجِسَةِ فَعُلِّقَ الْحُكْمُ بِهِ، وَإِنْ تَخَلَّفَتْ عَنِ الْحُكْمِ فِي آحَادِ الصُّوَرِ.
وَقَالَ كَذَلِكَ: اعْتُبِرَ الْعَدَدُ، وَإِنْ زَالَتِ الرُّطُوبَةُ بِدُونِهِ إِلَّا الرِّيحَ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَالَ:" لَيْسَ فِي الرِّيحِ اسْتِنْجَاءٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ، إِنَّمَا عَلَيْهِ الْوُضُوءُ ".
فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " «مَنِ اسْتَنْجَى مِنَ الرِّيحِ فَلَيْسَ مِنَّا» "، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ؛ وَلِأَنَّ الرِّيحَ لَيْسَ لَهَا جِرْمٌ
لَاصِقٌ يُزَالُ، وَلَا هِيَ مَظِنَّةُ اسْتِجْلَابِ رُطُوبَةٍ يُمْكِنُ إِزَالَتُهَا، وَأَمَّا الْخَارِجُ الطَّاهِرُ فَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ فِي الْمَشْهُورِ كَمَا يَجِبُ مِنْ يَسِيرِ الدَّمِ وَالْقَيْحِ وَإِنْ عُفِيَ عَنْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنَ السَّبِيلِ يُورِثُ تَغْلِيظًا؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ مِنَ الْمَنِيِّ فِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ عَلَى الدَّوَامِ وَلَا أَعْلَمُ إِخْلَالَهُمْ بِهِ بِحَالٍ.
فَصْلٌ:
وَالْأَفْضَلُ فِي الِاسْتِجْمَارِ أَنْ يُمِرَّ حَجَرًا مِنْ مُقَدَّمِ صَفْحَتِهِ الْيُمْنَى إِلَى مُؤَخَّرِهَا ثُمَّ يُدِيرُهَا عَلَى الْيُسْرَى حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ يُمِرَّ الثَّانِيَ مِنْ مُقَدَّمِ صَفْحَتِهِ الْيُسْرَى إِلَى مُؤَخَّرِهَا، ثُمَّ يُدِيرُهُ عَلَى الْيُمْنَى حَتَّى يَرْجِعَ بِهِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ يُمِرَّ الثَّالِثَ عَلَى الْمَسْرُبَةِ وَالصَّفْحَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ مُعْتَبَرٌ فِي إِزَالَةِ هَذِهِ النَّجَاسَةِ، فَاسْتَوْعَبَ الْمَحَلَّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْهُ كَالْعَدَدِ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ.
وَمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " «أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ حَجَرَيْنِ لِلصَّفْحَتَيْنِ وَحَجَرًا لِلْمَسْرُبَةِ» "، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادٌ حَسَنٌ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِلَفْظٍ آخَرَ عَنْهُ " أَنَّهُ
كَانَ يُقْبِلُ بِوَاحِدٍ وَيُدْبِرُ بِآخَرَ وَيُحَلِّقُ بِالثَّالِثِ " فَإِنْ مَسَحَ عَلَى كُلِّ جِهَةٍ مَسْحَةً فَوَجْهَانِ.
فَصْلٌ:
السُّنَّةُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ قَبْلَ الْوُضُوءِ فَإِنْ أَخَّرَهُ إِلَى بَعْدِهِ أَجْزَأَهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ فَصَحَّ الْوُضُوءُ قَبْلَ إِزَالَتِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الْبَدَنِ؛ فَعَلَى هَذَا إِذَا تَوَضَّأَ اسْتَفَادَ بِذَلِكَ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَلُبْسَ الْخُفَّيْنِ، وَيَسْتَمِرُّ وُضُوؤُهُ إِذَا لَمْ يَمَسَّ فَرْجَهُ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لَا يَصِحُّ وُضُوؤُهُ وَهِيَ أَشْهَرُ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْمَذْيِ " «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ» " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَتَوَضَّئُونَ إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَفِعْلُهُ إِذَا خَرَجَ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ الْأَمْرِ؛ وَلِأَنَّهُمَا مَحَلَّانِ وَجَبَ غَسْلُهُمَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فِي بَدَنٍ وَاحِدٍ، فَكَانَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعًا كَمَحَالِّ " الْوُضُوءِ " فَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ هُوَ كَالْوُضُوءِ وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُهُ وَإِنْ قُلْنَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ
؛ لِأَنَّهُ مُبِيحٌ لِلصَّلَاةِ لَيْسَ بِرَافِعٍ لِلْحَدَثِ، وَالِاسْتِبَاحَةُ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ لَا تَحْصُلُ فَيَكُونُ كَالتَّيَمُّمِ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ فِي غَيْرِ الْمَخْرَجِ لَمْ يَجُزْ فِي وَجْهٍ كَذَلِكَ، وَقِيلَ يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَبَاحَ الصَّلَاةَ مِنْ غَيْرِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الثَّوْبِ.
فَصْلٌ:
يُسْتَحَبُّ إِذَا تَوَضَّأَ أَنْ يَنْضَحَ فَرْجَهُ بِالْمَاءِ لِيَقْطَعَ عَنْهُ الْوَسْوَاسَ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِمَا رَوَى سُفْيَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَوِ الْحَكَمُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: " «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثُمَّ نَضَحَ فَرْجَهُ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فِي أَوَّلِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ " فَعَلَّمَهُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْوُضُوءِ أَخَذَ
غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَنَضَحَ بِهَا فَرْجَهُ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ "«عَلَّمَنِي جِبْرِيلُ الْوُضُوءَ وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْضَحَ تَحْتَ ثَوْبِي لِمَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَوْلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ» " وَهَذَا فِي الْمُسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، فَأَمَّا الْمُسْتَجْمِرُ فَتُنَجِّسُهُ إِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْمَحَلَّ نَجِسٌ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ طَاهِرٌ فَهُوَ مَكْرُوهٌ نَصَّ عَلَيْهِ.