الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن مليح قوله فيهن رحمه الله! - (خفيف) :
ظَلَّ مِنْ فَرْطِ حُبِّهِ مَمْلوكا
…
ولقد كان قَبْلَ ذَاكَ مَليِكا
إن بكَى أو شَكَا الهَوى زِيدَ ظُلماً
…
وبعاداً يُدنِى حماماً وشَيكا
تَرَكَته جاذر القصر صَبَّا
…
مُستهاما على الصَّعِيدِ تَريكَا
يجْعَل الخَدَّ ماثلاً فوق تُربٍ
…
وَهْوَ لا يرتَضِي الحَرِيرَ أريكا
هكذا يَحْسُنُ التذَلُلُ للحُرِّ
…
إذا كان في الهَوَى ممْلُوكا
وله رحمه الله! - أشعار كثيرة في الربضيين القائمين عليه، لا يجاريه فيها حد. وقد تقدم منها ما يستدل به على فضله. ولما دنت وفاته، عتب نفسه فيما تقدم منه عتابا، وتاب إلى الله مثابا، ورجع إلى الطريقة المثلى، وقال: إن الآخرة هي الأبقى والأولى؛ فتزين بالتقوى، واعتصم بالعروة الوثقى؛ وأقر بذنوبه واعترف، وأنس إلى قوله تعالى إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف. وكان من عباد الله المتقين، إلى أن أتاه من ربه اليقين. فتوفي رحمه الله! - سنة 206.
خلافة عبد الرحمن بن الحكم بن هشام
كنيته: أبو المطرف. أمه: تسمى حلاوة. مولده: سنة 76. حاجبه: عبد الكريم بن عبد الواحد. وزراؤه: تسعة؛ رزق كل واحد ثلاثمائة دينار. كتابه: ثلاثة: عبد الكريم المذكور، وسفيان بن عبد ربه، وعيسى بن شهيد. قضاته: أحد عشر؛ منهم: يحيى بن مغمر، وقبله مسرور بن محمد بن بشير، ثم سعيد ابن محمد بن بشير، ثم يحيى المتقدم الذكر، وغير هؤلاء؛ وإنما كثر القضاة في أيامه لأن المشاور في عزلهم وولايتهم يحيى بن يحيى الليثي؛ فكان لا يولى رجلا إلا برأيه؛ فكان يحيى بن يحيى، إذا أنكر من القاضي شيئا، قال له:(استعف وإلا رفعت بعزلك!) فكان يستعفي أو يشير يحيى بعزله، فيعزل.
نقش خاتمه: (عبد الرحمن بقضاء الله راض.) وكان له قبل ذلك خاتم باسمه؛ فتلف؛ وأمر بطلبه، فلم يوجد؛ فأعاد نقش خاتم جده عبد الرحمن، بعد أن خرج نصر الفتى من عند الأمير هذا بالخاتم للنقش، وبعث في عبد الله بن الشمر الشاعر، وقال له:(إن الأمير أمر بنقش هذا الخاتم؛ فقل ما ينقش فيه!) فقال (رمل) :
خاتَمٌ للمُلْكِ أضْحَى
…
حُكمُه في الناسِ مَاضِ
عابِدُ الرَّحمنِ فِيهِ
…
بقَضَاء اللهِ رَاضِي
فاستحسن ذلك الأمير عبد الرحمن، وأمر بنقشهما في الخاتم.
صفته: طويل، أسمر، أقنى، أعين، أكحل، عظيم اللحية يخضب بالحناء والكتم. بويع بعد موت أبيه بيوم واحد، وذلك يوم الخميس لثلاث بقين من ذي الحجة سنة 206، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وتسعة أشهر. وتوفي ليلة الخميس لثلاث خلون من شهر ربيع الآخر سنة 238. عمره: اثنان وستون سنة. خلافته: إحدى وثلاثون سنة وثلاثة أشهر وستة أيام. بنوه الذكور: خمسة وأربعون، وبناته: اثنتان وأربعون.
