الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ النِّفَاسِ] [
تعريف النفاس]
" وَهُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيْضِ "
دَمُ النِّفَاسِ هُوَ دَمُ الْحَيْضِ الْمُحْتَقِنُ فِي الرَّحِمِ الْفَاضِلُ مِنْ رِزْقِ الْوَلَدِ، فَلَمَّا خَرَجَ الْوَلَدُ تَنَفَّسَتِ الرَّحِمُ فَخَرَجَ بِخُرُوجِهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيْضِ فِيمَا يُوجِبُهُ مِنَ الْغُسْلِ وَيُحَرِّمُهُ مِنَ الْوَطْءِ وَالْعِبَادَاتِ وَيُسْقِطُهُ مِنَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ دَمُ الْحَيْضِ، فَأَمَّا الْوِلَادَةُ الْعَرِيَّةُ عَنِ الدَّمِ فَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ فِيهَا الْغُسْلُ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ خُرُوجِ الدَّمِ غَالِبًا فَأُقِيمَتْ مَقَامَهُ كَالْوَطْءِ مَعَ الْإِنْزَالِ، وَالنَّوْمِ مَعَ الْحَدَثِ وَانْتِقَالِ الْمَنِيِّ مَعَ ظُهُورِهِ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ هُنَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ، وَالْحِكْمَةُ هُنَا ظَاهِرَةٌ مُنْضَبِطَةٌ فَيَجِبُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهَا دُونَ الْمَظِنَّةِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ مَنِيًّا فَانْعَقَدَ وَاسْتَحَالَ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ غُسْلٌ كَالْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ.
[مَسْأَلَةٌ أكثر النفاس]
مَسْأَلَةٌ
" وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا " يَعْنِي أَنَّهَا إِذَا رَأَتِ الدَّمَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَمْ تَكُنْ نُفَسَاءَ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّ أَكْثَرَهُ سِتُّونَ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ ذَلِكَ وُجِدَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ لِمَا رَوَتْ مُسَّةُ الْأَزْدِيَّةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَتِ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ يَوْمًا
وَكُنَّا نَطْلِي وُجُوهَنَا بِالْوَرْسِ مِنَ الْكَلَفِ وَفِي لَفْظٍ: تَقْعُدُ بَعْدَ نِفَاسِهَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: " أَثْنَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ ".
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا «سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَمْ تَجْلِسُ الْمَرْأَةُ إِذَا وَلَدَتْ؟ قَالَ: " تَجْلِسُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَهَذَا يُفَسِّرُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ، وَيُبَيِّنُ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " إِلَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ " عَادَةَ النِّسَاءِ " فَإِنَّهُ " يَسْتَحِيلُ فِي الْعَادَةِ اتِّفَاقُ عَادَةِ أَهْلِ بَلْدَةٍ فِي النِّفَاسِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيَانَ أَقْصَى مَا تَجْلِسُهُ، وَبَيَانُ مَا تَجْتَنِبُ فِيهِ زَوْجَهَا مِنَ الْوَطْءِ، وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ " ذَلِكَ " عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ: " هُوَ السُّنَّةُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهَا " وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: " لَمْ يَقُلْ بِالسِّتِّينَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ مَنْ بَعْدَهُمْ ". وَلِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي يَنْتَقِلُ فِيهَا الْإِنْسَانُ مِنْ خَلْقٍ إِلَى خَلْقٍ، فَإِنَّهُ يَبْقَى نُطْفَةً أَرْبَعِينَ ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ طَوْرُ خَلْقِهِ يَكْمُلُ فِي الْأَرْبَعِينَ، فَأَنْ يَخْرُجَ الدَّمُ فِي الْأَرْبَعِينَ أَولَى، وَكَذَلِكَ كَثِيرًا مَا يَخْرُجُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا، فَعَلَى هَذَا مَتَى جَاوَزَ الدَّمُ أَكْثَرَ النِّفَاسِ فَمَا فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ نِفَاسٌ وَلَا يَكُونُ اسْتِحَاضَةً فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ، وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا بِأَنْ يُصَادِفَ عَادَةَ الْحَيْضِ أَوْ أَنْ يَتَّصِلَ بِعَادَةِ الْحَيْضِ وَيَتَكَرَّرَ، أَوْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَادَةِ الْحَيْضِ طُهْرٌ كَامِلٌ أَوْ يَتَكَرَّرُ، فَهُوَ حَيْضٌ وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ إِذَا جَاوَزَ الْأَكْثَرَ ثَبَتَ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِيهِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ النُّفَسَاءَ أَنْ تَقْعُدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا " إِلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ» قَبْلَ ذَلِكَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إِذَا لَمْ " تَرَ " الطُّهْرَ تَقْعُدُ الْأَرْبَعِينَ دُونَ مَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى عَادَةٍ أَوْ تَمْيِيْزٍ، وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِكَوْنِهِ " نِفَاسًا " وَوُجُودِهِ فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ فَقَطْ، سَوَاءٌ تَكَرَّرَ أَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ وَسَوَاءٌ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ؛ لِأَنَّ دَمَ النِّفَاسِ هُوَ مَا فَضَلَ عَنْ غِذَاءِ الْوَلَدِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَلَدِ فِي خَلْقِهِ وَمُكْثِهِ، وَلِأَنَّ الْحَيْضَ يَتَكَرَّرُ كَثِيرًا وَتَقْصُرُ مُدَّتُهُ، بِخِلَافِ النِّفَاسِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْعَادَةِ فِيهِ يُؤَدِّي " إِلَى " حَرَجٍ عَظِيمٍ وَمَشَقَّةٍ.
وَإِذَا " وَلَدَتْ " تَوْأَمَيْنِ، فَأَوَّلُ مُدَّةِ النِّفَاسِ وَآخِرُهَا مِنَ الْأَوَّلِ، وَعَنْهُ أَنَّ أَوَّلَهُ مِنَ الْأَوَّلِ وَآخِرَهِ مِنَ الثَّانِي، اخْتَارَهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، فَتَجْلِسُ مَا تَرَاهُ مِنَ الدَّمِ بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ تُجَاوِزْ أَكْثَرَ النِّفَاسِ فَإِذَا وَضَعَتِ الثَّانِيَ اسْتَأْنَفَتْ لَهُ