الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر صِفة الأندلس وأوَّليَّتها
أما صفة الأندلس، فإنها جزيرة مُركنة، ذات ثلاث أركان، قريبة من شكل المثلَّث: الركن الواحد منها عند صنم قَادِس، والركن الثاني في بلاد حليقيَّة، وهو مقابل لجزيرة بركانية حيث الصِّنم المشبه بصنم قادس، والركن الثالث بناحية الشرق، بين مدينة أربونة ومدينة برذيل حيث هو قرب البحر المحيط الغربي من البحر المتوسط الشامي، وكاد البحران هناك أن يجتمعا في ذلك الموضع، فتصير الأندلس في جزيرة أولا يسير ما بقي منها، وهو مسيرة يوم كامل، وفيه مدخل يقال له الأبواب، وفيه تتصَّل الأندلس بالأرض الكبيرة. فالأندلس كلُّها محدقة بالبحر: البحر المحيط الغربي والبحر المتوسط القبلي، ويصعد منه قليل إلى ناحية الشرق؛ فحدُّ الأندلس في الشرق والغرب وبعض الجوف البحر المحيط، وحدُّها في بعض القبلة والشرق البحر المتوسِّط، إلا أنَّه يتوسط الأرض كلَّها. وقيل إنه قي آخر الأقاليم السبعة.
وقيل إن أوَّل من نزل الأندلس بعد الطوفان قوم يعرفون بالأندلش (بشين معجمة) ؛ فسميت بهم الأندلس (بالسين غير معجمة) . وقيل إنهم كانوا مجوساً؛ فأراد الله قلعهم منها؛ فحبس المطر عنهم حتى غاضت مياههم وعيونهم وأنهارهم، وخرجوا منها، وافترقوا في البلاد؛ وأقامت خالية مائة سنة، من حدّ إفرنجة إلى البحر؛ ثمّ دخلها بعد ذلك قومٌ من الأفارقة، أجلاهم صاحب
إفريقية من الجوع؛ فلما نزلوا الأندلس، وجدوا أنهارها قد جرت؛ فملكوها نحو مائة وخمسين سنة. وعدد ملوكهم أحد عشر ملكا، ودار ملكهم مدينة طالفة. ثم غلبت عليهم الإسبانية، حتى أخرجوهم عن الملك، وصار الملك إليهم؛ وبهم سميت إشبيلية؛ فبنوها وسكنوها؛ وخربت طالقة. وهجم عجم رومة، فكانوا ملوكا، حتى دخل البشترلقات على الرومانيين، وقد بعث الله المسيح عليه السلام! - فبعث الحواريين إلى البلدان كلها، وظهر دين النصرانية وغلب. قمَّ كان دخول البشترلقات من رومة. وكانوا يملكون إفرنجة، ويبعثون عمالهم إليها. ودار ملكهم ماردة؛ فكانت عدَّة ملوكهم سبعة وعشرين ملكا.
ثم ظهر بإشبيلية إشبان؛ وكان رجلا ضعيفا حرَّاثا؛ فوقف به الخضر عليه السلام! - وهو يحرث؛ فقال له: (إذا غلبت علي إيلياء، فأرفق بأولاد الأنبياء!) فقال له: (كيف يكون هذا، وأنا ضعيف، من غير بيت ملك؟) . فقال له: (يُقدر ذلك من قدَّر في عصاك ما قدَّر!) . فلما نظر إلى عصاه، إذا بها قد أورقت؛ ففزع. وغاب عنه الخضر. ووقع ذلك نبنفس إشبان؛ فلم يزل يصطنع الرجال حتى علَا اسمه، وشاع ذكره، وتغلب على الأندلس؛ فخرج في السفن إلى أيلياء؛ فغنمها وهدمها، وقتل فيها مائة ألف من اليهود، وباع منهم مائة ألف؛ وانتقل رخامها إلى الأندلس. وكان ملكه نحو عشرين سنة؛ وبعد سنتين من ملكه، غزا إيلياء. ويقال إنَّ إشبان اسمه إصبهان، لأنه ولد بإصبهان؛ فسمى بها، والله أعلم. فعدة ملوكهم خمسة وخمسون ملكاً.
ثم دخل القوط الأندلس، وقطع الله ملك رومة منها. وعدة ملوك القوطيين ستَّة عشر ملكا، آخرهم لذريق، الذي دخل عليه المسلمون. وجعلوا دار ملكهم طليطلة. ووجدت في بعض كتب العجم أنَّ آخر ملوك الأندلس كان يسمى وخشندش، ولم يكن في النصرانية أحكم منه ولا أحسن إصابة
لسنَّتهم؛ وعلى سنته أمضت النصرانية أحكامها، وهي الأربعة الأناجبل. التي يحلفون بها وينتهون إلى ما فيها. وقالوا إنَّ لذريق. الذي دخلت عليه العرب والبربر، وثب علي وخشندش هذا وقتله، وغلب على ملك الأندلس، ودانت له طليطلة وغيرها.
وفي كتب العجم: إنَّ رذريق هذا لم يكن من بيت المملكة. وإنما كان زنيما؛ وكان من عمَّال الملك بقرطبة؛ وقتل وخشندش بعدما خالف عليه. فغير الحكم، وأفسد سنن الملك، وفتح البيت الذي كان فيه التابوت. وكان إذا مات الملك منهم، يكتب اسمه، وكم ولِيَ، ويوضع في ذلك البيت مع تاجه، ولا سبيل بعد عندهم لفتحه. فلما فتحه رذريق، أنكرت النصرانية ذلك عليه. وجعلوا له مثله ذهباً وفضة، ولا يفتحه؛ فلم يقبل ذلك منهم، وعزم على فتحه؛ ففتحه، ووجد في البيت تيجان الملوك وتابوتا فيه صور العرب متنكبة قسيها، وفي رؤوسها عمائمها، وعليها مكتوب:(إذا فتح هذا البيت، وأخرجت هذه الصور، دخل الأندلس قوم في صورهم، فغلبوا عليها!) فلما دخلت العرب والبربر مع طارق، والتقوا برذريق، أسلمته النصرانية، وانهزمت عنه حتى قتل. وكان دخول طارق بعد سنة من ولاية رذريق؛ فقتله طارق بقرطاجنة من كور الجزيرة؛ وافتتح البلاد حتى انتهى طارق إلى طليطلة؛ فوجد بها مائدة سليمان - على نبينا وعليه الصلاة والسلام! - ووجد فيها صور العرب والبربر على خيولهم، وهي الصور التي وضعت على القطر بقرطبة وقيل أيضاً إنها طلسمات، كانت العرب قد نصبتها على مساجد الأندلس؛ فنقلها عبد الرحمن بن معاوية إلى القطر بقرطبة.
وهذا القدر كاف هنا من صفة الأندلس وذكر ملوكها الأولين.