وفي سنة 207، ثارت بتدمير فتنة بين مضر ويمن، ودامت سبع سنين؛ فأغزى إليهم الأمير عبد الرحمن في هذا العام يحيى بن عبد الله بن خلف؛ ثم كان يبعث إليهم المرة بعد المرة بالقواد؛ فيفترقون؛ فإذا قفلوا، عادوا إلى الفتنة. وكانت بينهم وبين يحيى بن عبد الله وقبعة تعرف بوقعة المصارة بلورفة، انتهى مبلغ القتلى فيهم إلى ثلاثة آلاف.
وفيها كان بالأندلس جوع شديد، مات به كثير من الخلق.
وفي سنة 208، كانت الغزاة المعروفة بغزاة ألبة والقلاع، غزاها عبد الكريم ابن عبد الواحد بالصائفة، واحتل بالثغر؛ وتوافت عليه عساكر الإسلام، واختلفوا في الدخول على أي باب يكون إلى دار الشرك؛ ثم اجتمعوا على أن يكون
من باب ألبة، إذ كان ذلك الباب أنكى للعدو وأحسم لدائه؛ فاقتحموا من فج يقال له جرنيق؛ وكان وراءه بسيط للعدو، فيه خزائنه وذخره. فوقع أهل العسكر على تلك البسائط، فاستصفوها، وعلى ذخر تلك الخزائن، فانتهبوها؛ واستوعبوا خراب كل ما مروا عليه من العمران والقسرى، وأقفروها. وانصرف المسلمون غانمين ظافرين. والحمد لله! وفي سنة 209، توفي عبد الكريم بن عبد الواحد؛ وكان قد أخذ في الحركة إلى أرض العدو؛ فاعتل. وعوض منه الأمير عبد الرحمن بن الحكم أمية ابن معاوية بن هشام. فغزا بالصائفة إلى أوريط؛ فاحتل بها، وهي يومئذ للإسلام؛ فأخذ أهل الذنوب والريب، وعفا عن الباقين؛ ثم تقدم إلى شنت برية وتدمير. وكان أبو الشماخ رئيس اليمانية يقوم بدعوة الأمين على المضرية. وكانت بينهم وقعة بمرسية كوقعة يوم المصارة بلورقة، فنى فيها من المسلمين أعم. وكان انبعاث هذه الفتنة وسببها بين المضرية واليمانية على ورقة دالية أخذها مضري من جنان يماني؛ فقتله اليماني؛ فكان ذلك سبب الحروب التي دارت بين الفريقين؛ واتصلت أعواما؛ وكانت الدوائر تدور أكثرها على اليمانية والقتلى منهم، وذلك أحد عجائب الدهر.
وفي سنة 210، أمر الأمير عبد الرحمن ببنيان الجامع بمدينة جيان. وفيها، كتب إلى عامل تدمير أن ينزل بمرسية ويتخذها موطنا؛ فكانت حينئذ موضع نزولهم وموضع قرارهم؛ وأمر بهدم مدينة آله من تدمير، ومنها ثارت الفتنة أولا. وفيها، افتتح فرج بن مسرة في أرض العدو حصن القلعة؛ وكان مسرة عامل جيان.
وفي سنة 211، ثار طوريل بتاكرنا؛ فأخرج إليه الأمير عبد الرحمن معاوية ابن غانم في حشد؛ فظفر به، وقطع عاديته.
وفي سنة 213، غزا عبيد الله بن عبد الله البلنسي بالصائفة إلى دار الحرب؛ فجال في أرض العدو حتى بلغ برشلونة، وتردد في تدريخها وانتسافها ستين يوما.
وفي سنة 213، انقطعت الفتنة بتدمير، واستنزل أبو الشماخ وغيره من القلاع، وانقطعت عاديتهم؛ وصار أبو الشماخ من ولاة الأمير عبد الرحمن ومن ثقاته.
