الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر نكبة الحاجب جعفر بن عثمان
وذلك أنه، لما سمت الحال بمحمد بن أبي عامر، واستتب أمره، أعمل الحيلة والتدبير في إسقاط جعفر بن عثمان، والانفراد بالدولة؛ فلم يجد لذلك سببا أقوى من مظاهرة الوزير أبي تمام غالب الناصري، صاحب مدينة سالم والثغر الأدنى، شيخ الموالي قاطبة، وفارس الأندلس يومئذ غير مدافع له؛ وكان بينه وبين الحاجب جعفر بن عثمان عداوة ومنافسة. والثاثت حال غالب صدر دولة هشام في سنه ولايته لما ملك جعفر أمرها، وبان تقصير غالب في مدافعة أعداء الله، وخاف أن يصل أمره إلى الخلاف والمعصية؛ فأشار ابن أبي عامر في استصلاحه ورعى ذمامه. ولم يزل ابن أبي عامر يقوم بشأنه، ويخدمه داخل الدار عند السيدة أم هشام وسائر الحرم، حتى تم مراده فيه كي يستعين به على إهلاك المصحفي؛ فأنهض غالبا إلى خطة الوزارتين، وأنفذ إليه كتاب الخليفة بذلك، وأمره بالاجتماع مع ابن أبي عامر على التدبير على الصوائف، على أن يدير ابن أبي عامر جيش الحضرة، ويدير غالب جيش الثغر.
غزوة ابن أبي عامر الثانية
وخرج محمد بن أبي عامر بالصائفة يوم الفطر من سنة 366؛ فاجتمع مع غالب بمدينة مجريط. وأصل معه من التظافر على جعفر ما أصاب به النكتة من قلبه؛ واتفقا وتوافقا. وخدم ابن أبي عامر غالبا في سفره هذا خدمة ملك بها نفسه؛ فمال إليه غالب بكلمته. واستمرا في غزوهما، وافتتح حصن مولة، وظهرا فيه على سبي كثير، وغنم المسلمون أوسع غنيمة. وكان أكثر الأمر فيها لغالب؛ فتجافى عنه لابن أبي عامر. وسار معه إلى ثغره، ومنه فارقه، بعد أن أبلغ في مواطأة محمد بن أبي عامر على عدوه جعفر بما أراده؛ وقال غالب لابن أبي
عامر عند وداعه: (سيظهر لك بهذا الفتح اسم عظيم وذكر جليل، يشغلهم السرور به عن الخوض فيما تحدثه من قصة. فإياك أن تخرج عن الدار حتى تعزل ابن جعفر عن المدينة وتتقلدها دونه!) فاعتقد محمد ذلك.
وخاطب غالب الخليفة هشاما بحسن مناب ابن أبي عامر في هذه الغزوة، ونسب السعي والاجتهاد إليه، وشكره، وشدَّ عضده عند الخليفة؛ وعاد محمد ابن أبي عامر إلى حضرة قرطبة منصرفا بالسبي والغنائم. فاستمال محمد بهذا الفتح قلوب العامة والخاصة، وتعرفوا فيه يمن النقيبة؛ فبعد صيته، وهان عليه أمر جعفر وغيره، وشرع في هدمه. فخرج أمر الخليفة يوم وروده بصرف محمد بن جعفر بن عثمان عن المدينة وتقليدها ابن أبي عامر. فخرج محمد نحو كرسيها في هذا اليوم، والخلع عليه، ولا عند جعفر علم بذلك؛ وكان محمد بن جعفر جالسا في مجلسها في أبهة، إذ صعد ابن أبي عامر نحوه؛ فولي محمد بن جعفر ناكصا على عقبه، وأتبع بدايته.
وملك ابن أبي عامر الباب بولاية الشرطة؛ والجيش يقوده له؛ والدار بعناية الحرم به؛ فملك على جعفر بذلك وجوه الحيلة، وخلاه، وليس في يده من الأمر إلا أقلخ. فضبط محمد المدينة ضبطا أنسى أهل الحضرة من سلف من أفراد الكفاة وأولى السياسة، وقد كانوا قبله في بلاء عظيم، يتحارسون الليل كله، ويكايدون من روعات طراقه ما لا يكابد أهل الثغور من العدو. فكشف الله ذلك عنهم بمحمد بن أبي عامر وكفايته، وتنزهه عما كان ينسب لابن جعفر. فسد باب الشفاعات، وقمع أهل الفسق والذعارات، حتى ارتفع البأس، وأمن الناس، وأمنت عادية المتجرمين من حاشية السلطان؛ حتى لقد عثر على ابن عم له يعرف بعسقلاجة؛ فاستحضره في مجلس الشرطة وجلده جلدا مبرحا كان فيه حمامه؛ فانقمع الشرُّ في أيامه جملة. واستخلف ابن أبي عامر على