الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَتَرَكَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلْجَنَابَةِ غَالِبًا، فَأُقِيمَ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ، كَالنَّوْمِ مَعَ الْحَدَثِ، وَالْوَطْءِ مَعَ الْإِنْزَالِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:" قَلَّ مَا يَكُونُ الْإِغْمَاءُ إِلَّا أَمْنَى " وَقَالَ: " قَلَّ أَنْ يُصْرَعَ إِلَّا احْتَلَمَ " بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الِاحْتِلَامُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَمَعَ هَذَا كَانَ يَغْتَسِلُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِغْمَاءَ سَبَبٌ لِلْغُسْلِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ مَظِنَّةَ الْإِنْزَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَحْفُوظًا فِي مَنَامِهِ مِنَ الْحَدَثِ كَانَ يَنَامُ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ، فَإِذَا وَجَبَ الْوُضُوءُ عَلَى الْأُمَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ، فَوُجُوبُ الِاغْتِسَالِ الَّذِي فَعَلَهُ أَوْلَى.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ زَوَالُ عَقْلٍ، فَلَمْ يُوجِبِ الِاغْتِسَالَ كَالنَّوْمِ، وَلِأَنَّ الْحَقِيقَةَ هُنَا أَمْكَنَ اعْتِبَارُهَا، فَإِنَّ الْمَنِيَّ يَبْقَى فِي ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ، بِخِلَافِ الْحَدَثِ فِي النَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَوْ وَجَدَ وَلَمْ يَتَيَقَّنْهُ مَنِيًّا فَقِيلَ: لَا يَجِبُ الْغُسْلُ أَيْضًا، بِخِلَافِ النَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَرَضِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ، وَقِيلَ: يَجِبُ كَالنَّوْمِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشْرَعُ لَهُ الِاغْتِسَالُ بِكُلِّ حَالٍ بِخِلَافِ النَّائِمِ، فَوُجُوبُ الِاغْتِسَالِ عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَى النَّائِمِ أَوْلَى؛ وَلِهَذَا لَوْ رَأَى الْمَرِيضُ غَيْرُ الْمَبْرُودِ بَلَلًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَنِيٌّ بِخِلَافِ صَاحِبِ الْإِبْرِدَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ الْوَاجِبُ فِيِ الغسل النِّيَّةُ وتعميم البدن مع المضمضة والاستنشاق]
مَسْأَلَةٌ
" وَالْوَاجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ، وَتَعْمِيمُ بَدَنِهِ بِالْغُسْلِ، مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ "
أَمَّا النِّيَّةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُ وُجُوبِهَا، وَالنِّيَّةُ الْمُجْزِئَةُ أَنْ يَقْصِدَ رَفْعَ حَدَثِ النَّجَاسَةِ وَالِاغْتِسَالِ لِمَا يُشْتَرَطُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا فِي الْوُضُوءِ، فَإِنْ تَوَضَّأَ أَوِ اغْتَسَلَ بِنِيَّةِ طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ مِثْلَ أَنْ يَنْوِيَ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ، أَوِ الْوُضُوءَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ لِذِكْرِ اللَّهِ، أَوْ لِلنَّوْمِ، أَوْ لِلْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ يَغْتَسِلَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ، وَنَحْوِهَا مِنْ أَغْسَالِ الصَّلَوَاتِ وَالْمَنَاسِكِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ تَطَهَّرَ لِصَلَاةِ نَافِلَةٍ أَوْ مَسِّ الْمُصْحَفِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُهُ عَنِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ الطَّهَارَةَ الْوَاجِبَةَ، وَلَا مَا وَجَبَتْ لَهُ الطَّهَارَةُ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ كَمَا لَوْ تَطَهَّرَ لِزِيَارَةِ الصَّدِيقِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَغَيْرُهُ:" إِنْ نَوَى الطَّهَارَةَ لِمَا يُشْرَعُ لَهُ رَفْعُ الْحَدَثِ، كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ - أَجْزَأَهُ وَإِنْ نَوَى مَا لَا يُشْرَعُ مَعَهُ رَفْعُ الْحَدَثِ كَالتَّجْدِيدِ وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ ".
فَصْلٌ
وَأَمَّا تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بِالْمَاءِ، فَالْمُرَادُ أَنْ يَغْسِلَ الظَّاهِرَ جَمِيعَهُ وَمَا فِي حُكْمِهِ مِنَ الْبَاطِنِ، وَهُوَ مَا يُمْكِنُ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَهُوَ مَا يُسَنُّ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ، أَوْ يُغْسَلُ مِنَ النَّجَاسَةِ كَالْبَشَرَةِ الَّتِي تَحْتَ الشُّعُورِ الْكَثِيفَةِ، مِثْلَ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، وَمَوَاضِعِ الْمُبَالَغَةِ مِنْ بَاطِنِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ، هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَآخَرُونَ أَوْجَبُوا هُنَا مَا يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ يُنْهَى عَنِ الْمُبَالَغَةِ، فَإِنْ بَالَغَ دَخَلَ فِي الْمَنْهِيِّ، وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ لَزِمَ الْإِخْلَالُ بِوَاجِبٍ فِي الْغُسْلِ، وَلِأَنَّ الصَّائِمَ الْمُتَطَوِّعَ لَا يُبَالِغُ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا سَقَطَ بِالتَّطَوُّعِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي حَفْصٍ فِي الْوُضُوءِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ، فَبُلُّوا الشَّعْرَ، وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ» ". احْتَجَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَعَلَ اللَّهِ بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنَ النَّارِ " قَالَ عَلِيٌّ: " فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ شَعْرِي» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