وفي سنة 214، ثار الضراب بطليطلة؛ واسمه هاشم؛ وسمى الضراب لأنه لما أحرق الحكم طليطلة، وأنزل أهلها منها إلى السهل، أخذ رهائنهم. فدخل حينئذ هاشم الضراب قرطبة، وصار يضرب بالمعول في الحدادين أجيرا؛ فعرف بالضراب. ثم خرج من قرطبة إلى طليطلة؛ فاستدعى أهل الشر والفساد، وأليهم؛ فتألب إليه منهم نفر؛ فخرجوا يغيرون على العرب والبربر. وتسامع أهل الشر به؛ فقطعوا إليه، حتى اجتمع له منهم جمع عظيم وخلق كثير؛ فعلا ذكره، وانتشر صيته. وأوقع بالبربر بشنت برية، ودارت له عليهم دوائر. فأخرج الأمير عبد الرحمن إليه محمد بن رستم، وأمره بحربه؛ فحاربه في هذه السنة.
وفي سنة 216، توافت الجنود لمحمد بن رستم عامل الثغر؛ فناهض هاشما الضراب. وكان قد تغلب على جانب الثغر. وكان عبد الرحمن قد استقصر محمد ابن رستم في حقه، وكتب إليه يعنفه؛ فتقدم ابن رستم، والتقى مع هاشم الضراب؛ فوقعت بينهم حرب شديدة أياما؛ ثم انهزم هاشم، وقتل هو ومن كان معه؛ وكانوا آلافا.
وفي سنة 217، حوصرت ماردة وضيق عليها، حتى فرَّ عنها خلق كثير، وقتل منهم كثير.
وفي سنة 218، كان الكسوف العظيم، الذي توارت معه الشمس، وبدا
الظلام؛ وكان ذلك قبل زوال الشمس، في أواخر رمضان. وفيها، استوزر الأمير عبد الرحمن ابن شهيد واستحجبه. وفيها، قامت الزيادة في المسجد الجامع بقرطبة من الأرجل التي بين السواري إلى القبلة.
وفي سنة 219، غزا بالصائفة أمية بن الحكم إلى طليطلة وحاصرها؛ ثم قفل العسكر بعد أن أتلف زروعهم وقطع ثمارهم. وأبقى بقلعة رباح ميسرة الفتى لمحاصرة طليطلة؛ فخرج جمع عظيم من طليطلة يريدون قلعة رباح؛ فبلغه خبرهم؛ فجمع الجموع، وكمن الكمائن. فلما قربوا منها، وفرقوا خيلهم في الغارة، خرجت عليهم الكمائن؛ فقتلوا، وحزت رؤوسهم؛ فجمعت بين يدي ميسرة؛ واجتمع منها جملة عظيمة. فلما رأى ذلك، ارتاع وداخله الندم؛ فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى مات ندما وأسفا.
وفي سنة 220، غزا الأمير عبد الرحمن؛ فجعل صدر وجهته على طليطلة، وولى أبا الشماخ قلعة رباح، وأبقى عنده خيلا كثيفة ورجلا كثيرة لمناهضة طليطلة، وتقدم هو إلى كور الغرب. وكان سليمان بن مرتين قد تحيل علية يحيى الماردي؛ فأخرجه من ماردة؛ فكان في قنن الجبال حينا؛ فحل عليه الأمير في هذه الغزاة، وحاصره حتى ضاق سليمان بن مرتين في الحصن؛ فخرج ليلا؛ فبينا هو يمشي، إذ وافق صخرة ملساء على وجه الأرض؛ فزلق به الفرس؛ فسقط، ومات. ووجده رجل؛ فاحتز رأسه، وادعى قتله؛ ثم عرف أمره.
وفي سنة 221، افتتحت طليطلة. وكان السبب في ذلك أن ابن مهاجر خرج عنها، ونزع إلى قلعة رباح، واستدعى القؤاد؛ فخرجوا إليه. فنهض بهم إلى أبواب المدينة، وقطع عنهم مرافقهم. فكان ذلك أقوى الأسباب في افتتاحها. وكان عبد الواحد الإسكندراني بعثه الأمير الأيهم؛ فوجدهم قد بلغ بهم الجهد.
ثم أطل عليهم الأمير؛ فافتتحها قهرا، ودخلها على حكمه، وأمر بتجديد القصر الذي كان بناه عمروس في أيام الحكم على باب الجسر. وقيل إن الذي افتتح طليطلة الوليد بن الحكم، وجهه إليها أخوه عبد الرحمن.
وفي سنة 222، افتتحها عنوة، ودخلها في شهر رجب من هذه السنة على حكمه.
وفي سنة 223، أعزى الأمير عبد الرحمن بن الحكم أخاه الوليد بن الحكم إلى جليقية؛ فدخل من باب الغرب مع قطيع من العسكر؛ فدوخها. وكانت له فتوحات كثيرة.
وفي سنة 224، أغزى الإمام عبد الرحمن ابنه الحكم إلى دار الحرب، وأمره بالتجوال في جهات الثغور، ليتعرف أخبارها ومصالحها. وأمر بإصلاح قنطرة سرقسطة. ودخل الحكم بالصائفة إلى دار الحرب؛ فدوخها، وقتل من المشركين ما لا يحصى. واجتمع من رؤوسهم أكداس كالجبال، حتى كان الفارس يقف من ناحية؛ فلا يرى صاحبه من ناحية أخرى من عظمها.
وفيها، كانت رجوم بالنجوم، في جمادى الآخرة؛ وتناثرت الكواكب من قبلة إلى جوف، ومن شرق إلى غرب، بجزيرة الأندلس.
وفي سنة 225 غزا الإمام عبد الرحمن بنفسه أرض جليقية. ففتح حصونها، وجال في أرضها. وطالت غزاته، وتعب كثيرا؛ فأرق في بعض الليالي؛ فلما كان في بعض الليل، حضر عبد الله بن الشمر الشاعر؛ فوصف له أرقه، وأنه تذكر بعض من حن إليه؛ فقال عبد الرحمن بن الشمر (متقارب) :
عَدَانِيَ عَنْكَ مَزَار العِدَى
…
وقَودِي إليهم لُهَاماً مَهيبَا
وكَمْ قَدْ تعسفتُ من سَيْسَبٍ
…
وجاوَزتُ بعد دُروبِ دُرُوبا
وادَّرعُ النَّقْعَ حتى لَبِستُ
…
من بَعْدِ نَضْرةِ وَجهي شُحُوبا
ألاقِي بوجهب سموم الهجِيرِ
…
وقد كادَ مِنْه الحَصَى أن يَذُوبا
أنا ابن الهِشامَين مِن غالبٍ
…
أشُبُّ حُرُوبا وأطِفْي حُرُوبا
وَبي أدَّرَكَ الله دينَ الهُدَى
…
فأحْيُيْتُهُ واصطلَمْتُ الصَّلِبا
سموتُ إلى الشِرْكِ في جَحفَل
…
مَلأتُ الحُزُونَ بِهِ والسُّهُوبَا
وفي سنة 226، غزا بالصائفة إلى جليقية من بلاد العدو مطرف بن عبد الرحمن؛ فتوسط بسيطهم، وذهب بنعمتهم؛ وكان القائد عبد الواحد بن يزيد الإسكندراني.
وفي سنة 227، خرج، عبيد الله بن عبد الله صاحب الصوائف؛ فلما حصل بين أربونة وسرطانية، تجالب الأعداء من كل ناحية، وأحاطوا بالعسكر ليلا؛ فقاتلهم المسلمون الليل كله؛ فلما انبلج الضوء، أيد الله المسلمين، وهزم الأعداء.
وفي سنة 228، خرج الأمير عبد الرحمن بنفسه إلى أرض العدو، وخلف في القصر ولده المنذر، وجعل على ميمنته ولده محمدا وعلى الميسرة ولده المطرف. فلقي جيشا كبيرا من المشركين؛ فناشبهم الحرب؛ فأنزل الله نصره على المسلمين، وهزموا المشركين، وأثخنوا فيهم القتل. وأفاء الله على المسلمين من ذراري أهل بنبلونة وخيلهم وأسلحتهم ما عظم به من الله سبحانه المن. وقفل غزيرا في منتصف شوال. وكان خروجه من قرطبة لتسع بقين من شعبان.